حاشية
السندى على صحيح البخارى محمد
بن عبد الهادي السندي
المدني
، الحنفي ، أبو الحسن محدث ، حافظ مفسر فقيه ولد في السند وتوفي بالمدينة .
مؤلفاته
: حاشية على البخاري ، حاشية على سنن ابن ماجه ، حاشية على البيضاوي ، حاشية على
جمع الجوامع.
الناشر
دار الفكر
عدد
المجلدات 4
عدد
الصفحات 1600
تنبيه
: الكتاب موافق للمطبوع والترقيم داخل الصفحات.
(1/4)
1 ـ
كتاب بدء الوحي
1 ـ
باب كَيفَ كَانَ بَدْءُ الوَحْي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ {صلى الله عليه وسلّم}
قوله
: (باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) ابتدأ صحيحه بالوحي وقدمه على الإيمان لأن الاعتماد على جميع ما
سيذكره في الصحيح يتوقف على كونه صلى الله تعالى عليه وسلم نبياً أوحى إليه
والإيمان به إنما يجب لذلك ولذلك أيد أمر الوحي بالآية أعني قوله تعالى : {إنا أوحينا
إليك} الآية. ولما كان الوحي يستعمل في الإلهام وغيره مما يكون إلى غير النبي
أيضاً كما في قوله تعالى : {وأوحى ربك إلى النحل}. {وأوحينا إلى موسى} فلا يدل على
ثبوت النبوّة ذكر آية تدل على أن الإيحاء إليه صلى الله تعالى عليه وسلم كان إيحاء
نبوّة لقوله تعالى : {كما أوحينا إلى نوح والنبيين} فثبت به أنه قد أوحى إليه صلى
الله تعالى عليه وسلم إيحاء نبوّة وبواسطته ثبتت نبوّته وحصل الاعتماد على جميع ما
في الصحيح مما نقل عنه صلى الله تعالى عليه وسلم ووجب الإيمان به ، فلذلك عقب باب
الوحي بكتاب الإيمان.
والحاصل
أن الوحي إليه صلى الله تعالى عليه وسلم هو بدء أمر الدين ومدار النبوّة والرسالة
فلذلك سمي الوحي بدءاً بناء على أن إضافة البدء على الوحي في قوله بدء الوحي
بيانية وابتدأ به الكتاب والمعنى كيف كان بدء أمر النبوّة ، والدين الذي هو الوحي
وبهذا التقرير
5
حصل المناسبة
بين تسمية الوحي بدءاً وابتداء الكتاب به ، وسقط ما أورد بعض الفضلاء على ترجمة
المصنف للباب من أن كثيراً من أحاديث الباب لا يتعلق إلا بالوحي لا ببدء الوحي ،
فكيف جعل الترجمة باب بدء الوحي ، وكذا ظهر وجه الشبه في قوله تعالى : {كما أوحينا
إلى نوح} ، وهو أن الإيحاء كان إيحاء نبوّة ورسالة لقطع معذرة الناس كما يدل عليه
قوله تعالى : في آخر الآيات لئلا يكون للناس على الله حجة.
وكذا
ظهر وجه تشبيه الوحي بالإرسال والتكليم الذي يدل عليه قوله : {ورسلاً} ، وقوله :
{وكلم الله موسى} في أن الكل لقطع معذرة الناس هذا ، وقوله : وقول الله عز وجل
الأقرب رفعه على تقدير الخبر أي وفيه قوله عز وجل ، أي إثبات الوحي قوله عز وجل
والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 5
(1/6)
قوله : (يقول إنما الأعمال بالنيات) قد تكلموا على هذا الحديث في أوراق
فذكروا له معاني. والوجه عندي في بيان معناه أن يقال للمراد بالأعمال مطلق الأفعال
الاختيارية الصادرة عن المكلفين. وهذا إما لأن الكلام في تلك الأفعال إذ لا عبرة
بغيرها ولا يبحث عنها في الشرع ولا يلتفت إليها ، ولأن العمل لا يقال إلا للفعل
الاختياري الصادر عن أهل العقل كما نص عليه البعض ، فلذلك لا يقال عمل البهائم كما
يقال فعل البهائم ، وقد تقرر أن الفعل الاختياري يكون مسبوقاً بقصد الفاعل الداعي
له إليه وهو المراد بالنية ، فالمعنى أن الأفعال الاختيارية لا توجد ولا تتحقق إلا
بالنية والقصد الداعي للفاعل إلى ذلك الفعل لا يقال هذه مقدمة عقلية ، فأي تعلق
للشارع بذكرها لأنا نقول ذكرها الشارع تمهيداً لما بعدها من المقدمات الشرعية ،
ولا يستبعد عن الشارع ذكر مقدمة عقلية إذا كان لتوضيح بعض المقدمات الشرعية ، بل
لا يستبعد بدون ذلك أيضاً ، ثم بين صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله : "وإنما لكل
امرىء ما نوى" أن ليس للفاعل من عمله إلا نيته أي الذي يرجع إليه من العمل
نفعاً أو ضراً هي النية ، فإن العمل بحسبها يحسب خيراً وشراً ، ويجزي المرء بحسبها
على العمل ثواباً وعقاباً ، ويكون العمل تارة حسناً وتارة قبيحاً بسببها ، ويتعدد
الجزاء بتعددها ، ولذلك قال صلى الله تعالى عليه وسلم : "ألا أن في الجسد
مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله" ، ألا وهي القلب لا
يقال يلزم من هذا المعنى أن تنقلب السيئات حسنات بحسب النية كالمباحات تنقلب حسنات
بحسبها لأنا نقول لا بد في النية من كون العمل صالحاً لها ضرورة أن النية الغير
الصالحة لا تكون نية في العمل ولا تعتبر نية بالنظر إلى ذلك العمل ، فهي كلانية بل
يقال : قصد التقرب بالسيئات يعد قصدا قبيحاً ونيته تزيد
(1/7)
العمل
شراً فهي داخلة في شر النيات لا في خيرها والمرء يجزي بحسبها عقاباً فهي داخلة في
الحديث.
