4 مصاحف

حمل المصحف

مراجع في المصطلح واللغة

مراجع في المصطلح واللغة

كتاب الكبائر_لمحمد بن عثمان الذهبي/تابع الكبائر من... /حياة ابن تيمية العلمية أ. د. عبدالله بن مبارك آل... /التهاب الكلية الخلالي /الالتهاب السحائي عند الكبار والأطفال /صحيح السيرة النبوية{{ما صحّ من سيرة رسول الله صلى ... /كتاب : عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري أقسام ا... /كتاب :البداية والنهاية للامام الحافظ ابي الفداء ا... /أنواع العدوى المنقولة جنسياً ومنها الإيدز والعدوى ... /الالتهاب الرئوي الحاد /اعراض التسمم بالمعادن الرصاص والزرنيخ /المجلد الثالث 3. والرابع 4. [ القاموس المحيط - : م... /المجلد 11 و12.لسان العرب لمحمد بن مكرم بن منظور ال... /موسوعة المعاجم والقواميس - الإصدار الثاني / مجلد{1 و 2}كتاب: الفائق في غريب الحديث والأثر لأبي... /مجلد واحد كتاب: اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأش... /مجلد {1 و 2 } كتاب: المحيط في اللغة لإسماعيل بن ... /سيرة الشيخ الألباني رحمه الله وغفر له /اللوكيميا النخاعية الحادة Acute Myeloid Leukemia.... /قائمة /مختصرات الأمراض والاضطرابات / اللقاحات وما تمنعه من أمراض /البواسير ( Hemorrhoids) /علاج الربو بالفصد /دراسة مفصلة لموسوعة أطراف الحديث النبوي للشيخ سع... / مصحف الشمرلي كله /حمل ما تريد من كتب /مكتبة التاريخ و مكتبة الحديث /مكتبة علوم القران و الادب /علاج سرطان البروستات بالاستماتة. /جهاز المناعة و الكيموكين CCL5 .. /السيتوكين" التي يجعل الجسم يهاجم نفسه /المنطقة المشفرة و{قائمة معلمات Y-STR} واختلال الص... /مشروع جينوم الشمبانزي /كتاب 1.: تاج العروس من جواهر القاموس محمّد بن محمّ... /كتاب :2. تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب تاج العروس من جواهر القاموس /كتاب : تاج العروس من جواهر القاموس

الأربعاء، 11 مايو 2022

عدد أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه تحقيق واستقراء المؤلف محمد بن علي بن جميل المطري

 

عدد أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه تحقيق واستقراء  محمد بن علي بن جميل المطري

تحقيق واستقراء

الحمد لله الذي أحصى كل شيء عددا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه عدد ما أحصى كتابه، أما بعد:

فمشهور عند كثير من الناس أن أحاديث أبي هريرة أكثر من 5000 حديث، وقد تتبع جماعة من الباحثين المعاصرين أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه في الكتب التسعة التي هي أمهات كتب الحديث: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند أحمد وموطأ مالك وسنن الدارمي؛ فوجدوا أن أحاديث أبي هريرة بعد حذف المكرر 1475حديثاً فقط، وفي هذا العدد الأحاديث الصحيحة الثابتة عن أبي هريرة رضي الله عنه والأحاديث غير الصحيحة التي لم تثبت عنه.

ومعظم أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه تابعه على روايتها غيره من الصحابة، ولم ينفرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بنحو 110 أحاديث فقط، وأكثرها في الترغيب والترهيب والأخلاق والقصص كما سيأتي بيانه.

وقد بحثت بنفسي عن أحاديث أبي هريرة الصحيحة في كتاب الجامع الصغير وزيادته للألباني بواسطة المكتبة الشاملة فكانت 935 حديثاً فقط، مع أن بعضها مكرر، وبعضها شواهد لأحاديث كتاب الجامع الصغير وزيادته، وقد يكون في بعض الشواهد ضعف، وهذا يدل على أن أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيحة الثابتة عنه قد لا تصل إلى الألف حديث، فإن كتاب الجامع الصغير وزيادته أوسع كتاب جامع للأحاديث الصحيحة، وعدد أحاديثه 8202 حديثاً، وهو مستخرج من أهم وأشهر كتب الحديث: من صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومسند أحمد والمستدرك على الصحيحين للحاكم وكتاب الأدب المفرد للبخاري وصحيح ابن حبان ومعاجم الطبراني الثلاثة الصغير والأوسط والكبير وسنن سعيد بن منصور ومصنف عبد الرزاق الصنعاني ومصنف ابن أبي شيبة ومسند أبي يعلى وسنن الدارقطني والسنن الكبرى للبيهقي وشعب الإيمان له وغيرها من كتب الحديث المشهورة.

وإتماما للفائدة بحثت في كتاب صحيح الجامع الصغير وزيادته عن الأحاديث المروية عن الصحابة السبعة المكثرين للحديث الذي جمعهم الناظم في قوله:

المكثرون في رواية الأثر   أبو هريرة يليه ابن عمر

وأنــس والحــبر كالخــدري    وجــابر وزوجـــة النـــبي

وهم كالآتي:

أبو هريرة رضي الله عنه، وعدد أحاديثه كما تقدم 935 حديثاً.

أنس بن مالك رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 546 حديثاً.

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وعدد أحاديثه 480 حديثاً.

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعدد أحاديثه 450 حديثاً.

جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما، وعدد أحاديثه 400 حديثاً.

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وعدد أحاديثها 392 حديثاً.

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 312 حديثاً.

وبحثت أيضاً في كتاب صحيح الجامع عن الأحاديث الصحيحة للمكثرين من الصحابة ممن هم دون السبعة السابقين في الإكثار من الرواية، وهم:

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وعدد أحاديثه في صحيح الجامع 274 حديثاً.

عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وعدد أحاديثه 245 حديثاً.

أبو أمامة صُدي بن عجلان رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 141 حديثاً.

علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 127 حديثاً.

أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 123 حديثاً.

أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 106 حديثاً.

عقبة بن عامر رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 89 حديثاً.

أبو الدرداء رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 86 حديثاً.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعدد أحاديثه 83 حديثاً.

حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعدد أحاديثه 82 حديثاً.

وبعد هذا الإحصاء التقريبي لأحاديث المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم نعرف أن أبا هريرة رضي الله عنه أكثر من روى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تبلغ أحاديثه 5000 حديثاً، والذين ذكروا هذا العدد اعتمدوا على ما نقله العلامة ابن حزم عن مسند الإمام بقي بن مخلد رحمهما الله، وقد ذكروا أن هذا العدد هو مجموع أحاديث أبي هريرة الصحيحة والضعيفة التي لم تصح عنه والمكررة التي جاءت بنفس المتن والسند أو من طريق إسناد آخر عنه.

ولو بلغت الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة هذا العدد فليس بغريب عنه، فمعلوم أن أبا هريرة رضي الله عنه لازم النبي صلى الله عليه وسلم سفرا وحضرا أربع سنين وزيادة شهرين، وهي أكثر من 1400 يوما وفيها أكثر من 200 جمعة، فكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فيها؟! وكم سمعه يتكلم فيها؟! وكم رآه يفعل فيها؟! والحديث قد يكون قولياً، وقد يكون فعلياً، وقد يكون إقراراً من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون الحديث وصفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان أبو هريرة حريصاً على حفظ الحديث النبوي، حتى إنه روى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأكثر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم يتفرد بروايتها، بل رواها غيره من الصحابة الكرام، وعدد الأحاديث الثابتة الصحيحة والحسنة التي تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه هي نحو 110 أحاديث فقط، وسيأتي ذكرها بالتفصيل في آخر هذا الكتاب في الوقفة السادسة.

وهذه ست وقفات أرجو من المنصف العاقل أن يتأملها حتى لا يقع ضحية أهل البدع والأهواء الذين  يشككون الناس في أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه:

الوقفة الأولى: الأحاديث المروية عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتب السنة تشمل الصحيح والضعيف والموضوع، يعني أن بعض الأحاديث التي تُنسب لأبي هريرة رضي الله عنه لم تصح عنه من الأصل، وهو لم يروها، ولم ينقلها عنه الرواة المتقنون من تلامذته.

وأكثر الأحاديث المروية عن أبي هريرة مكررة: المتن واحد ولكن تعددت الأسانيد والطرق، فبعض الأحاديث قد تروى من خمسين طريقا ومتنها واحد، فهذه يعدها أهل الحديث خمسين حديثاً لا حديثاً واحداً كما يظنه غير المتخصصين في دراسة الأحاديث والأسانيد، فأهل الحديث يعدون كل إسناد حديثاً، فلو كان للحديث الواحد مائة إسناد عن صحابي واحد فهي عندهم مائة حديث مع أن المتن واحد، وقد ذكرنا في أول هذا البحث أن أحاديث أبي هريرة الصحيحة والضعيفة في الكتب التسعة 1475حديثاً فقط، وأن أحاديثه الصحيحة في صحيح الجامع الصغير 935 حديثاً فقط!! مع أن بعضها مكرر، وبعضها شواهد لأحاديث كتاب الجامع الصغير وزيادته، وقد يكون في بعض الشواهد ضعف، وهذا يدل على أن أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيحة الثابتة عنه قد لا تصل إلى الألف حديث.

