4 مصاحف

حمل المصحف

مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الأربعاء، 11 مايو 2022

آثار الذنوب عند ابن القيم

 


 ----------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

جاءني صاحبي فقال لي: ألسنا مسلمين؟

قلت: بلى.

قال: فلماذا تسلّط علينا الأعداء وتفوقوا علينا وسلبونا أموالنا وديارنا وأهانونا غاية الإهانة؟

قلت: بسبب الذنوب والمعاصي.

قال: والغموم والهموم والأحزان التي تفسد على كثير من الناس معيشتهم ما سببها؟

قلت: الذنوب والمعاصي.

قال: ومحق البركة في الأعمار والأرزاق وما يحدث من فساد في البر والبحر والزرع والثمار ما سبب ذلك؟

قلت: الذنوب والمعاصي.

قال: والأمراض الفتاكة والأوبئة القاتلة التي لم تكن في أسلافنا.

قلت: بسبب الذنوب والمعاصي.

قال: وزوال النعم وحلول النقم وحدوث الزلازل والكوارث والمحن وأنواع الخسف في بعض المسلمين ... ما قولك في ذلك أيضًا؟

قلت: الذنوب والمعاصي.

قال: لماذا تعلَّق كل شيء وتربط كل شيء بالذنوب والمعاصي؟

قلت: لن أجيبك على ذلك بنفس ولكن أخبرني:

ما رأيك في الإمام ابن القيم رحمه الله؟

قال: أو مثلي يسأل عن هذا الإمام الكبير الذي ضربت شهرته الآفاق، وانتشرت كتبه في جميع الأقطار، وسارت مسير الليل والنهار؟

قلت: فما رأيك أن نقرأ ملخصًا لما قاله عن أضرار الذنوب والمعاصي حتى لا أتكلم معك برأي وأنت تعلم أن بضاعتي في العلم مزجاة.

قال: بكل ترحيب.

قلت: قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتابه: «الداء والدواء»: فمما ينبغي أن يعلم أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا شك أن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان، على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي؟!

قلت: هل رأيت يا أخي كيف ربط الإمام ابن القيم – رحمه الله – شرور الدنيا والآخرة وأدواءهما بالذنوب والمعاصي.

قال: نعم ولكن هذا كلام مجمل، وأنا أريد التفصيل في ذلك.

قلت: لك هذا ولكن عليك أن تصبر ولا تستعجل.

قال -رحمه الله: «وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله».

1- فمنها: حرمان العلم؛ فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، قال الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي


 

فأرشدني إلى ترك المعاصي


وقال اعلم بأن العلم فضل

 

وفضل الله لا يؤتاه عاصي

2- ومنها: حرمان الرزق.

وفي المسند: «إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه».

3- ومنها: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لا يوازنها ولا يقارنها لذة أصلاً، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تفِ بتلك الوحشة.

4- ومنها: الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس، ولا سيما أهل الخير منهم؛ فإنه يجد وحشةً بينه وبينهم، وكلما قويت تلك الوحشة؛ بعُد منهم ومن مجالستهم، وحُرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن.

5- ومنها: تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقًا دونه، أو متعسرًا عليه.

6- ومنها: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهمّ؛ فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر.

7- ومنها: أن المعاصي توهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية.

وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه، وكلما قوي قلبه؛ قوي بدنه، وأما الفاجر فإنه وإن كان قوي البدن؛ فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته أحوج ما يكون إلى نفسه.

8- ومنها: حرمان الطاعة؛ فلو لم يكن للذنوب عقوبة إلا أنه يصدّ عن طاعة تكون بدله ويقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة، ثم رابعة وهلمّ جرا، فتنقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها.

9- ومنها: أن المعاصي تقصّر العمر وتمحق بركته ولا بد، فإن البرّ كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر.

10- ومنها: أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولّد بعضها بعضًا، حتى يعزّ على العبد مفارقتها والخروج منها؛ كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة: السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة: الحسنة بعدها.