وإذا
تقرر هاتان المقدمتان ترتب عليهما قوله : "فمن كانت هجرته إلى الله وإلى
رسوله ،
6
أي
قصدا ونية فهجرته إلى الله وإلى رسوله أي أجراً وثواباً" إلى آخر الحديث.
ولعل
المتأمل في مباني الألفاظ ونظمها يشهد أن هذا المعنى هو معنى هذه الكلمات والله
تعالى أعلم.
3 ـ
باب
قوله
: (أول ما بدىء به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة) ،
فإن قلت : كانت هذه الرؤيا قبل النبوّة من مقدماتها ، وقد علم أن رؤيا الأنبياء
وحي دون غيرهم فكيف عدت هذه الرؤيا وحياً قبل النبوّة ، قلت : بل الرؤيا الصالحة
مطلقاً من أقسام الوحي كيف ، وقد سماها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم جزءاً من
أجزاء النبوّة ، فكيف إذا كان صاحب الرؤيا ممن خلق للنبوّة وجعلت رؤياه تمهيداً
للوحي إليه صريحاً ، وقد تقرر نبيا وآدم بين الماء والطين والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 5
قوله
: (فقال اقرأ) كأن النبيّصلى الله تعالى عليه وسلم فهم من اقرأ أول الوهلة أنه أمر
7
له
بالقراءة نفسها على الفور لا بتعلم القراءة كما يؤمر الصبي باقرأ ولا بها مطلقاً كما
هو مقتضى الأمر مطلقاً وإلا لما صح رده بقوله ما أنا بقارىء.
(1/8)
والحاصل
أن الصبي إذا قيل له اقرأ يراد به الأمر بتعلم القراءة لا بالقراءة نفسها والأمر ،
وإن كان لا يقتضي الفور لكن ربما يتبادر منه الفور ، فالجواب منه صلى الله تعالى
عليه وسلم بقوله : ما أنا بقارىء مبين على أنه فهم الأمر بالقراءة نفسها على
الفور. وحاصل الجواب أنه تكليف بما لا يطاق فكأنه علم صلى الله تعالى عليه وسلم
امتناع التكليف بما لا يطلق بعقله الكامل قبل تقرر ظهور النبوة والله تعالى أعلم.
اهـ. سندي.
قوله
: (لقد خشيت على نفسي) مقتضى جواب خديجة والذهاب إلى ورقة أن هذا كان منه على وجه
الشك ، وهو مشكل بأنه لما تم الوحي صار نبياً فلا يمكن أن يكون شاكاً بعد في
نبوّته ، وفي كون الجائي عنده ملكاً من الله وكون المنزل عليه كلام رب العالمين
نعم يمكن الشك في بعض ذلك قبل تمام الوحي حين فاجأه الملك أولاً مثلاً ، ويمكن أن
يقال أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أراد بهذا الحكاية عن أول أحواله إلا أنه ذكره
على وجه يوهم بقاء الشك له بعد ، وإن كان هو حال الحكاية على علم من الأمر ، ولا
شك له حينئذٍ أصلاً لكن أراد اختبار خديجة في أمره ليعلم ما عندها من العلم ، ولعله
لو فاجأها بصريح القول بالنبوّة فربما تلقته بالإنكار فيصعب بعد ذلك الرجوع إلى الإقرار
فأراد أن يأتي الكلام على وجه الإتهام قصداً للاختيار والله تعالى أعلم.
8
5 ـ
باب
قوله
: (من الريح المرسلة) أي : المطلقة المخلاة على طبعها والريح لو أرسلت على
9
طبعها
لكانت في غاية الهبوب. قوله : (إن هرقل أرسل إليه في ركب الخ) لما كان المقصود
بالذات من ذكر الوحي هو تحقيق النبوّة وإثباتها ، وكان حديث هرقل أوفر تأدية لذلك
المقصود أدرجه في باب الوحي والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
6 ـ
باب
قوله
: (لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله) النفي في لم يكن متوجه إلى
(1/9)
10
المجموع
أي لم يكن يجمع بين ترك الكذب على الناس ، والكذب على الله ، وذلك لأن الكذب على
الله هو الغاية القصوى في الكذب فلا يكون إلا من كذاب لا يترك الكذب على أحد حتى
ينتهي أمره إلى الكذب إلى الله فمن لا يكون كاذباً على غيره لا يمكن أن يكذب على
الله مرة واحدة.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 5
11
قوله
: (حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فيه إشارة إلى أن إسلامه كان منة من الله تعالى
عليه رزقه الله ، وإن كان لا يريده هو ولا يرضى به وربما يؤخذ منه الإشارة إلى أن
بإسلامه كان أوّل الأمر ظاهرياً حيث قال أدخل عليّ ، ولم يقل في قلبي ، وقال
الإسلام ولم يقل الإيمان ، ولهذا كان يعد أولاً من مؤلفة القلوب والله تعالى أعلم.
وقوله
: حتى يحتمل أن الغاية فيه للانتقال من الأدنى إلى الأعلى أو للانقطاع أما باعتبار
أن المراد بقوله موقناً أي مع الإخفاء حتى أدخل الله على الإسلام ، فأظهرت ما
أخفيت من الإيقان أو لأن المراد كنت موقناً أنه سيظهر حتى ظهر وعند تحقق الظهور ينقطع
إيقان أنه سيظهر كما لا يخفى ، وذلك لأن إسلامه كان في أيام الفتح ، وقد أظهر الله
تعالى الأمر بالفتح والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
12
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 5
(1/10)
2 ـ
كتاب الإيمان
قوله
: (وهو قول وفعل) الضمير للإيمان الذي هو عنوان الكتاب ، وليس معنى كونه قولاً
وفعلاً أن كلاً منهما جزء من الإيمان على وجه ينتفي الإيمان بانتفائه ، فإن السلف
لم يقولوا بذلك بل معناه أن كلاً منهما يعد جزءاً من الإيمان تارة ، ويطلق اسم
الإيمان عليه أخرى شرعاً ، ومعنى قوله يزيد وينقص أنه يوصف بالزيادة والنقصان في
لسان الشرع أعم من أن يكون ذلك الوصف وصفاً له باعتبار أمور خارجة عنه ، والسلف
كانوا يتبعون الوارد ولا يلتفتون إلى نحو تلك المباحث الكلامية التي استخرجها
المتأخرون ، ثم استدل على أنه يوصف بالزيادة بآيات واكتفى بها عن الدليل على أنه
يوصف بالنقصان لكفاية المقابلة في ذلك ، فإن الموصوف بالزيادة لا محالة يتصف
بالنقصان عند عدم تلك الزيادة.