الوقفة الثانية: أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه المروية في كتب السنة لم يسمعها كلها من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل روى كثيراً منها عن بعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان حريصاً على أخذ الحديث النبوي من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وممن سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته؛ ولذا نجده يروي بعض الأحاديث التي كانت قبل الهجرة والنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فقد روى عن أبي بكر وعمر وأُبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وعائشة والفضل بن عباس رضي الله عنهم.

وكان أكثر الصحابة لا يجترئون على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الضرورة، بخلاف أبي هريرة رضي الله عنه فقد كان من حرصه على الحديث يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه رقم الحديث (99) وكرره البخاري أيضاً بإسناد آخر برقم (6570) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: " لقد ظننت، يا أبا هريرة، أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث!! أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه ".

وروى أحمد في مسنده (4453) بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لأبي هريرة : أنت كنت أَلَزَمَنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمَنا بحديثه، ورواه الترمذي (3836) أيضاً وعبد الرزاق الصنعاني (6270) والحاكم في المستدرك (6167) وغيرهم.

وروى الترمذي (3837) والحاكم في المستدرك (6172) بسند حسن عن مالك بن أبي عامر قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟! قال: قال: كنت عند طلحة بن عبيد الله فدخل عليه رجل فقال: يا أبا محمد، والله ما ندري، هذا اليماني أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم أم أنتم؟ تقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - يعني أبا هريرة - فقال طلحة: «والله ما يَشُكُّ أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم، إنا كنا قوما أغنياء لنا بيوت وأهلون، كنا نأتي نبي الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، ثم نرجع، وكان أبو هريرة رضي الله عنه مسكينا لا مال له ولا أهل ولا ولد، إنما كانت يده مع يد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيثما دار، ولا يَشُكُّ أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع، ولم يتهمه أحد منا أنه تقوَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، ولا تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل».

وقد عاش أبو هريرة رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم 47 سنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مات وعمر أبي هريرة 31 سنة، ومات أبو هريرة سنة 57 هـ وعمره 78 سنة كما سيأتي في ترجمته، فلا عجب أن يُحدِّث في هذه السنين التي تقرب من نصف قرن بألف حديث!!

الوقفة الثالثة: أبو هريرة رضي الله عنه قصد حفظ أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم، وضبط أحواله؛ لأجل أن يستفيد منها، ويفيد الناس، ولأجل هذا كان يلازمه ويسأله، وقد تصدى للتحديث عن قصد؛ لأنه كان يحفظ الحديث لأجل أن ينشره، وأكثر الصحابة كانوا ينشرون الحديث عند الحاجة إلى ذكره في حكم أو فتوى أو استدلال، والمتصدي للشيء يكون أشد تذكرًا له، ويذكره بمناسبة وبغير مناسبة، وكان أبو هريرة يخاف من كتم الحديث الذي يحفظه، قال البخاري رحمه الله في صحيحه (118): باب حفظ العلم حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: " إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثاً، ثم يتلو { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }، إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون ".

وقد كان أبو هريرة قوي الحفظ ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، روى البخاري في صحيحه (2350) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث!! والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟! وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوماً: «لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً» فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها، حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا، والله لولا آيتان في كتاب الله، ما حدثتكم شيئاً أبداً: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.

وروى الترمذي (3835) وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أسمع منك أشياء فلا أحفظها، قال: «ابسط رداءك» فبسطت، فحدث حديثاً كثيرا، فما نسيت شيئا حدثني به.

وفي سنن النسائي الكبرى (5839) بسند جيد عن محمد بن قيس عن أبيه أن رجلاً جاء زيد بن ثابت رضي الله عنه يسأله عن شيء، فقال له زيد: عليك أبا هريرة، فإني بينما أنا وأبو هريرة، وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله، ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا فقال: «عودوا للذي كنتم فيه»، قال زيد: فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمِّن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علماً لا يُنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين» ، فقلنا: يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً لا يُنسى، فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي».

قال الإمام الشافعيّ رحمه الله: أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره.

الوقفة الرابعة: أحب أن أُخرِّج حديثاً واحداً من أحاديث أبي هريرة ليعلم غير المتخصصين في علم الحديث جهود أهل الحديث في حفظ الحديث الواحد برواياته وأسانيده، ولكي يتبين لهم معنى كون أهل الحديث يعدون الحديث الواحد عدة أحاديث بأسانيدها المتعددة، وهذا الحديث هو:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على جنازة فله قيراط، ومن انتظر حتى يفرغ منها فله قيراطان، قالوا: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين".

هذا الحديث رواه عن أبي هريرة سبعة عشر راوياً من التابعين، وعن كل تابعي رواه بعض أتباع التابعين، وهكذا إلى أن دوَّنه أهل الحديث في مصنفاتهم بالأسانيد المتصلة إلى أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا تلخيص لروايات التابعين لهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مع بيان من رواه عنهم، وقد اجتهدت في جمع روايات الحديث باختصار بما لا تجده مجموعاً في غير هذه الرسالة والحمد لله على توفيقه:

1- سعيد بن المسيب:

أخرجه عبد الرزاق (6268) وابن أبي شيبة (11613) وأحمد (7188) ورواه البخاري في صحيحه (1325) ورواه مسلم في صحيحه (945) ورواه ابن ماجه في سننه (1539) والنسائي في السنن الصغرى (1994) وفي السنن الكبرى (2132)كلهم من طريق معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.

2- عبد الرحمن بن هرمز الأعرج:

أخرجه أحمد (9208) والبخاري (1325) ومسلم (945) والنسائي (1995) وفي السنن الكبرى (2133) وابن حبان في صحيحه (3078)كلهم من طريق يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة.

3- عامر بن سعد بن أبي وقاص:

أخرجه مسلم (945) وأبو داود (3169) وابن حبان (3079) كلهم من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ قال: حدثنا حيوة قال: حدثني أبو صخر، وهو حميد بن زياد، أن يزيد بن عبد الله بن قسيط حدثه، أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص حدثه عن أبيه عن أبي هريرة.

4- أبو صالح ذكوان الزيات:

أخرجه الحميدي في مسنده (1021) وأحمد في مسنده (7353) ومسلم في صحيحه (945) وأبو داود في سننه (3168) وأبو يعلى في مسنده (6659)، رواه بعض هؤلاء عن سُمي، وبعضهم عن سُهيل بن أبي صالح كلاهما عن أبي صالح الزيات عن أبي هريرة.

5-  أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف:

أخرجه أحمد (10468) وكرره أحمد بنفس الإسناد في (10536) ورواه أحمد أيضاً بإسناد آخر (10079) والترمذي (1040) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

6- أبو مزاحم:

أخرجه أحمد (10758) والترمذي في كتاب العلل 5/761  والبزار في مسنده (8820) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي مزاحم عن أبي هريرة.

7 ، 8 -  الحسن البصري ومحمد بن سيرين:

أخرجه أحمد (9551) وفي (10391) والنسائي (1996) وفي السنن الكبرى (2134) وابن حبان (3080) كلهم من طريق عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، ورواه البخاري (47) عن عوف عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين كلاهما عن أبي هريرة.

9- أبو حازم:

أخرجه أحمد (10142) ومسلم (945) وأبو يعلى (6188) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة.

10- سالم البراد:

أخرجه أحمد (9904) وإسحاق بن راهويه (434) من طريق شعبة عن عبد الملك بن عمير عن سالم البراد عن أبي هريرة.

11- نافع بن جبير بن مطعم:

أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (6271) وأحمد (7690) من طريق عبد الرزاق الصنعاني وابن بكر قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني الحارث عن نافع بن جبير عن أبي هريرة.

12- أبو سعيد المقبري:

أخرجه البخاري (1325) من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.

13- عبد الله بن هرمز:

أخرجه أحمد (8265) وكرره في (10875) من طريق عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني قال: كتب إليَّ عبد الله بن هرمز عن أبي هريرة.

14- الوليد بن عبد الرحمن:

أخرجه أحمد (4453) ورواه أحمد بإسناد آخر في (9016) والترمذي (4207) وعبد الرزاق الصنعاني (6270) وابن أبي شيبة (11615) والحاكم في المستدرك (6167) كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

15- عامر الشعبي:

أخرجه النسائي في السنن الصغرى (1997) وفي السنن الكبرى (2135) وأبو يعلى (6640) من طريق داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن أبي هريرة.

16- عجلان المدني:

أخرجه أبو يعلى الموصلي (6453) والبزار في مسنده (8387) من طريق معدي بن سليمان عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة.

17- أبو عياض:

أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (250) من طريق كثير التيمي عن أبي عياض عن أبي هريرة.

هذا وقد روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة عشر صحابياً غير أبي هريرة رضي الله عنهم وهم:

البراء بن عازب رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (18596) وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند (18597) والنسائي في السنن الصغرى (1940) وفي السنن الكبرى (2078).

ثوبان رضي الله عنه: أخرجه أحمد (22376) و(22384) و(22435) و(22441) و(22454) ومسلم (946) وابن ماجه (1540).

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه أحمد (11152) و(11218) و(11920).

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (6305) و(4867).

عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: أخرجه أحمد (16798) والنسائي في السنن الصغرى (1941) وفي السنن الكبرى (2079).