11- ومنها- وهو من أخوفها على العبد: أنها تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فلو مات نصفه لما تاب إلى الله، فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير، وقلبه معقود بالمعصية مصرُّ عليها، عازم على مواقعها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.

12- ومنها: أنه ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له كلّهم، ولا كلامهم فيه.

13- ومنها: أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمةٍ من الأمم التي أهلكها الله عز وجل؛ فاللوطية ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث من قوم شعيب، والعلو في الأرض والفساد ميراث عن قوم فرعون، فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم، وهم أعداء الله.

14- ومنها: أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه.

قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصوه، ولو عزّوا عليه لعصمهم، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد؛ كما قال – تعالى: }وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ{ [الحج: 18]. وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفًا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.

15- ومنها: أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه، وذلك علامة الهلاك؛ فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله. وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال: «إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذبابٍ وقع على أنفقه فقال به هكذا فطار».

16- ومنها: أن غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنوبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم.

قال أبو هريرة: إن الحبارى [طائر طويل العنق] لتموت في وكرها من ظلم الظالم.

17- ومنها: أن المعصية تورث الذل ولا بد؛ فإن العزَّ كل العز في طاعة الله. قال – تعالى: }مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا{ [فاطر: 10]؛ أي: فليطلبها بطاعة الله؛ فإنه لا يجدها إلا في طاعته. وكان من دعاء بعض السلف: «اللهم أعزني بطاعتك، ولا تذلني بمعصيتك».

قلت لصاحبي: أعلمت الآن سبب ما نحن فيه من ذل وتسلط للأعداء علينا وتمكنهم منا؟

قال: بلى ... أكمل أكمل ...

قلت: قال الإمام ابن القيم – رحمه الله:

18- ومنها: أن المعاصي تفسد العقل؛ فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بدّ، وإذا طفئ نوره ضعف ونقص.

وقال بعض السلف: ما عصى الله أحدٌ حتى يغيب عقله.

19- ومنها: أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{ [المطففين: 14]. قال: هو الذنب بعد الذنب.

وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب.

20- ومنها: أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله r؛ فإنه لعن على معاصٍ وغيرها أكبر منها؛ فهي أولى بدخول فاعلها تحت اللعنة.

21- ومنها: حرمان دعوة رسول الله r ودعوة الملائكة؛ فإن الله – سبحانه – أمر نبيه أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وقال – تعالى: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{ [غافر: 7-9]. فهذا دعاء الملائكة للمؤمنين التائبين المتبعين لكتابه وسنة رسوله، فلا يطمع غير هؤلاء بإجابة هذه الدعوة.

22- ومن آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن؛ قال – تعالى: }ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ [الروم: 41].

23- ومن تأثير المعاصي في الأرض: ما يحلُّ بها من الخسف والزلازل ويمحق بركتها، وقد مرَّ رسول الله r على ديار ثمود فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرْب مياههم ومن الاستقاء من آبارهم؛ لتأثير شؤم المعصية في الماء، وكذلك تأثير شؤم الذنوب في نقص الثمار، وما ترمي به من الآفات.

قلت لصاحبي: أليس هذا بعض ما كنت تسأل عنه؟

قال: بلى ... أكمل أكمل.

قال – رحمه الله: وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق؛ فقد روى البخاري ومسلم عنه r أنه قال: «خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعًا فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن».

24- ومن عقوبات الذنوب أنها تطفئ من القلب نار الغيرة التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن؛ ولهذا كان النبي r أغير الخلق على الأمة، والله – سبحانه – أشد غيرة منه؛ كما ثبت في الصحيح عنه r أنه قال: «أتعجبون من غيرة سعدٍ، لأنا أغير منه، والله أغير مني» [متفق عليه].

وفي الصحيح – أيضًا – أنه قال في خطبة الكسوف: «يا أمة محمد! ما أحدٌ أغير من الله أن يزني عبده، أو تزني أمته» [متفق عليه].

ومثل الغيرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحلّ قابلاً ولم يجد دافعًا فتمكّن، فكان الهلاك.