ويمكن
أن يجعل قول عمربن عبد العزيز ، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان من أدلة اتصاف
الإيمان بالنقصان ، ثم الاستدلال بما فيه نسبة الزيادة صريحاً إلى الإيمان ظاهر ،
وأما ما فيه نسبة الزيادة إلى الهدى فوجه الاستدلال به أن زيادة الهدى لا تخلو عن
زيادة الخيرات من الأقوال والأفعال ، وكل ذلك إيمان فثبت بزيادة الهدى زيادة
الإيمان. ثم استدل على أن الإيمان قول وفعل بحديث الحب في الله والبغض في الله من الإيمان
، فإنه قد عد فيه بعض الأعمال من الإيمان.
(1/11)
ويقول
عمربن عبد العزيز إن للإيمان فرائض لأن مثل هذا الكلام يدل على أن الفرائض وغيرها
من أجزاء الإيمان. كما يقال إن للصلاة فرائض. والاستدلال بقول عمربن عبد العزيز
وغيره في هذا الباب لأن المطلوب تحقيق ما كان عليه السلف في هذا الباب إذ اتباعهم
في هذه المطالب خير من ابتداع أقوال أخر واختراعها ، وقول عمربن عبد العزيز كما
يدل على أن الأفعال تعد من الإيمان يدل على أن الإيمان يوصف بالزيادة والنقصان حيث
قال فمن استكمل الخ. وأما الاستدلال بقول إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ولكن
ليطمئن قلبي على قبول الإيمان الزيادة ،
13
وإنصافه
بها فضعيف عند أهل التحقيق إذ قوله رب أرني كيف تحيي الموتى ؟ صحيح في أن مطلوبه
كان رؤية كيفية الإحياء ، وكان قلبه مشتاقاً إلى ذلك ، فأراد أن يظفر بوصوله إلى
مطلوبه ، وهذا أمر خارج عن الإيمان والله تعالى أعلم.
وأما
كلام معاذ نؤمن ساعة أما بمعنى نذكر الله أو نذكر العلم أو الخير أو نحو ذلك ،
وتسمية مثله إيماناً يدل على إطلاق الإيمان على بعض الأفعال وقول ابن مسعود اليقين
الإيمان كله يدل على أم الإيمان له أجزاء وأبعاض إذ التأكيد بكل لا يكون إلا لما
هو كذلك ، ويدل على أن معظمه اليقين بحيث يقال إنه كل الإيمان ثم لما أثبت بهذه
الأدلة أن الإيمان قول وفعل ، ذكر بعض ما يناسب ذلك بقول ابن عمر وغيره لنوع
مناسبة وارتباط والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
نعم
قول ابن عباس دعاؤكم إيمانكم من أدلة المطلوب كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
14
3 ـ
باب أُمُورِ الإِيمَانِ
(1/12)
قوله : (باب أمور الإيمان) أي الأفعال المضافة إلى الإيمان من حيث عدها
شعباً له وأوصافاً ، وقوله وقول الله بالرفع ، أي وفيه قول الله قوله : (الإيمان بضع
وستون الخ) كناية عن الكثرة فإن أسماء العدد كثيراً ما تجيء كذلك ، فلا يرد أن
العدد قد جاء في بيان شعب الإيمان مختلفاً اهـ. سندي.
4 ـ
باب المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
قوله
: (المسلم من سلم الخ) لعل المعنى المسلم الكامل من حمله إسلام الناس على التجنب
عن أذاهم بكل الوجوه ، كما هو مقتضى قولهم إن تعليق الحكم بالمشتق يشعر العلية ،
ولا يخفى أن من يحمله إسلام الناس على ترك التعرض لهم لا يكون إلا كامل الإسلام
عادة ، والكافر والفاسق ، وإن ترك تعرض الناس أحياناً لكن لا يحمله إسلام الناس
على ترك أذاهم. ويمكن أن يقال إن المعنى أن المسلم الكامل من كان متصفاً بترك
الأذى ، ولا يلزم منه أن كل متصف بترك الأذى مسلم كامل بل لازمه أن كل مسلم كامل
يكون متصفاً بذلك ، ولا يوجد
15
المسلم
الكامل بدون هذا الوصف إذ المقصود الحث على تحصيل هذا الوصف ، وأنه لا يحصل كمال
الإسلام إلا به لا أن هذا يكفي في كمال الإسلام ، وأنه لا يحتاج مع هذا الوصف في
كمال الإسلام إلى غيره ، وهذا ظاهر فلا إشكال قوله : (أي الإسلام أفضل) يمكن أن
يقال المراد أي أفراد الإسلام أفضل. ومعنى من سلم الخ أي إسلام من سلم المسلمون
والإسلام ، وإن كان معنى واحد في ذاته لكنه متعدد باعتبار الأفراد فصح دخول أي
عليه بذلك الاعتبار ، فلا حاجة في السؤال إلى تقدير.