عائشة رضي الله عنها: أخرجه مسلم (945) وأحمد (4453) والترمذي (4207) وابن حبان (3079) وعبد الرزاق الصنعاني (6270) وابن أبي شيبة (11615).

عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخرجه البزار في مسنده (1811).

زيد بن ثابت رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى فيما ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية (810).

عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (8808).

أبي بن كعب رضي الله عنه: أخرجه أحمد (21201) وابن ماجه (1541).

أنس بن مالك رضي الله عنه: أخرجه أبو يعلى في مسنده (4095) ورواه أيضاً بإسناد أخر في (4169).

حفصة رضي الله عنها: أخرجه حميد بن زنجويه في "فضائل الأعمال " فيما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (3/196).

صفية رضي الله عنها: أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 408).

واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء 8/ 34.

فهذا الحديث الواحد في فضل الصلاة على الجنازة واتباعها حتى تدفن يعده غير المتخصصين في الحديث حديثاً واحداً، أما المحدثون فيعدونه أكثر من مائة حديث كما أشرنا إلى أرقام الحديث برواياته المتعددة في كتب الحديث، ولو أردنا أن ننقل الأسانيد كما هي لطال البحث جداً، وخير الكلام ما قل ودل، ولكن لا بأس بذكر هذا الحديث من صحيح الإمام مسلم فقط، لا سيما وفيه إنكار ابن عمر على أبي هريرة روايته لهذا الحديث ثم رجوعه إلى قوله بعد أن صدقت عائشة أبا هريرة، حتى إن ابن عمر لعلمه بأن من حفظ حجة على من لم يحفظ كان يروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه مباشرة من غير أن يذكر أنه سمعه من أبي هريرة كما في مسند أحمد (6305) و(4867) ، وأتمنى من غير المتخصصين في الحديث أن يصبِّروا أنفسهم قليلاً في قراءة أسانيد هذا الحديث الواحد من صحيح الإمام مسلم فقط، وليقدروا جهد وتعب أهل الحديث في حفظ الأحاديث بالأسانيد، وليعجبوا من شدة تحري الإمام مسلم في نقل ألفاظ الرواة، فأترككم مع صفحتين فقط من صحيح الإمام مسلم ج2 ص652 - 653:

قال الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه رقم الحديث (945): "حدثني أبو الطاهر، وحرملة بن يحيى، وهارون بن سعيد الأيلي، واللفظ لهارون، وحرملة، قال هارون: حدثنا، وقال الآخران: أخبرنا ابن وهب - أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، أن أبا هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان» ، قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» انتهى حديث أبي الطاهر، وزاد الآخران، قال ابن شهاب: قال سالم بن عبد الله بن عمر: وكان ابن عمر، يصلي عليها ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة، قال: «لقد ضيعنا قراريط كثيرة».

وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الأعلى، وحدثنا ابن رافع، وعبد بن حميد، عن عبد الرزاق، كلاهما عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى قوله: «الجبلين العظيمين» ، ولم يذكرا ما بعده، وفي حديث عبد الأعلى: حتى يفرغ منها، وفي حديث عبد الرزاق: حتى توضع في اللحد.

وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي، عن جدي، قال: حدثني عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، أنه قال: حدثني رجال، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث معمر، وقال: «ومن اتبعها حتى تدفن».

وحدثني محمد بن حاتم، قال: حدثنا بهز، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثني سُهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان» ، قيل: وما القيراطان؟ قال: «أصغرهما مثل أحد».

حدثني محمد بن حاتم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، قال: حدثني أبو حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى على جنازة فله قيراط، ومن اتبعها حتى توضع في القبر فقيراطان» قال: قلت: يا أبا هريرة، وما القيراط؟ قال: «مثل أحد».

حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا جرير يعني ابن حازم، قال: حدثنا نافع، قال: قيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تبع جنازة فله قيراط من الأجر» فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة، فبعث إلى عائشة، فسألها، فصدَّقت أبا هريرة فقال ابن عمر: «لقد فرطنا في قراريط كثيرة».

وحدثني محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، قال: حدثني حيوة، قال: حدثني أبو صخر، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، أنه حدثه، أن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص، حدثه، عن أبيه، أنه كان قاعدا عند عبد الله بن عمر، إذ طلع خباب صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر: ألا تسمع ما يقول أبو هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى عليها، ثم تبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها، ثم رجع، كان له من الأجر مثل أُحد» ؟! فأرسل ابن عمر خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت: وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده، حتى رجع إليه الرسول، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: «لقد فرطنا في قراريط كثيرة»". انتهى نقل حديث أبي هريرة من صحيح مسلم رحمه الله، وقد رواه مسلم بأحد عشر إسناداً صحيحاً كما ترون!!

فرحم الله أهل الحديث وجزاهم عن الإسلام خيراً فقد حفظوا لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من توفيق الله لهم؛ لأن حفظ السنة حفظٌ للقرآن وللدين، وما أحسن ما قاله علامة اليمن محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني في مدح أهل الحديث:

ســـــلام على أهل الحديث فإنـــــــني ... نشـــأت على حب الأحاديـــث من مهدي

هم بذلـــــوا في حفظ سنــــــــة أحمـــــــد ...  وتنقيحها من جهــــــــــدهم غاية الجهــــــــــــــــــد

أولئك أمثــــال البخـــــاري ومســــــلم ... وأحمــد أهل الجــــد في العلـــــــــــم والجـــــــــــــــــــــــد

بحـــــــــــــــــــور وحاشاهم عن الجزر إنمــــا ... لهم مــــــــــــــــــــدد يأتي من الله بالمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد

رووا وارتووا من بــحــر علـــــم محــــــمـــــــد ... وليست لهــــــــم تلك المذاهـــــــب من ورد

كفاهــــــــــم كتــــــــــاب الله والسنــــــــــة التي ... كفت قبلهم صحب الرسول ذوي المجد

الوقفة الخامسة: ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه:

هذه ترجمة مختصرة لأبي هريرة رضي الله عنه اختصرتها من أهم المصادر: من "سير أعلام النبلاء" للحافظ الذهبي، و"الإصابة في تمييز الصحابة" للحافظ ابن حجر، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لحافظ المغرب ابن عبد البر الأندلسي، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد، و"فضائل الصحابة" لأحمد بن حنبل، و"فضائل الصحابة" للنسائي، وغيرها من المصادر المعتمدة:

هو الإمام، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المقرئ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، المجاهد، العابد، الزاهد، أبو هريرة الدوسي، اليماني، سيد الحفاظ الأثبات.

اسمه وكنيته:

اختلف في اسمه على أقوال جمة، أشهرها: عبد الرحمن بن صخر. وقيل: عبد عمرو بن عبد غنم. وقيل: عبد شمس.

وقال ابن إسحاق: حدثني بعض أصحابنا عن أبي هريرة قال: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس فسميت في الإسلام عبد الرحمن، وإنما كنيت بأبي هريرة، لأني وجدت هرة فجعلتها في كمي، فقيل لي: ما هذه؟ قلت: هرة. قيل: فأنت أبو هريرة.

وفي رواية عن أبي هريرة قال: كنت أرعى غنماً لأهلي، فكانت لي هُريرة ألعب بها، فكنَّوني بها.

قال ابن عبد البر: غلبت عليه كنيته، فهو كمن لا اسم له غيرها.

إسلام أبي هريرة وهجرته إلى المدينة:

أسلم أبو هريرة رضي الله عنه وهاجر إلى المدينة وهو ابن ثمان وعشرين سنة في نفر من قومه من قبيلة دوس اليمانية، وقدموا المدينة وقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فلحق أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم وقدم عليه وهو في خيبر أول سنة سبع من الهجرة، قال ابن عبد البر: أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو هريرة: نشأت يتيما، وهاجرت مسكينا.

روى ابن سعد في الطبقات (4/242) بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نجت

قال: وأبق مني غلام في الطريق فلما قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة هذا غلامك. فقلت: هو لوجه الله. فأعتقته.

إسلام أم أبي هريرة:

أمه صحابية اسمها: ميمونة بنت صبيح رضي الله عنها.

روى مسلم (2491) وأحمد (8259) والحاكم في المستدرك على الصحيحين (4240) عن أبي كثير يزيد بن عبد الرحمن قال: حدثني أبو هريرة قال: والله ما خلق الله مؤمنا يسمع بي ولا يراني إلا أحبني. قلت: وما علمك بذلك يا أبا هريرة؟ قال: إن أمي كانت امرأة مشركة، وإني كنت أدعوها إلى الإسلام وكانت تأبى علي، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهد أم أبي هريرة» فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمِعَت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبب عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين» فما خلقٌ مؤمنٌ يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.

صبر أبي هريرة على طلب العلم وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم:

قال ابن عبد البر: "أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم راضيا بشبع بطنه، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيث دار، وكان من  أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار، لاشتغال المهاجرين بالتجارة والأنصار بحوائجهم، وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث".

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 359) من طريق الوليد بن رباح أن أبا هريرة قال: قدمت ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم بخيبر، وأنا يومئذ قد زدت على الثلاثين، فأقمت معه حتى مات أدور معه في بيوت نسائه وأخدمه وأغزو معه وأحجّ، فكنت أعلم الناس بحديثه، وقد واللَّه سبقني قوم بصحبته، فكانوا يعرفون لزومي له فيسألونني عن حديثه، منهم: عمر، وعثمان، وعليّ، وطلحة، والزبير، ولا واللَّه لا يخفى عليّ كلّ حديث كان بالمدينة.