25- ومن عقوباتها: ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه ذهاب الخير أجمعه. وفي الصحيح عنه r أنه قال: «الحياء خير كلّه» [رواه مسلم].

فالذنوب تضعف الحياء من العبد حتى ربما انسلخ منه بالكلية، حتى إنه ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ولا باطلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعله، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع.

26- ومن عقوبات الذنوب: أنها تضعف في القلب تعظيم الربّ جلّ جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد؛ ولا بدّ شاء أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرّأ على معاصيه.

27- ومن عقوباتها: أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهذا أهلك الهلاك الذي لا يُرجى منه نجاة؛ قال – تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [الحشر: 18، 19].

وأعظم العقوبات: نسيان العبد لنفسه وإهماله لها، وإضاعة حظّها ونصيبها من الله، وبيعها ذلك بالغبن والهوان وأبخس الثمن، فضيع من لا غنى له عنه، ولا عوض له منه، واستبدل به من عنه كل الغني، ومنه كل العوض.

من كل شيء إذا ضيَّعته عوضٌ

 

وما من الله إن ضيَّعته عِوَضُ

فما ظلم العبد ربه، ولكن ظلم نفسه، وما ظلمه ربه، ولكن هو الذي ظلم نفسه.

28- ومن عقوباتها: أنها تخرج العبد من دائرة الإحسان، وتمنعه ثواب المحسنين، فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإذا خرج العبد من دائرة الإحسان فاته صحبته ورفقته الخاصة وعيشهم الهنيء ونعميهم التام.

فإذا أراد الله به خيرًا أقرّه في دائرة عموم المؤمنين، فإن عصاه بالمعاصي التي تخرجه من دائرة الإيمان خرج من دائرة الإيمان، ومن فاته رفقة المؤمنين وحسن دفاع الله عنهم فاته كل خير رتبه الله في كتابه على الإيمان. ومن ذلك:

أ- يفوته الأجر العظيم: }وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا{ [النساء: 146].

ب- ويفوته مدافعة الله عنهم: }إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الحج: 38].

ج- ويفوته استغفار الملائكة وحملة العرش لهم: }الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا{ [غافر: 7].

د- ويفوته موالاة الله لهم، ولا يذَلُّ من والاه الله: }اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا{ [البقرة: 257].

هـ- ويفوته تثبيت الملائكة لهم: }إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا{ [الأنفال: 12].

و- ويفوته الدرجات والمغفرة والرزق الكريم: }لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ{ [الأنفال: 4].

ز- ويفوته العزة: }وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ{ [المنافقون: 8].

ح- ويحرم معية الله لأهل الإيمان: }وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ{ [الأنفال: 19].

ط- ويحرم الرفعة في الدنيا والآخرة: }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{ [المجادلة: 11].

ي- ويحرم الكفلين من رحمة الله والنور والمغفرة: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ{ [مريم: 96].

ل- ويحرم الأمن من الخوف يوم يشتد الخوف: }فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ{ [الأنعام: 48].

م- ويحرم الدخول في زمرة المنعم عليهم الذين أمرنا أن نسأله أن يهدينا إلى صراطهم في كل يوم وليلة سبع عشر مرة.

ن- ويرحم هدى القرآن وشفاؤه: }قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ{ [فصلت: 44].

قلت لصاحبي: أتريد أن نستمر في القراءة أم نكتفي بهذا القدر؟

قال: بل استمر فإن كل عبارة من تلك العبارات تبغض إليَّ الذنوب والمعاصي.

قلت: قال – رحمه الله -:

29- ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة وتعوقه وتقطعه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه؛ فالذنب إما أن يميت القلب أو يمرضه مرضًا مخوفًا، أو يضعف قوته ولا بد، حتى ينتهي ضعفه إلى الأشياء الثمانية التي استعاذ النبي r منها وهي: «الهم والحزن، والعجز، والكسل، والجبن، والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال» [متفق عليه].