7 ـ
باب مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسِهِ
(1/13)
قوله : (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) لعل المراد ترك الحسد والعداوة ،
وحصول كمال المودة حتى يقرب أن ينزل أخاه منزلة نفسه في الخيرات بطريق الكناية ، أو
المراد أن يحب ذلك في الأعم الأغلب ، ولا يلزم في كل شيء سيما إذا لم يكن لذلك
الشيء إلا فرد واحد كالوسيلة والمقام المحمود ، فإنه لا يمكن الاشتراك فيه حتى
يحبه لغيره ، وبهذا يندفع الإشكال بسؤال سيدنا سليمان تخصيص الملك بقوله : {رب هب
لي ملكاً لا ينبغي لأحد من
16
بعدي} وبما حكاه الله عن عباده الصالحين من قولهم واجعلنا للمتقين
إماماً ، فإنه ظاهر في الخصوص ، والعموم في الإمامة يرفع الإمامة من أصلها كما لا
يخفى ، وبتخصيص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سؤال الوسيلة بنفسه ، وأمره الامة بذلك
السؤال والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
ثم معنى
هذه الغاية أعني حتى يحب ههنا وفي أمثاله هو أنه لا يكمل الإيمان بدون حصول هذه
الغاية لا أن حصول هذه الغاية كافية في كمال الإيمان ، وإن لم يكن هناك شيء آخر ،
فلا تعارض بين هذا الحديث ، وبين ما سيجيء من الأحاديث اهـ. سندي.
17
13 ـ
باب قَوْلُ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "أَنَا أَعْلَمُكُمْ
بِاللَّهِ"ـ
(1/14)
قوله : (باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنا أعلمكم بالله) أي
وإيمان الشخث على قدر معرفته بالله ، فيلزم أن يزيد ، وينقص على قدر معرفته بربه ،
ولما ورد عليه أنه كيف يزيد الإيمان أو ينقص بزيادة المعرفة أو نقصانها ، مع أن المعرفة
خارجة عن الإيمان لما تقدم أن الإيمان قول وفعل ، والمعرفة ليست شيئاً من ذلك ،
أجاب بأن المعرفة فعل القلب ، والفعل لا يقتصر على ما يصدر من الجوارح بل يشمل ما
يصدر من القلب لقوله تعالى : {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} فأسند الكسب الذي
بمعنى الفعل والعمل إلى القلب ، فلا يقتصر الفعل على الجوارح ، وعلى هذا فقوله وإن
المعرفة بكسر إن وقوله لقوله تعالى دليل لما يفهم من أن الفعل يشمل فعل القلب
والله تعالى أعلم.
قوله
: (لسنا كهيئتك) أي على حالتك فالكاف بمعنى على لا للتشبيه قوله : (بعد إذ أنقذه
18
الله)
قيد على حسب وقته إذ الناس كانوا في وقته أسلموا بعد سبق الكفر أو هو كناية عن
معنى بعد أن رزقه الله الإسلام وهداه إليه والله تعالى أعلم.
19
17 ـ
باب : {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا
سَبِيلَهُمْ}
قوله
: (باب فإن تابوا الخ) أي فضم إلى التوبة من الكفر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ،
فهما من الإيمان كالتوبة ، وقد فسر التوبة في الحديث ، بالشهادة إذ مدار الأحكَام
على التوبة الظاهر ثم الحكم الذي يدل عليه حديث الباب إما مخصوص بمشركي العرب ، أو
كان قبل شرع الجزية والله تعالى أعلم.
18 ـ
باب مَنْ قَالَ : إِنَّ الإِيمَانَ هُوَ العَمَلُ
(1/15)
قوله : (باب من قال إن الإيمان هو العمل) لما ورد في مواضع من كتاب الله
تعالى عطف العمل على الإيمان والعطف للمغايرة توهم أن الإيمان لا يطلق عليه اسم العمل
شرعاً ، فوضع هذا الباب لإثبات أن اسم العمل شرعاً يشمل الإيمان واستدل عليه بقوله
تعالى : {تلك الجنة} الآية لا بناء على أن معنى {بما كنتم تعملون تؤمنون} ، فإنه
بعيد بل بناء على أن الإيمان هو السبب الأعظم في دخول الجنة ، فلا بد من شمول بما
كنتم تعملون له ، وكذا قول عدة من أهل العلم لبيان شمول العمل لقول : "لا إله
إلا الله" على معنى أي حتى عن قول "لا إله إلا
الله" لا لبيان اقتصار العمل عليه والمراد والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
عما
كانوا يعملون فعلاً وتركاً فيشمل السؤال من قال ومن ترك ، وكذا قوله لمثل هذا الخ
، العمل فيه يشمل الإيمان لا أن المراد به الإيمان فقط.
والحاصل
أنه في هذه الآية وقع الاقتصار على ذكر العمل مع أن الموضوع موضع ذكر الإيمان
والعمل جميعاً ، فلا بد من القول بشمول العمل للإيمان وهو المطلوب ، وعلى هذا فما
وقع في القرآن من عطف العمل على الإيمان في مواضع ، فهو من عطف العام على الخاص
لمزيد الاهتمام بالخاص والله تعالى أعلم.
20
19 ـ
باب إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلاَمِ عَلَى الحَقِيقَةِ وكَانَ عَلَى
الاسْتِسْلاَمِأَوِ الخَوْفِ مِنَ القَتْلِـ
(1/16)
قوله : (باب إذا لم يكن الإسلام الخ) لا بد من حل هذا الكلام أولاً ،
ولعل المعنى إذا لم يكن إطلاق لفظ الإسلام على الحقيقة الشرعية ، لهذا اللفظ وكان
إطلاقه على الاستسلام أي الانقياد الظاهر لطمع في الغنيمة أو الخوف من القتل ، فهو
إطلاق جائز ورد به الشرع في مواضع ، ثم استدل على ورود هذا الإطلاق بقوله تعالى :
{قالت الأعراب} الآية ثم قال فإذا كان إطلاق لفظ الإسلام على حقيقته الشرعية ، فهو
على وفق قوله إن الدين الخ ، أي فهو يكون إطلاقاً على تمام الدين لا على الاستسلام
فقط. كما في قوله إن الدين الخ ، أطلق اسم الإسلام على تمام الدين ، وعلى هذا
فقوله أو الخوف من القتل عطف على محذوف ، وهو لطمع في الغنيمة وهو علة للاستسلام
لا على نفس الاستسلام إذ لا مقابلة بين الاستسلام والخوف ، ولا يصح إطلاق اسم
الإسلام على الخوف أيضاً.