وقد جاع أبو هريرة، واحتاج، ولزم المسجد مع أهل الصفة الفقراء.

روى البخاري (3708) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «إن الناس كانوا يقولون: أكثر أبو هريرة!! وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية، هي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها فنلعق ما فيها».

وروى البخاري (6452) عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة.

وروى ابن سعد في الطبقات (4/243) بإسناد صحيح عن أبي هريرة قال: كنت أجير ابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا.

قال ابن سيرين: قال أبو هريرة: لقد رأيتني أصرع بين القبر والمنبر من الجوع، حتى يقولوا: مجنون!!

خدمة أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته:

كان أبو هريرة رضي الله عنه مقدماً في خدمة النبي صلى الله عليه سلم وأهل بيته، روى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (1401) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة العشاء وكان الحسن والحسين يثبان على ظهره، فلما صلى قال أبو هريرة: يا رسول الله، ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، فبرقت برقة فما زالا في ضوئها حتى دخلا إلى أمهما».

وروى البخاري في صحيحه (5884) ومسلم في صحيحه (2421) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من النهار، لا يكلمني ولا أكلمه، حتى جاء سوق بني قينقاع، ثم انصرف، حتى أتى خباء فاطمة فقال: «أين لكع - ثلاثا - ادع الحسن بن علي»، فظننا أنه إنما تحبسه أمه لأن تغسله وتلبسه سخابا، فلم يلبث أن جاء يسعى، حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أحبه، فأحبه وأحبب من يحبه»، زاد البخاري في روايته: قال أبو هريرة: فما كان أحد أحب إلي من الحسن بن علي، بعد ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.

حفظ أبي هريرة للكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم:

روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا، طيبا، مباركا فيه، لم يُلحق في كثرته، وروى عن: أبي بكر وعمر وأُبيّ بن كعب وأسامة بن زيد وعائشة والفضل وبصرة بن أبي بصرة رضي الله عنهم.

وحدث عنه: خلق كثير من الصحابة والتابعين. قال البخاري: روى عنه ثمانمائة أو أكثر.

وكان حفظ أبي هريرة الخارق من معجزات النبوة.

قال محمد بن المثنى الزَّمِن: حدثنا أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا عبد الله بن أبي يحيى، قال: سمعت سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟! قلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله. فنزع نمرة كانت على ظهري، فبسطها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه، قال: "اجمعها، فصرها إليك"، فأصبحت لا أسقط حرفا مما حدثني. وقصة بسطه لثوبه ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ ثابتة، وقد رويت من طرق كثيرة عن أبي هريرة.

قال أبو صالح الزيات: كان أبو هريرة من أحفظ الصحابة.

وروى حماد بن زيد قال: حدثني عمرو بن عبيد الأنصاري قال: حدثني أبو الزعيزعة كاتب مروان: أن مروان أرسل إلى أبي هريرة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير، وأنا أكتب، حتى إذا كان رأس الحول، دعا به، فأقعده من وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك الكتاب، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر!!

قال الذهبي معلقا على هذه القصة: هكذا فليكن الحفظ!!

وعن عبد الله بن شقيق قال: قال أبو هريرة: لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحفظ لحديثه مني.

وعن عاصم بن كليب قال: حدثنا أبي أنه سمع أبا هريرة كان يبتدئ حديثه بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار).

وأخرج ابن سعد بسند جيد - كما قال ابن حجر - عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث بشيء ما سمعتُه!! قال: يا أمه، طلبتُها وشغلك عنها المكحلة والمرآة!!

وروى الأعمش عن أبي صالح أنه قيل لابن عمر: هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئا؟ فقال: لا، ولكنه اجترأ، وجبنا!! فقال أبو هريرة: فما ذنبي إن كنت حفظت ونسوا؟!!

وأخرج البخاري في تاريخه عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم: أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه، فيعرفه بعضهم، ثم يحدثهم بالحديث، فلا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه، حتى فعل ذلك مرارا. قال: فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأخرج مسدّد في مسنده من طريق يحيى بن عبيد اللَّه عن أبيه عن أبي هريرة قال: بلغ عمر حديثي، فقال لي: كنت معنا يوم كنّا في بيت فلان؟ قلت: نعم، إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلّم قال يومئذ: «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار » قال: اذهب الآن فحدّث.

قال الذهبي: احتج المسلمون قديما وحديثاً بحديث أبي هريرة، لحفظه، وجلالته، وإتقانه، وفقهه، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه، ويقول: أفت يا أبا هريرة.

وأصح الأحاديث ما جاء: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة.

وما جاء عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

وما جاء عن: ابن عون وأيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وأين مثل أبي هريرة في حفظه، وسعة علمه؟!

وقال الحافظ الذهبي أيضا: كان أبو هريرة وثيق الحفظ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث.

عدد أحاديث أبي هريرة:

قال الذهبي: عدد أحاديث أبي هريرة المتفق عليها في البخاري ومسلم: ثلاث مائة وستة وعشرون حديثاً. وانفرد البخاري: بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم: بثمانية وتسعين حديثاً.

قلت: فعلى كلام الحافظ الذهبي يكون مجموع أحاديث أبي هريرة في صحيح البخاري ومسلم: 517 حديثاً، وجميع أحاديثه الصحيحة من غير تكرار نحو الألف حديث كما حققته أول هذا الكتاب، والله أعلم.

قلة رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار:

روى أبو هريرة عن كعب الأحبار بعض أخبار بني إسرائيل كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك بقوله: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج" رواه البخاري (3461) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.

وروى البخاري (4485) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: { قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}.

وكعب الأحبار كما في ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي (2/490): " كعب بن ماتع الحميري، اليماني، العلامة، الحبر، الذي كان يهوديا فأسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر رضي الله عنه فجالس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكان يحدثهم عن الكتب الإسرائيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الإسلام، متين الديانة، من نبلاء العلماء. سكن بالشام بأخرة، وكان يغزو مع الصحابة. وتوفي كعب بحمص، ذاهبا للغزو، في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه".

وقد كان كعب يحدث بما يعلمه من أخبار بني إسرائيل ولا حرج في ذلك، ولم ينسب شيئا من ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان يحكيه عن الكتب القديمة ليس بحجة عند أحد من المسلمين، ولا حرج على من روى عنه شيئا مبينا أنها من رواية كعب عن بني إسرائيل، وهو ما يعرف عند العلماء  بالإسرائيليات، فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في روايتها بشرط أن لا تُصدق ولا تُكذَّب، إلا إذا كانت مخالفة لما عندنا من القرآن والسنة الصحيحة فإنها تُكذَّب، ولا يشك حينئذ أنها مما غيِّر وحرِّف، لكن ما لا يخالف القرآن والسنة منها فلا بأس بروايتها بشرط أن لا نصدقها ولا نكذبها.

ورواية الصحابة رضي الله عنهم عن كعب الأحبار قليلة جداً، وقد بحثت بواسطة المكتبة الشاملة في كتب الحديث التسعة المشهورة فلم أجد ذكرا لكعب الأحبار إلا في روايات قليلة جداً، وأبو هريرة إنما جالس كعب الأحبار مرتين أو ثلاثاً، وعجبا ًلمن يطعنون في أحاديث أبي هريرة بأنه كان يروي عن كعب الأحبار وكأنه كان يلازمه ويكثر من مجالسته!!

روى أحمد (7714) بسند صحيح عن القاسم بن محمد قال: اجتمع أبو هريرة وكعب، فجعل أبو هريرة، يحدث كعبا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكعب يحدث أبا هريرة عن الكتب.

وأخرج البيهقيّ في المدخل من طريق بكر بن عبد اللَّه بن أبي رافع عن أبي هريرة أنه لقي كعب الأحبار فجعل يحدثه ويسأله، فقال كعب: ما رأيت رجلا لم يقرأ التوراة أعلم بما في التوراة من أبي هريرة!!

وقد يقع خطأ من بعض الرواة عن أبي هريرة فيخطئ الراوي فيجعل الخبر عن بني إسرائيل حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أو يجعل الكلام الموقوف عن أبي هريرة مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الحديث الجهابذة يبينون ذلك؛ لأنهم يجمعون طرق الحديث فيتبين لهم من أخطأ من الرواة.

روى بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، قال: اتقوا الله، وتحفظوا من الحديث، فوالله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة، فيحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثنا عن كعب الأحبار، ثم يقوم، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله عن كعب، ويجعل حديث كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!!

مثال ذلك: روى مسلم (2789) وأحمد (8341) من طريق عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل.

فهذا الحديث بين كثير من نقاد الحديث الجهابذة أنه موقوف على كعب الأحبار وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام البخاري في تاريخه (1/413-414): "وقال بعضهم: عن أبي هريرة، عن كعب، وهو أصح".