وكل اثنين منهما قرينان: فالذنوب من أقوى الأسباب الجالبة لهذه الثمانية، كما أنها من أقوى الأسباب الجالبة لجهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، ومن أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله – تعالى – وتقدّس وتحوّل عافيته إلى نقمته، وتجلب جميع سخطه.

30- ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم، وتحلّ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولا حلّت به نقمة إلا بذنب كما قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: «ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع بلاء إلا بتوبة». وقال – تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ [الشورى: 30].

قلت لصاحبي: أعلمت الآن أن زوال النعم، وحلول النقم، والوقوع في أسر الهموم والغموم والأحزان هو بسب الذنوب والمعاصي؟

قال: بلى.

قلت: وقد زاد الإمام ابن القيم – رحمه الله – في بيان ذلك فقال:

31- ومن عقوباتها: ما يلقيه الله – سبحانه – من الرعب والخوف في قلب العاصي، فلا تراه إلا خائفًا ومرعوبًا.

فإن الطاعة حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين من عقوبات الدنيا والآخرة، ومن خرج عنه أحاطت به المخاوف من كل جانب.

32- ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب؛ فيجد المذنب نفسه مستوحشًا، وقد وقعت الوحشة بينه وبين ربه وبين الخلق، وبينه وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة، وأمر العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين.

33- ومن عقوباتها: أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه؛ فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب وأدواؤها، ولا دواء لها إلا تركها.

34- ومن عقوباتها: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مراد الهداية، وقد قال مالك للشافعي – رحمهما الله: إني أرى الله – تعالى – قد ألقى على قلبك نورًا فلا تطفئه بظلمة المعصية.

قال صاحبي: أرى الإمام ابن القيم – رحمه الله – قد أكثر من ذكر آثار الذنوب والمعاصي على القلب، واهتم به أكثر من سائر الجوارح.

قلت: نعم ... لأن القلب هو ملك الأعضاء كما قال النبي r: «إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد، وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب».

فإذا استنار القلب بنور الإيمان والطاعة ظهر آثار ذلك على سائر الجوارح فاستنار الوجه وأشرق، ونشطت الجوارح، وأقبلت على طاعة الله، وإذا أظلم القلب بسبب الذنوب والمعاصي، ظهر آثار ذلك على الجوارح.

35- ومن عقوباتها: أنها تصغر النفس وتقمعها وتدسيها وتحقرها، حتى تصير أصغر من كل شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها وتكبرها؛ قال –تعالى: }قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا{ [الشمس: 9، 10].

والمعنى: قد أفلح من كبرها وأعلاها بطاعة الله وأظهرها، وقد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله.

36- ومن عقوباتها: أن العاصي دائمًا في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه، وإذا قيّد القلب طرقته الآفات من كل جانب بحسب قيوده.

37- ومن عقوباتها: سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه؛ فإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وأقربهم منه منزلة أطوعهم له، وعلى قدر طاعة العبد له تكون منزلته عنده، فإذا عصاه وخالف أمره سقط من عينه، فأسقطه من قلوب عباده.

38- ومن عقوباتها: أنها تسلب صاحبها أسماء المدح والشرف؛ كالمؤمن، والبرّ، والمحسن، والمطيع، والورع، والصالح، وتكسوه أسماء الذمّ والصغار؛ كالفاجر، والعاصي، والمخالف، والمسيء، والمفسد، والخبيث، والزاني، والسارق، والقاتل، والكاذب، والخائن، واللوطي، وقاطع الرحم، والغادر ... وأمثالها.

39- ومن أعظم عقوباتها: أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر، فأيّ فلاح؟ وأيّ عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير، وقطع ما بينه وبين وليّه ومولاه الذي لا غنى له عنه طرفة عين، ولا بدّ له منه، ولا عوض له عنه، واتصلت به أسباب الشرّ، ووصل ما بينه وبين أعدى عدو له.

قال بعض السلف: رأيت العبد ملقى بين الله – سبحانه – وبين الشيطان، فإذا أعرض الله عنه تولاّه الشيطان، وإن تولاّه الله لم يقدر عليه الشيطان.