وجزاء
الشرط محذوف وهو ما ذكرنا من أنه إطلاق جائز لأن ما ذكره من الدليل والحديث. لا
يفيد إلا جواز الإطلاق لا ما ذكره الشراح أن ذلك الإسلام نافع أم لا ، ومقصوده أن
لفظ الإسلام يطلق تارة على تمام الدين ، وهو حقيقته شرعاً وتارة على الانقياد
الظاهري ، وهو مجازه شرعاً ، وبه يندفع ما يتوهم بين الآيات والأحاديث من التدافع
قوله : (قل لم تؤمنوا) أي فلا تقولوا آمنا لكونه كذباً ، ولكن قولوا أسلمنا قوله :
(مالك عن فلان) أي تعرض عنه في
21
(1/17)
العطاء
، وقوله أو مسلماً بسكون الواو وكأنه أرشده صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أنه لا
يجزم بالإيمان لأن محله القلب فلا يظهر ، وإنما الذي يجزم به هو الإسلام لظهوره ،
فقال أو مسلماً أي قل أو مسلماً على الترديد أو المعنى أو قل مسلماً بطريق الجزم
بالإسلام والسكوت عن الإيمان بناء على أن كلمة أو إما للترديد أو بمعنى بل وعلى الوجهين
، يرد أنه لا وجه لإعادة سعد القول بالجزم بالإيمان لأنه يتضمن الأعراض عن إرشاده
صلى الله تعالى عليه وسلم فكأنه لغاية ظن سعد فيه الخير أو لشغل قلبه بالأمر الذي
كان فيه ما تنبه للإرشاد والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
فإن
قلت فأين الجزم في كلام سعد فإنه قال لأراه وهو يفيد الظن ولا وجه للمنع عن الظن
قلت كأن أراه كان في كلامه بفتح الهمزة بمعنى أعلم لا بالضم بمعنى أظن وهو الموافق
لقوله ثم غلبني ما أعلم.
ويدل
عليه رواية مسلم فإنه مؤمن وإلا لا يظهر وجه المنع والله تعالى أعلم اهـ. سندي.
20 ـ
باب إِفشَاءِ السَّلاَمُ مِنَ الإِسْلاَمِ
قوله
: (الانصاف من نفسك) وهو أن تريد من نفسك لغيرك ما تريد من غيرك لنفسك.
قوله
: (وكفر دون كفر) خبر لمحذوف أي الكفر كفر دون كفر أي متنوع متفاوت زيادة ونقصاناً
فيطلق اسمه على بعض المعاصي.
22
22 ـ
باب المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا
بِارْتِكَابِهَا إِلاَّ بالشِّرْكِ
قوله
: (إلا بالشرك الخ) يحتمل أن يراد بالشرك في هذه العبارة وفي الآية عدم التوحيد
على وجهه والتوحيد على وجهه يتوقف على اعتقاد النبوّة ، ونحوها والله تعالى أعلم.
(1/18)
قوله
: (إلا بالشرك) أي به وبما هو في درجته شرعاً من جحود النبوّة ، ونحوه وكأن الشرك
في قوله تعالى : {إن الله لا يغفر أن يشرك به} كناية عن مطلق الكفر والله تعالى
أعلم.
23 ـ
باب {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا
بَينَهُمَا}(الحجرات : 9) فَسَمَّاهُمُ المُؤْمِنينَ
قوله
: (فسماهم المؤمنين) لكن قيل يرد عليه حديث إذا التقى المسلمان الخ ، وفيه أنه لا
23
دلالة
فيهما على بقاء الإيمان أو الإسلام بعد المعصية لأنه على وجه التعليق ضرورة أنه
يصح أن يقال إن أحدث المتوضىء أو إذا أحدث ينتقض وضوءه على أن اسم المسلم يقال
للمنقاد ظاهراً أيضا.
فلا
دلالة في الحديث بعد التسليم أيضاً إلا أن يقال ذاك الإطلاق مجاز كما تقدم والأصل
الحقيقة فينصرف إلى الحقيقة ، بلا دليل المجاز ثم استدل بحديث إنه كان حريصاً على قتل
صاحبه على أن العزم الذي وطن عليه صاحبه نفسه من الأمور التي يؤاخذ عليها العبد.
قلت وليس بشيء لأن الثابت من هذا الحريص ليس مجرد العزم بل العزم مع أفعال الجوارح
من القيام ، وأخذ السيف وسله وغير ذلك ، وهذا ليس بمحل للكلام وإنما محل الكلام
مجرد العزم.
25 ـ
باب عَلاَمَةِ المُنَافِقِ
قوله
: (آية المنافق ثلاث) الظاهر أن المراد مجموع الثلاث آية يدل عليه حديث أربع من كن
الخ.
وأيضاً
يدل عليه التفسير أعني إذا حدث كذب وإذا وعد الخ ، فإنه يدل على أنه يوجد فيه
الثلاث جميعاً ثم لا تنافي بين كون مجموع الثلاث أو مجموع الأربع علامة ، وهو ظاهر.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
24
ولعل
مجموع الثلاث أو مجموع الأربع على وجه الاعتياد لا يوجد في غير المنافق والله
تعالى أعلم.
26 ـ
باب قِيَامُ لَيلَةِ القَدْرِ مِنَ الإِيمَانِ
(1/19)
قوله
: (باب قيام ليلة القدر من الأيمان) أي أنه من خصال الإيمان وأن الإيمان يدعو إليه
ويقتضيه.