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1/99 بعد أن أورد الحديث من طريق مسلم: "هذا الحديث من غرائب "صحيح مسلم"، وقد تكلم عليه ابن المديني والبخاري، وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة، فجعله مرفوعا".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (17/236  ): "وأما الحديث الذى رواه مسلم: "خلق الله التربة يوم السبت" فهو حديث معلول قدح فيه أئمة الحديث كالبخاري وغيره، وقال البخاري: الصحيح أنه موقوف على كعب الأحبار، وقد ذكر تعليله البيهقي أيضا، وبينوا أنه غلط ليس مما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وبهذا يتبين أن أبا هريرة لم يرو عن كعب الأحبار إلا قليلا جدا من الروايات قد لا تصل إلى عشر روايات، وأنه لم يخطئ هو ولا غيره في رواية بعض أخبار بني إسرائيل عن كعب أو غيره لكون النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك، ولكن قد يخطئ بعض الرواة فيجعلها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نادر جدا، والنادر لا حكم له، لكن أهل الحديث رحمهم الله يجتهدون في تمييزها ويبينون أي خطأ قد يحصل من بعض الرواة في نسبته لرواية منها إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تختلط الأحاديث النبوية بالإسرائيليات.

وقد رد أبو هريرة على كعب الأحبار عندما خالفت روايته الإسرائيلية الحديث النبوي، فرجع كعب عن خطئه، روى الإمام مالك في الموطأ (16) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير يوم طلعت عليه الشمس، يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه مات. وفيه تقوم الساعة. وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة. إلا الجن والإنس. وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه» قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم!

حفظ أبي هريرة للقرآن الكريم وتعليمه:

لم يكن أبو هريرة حافظا للحديث النبوي فحسب، بل كان أيضا حافظا للقرآن الكريم، وهو من القراء المشهورين الذي حفظوا القرآن الكريم وعلَّموه التابعين، قال الإمام أبو عمرو الداني: عرض أبو هريرة القرآن على أبي بن كعب.

وذكر الذهبي في كتابه طبقات القراء أن أبا هريرة قرأ القرآن على أبي بن كعب، وأخذ عنه القرآن من التابعين: الأعرج، وأبو جعفر المدني يزيد بن القعقاع أحد القراء العشرة المشهورين، وطائفة من القراء.

قال الذهبي: أبو هريرة رأس في القرآن، وفي السنة، وفي الفقه.

محبة أبي هريرة لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

كان أبو هريرة رضي الله عنه يحب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويحث الناس على حبهم، روى أحمد في مسنده (7876) وابن ماجه (143) بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني " يعني حسنا وحسينا.

وأخرج الطيالسي (2502) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحسن والحسين: "من أحبني فليحب هذين".

وقد كان أبو هريرة ينشر الأحاديث التي سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل آل البيت، وروى المحدثون كثيرا من أحاديث فضائل آل البيت عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (2405) عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه» قال عمر بن الخطاب: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ، قال فتساورت لها رجاء أن أدعى لها، قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، فأعطاه إياها، وقال: «امش، ولا تلتفت، حتى يفتح الله عليك» قال فسار علي شيئا ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله» .

وروى النسائي في فضائل الصحابة (48) عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأدفعن الراية اليوم إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" فتطاول القوم فقال: " أين علي؟" قالوا: يشتكي عينيه، فدعا به فبزق نبي الله صلى الله عليه وسلم في كفيه ثم مسح بهما عيني علي، ودفع إليه الراية ففتح الله عليه يومئذ.

وروى النسائي في فضائل الصحابة (54) عن أبي هريرة قال: ما احتذى النعال ولا ركب الكور ولا ركب المطايا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.

وروى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (1393) عن علي بن زيد أن فتية من قريش خطبوا بنت سهيل بن عمرو وخطبها الحسن بن علي فشاورت أبا هريرة وكان لنا صديقا فقال أبو هريرة: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل فاه فإن استطعت إن تقبلي مقبل رسول الله فافعلي فتزوجته».

وقد أنكر أبو هريرة على بني أمية حين منعوا من دفن الحسن بن علي بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فروى عبد الرزاق الصنعاني (6369) وحسن إسناده الألباني في كتابه أحكام الجنائز ص 101عن أبي حازم قال: لما مات الحسن وسعيد بن العاص الأموي أمير على المدينة وصلوا عليه قام أبو هريرة فقال: أتنفسون على ابن نبيكم صلى الله عليه وسلم تربة يدفنونه فيها؟ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

عدالة أبي هريرة وأمانته:

كان أبو هريرة رضي الله عنه من عباد الصحابة، وكان مكثرا للصلاة والصيام وقراءة القرآن وذكر الله آناء الليل وأطراف النهار، قال أبو عثمان النهدي: تضيفت أبا هريرة سبعا، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا. قلت: يا أبا هريرة، كيف تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثا.

وعن شرحبيل: كان أبو هريرة يصوم الاثنين والخميس.

وعن عكرمة قال: كان أبو هريرة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يقول: أسبح بقدر ديتي.

وروى ابن سعد (4/251) بسند حسن عن أبي هريرة قال: ما وجع أحب إلي من الحمى لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر.

وكان أبو هريرة مؤتمناً عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، حتى أنه استعمله على البحرين.

عمل أبي هريرة بعلمه:

كان أبو هريرة عاملا بعلمه حتى أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي، إلا كنت له شفيعا يوم القيامة أو شهيدا» رواه مسلم في صحيحه (1378)، فلم يزل ساكناً في المدينة النبوية حتى توفي بها.

وروى البخاري (1178) ومسلم (721) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر».

وروى البخاري (5971) ومسلم (2548) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: " ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك»، فكان أبو هريرة يحسن صحبة أمه، ويجتهد في برها، روى ابن سعد (4/245) عن أبي هريرة قال: خرجت يوما من بيتي إلى المسجد لم يخرجني إلا الجوع. فوجدت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا هريرة ما أخرجك هذه الساعة؟ فقلت: ما أخرجني إلا الجوع. فقالوا: نحن والله ما أخرجنا إلا الجوع. فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بكم هذه الساعة؟ فقلنا: يا رسول الله جاء بنا الجوع. قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطبق فيه تمر فأعطى كل رجل منا تمرتين فقال: كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليهما من الماء فإنهما ستجزيانكم يومكم هذا. قال أبو هريرة: فأكلت تمرة وجعلت تمرة في حجرتي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة لم رفعت هذه التمرة؟ فقلت: رفعتها لأمي. فقال: كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين. فأكلتها فأعطاني لها تمرتين.

وروى مسلم (1665) من طريق ابن شهاب الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «للعبد المملوك المصلح أجران»، والذي نفس أبي هريرة بيده، لولا الجهاد في سبيل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك "، قال: وبلغنا أن أبا هريرة لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها.

اعتزال أبي هريرة الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه:

كان أبو هريرة رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم، فلم يشهد معركة الجمل ولا صفين، وقد اعتزل أكثر الصحابة رضي الله عنهم الفتنة، روى الخلال في كتاب السنة (2 / 466) بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال : "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضر فيها مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين".

صفة خَلق أبي هريرة وخُلُقه:

قال ابن سيرين: كان أبو هريرة أبيض، لينا، لحيته حمراء.

وقال عبد الرحمن بن لبينة الطائفي: كان أبو هريرة رجلا آدم، بعيد المنكبين، أفرق الثنيتين، ذا ضفيرتين.

ولا منافاة بين وصف ابن سيرين له بالبياض ووصف ابن لبينة له بأنه آدم، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (2/ 168): " العرب إذا قالت: فلان أبيض، فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء. فإن كان في لون أهل الهند، قالوا: أسمر، وآدم. وإن كان في سواد التكرور، قالوا: أسود. وكذا كل من غلب عليه السواد، قالوا: أسود، أو شديد الأدمة".

وكان أبو هريرة طيب الأخلاق شديد التواضع، قال أبو رافع: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حمارا ببرذعة، وفي رأسه خلبة من ليف، فيسير، فيلقى الرجل، فيقول: الطريق! قد جاء الأمير. وربما أتى الصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب، فلا يشعرون حتى يلقي نفسه بينهم.

وكان أبو هريرة إذا طلب من أهله طعاما يقول: هل عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا. قال: إني صائم.

وعن أبي المتوكل الناجي أن أبا هريرة رضي الله عنه كانت له أمة زنجية قد غَمَّتْهُم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لأغشيتك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه - يعني الله عز وجل- اذهبي فأنت حرة  لله.

شدة خوف أبي هريرة من الله سبحانه:

كان أبو هريرة رضي الله عنه شديد الخوف من الله، وإنما العلم الخشية، قال سبحانه وتعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}.

عن ميمون بن ميسرة، قال: كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره، يقول: ذهب الليل وجاء النهار، وعرض آل فرعون على النار، فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار.

وروى ابن المبارك عن وهيب بن الورد عن سلم بن بشير: أن أبا هريرة بكى في مرضه، فقيل: ما يبكيك؟

قال: ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود، ومهبطه على جنة أو نار، فلا أدري أيهما يؤخذ بي ؟

وروى ابن سعد (4/251) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه دخل على أبي هريرة وهو مريض فقال: اللهم اشف أبا هريرة. فقال أبو هريرة: اللهم لا ترجعني. قال فأعادها مرتين. فقال له أبو هريرة: يا أبا سلمة إن استطعت أن تموت فمت. فو الذي نفس أبي هريرة بيده ليوشكن أن يأتي على العلماء زمن يكون الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر. أو ليوشكن أن يأتي على الناس زمان يأتي الرجل قبر المسلم فيقول: وددت أني صاحب هذا القبر.