40- ومن عقوباتها: أنها تمحق بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة العطاء، وبالجملة: تمحق بركة الدين والدنيا، فلا تجد أقلّ بركة في عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق؛ قال -تعالى: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ{ [الجن: 16-17].

وليست سعة الرزق والعمل بكثرته، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق بالبركة فيه، ومن الناس من يعيش في هذه الدار مائة سنة أو نحوها، ويكون عمره لا يبلغ عشر سنين أو نحوها، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ويكون ماله في الحقيقة لا يبلغ ألف درهم أو نحوها، وهكذا الجاه والعلم.

41- ومن عقوباتها: أنها تجعل صاحبها من السفلة بعد أن كان مهيئًا لأن يكون من العلية؛ فكلما عمل العبد معصية نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين، وكلما عمل طاعة ارتفع درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون في عليين.

42- ومن عقوباتها: أنها تجرّئ على العبد من لم يكن يتجرأ عليه من أصناف المخلوقات؛ فتجترئ عليه الشياطين بالأذى والإغواء والوسوسة والتخويف والتحزين، وإنسائه ما به مصلحته في ذكره، ومضرته في نسيانه، فتجترئ عليه الشياطين حتى تؤزه إلى معصية الله أزًّا.

وتجترئ عليه شياطين الإنس بما تقدر عليه من أذاه في غيبته وحضوره، ويجترئ عليه أهله وخدمه وأولاده وجيرانه حتى الحيوان البهيم.

قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي.

43- ومن عقوباتها: أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه، فإذا وقع في مكروه واحتاج إلى التخلص منه خانه قلبه ونفسه وجوارحه، فكان بمنزلة رجل معه سيف قد غشيه الصدأ ولزم قرابه بحيث لا ينجذب مع صاحبه إذا جذبه، فعرض له عدو يريد قتله، فوضع يده على قائم سيفه، واجتهد ليخرجه، فلم يخرج، فدهمه العدوّ وظفر به! كذلك القلب يصدأ بالذنوب، ويصير مثخنًا بالمرض، فإذا احتاج إلى محاربة العدو به؛ لم يجد معه شيئًا، والعبد إنما يحارب ويصاول ويقدم بقلبه، والجوارح تبع للقلب، فإذا لم يكن عند ملكها قوة يدفع بها، فما الظن بها عند عدم ملكها.

وكذلك النفس؛ فإنها تخبث بالشهوات والمعاصي وتضعف – أعني النفس المطمئنة – وإن كانت الأمارة تقوى وتتأسد، وكلما قويت هذه ضعفت تلك؛ فيبقى الحكم والتصرف للأمارة، وربما ماتت نفسه المطمئنة موتًا لا يرتجى معه حياة.

44- ومن عقوباتها: أنها مددٌ من الإنسان يمدّ به عدوه عليه، وجيش يُقوَّيه به على حربه، فهي سلاح ومدد يمدّ بها العبد أعداءه، ويعينهم على نفسه، فيقاتلونه بسلاحه، ويكون معهم على نفسه وهذا غاية الجهل.

ما يبلغ الأعداء من جاهل

 

ما يبلغ الجاهل من نفسه

45- ومن عقوباتها: أنها تنسي العبد نفسه، وإذا نسي نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها؛ قال – تعالى: }وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [الحشر: 19]، فلما نسوا ربهم – سبحانه – نسيهم وأنساهم أنفسهم، فعاقب سبحانه من نسيه بعقوبتين:

إحداهما: أنه- سبحانه– نسيه.

والثانية: أنه أنساه نفسه.

ونسيانه – سبحانه – للعبد: إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته؛ فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم.

وأما إنساؤه نفسه فهو إنساؤه لحظوظها العالية وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها وما تكمل به نفسه.

وأيضًا فينسيه عيوب نفسه ونَقْصَها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها.

وأيضًا ينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها، فلا يخطر بقلبه مداواتها، ولا السعي في إزالة عللها وأمراضها التي تؤول إلى الفساد والهلاك.