قوله
: (لا يخرجه) أي قائلاً لا يخرجه ولا بد من تقديره أو تقدير قال الله في أول
الحديث ، ولا يكفي القول بالالتفات بلا تقدير إذ لا يصح وقوع هذا الكلام من النبي
إلا على وجه الحكاية عن الله تعالى.
25
31 ـ
باب الصَّلاَةُ مِنَ الإِيمَانِ
قوله
: (يعني صلاتكم عند البيت) الظرف ليس متعلقاً بالصلاة حتى يرد أنه تصحيف والصواب
صلاتكم لغير البيت بل هو متعلق بقول الله تعالى : {وما كان الله أي ما كان الله
ليضع صلاتكم} قبل استقبال البيت عند استقبال البيت أي لا يبطل الله صلاتكم حين
استقبلتم البيت فإن استقبال البيت خير فلا يترتب عليه فساد الأعمال السابقة والله
تعالى أعلم.
26
قوله
: (وأنه صلى أول صلاة صلاها) أي إلى البيت صلاة العصر قيل صلاة العصر بالنصب على البدلية
من أول صلاة وهو مفعول صلى وقيل بالرفع أي بتقدير المبتدأ. قلت : والأقرب عندي أن صلاة العصر مفعول صلى ونصب أول صلاة على أنه
حال مقدم ، والوجهان المذكوران بعيدان من حيث المعنى. يظهر عند التأمل والله تعالى
أعلم.
قوله
: (فداروا كما هم) الظاهر أن الكاف بمعنى على وما موصولة وهم مبتدأ والخبر محذوف
أي عليه والمعنى فداروا على الهيئة التي كانوا عليها وقيل للمبادرة ، وقيل
للمقارنة. قلت : المبادرة لا يظهر لها كبير معنى ، والمقارنة أقرب منها أي فداروا
بما هم أي بالهيئة التي كانوا بها ثم رأيت القسطلاني نقل عن المصابيح أن الكاف
بمعنى على لكن قال : وما كافة وهم مبتدأ حذف خبره أي عليه. قلت : فحينئذٍ لا يظهر
للكلام معنى ، ولا يظهر أن مرجع ضمير عليه ماذا فافهم والله تعالى أعلم.
32 ـ
باب حُسْنِ إِسْلاَمِ المَرْءِ
(1/20)
قوله : (فحسن إسلامه) بضم السين المخففة أي صار حسناً بمواطأة الظاهر
الباطن ، ويمكن تشديد السين ليوافق رواية أحسن أحدكم إسلامه أي جعله حسناً
بالمواطأة المذكورة والله تعالى أعلم.
27
34 ـ
باب زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ
قوله
: (وقال تعالى اليوم أكملت الخ) قد قدمنا أن مراد السلف من قولهم يزيد وينقص أو
يكمل وينقص ، ونحوه أنه يوصف في الشرع بذلك أعم من أن يكون ذلك بزيادة في الشرائع
أو بوجه آخر ، ويظهر الاستدلال بهذه الآية والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
28
35 ـ
باب الزَّكاةُ مِنَ الإِسْلاَمِ
قوله
: (إلا أن تطوع) الذي يقول بالوجوب بالشروع يقول إنه استثناء متصل لأنه الأصل
والمعنى إلا إذا شرعت في التطوع ، فيصير واجباً عليك ، فيستدل بهذا الحديث على أن
الشروع موجب. قلت : لكن لا يظهر هذا في الزكاة إذ الصدقة قبل الاعطاء لا تجب وبعده
لا توصف بالوجوب ، ولا يقال إنه صار واجباً بالشروع فلزم إتمامه ، فالوجه أنه
استثناء منقطع أي لكن التطوع جائز أو خير ، ويمكن أن يقال من باب المبالغة في نفي
واجب آخر على معنى ليس عليك واجب آخر إلا التطوع ، والتطوع ليس بواجب فلا واجب غير
المذكور والله تعالى أعلم. اهـ سندي.
36 ـ
باب اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ مِنَ الإِيمَانِ
قوله
: (فإنه يرجع من الأجر بقيراطين) الباء متعلق بيرجع ، ومن بيان لقيراطين.
29
37 ـ
باب خَوْفِ المُؤْمِنِ مِنْ أَنْ يَحْبَطَ عَمَلُهُ وَهُوَ لاَ يَشْعُرُـ
(1/21)
قوله : (خوف المؤمن من أن يحبط عمله) أي خوفه من أن يكون منافقاً ،
فيحبط لذلك عمله وهو لا يعلم بنفاقه لكمال غفلته أو خوفه من أن يحبط عمله بشؤم
معاصيه كما رفع علم ليلة القدر من قلبه صلى الله تعالى عليه وسلم بشؤم الاختصار. قوله : (أن أكون مكذباً) ـ بكسر الدالـ أي مكذباً في الباطن
للحق الذي أذكره في الظاهر منافقاً واتهام النفس على هذا الوجه من كمال الإيمان أو
أكذب قولي بعملي أو بفتح الذال أي يكذبني عملي.
30
38 ـ
باب سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ {صلى الله عليه وسلّم} عَنِ الإِيمَانِ ،
وَالإِسْلاَمِ وَالإِحْسَانِ ، وَعِلمِ السَّاعَةِـ
قوله
: (أن تؤمن بالله) أي تصدق بوحدانيته ، وبما يليق به من الصفات ، فالمراد بقوله أن
تؤمن المعنى اللغوي والإيمان المسؤول عنه الشرعي فلا دور ، وفي هذا التفسير إشارة
إلى أن الفرق بين اللغوي والشرعي بخصوص المتعلق في الشرعي والله تعالى أعلم.
قوله
: (وبلقائه) قيل هو الموت قلت موت كل أحد بخصوصه أمر معلوم لا يمكن أن ينكره أحد
فلا يحسن التكليف بالإيمان به ، فالمراد والله تعالى أعلم.