وروى مالك عن المقبري قال: قال أبو هريرة في مرضه الذي مات فيه: اللهم إني أحب لقاءك، فأحب لقائي.

وروى ابن سعد (4/252) عن سعيد قال: لما نزل بأبي هريرة الموت قال: لا تضربوا على قبري فسطاطا ولا تتبعوني بنار فإذا حملتموني فأسرعوا، فإن أكن صالحا تأتون بي إلى ربي، وإن أكن غير ذلك فإنما هو شيء تطرحونه عن رقابكم.

وفاة أبي هريرة رضي الله عنه:

مات رضي الله عنه سنة سبع وخمسين للهجرة عن ثمان وسبعين سنة، صحب الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أعوام، وعاش بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم  47 عاما داعيا إلى الله، معلما للقرآن والسنة، عاملا بعلمه، مجتهدا في عبادة الله ذكرا وصلاة وصياما وقراءة للقرآن وتعليما، فرحمه الله ورضي عنه، وجزاه عن المسلمين خيرا بما حفظ من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم.

روى ابن سعد (4/253) عن نافع قال: كنت مع عبد الله بن عمر في جنازة أبي هريرة وهو يمشي أمامها ويكثر الترحم عليه ويقول: كان ممن يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين.

الوقفة السادسة: ذكر الأحاديث الصحيحة التي تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه:

أكثر الأحاديث الصحيحة الثابتة عن حافظ الصحابة أبي هريرة رضي الله عنه لم يتفرد بروايتها وحده، بل رواها معه غيره من الصحابة الكرام، وقد قال الشيخ المحدث محمد ضياء الرحمن الأعظمي في كتابه "أبو هريرة في ضوء مروياته بشواهدها وحال انفرادها" وهي رسالة ماجستير: "الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة قليلة جدا لا يتجاوز الصحيح منها مائتين وعشرين حديثا". وقال: "هذا ما تبين لي اليوم، ومن الممكن غدا أن أطَّلع على شواهد لهذه المنفردات أيضا إن شاء الله".

وقد قمت في هذه الوقفة الأخيرة بدراسة الأحاديث التي ذكرها الشيخ محمد ضياء الرحمن الأعظمي تكميلا لبحثه جزاه الله خيرا، فعمدت إلى ما ذكره من الأحاديث التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه، وبحثت عن حال تلك الأحاديث من حيث الصحة والضعف، واجتهدت في بحث شواهد لها، وقد وجدت أن الشيخ الأعظمي حسَّن بعض أحاديث أبي هريرة الضعيفة الإسناد، فقد ذكر في مقدمة رسالته أنه يحسِّن جميع أحاديث ابن لهيعة وشهر بن حوشب، ومعلوم أن كثيرا من أهل الحديث يضعف ما تفردا به، وبعضهم له تفصيل في أحاديث ابن لهيعة، وحسَّن الشيخ الأعظمي بعض أحاديث أبي هريرة وفيها ضعف ظاهر، مثل الحديث الذي رواه أبو داود (248) والترمذي (106) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر» قال أبو داود بعد روايته لهذا الحديث: "الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف"، وقال الترمذي بعد روايته: "وفي الباب عن علي، وأنس، حديث الحارث بن وجيه حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك، وقد روى عنه غير واحد من الأئمة، وقد تفرد بهذا الحديث، عن مالك بن دينار"، وقد وجدت كثيرا من الأحاديث صححها الشيخ الأعظمي أو حسنها والراجح أنها ضعيفة.

ثم إن الشيخ المحقق المحدث الأعظمي كتب رسالته النافعة في آخر القرن الهجري الماضي سنة 1393هـ قبل تيسر البحث العلمي باستخدام الكمبيوتر؛ ولذلك فإن كثيرا من الأحاديث التي ذكر أن أبا هريرة تفرد بها سيجد الباحث الآن أنه لم يتفرد بها، وقد تتبعت ما ذكره الشيخ الأعظمي في رسالته من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه فوجدت كثيرا جدا من تلك الأحاديث التي جعلها من مفردات أبي هريرة لها شواهد من حديث غير أبي هريرة رضي الله عنه، وأكثر ما استفدت في معرفة شواهد حديث أبي هريرة من تحقيق مسند الإمام أحمد للأرناؤوط ومن معه من الباحثين، فإنهم يهتمون جدا بذكر الشواهد على طريقة الإمام الترمذي في سننه، فيُخرِّجون حديث أبي هريرة ثم يقولون: وفي الباب حديث فلان وفلان، فيذكرون الشواهد ويخرجونها، ومع جمعهم النافع وتحقيقهم الماتع فقد وجدت بواسطة البحث في المكتبة الشاملة كثيرا من الشواهد لأحاديث أبي هريرة لم يذكروها، لا سيما في المعجم الكبير للطبراني ومسند البزار وكنز العمال والسلسلة الصحيحة وإرواء الغليل للألباني، ثم بعد ذلك بحثت عن شواهد أخرى بواسطة البحث في موقع الدرر السنية (الموسوعة الحديثية) فتفاجأت أنه لا يزال يوجد بعض الأحاديث عن أبي هريرة لها شواهد لم أعرفها في المرحلة الأولى من البحث {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}!!

وبعد هذا التتبع والتحقيق وجدت أن الأحاديث الثابتة الصحيحة والحسنة التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه هي نحو 110 أحاديث فقط، والله أعلم، ولا أنسى أن أقول كما قال المحدث الأعظمي في رسالته التي بحثي هذا متمم لها: هذا ما تبين لي اليوم، ومن الممكن غدا أن أطَّلع على شواهد لهذه المنفردات أيضا أو يجد غيري.

وأحب أن أنبه أن هذا العدد تقريبي وليس قطعيا لسببين:

السبب الأول: أن بعض الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم نذكرها هنا لوجود شاهد لها لكن قد يكون الشاهد ضعيفا، فلا يشترط أن يكون الشاهد صحيحا، فإني والشيخ الأعظمي من قبلي إذا وجدنا حديثا صحيحا عن أبي هريرة ثم وجدنا له أي شاهد ولو بإسناد ضعيف فإنا لا نذكر ذلك الحديث من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه، مثال ذلك:

روى أحمد وأبو داود والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لم يشكر الناس، لم يشكر الله عز وجل ".

فهذا الحديث الثابت عن أبي هريرة له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري لكن سنده ضعيف، رواه أحمد (11280) من طريق ابن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يشكر الناس لم يشكر الله "، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعطية العوفي ضعيفان.

مثال آخر: روى البخاري ومسلم كلاهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه».

فهذا الحديث له شاهد عن صحابية اسمها أم إسحاق لكن سنده ضعيف، رواه أحمد في مسنده (27069) عن أم حكيم بنت دينار عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بقصعة من ثريد، فأكلت معه، ومعه ذو اليدين فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرقا، فقال: "يا أم إسحاق أصيبي من هذا" فذكرت أني كنت صائمة، فبردت يدي لا أقدمها، ولا أؤخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما لك؟ " قالت: كنت صائمة فنسيت، فقال ذو اليدين: الآن بعدما شبعت!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتمي صومك، فإنما هو رزق ساقه الله إليك ".

فهذا الحديث لا يصح، ومع هذا لم نذكر حديث أبي هريرة - «من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» - في بحثنا هذا الجامع لمفردات أبي هريرة، لوجود هذا الشاهد له ولو كان الشاهد ضعيفا.

السبب الثاني: أن بعض الأحاديث الصحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه لم نذكرها هنا لوجود شاهد لها لكن قد يكون الشاهد مختلفا سياقه عن سياق حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أو قد يكون شاهدا لحديث أبي هريرة في أغلبه ما عدا جملة أو جملتين، ومع وجود جملة تفرد بروايتها أبو هريرة رضي الله عنه لا نذكر ذلك الحديث من تفردات أبي هريرة رضي الله عنه؛ لوجود شاهد لأصل الحديث ومعظم الحديث، مثال ذلك:

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة هنية فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: " أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد ".

فهذا الحديث وجدت له شاهدين من حديثي سمرة بن جندب وابن أبي أوفى رضي الله عنهما ولكنَّ الشاهدين بغير هذا السياق:

فحديث سمرة رواه الطبراني في المعجم الكبير (7048) من طريق خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبين خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم أعوذ بك أن تصد عني وجهك يوم القيامة، اللهم نقني عن خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مسلما , وأمتني مسلما ".

وروى الطبراني أيضا في المعجم الكبير (6950) من طريق الحسن البصري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم باعدني من ذنوبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقني من خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس».

وحديث ابن أبي أوفى رواه الطبراني في المعجم الأوسط (2179) عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس».

مثال آخر: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى، وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج، كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة وكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها، فولدت غلاما، فقالت: مِن جريج!! فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، قالوا: نبني صومعتك من ذهب؟ قال: لا، إلا من طين. وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني إسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه، - قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمص إصبعه - ثم مر بأمة، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه، فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت: لم ذاك؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة، وهذه الأمة يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل ".