فأيُّ عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيّعها، ونسي مصالحها وداءها ودواءها وأسباب سعادتها وفلاحها وصلاحها، وحياتها الأبدية في النعيم المقيم.

46- ومن عقوباتها: أنها تباعد عن العبد وليَّه وأنفع الخلق له، وأنصحهم له، ومن سعادته في قربه منه، وهو الملك الموكل به، وتدني منع عدوه وأغشَّ الخلق له، وأعظمهم ضررًا له، وهو الشيطان؛ فإن العبد إذا عصى الله، تباعد منه الملك بقدر تلك المعصية، حتى إنه ليتباعد عنه بالكذبة الواحدة مسافة بعيدة.

وقال بعض السلف: إذا أصبح العبد ابتدره الملك والشيطان، فإذا ذكر الله وكبره وحمده وهلّله طرد الملك الشيطان وتولاه، وإن افتتح بغير ذلك ذهب الملك عنه وتولاه الشيطان.

47- ومنها: التثبيط عن الطاعة والإقعاد عنها، والبعد عن البر والخير ومعالي الأعمال والأقوال والأخلاق.

قال بعض السلف: إن هذه القلوب جوّالة؛ فمنها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحُشّ ([1]).

48- ومنها: مكر الله بالماكر، ومخادعته للمخادع، واستهزاؤه بالمستهزئ، وإزاغته لقلب الزائغ عن الحق.

49- ومنها: نكس القلب حتى يرى الباطل حقًا والحق باطلاً، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ويُفسد ويرى أنه يصلح، ويصدّ عن سبيل الله وهو يرى أنه يدعو إليها، ويشتري الضلالة بالهدى، ويرى أنه على الهدى، ويتبع هواه وهو يزعم أنه مطيع لمولاه.

50- ومنها: حجاب القلب عن الربّ في الدنيا، والحجاب الأكبر يوم القيامة كما قال الله – تعالى -: }كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ{ [المطففين: 14، 15].

51- ومنها: المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ والعذاب في الآخرة؛ قال– تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ [طه: 124]؛ فالمعيشة الضنك لازمة لمن أعرض عن ذكر الله الذي على رسوله r في دنياه، وفي البرزخ ويوم معاده.

قلت لصاحبي: ها قد فرغت فهل عندك من سؤال؟

قال: كيف السلامة؟

قلت: كما قال ابن القيم– رحمه الله: لا تتم السلامة مطلقًا حتى يسلم من خمسة أشياء:

- من شرك يناقض التوحيد.

- وبدعة تخالف السنة.

- وشهوة تخالف الأمر.

- وغفلة تناقض الذكر.

- وهوى يناقض التجريد والإخلاص.

قال صاحبي: وما كان من ذنوبنا السابقة؟

قلت: الأمر فيها يسير؛ تتوب إلى الله – تعالى – منها توبة صادقة، فتندم على فعلها، وتتركها حالاً، وتعزم على تركها في المستقبل، ثم تحسن فيما بقي من عمرك؛ فالتوبة الصادقة يمحو الله بها الخطايا، ويغفر بها الزلات، ويقيل بها العثرات، ويرفع بها الدرجات، ويستجيب لها الدعوات؛ قال– تعالى: }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [النور: 31]؛ فلا فلاح ولا نجاة ولا فوز إلا بالتوبة الصادقة، ولا توبة صادقة إلا بترك المعاصي والذنوب.

نسأل الله – تعالى – أن يعصمنا من الزلات والخطايا والسيئات والرزايا، وأن يعيننا على طاعته، ويوفقنا إلى الفوز بجنته؛ إنه نعم الموفق والمعين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. 



([1]) الحش: الكنيف.

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعة أقوال يحي بن معين في رجال الحديث

ولا يمكن تحصيل تلك الفوائد والوقوف على تلـك العوائـد إلا بجمـع ت وبين الضعيف , َ تثب ْ أقوالهم وتتبعها وفحص رواتها, للتمييزبين الثقة الم ِّ ...