موت
العالم وفناؤه كليه. وقيل هو الجزاء والحساب ، وعلى التقديرين هو غير البعث وقال
النووي : وليس المراد باللقاء رؤية الله تعالى فإن أحد لا يقطع لنفسه برؤية الله
تعالى لأن الرؤية مختصة بالمؤمنين ، ولا يدري بماذا يختم له اهـ. قلت : وهذا لا
ينافي الإيمان بتحقيق الرؤية لمن أراد الله تعالى من غير أن يختص بأحد بعينه ومثله
الإيمان بالجنة والنار ، وليس في الحديث ما يقتضي إيمان كل شخص برؤيته الله تعالى
كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
(1/22)
ثم رأيت
الشراح قد اعترضوا على النووي بما ذكرنا فالله الحمد على التوفيق قوله : (أن تعبد
الله) أي توحده بلسانك على وجه يعتد به فيشمل الشهادتين ، فوافقت هذه الرواية
رواية عمر ، وكذا حديث بني الإسلام على خمس اهـ. سندي.
قوله
: (ما الإحسان) أي الإحسان في العبادات أو الإحسان الذي حث الله تعالى العباد على
تحصيله في الكتاب بقوله والله يحب المحسنين قوله : (كأنك تراه) صفة مصدر محذوف أي
عبادة كأنك فيها تراه أو حال أي والحال كأنك تراه وليس المقصود على تقدير الحالية
أن ينتظر بالعبادة تلك الحال ، فلا يعبد قبل تلك الحال بل المقصود تحصيل تلك الحال
في العبادة.
والحاصل
أن الإحسان هو مراعاة الخشوع والخضوع ، وما في معناهما في العبادة على وجه مراعاته
لو كان رائياً ولا شك أنه لو كان رائياً حال العبادة لما ترك شيئاً مما قدر عليه
من
31
الخشوع
وغيره ، ولا منشأ لتلك المراعاة حال كونه رائياً إلا كونه رقيباً عالماً مطلعاً
على حاله ، وهذا موجود وإن لم يكن العبد يراه تعالى ولذلك قال {صلى الله عليه
وسلّم} في تعليله فإن لم نكن نراه فإنه يراك أي وهو يكفي في مراعاة الخشوع على ذلك
الوجه ، فإن على هذا وصيلة لا شرطية والله تعالى أعلم.
(1/23)
قوله
: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) ظاهره أن معناه أنهما متساو بأن لكن المساواة
متحققة في جواب الإسلام والإيمان ، وغيره أيضاً إذ الظاهر أن جبريل كان عالماً بحقيقة
الإسلام والإيمان ، ولهذا قال صدقت فتخصيص هذا الجواب بهذا السؤال بالنظر إلى أن
السائل في الحقيقة هم الصحابة ، وجبريل إنما هو سائل نيابه عنهم فبالنسبة إليهم
السائل فيما سبق كأنه غير عالم بخلاف المسؤول ، وهاهنا السائل والمسؤول عنها
متساويان ، وقد يقال هو كناية عن تساويهما في عدم العلم لا عن تساويهما مطلقاً ،
فصار الجواب مخصوصاً بهذا السؤال ، وإنما سأل جبريل ليعلمهم أن الساعة لا يسأل
عنها وكلام بعضهم يشر إلى أن المعنى وليس الذي يسأل عنها كأننا من كان بأعلم من
الذي يسأل فلا يختص الكلام بسائل ومسؤول عنها بل يعم كل سائل ومسؤول ، وعلى هذا
فوجه تخصيص هذا الجواب بهذا السؤال واضح والله تعالى أعلم.
39 ـ
باب
قوله
: (وكذلك الإيمان حتى يتم) كأن مراد المصنف أن هذا اللفظ يدل على أن أهل
32
الكتاب
كانوا أيضاً يعتقدون أن الإيمان يقبل التمام والنقصان والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
40 ـ
باب فَضْلِ مَنِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
قوله
: (الحلال بين الخ) ليس المعنى أن كل ما هو حلال عند الله تعالى فهو بين بوصف الحل
يعرفه كل أحد بأنه حلال وأن ما هو حرام ، فهو كذلك وإلا لم يبق مشتبهات ضرورة أن
الشيء لا يكون في الواقع إلا حراماً أو حلالاً ، فإذا صار الكل بيناً لم يبق شيء
محلاً للاشتباه ، وإنما المعنى والله تعالى أعلم.
(1/24)
أن
الحلال بين حكماً وهو أنه لا يضر تناوله. وكذا الحرام بين من حيث إنه يضر تناوله
أي هما يعرف الناس حكمهما لكن ينبغي للناس أن يعرفوا حكم المحتمل المتردد بين كونه
حلالاً أو حراماً ، ولهذا عقب هذا ببيان حكم المشتبه ، فقال فمن اتقى الخ أي حكم
المشتبه أنه إذا تناوله الإنسان يخرج عن الورع ويقرب إلى تناول الحرام ، وقد يقال
المعنى الحلال الخالص بين وكذا الحرام الخالص بين يعلمهما كل أحد لكن المشتبه غير معلوم
لكثير من الناس. وفيه أنه أن أريد بالخالص الخالص في علم الناس فلا فائدة في الحكم
إذ يرجع المعنى إلى أن المعلوم بالحل معلوم بالحل ولا فائدة فيه ، وأن أريد بالنظر
إلى الواقع فكل شيء في الواقع إما حلال خالص وإما حرام خالص ، فإذا صار كل منهما
بينا لم يبق شيء مشتبهاً والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
41 ـ
باب أَدَاءُ الخُمُسِ مِنَ الإِيمَانِ
قوله
: (قال شهادة أن لا إله إلا الله الخ) تفسير الإيمان بالأمور المذكورة باعتبار
إطلاقها
33
على
الإسلام ، وأما الإيمان بمعنى التصديق فكأنه كان معلوماً للقوم حاصلاً لهم فلم
يذكره. وقوله : "وأن تعطوا يصير خامساً" والجواب أن المراد بأربع هي ما
أمرهم به عموماً ، وهذا يختص بالمجاهدين ، وكان القوم منهم فمعنى أمرهم بأربع أي
عموماً فلا إشكال غاية الأمر أن هذا ليس من جملة تفصيل الأربع بل مقابل لها.