فهذا الحديث عن أبي هريرة له شاهد من حديث عمران بن حصين لكنه بغير هذا السياق، فقد روى الطبراني في المعجم الكبير (558) من طريق أبي حرب قال: تذاكرنا البِر عند عمران بن حصين، فقال عمران بن حصين: تذاكرنا البِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنشأ يحدثنا فقال: " إنه كان فيما قبلكم من الأمم رجل متعبد صاحب صومعة يقال له: جريج، وكانت له أم، وكانت تأتيه فتناديه، فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يوما وهو في صلاته مقبل عليها، فنادته فحكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده على جبهته، فجعلت تناديه رافعة رأسها، واضعة يدها على جبهتها: أي جريج، أي جريج ثلاث مرات، كل مرة ثلاث مرات، كل ذلك يقول جريج: أي رب، أمي أو صلاتي، فغضبت فقالت: اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات، قال: وبلغت بنت ملك القرية، فحملت فولدت غلاما، فقالوا لها: من فعل هذا بك؟ من صاحبك؟ قالت: هو صاحب الصومعة جريج!! فما شعر حتى سمع بالفؤوس في أصل صومعته، فجعل يسألهم: ويلكم ما لكم؟! فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل، فتدلى، فجعلوا يجرون أنفه، ويضربونه ويقولون: مراء تخادع الناس بعملك، قال لهم: ويلكم ما لكم؟! قالوا: أنت صاحب بنت الملك التي أحبلتها؟ قال: فما فعلت؟! قالوا: ولدت غلاما، قال: الغلام حي هو؟ قالوا: نعم، قال: فتولوا عني، فتولوا، فصلى ركعتين، ثم انتهى، ثم مشى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتى بالغلام وهو في مهده، فضربه بذلك الغصن، وقال: يا طاغية من أبوك؟ قال: أبي فلان الراعي، قالوا: إن شئت بنينا لك صومعتك بذهب، وإن شئت بفضة، قال: أعيدوها كما كانت " فزعم أبو حرب أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: «عيسى ابن مريم، وشاهد يوسف، وصاحب جريج».

فقصة جريج العابد رواها أبو هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهما، ولكن سياقهما مختلف وفي حديث أبي هريرة زيادات لم تذكر في حديث عمران، ومع هذا لم أذكر حديث أبي هريرة في هذا البحث الجامع لمفردات أبي هريرة، لوجود هذا الشاهد له ولو كان السياق مختلفا بعض الشيء.

وبعد؛ فهذا ذكر الأحاديث الصحيحة والحسنة التي تفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه مرتبة على الأبواب الفقهية:

أولا: أحاديث العقيدة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: «لما خلق الله الخلق، كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي» متفق عليه.

ثانيا: أحاديث الأحكام:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه» رواه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل يرفع طورا، ويخفض طورا» أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ الحمد لله رب العالمين ولم يسكت» رواه مسلم معلقا وابن حبان موصولا، وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان من تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، لبيك إله الحق» أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرهن يركب بنفقته، إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته، إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة» أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمينك على ما يصدقك به صاحبك » أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فداك أبي وأمي، إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عنبة، فجاء زوجها وقال: من يخاصمني في ابني؟ فقال: «يا غلام، هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» ، فأخذ بيد أمه، فانطلقت به. أخرجه النسائي وصححه الألباني.

ثالثا: أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب:

عن أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة رضي الله عنه وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: «تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء» رواه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، «من غدا إلى المسجد، أو راح، أعد الله له في الجنة نزلا، كلما غدا، أو راح» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال محمد صلى الله عليه وسلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار؟» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا غرار في صلاة ولا تسليم "، رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، قال ابن الأثير في كتابه النهاية في غريب الحديث: " (الغرار) النقصان، ويريد بـ (غرار الصلاة) نقصان هيأتها وأركانها، و(غرار التسليم) أن يقول المجيب: " وعليك " ولا يقول: السلام ".

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين}، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم}، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين}، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}،قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ". أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعا» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرا فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدا، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي، ومثلها معها» ثم قال: «يا عمر، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه؟» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: «ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة، بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلا واحدا، تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: «ولا صاحب بقر، ولا غنم، لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئا، ليس فيها عقصاء، ولا جلحاء، ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار»، قيل: يا رسول الله، فالخيل؟ قال: " الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر، فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، فهي له ستر وأما التي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج، أو الروضة من شيء، إلا كتب له، عدد ما أكلت حسنات، وكتب له، عدد أرواثها وأبوالها، حسنات، ولا تقطع طولها فاستنت شرفا، أو شرفين، إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر، فشربت منه ولا يريد أن يسقيها، إلا كتب الله له، عدد ما شربت، حسنات "، قيل: يا رسول الله، فالحمر؟ قال: «ما أنزل علي في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذة الجامعة» : {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله» أخرجه البخاري

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أحدكم إذا كان في المسجد جاء الشيطان، فأبس به كما يأبس الرجل بدابته، فإذا سكن له زنقه، أو ألجمه " قال أبو هريرة: " فأنتم ترون ذلك، أما المزنوق فتراه مائلا كذا، لا يذكر الله، وأما الملجوم ففاتح فاه لا يذكر الله. أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط. قوله: "فأبس به" قال السندي: من الإبساس: وهو التلطف بالدابة بأن يقال لها: بس بس، تسكينا لها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم} وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟ " أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي؟! فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء » قال سفيان: «الحديث ثلاث، زدت أنا واحدة، لا أدري أيتهن هي» متفق عليه، والتي زادها سفيان بن عيينة هي شماتة الأعداء كما جاء مبينا في مستخرج الإسماعيلي كما حققه الحافظ في فتح الباري (11/148).

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قال عبد: لا إله إلا الله قط مخلصا، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنب الكبائر» أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: « اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه، وجله، وأوله وآخره وعلانيته وسره» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه» أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة - يعني العبد من النعيم - أن يقال له: ألم نصح لك جسمك، ونرويك من الماء البارد" أخرجه الترمذي وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من خارج يخرج - يعني من بيته - إلا ببابه رايتان: راية بيد ملك، وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله عز وجل، اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتى يرجع إلى بيته، وإن خرج لما يسخط الله، اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان، حتى يرجع إلى بيته " أخرجه أحمد وحسنه الأرناؤوط.

رابعا: أحاديث الأخلاق والآداب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره " أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها، وصيامها، وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال: " هي في النار "، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها، وصدقتها، وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: " هي في الجنة " أخرجه أحمد وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم صاحب هذه الحجرة يقول: «لا تنزع الرحمة إلا من شقي» أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلُكُهم " أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي، خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز وجل: «أنفِق أُنفِق عليك، وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟! فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا، والذي بعثك بالحق، ما عندي إلا ماء، فقال: «من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟» ، فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا، يا رسول الله، فانطلق به إلى رحله، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئ السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل، فقومي إلى السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم: اسق ربك، أطعم ربك، وضئ ربك، ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي أمتي، وليقل: فتاي فتاتي غلامي» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:  «شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده، حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزقت كل حلقة مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف " أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار " أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى، وإذا خلع فليبدأ بالشمال، ولينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا» متفق عليه.

خامسا: أحاديث الجهاد في سبيل الله:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي، وإيمانا بي، وتصديقا برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلا ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده، ما من كلم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك، والذي نفس محمد بيده، لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا، ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده، لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجتمع في النار من قتل كافرا، ثم سدد بعده " أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما قرية أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله، فإن خمسها لله ولرسوله، ثم هي لكم» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: بينا نحن في المسجد إذ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «انطلقوا إلى يهود»، فخرجنا معه حتى جئناهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فناداهم، فقال: «يا معشر يهود، أسلموا تسلموا» ، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك أريد، أسلموا تسلموا» ، فقالوا: قد بلغت يا أبا القاسم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك أريد» ، فقال لهم الثالثة: فقال: «اعلموا أنما الأرض لله ورسوله، وأني أريد أن أجليكم من هذه الأرض، فمن وجد منكم بماله شيئا فليبعه، وإلا فاعلموا أن الأرض لله ورسوله» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني، وإنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل، فإن له بذلك أجرا وإن قال بغيره فإن عليه منه» متفق عليه واللفظ للبخاري.

سادساً: أحاديث متنوعة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة، ومنزل في النار، فإذا مات، فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون}. أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوما يحدث، وعنده رجل من أهل البادية: " أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء "، فقال الأعرابي: والله لا تجده إلا قرشيا، أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا هند، حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا بني بياضة أَنْكِحُوا أبا هندٍ وَأَنْكِحُوا إليه» وقال: «وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه طعاما، فليأكل من طعامه، ولا يسأله عنه، وإن سقاه شرابا من شرابه، فليشرب من شرابه، ولا يسأله عنه " أخرجه أحمد وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نِعْم القوم الأزد، طيبة أفواههم، برة أيمانهم، نقية قلوبهم " أخرجه أحمد وحسنه الألباني والأرناؤوط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا» أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الشكال من الخيل» أخرجه مسلم. والشكال فسره بعض الرواة أن يكون في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى، أو يده اليمنى ورجله اليسرى، وقال أبو عبيد وجمهور أهل اللغة والغريب: هو أن يكون منه ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير» أخرجه مسلم. والمعنى مثلها في الرقة والضعف.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء، فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره، ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد " قال: " فلما خلق الله النار قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: أي رب وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها " أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

سابعاً: أحاديث قصص الأنبياء:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا بنو إسرائيل، لم يخبث الطعام، ولم يخنز اللحم، ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال سليمان بن داود نبي الله: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كلهن تأتي بغلام يقاتل في سبيل الله، فقال له صاحبه - أو الملك -: قل: إن شاء الله، فلم يقل ونسي، فلم تأت واحدة من نسائه إلا واحدة جاءت بشق غلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولو قال: إن شاء الله، لم يحنث، وكان دركا له في حاجته " متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك أنت، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى "، قال: قال أبو هريرة: «والله إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينا أيوب يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك " أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كان زكرياء نجارا» أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال له: أجب ربك، قال: فلطم موسى عليه السلام عين ملك الموت ففقأها، قال: فرجع الملك إلى الله تعالى فقال: إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت، وقد فقأ عيني، قال: فرد الله إليه عينه وقال: ارجع إلى عبدي فقل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعرة، فإنك تعيش بها سنة، قال: ثم مه؟ قال: ثم تموت، قال: فالآن من قريب، رب أمتني من الأرض المقدسة، رمية بحجر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان، فيستهل صارخا من نخسة الشيطان، إلا ابن مريم وأمه» ثم قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق، فقال له عيسى: سرقت؟ قال: كلا، والذي لا إله إلا هو فقال: عيسى آمنت بالله وكذبت نفسي " متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة، فلدغته نملة، فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، وأمر بها فأحرقت في النار، قال فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة " متفق عليه.

ثامناً: أحاديث قصص الأمم السابقة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل - أو قال البقر، شك إسحاق - إلا أن الأبرص، أو الأقرع، قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر، قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس، قال: فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملا، فقال: بارك الله لك فيها، قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم، قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال بعيرا، أتبلغ عليه في سفري، فقال: الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر، فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت، قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله، ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري، فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله، فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك " متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اشترى رجل من رجل عقارا له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض، ولم أبتع منك الذهب، فقال الذي شرى الأرض: إنما بعتك الأرض، وما فيها، قال: فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ فقال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدقا " متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا، فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدا " أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خرج رجل يزور أخا له في الله عز وجل، في قرية أخرى، فأرصد الله عز وجل بمدرجته ملكا، فلما مر به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانا. قال: لقرابة؟ قال: لا. قال: فلنعمة له عندك تربها؟ قال: لا. قال: فلم تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك. أنه يحبك بحبك إياه فيه ". أخرجه أحمد وصححه الأرناؤوط.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب، فأخذ منها شاة فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث " قال الناس: سبحان الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإني أومن بذلك، وأبو بكر، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم، لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، قال: اللهم، لك الحمد على غني، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم، لك الحمد على زانية، وعلى غني، وعلى سارق، فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته ". متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنيانا، ولما يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما - أو خلفات - وهو منتظر ولادها "، قال: " فغزا فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم، احبسها علي شيئا، فحبست عليه حتى فتح الله عليه "، قال: " فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته "، قال: " فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم "، قال: " فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه في المال وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا، فطيبها لنا ". أخرجه البخاري ومسلم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أحمد بسند صحيح مختصرا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس ".

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له» قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا؟ فقال: «في كل كبد رطبة أجر» متفق عليه.

تاسعاً: أحاديث الشمائل والسيرة النبوية:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، في الأولى والآخرة» قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: «الأنبياء إخوة من علات، وأمهاتهم شتى، ودينهم واحد، فليس بيننا نبي» متفق عليه واللفظ لمسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! يشتمون مذمما، ويلعنون مذمما وأنا محمد» أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تابعني عشرة من اليهود، لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه" أن عمرو بن أقيش، كان له ربا في الجاهلية، فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا بأحد، قال: فأين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون، قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنت، فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حمية لقومك، أو غضبا لهم أم غضبا لله؟ فقال: بل غضبا لله ولرسوله، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله صلاة " أخرجه أبو داود وحسنه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم الطفيل وأصحابه فقالوا: يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت، فادع الله عليها فقيل: هلكت دوس فقال: «اللهم اهد دوسا وائت بهم» متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهط سرية عينا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري ، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة، وهو بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل، يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ، ولكم العهد والميثاق، ولا نقتل منكم أحدا، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فو الله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق، منهم خبيب الأنصاري، وابن دثنة، ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب، وابن دثنة حتى باعوهما بمكة بعد وقعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله بن عياض، أن بنت الحارث أخبرته: أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها، فأعارته، فأخذ ابنا لي وأنا غافلة حين أتاه قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر، وكانت تقول: إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهم أحصهم عددا،

ما أُبالي حين أُقتل مسلما ... على أي شق كان لله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع

فقتله ابن الحارث فكان خبيب هو سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، «فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه خبرهم، وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل، ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر، فحمته من رسولهم، فلم يقدروا على أن يقطع من لحمه شيئا» أخرجه البخاري.

عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ثم ذكر فتح مكة فقال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة، فبعث الزبير على إحدى المجنبتين، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحسر، فأخذوا بطن الوادي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة، قال: فنظر فرآني، فقال أبو هريرة: قلت: لبيك يا رسول الله، فقال: «لا يأتيني إلا أنصاري» - زاد غير شيبان -، فقال: «اهتف لي بالأنصار» ، قال: فأطافوا به، ووبشت قريش أوباشا لها، وأتباعا، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترون إلى أوباش قريش، وأتباعهم» ، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى، ثم قال: «حتى توافوني بالصفا» ، قال: فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله، وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسول الله، أبيحت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن» ، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار» قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: " قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ " قالوا: قد كان ذاك، قال: «كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم» ، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله، ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ورسوله يصدقانكم، ويعذرانكم» ، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأغلق الناس أبوابهم، قال: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر، فاستلمه ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صنم إلى جنب البيت كانوا يعبدونه، قال: وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس وهو آخذ بسية القوس، فلما أتى على الصنم جعل يطعنه في عينه، ويقول: {جاء الحق وزهق الباطل} ، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو. أخرجه مسلم.

عاشراً: أحاديث خاصة بأبي هريرة رضي الله عنه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته» أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوما بتمرات، فقلت: ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصفهن بين يديه، قال: ثم دعا، فقال لي: " اجعلهن في مزود، فأدخل يدك، ولا تنثره " قال: "فحملت منه كذا وكذا وسقا في سبيل الله، ونأكل، ونطعم، وكان لا يفارق حقوي، فلما قتل عثمان رضي الله عنه، انقطع عن حقوي، فسقط " أخرجه أحمد والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة» ، قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: «أما إنه قد كذبك، وسيعود» ، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك» ، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة، وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود» ، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} ، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة» ، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: «ما هي» ، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة» ، قال: لا، قال: «ذاك شيطان» أخرجه البخاري في صحيحه معلقاً والنسائي في السنن الكبرى وابن خزيمة في صحيحه واستغربه.

حادي عشر: أحاديث الفتن وعلامات الساعة:

عن موسى بن عقبة قال: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام، فأذن له، فقام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافا "، أو قال: " اختلافا وفتنة "، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: " عليكم بالأمين وأصحابه "، وهو يشير إلى عثمان بذلك. أخرجه أحمد وحسنه ابن كثير والأرناؤوط والألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا، والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا، ويقتل ثلثهم، أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشأم خرج، فبينما هم يعدون للقتال، يسوون الصفوف، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله، ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته " أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟» قالوا: نعم، يا رسول الله قال: " لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا، فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر، فيفرج لهم، فيدخلوها فيغنموا، فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ، فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعون". أخرجه مسلم.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه " متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا لا تكن منه بيوت المدر، ولا تكن منه إلا بيوت الشعر " أخرجه أحمد وصححه الألباني.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا» أخرجه مسلم،  وزاد أحمد في روايته: «وحتى يسير الراكب بين العراق ومكة، لا يخاف إلا ضَلَال الطريق» وصحح إسناده الأرناؤوط في تخريج مسند أحمد (14/ 427).

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تبلغ المساكن إهاب - أو يهاب -» أخرجه مسلم. وهذا اسم موضع بقرب المدينة والمعنى أن المدينة تتوسع جدا حتى تصل مساكنها إلى ذلك الموضع، قال العلماء: وبلوغ المساكن إلى هذا الموضع معجزة له صلى الله عليه وسلم، وقعت في زمان بني أمية.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت الصادق المصدوق يقول «هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش» أخرجه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض، فوضع في كفي سواران من ذهب، فكبرا علي، فأوحى الله إلي أن انفخهما، فنفختهما فذهبا، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما، صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة» متفق عليه، وفي رواية لمسلم: «فكان أحدهما العنسي صاحب صنعاء، والآخر مسيلمة صاحب اليمامة».

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، جاءه أعرابي فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال. وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه قال: «أين - أراه - السائل عن الساعة» قال: ها أنا يا رسول الله، قال: «فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قال: كيف إضاعتها؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» أخرجه البخاري.

انتهى الكتاب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

=================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

موسوعة أقوال يحي بن معين في رجال الحديث

ولا يمكن تحصيل تلك الفوائد والوقوف على تلـك العوائـد إلا بجمـع ت وبين الضعيف , َ تثب ْ أقوالهم وتتبعها وفحص رواتها, للتمييزبين الثقة الم ِّ ...