قوله
: (باب ما جاء أن الأعمال بالنية الخ) كأنه ذكره ههنا لتعلق النية بالقلب الذي هو
محل الإيمان.
34
43 ـ
بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "الدِّينُ النَّصِيحَةُ :
لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ"
(1/25)
قوله
: (الدين النصيحة لله الخ) النصيحة الخلوص عن الغش ومنه التوبة النصوح فالنصيحة
لله أن يكون عبداً خالصاً له في عبوديته عملاً ، واعتقاداً ولرسوله أن يكون مؤمناً
به خالصاً معظماً وموقراً له مطيعاً لا عن خيانة ، وعلى هذا القياس والله تعالى
أعلم.
35
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 13
3 ـ
كتاب العلم
1 ـ
باب فَضْلِ العِلمِ
قوله
: (وقول الله عز وجل يرفع الله الآية) هو بالرفع وهو المضبوط في الأصول كما ذكره
الشيخ ابن حجر والتقدير ، وفيه أي في بيان الفضل قول الله أو يدل عليه قول الله
والقرينة على المحذوف ظهور أن الآية من أدلة الفضل والدليل ، يدل على المدلول ،
ويكون في بيانه فبطل قول من قال لا يصح الرفع لا على الفاعلية وهو ظاهر ولا على
الابتداء لعدم الخبر وتقدير الخبر يحتاج إلى قرينة ، ولا قرينة فتأمل. وقوله يرفع
الله بكسر العين جواب الأمر السابق والخطاب للمؤمنين مطلقاً فمن في قوله منكم
للبيان كما قالوا في قوله تعالى : {الذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} لا للتبعيض
ومحل الاستدلال هو عطف ، والذين أوتوا العلم في محل رفع الدرجات على الذين آمنوا
عطف الأخص على الأعم ، ومثله يفيد زيادة فضيلة الأخص ، وكثرة الاهتمام بشأنه والله
تعالى أعلم.
والمعنى
إذا قيل لكم أيها المؤمنون انشزوا أي قوموا عن المجلس فانشزوا أي قوموا عنه يرفع
الله درجاتكم أيها المؤمنون سيما درجات علمائكم وتمام التحقيق يقتضي بسطاً ليس هذا
موضعه.
36
4 ـ
بابُ قَوْلِ المُحَدِّثِ : حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا
(1/26)
قوله : (باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا) أي : هل لهذا القول
ونحوه أصل بأن ورد في كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم وكلام أصحابه أم لا ؛ وقيل : مراده هل هذه الألفاظ بمعنى واحد أم لا ؟ وأنت خبير بأن ما ذكره
في الباب لا يدل على ذلك إلا بتكلف ولعله لا يتم ، وعلى ما ذكرنا فذكر قول ابن
عيينة استطرادي والله تعالى أعلم.
37
7 ـ
باب القراءةُ وَالعرضُ عَلى المُحَدِّثِ
قوله
: (واحتج مالك بالصك يقرأ على القوم فيقولون أشهدنا فلان) ظاهره أن المقر يقرأ
الصك على الشهود فيسوغ لهم الشهادة بذلك ، ولا يناسب المقصود فإنه من باب قراءة
الأصل على الفرع ولا كلام فيه ، وإنما الكلام في قراءة الفرع على الأصل فالوجه أن
يقال المراد يقرأ رجل من الشهود أو غيرهم على قوم فيهم المقر ، فيقول نعم فيقول
بعض القوم. وكذا القارىء مثلاً أشهدنا فلان المقر الذي هو من جملة المقروء عليهم
فصار المقر مقروءاً عليه ، وصحت الشهادة عليه بذلك ، فإذا صحت الشهادة عليه بذلك ،
صحت الرواية عنه بذلك بالأولى ، أو المعنى يقرأ عند القوم على رجل فيقول القوم
أشهدنا فلان المقروء عليه ومآل المعنى واحد ، وإنما الفرق بتقدير الكلام ، وعلى
الوجهين فهذا دليل على صحة الرواية بالقراءة
38
على
الشيخ لمن يقرأ ولمن حضر معه ، وهو المطلوب في الترجمة لا خصوص صحة الرواية
للقارىء فقط. بل هو ومن حضر معه عند القراءة على الشيخ سواء والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
(1/27)
قوله : (أسألك بربك ورب من قبلك الخ) قال ذلك لزيادة التوثيق والتثبيت
كما يؤتى بالتأكيد لذلك ويقع ذلك في أمر يهتم بشأنه ، ولم يقل ذلك لإثبات النبوّة بالحلف
فإن الحلف لا يكفي في ثبوتها ومعجزاته صلى الله تعالى عليه وسلم كانت مشهورة
معلومة وهي ثابتة بتلك المعجزات ، والأقرب أن الرجل كان مؤمناً بها. وقوله آمنت
اخبار ويحتمل أنه آمن حينئذٍ وقوله آمنت إنشاء وعلى الأول ، فالاستفهام في قوله
آلله بالمد كما في قوله تعالى آلله أذن لكم لزيادة التحقيق والتثبيت لا على حقيقته
لأن حقيقته تقتضي الجهل بالمستفهم عنه ، والوجه لمن يقول إن آمنت كان إنشاء أن
يستدل بحقيقة الاستفهام إذ الأصل هو الإبقاء على حقيقته وحقيقته تقتضي أن الرجل
كان وقت الاستفهام غير عالم بالنبوّة فافهم.
39
9 ـ
بابُ مَنْ قَعَدَ حَيثُ يَنْتَهِي بِهِ المَجلِسُ ، وَمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي
الحَلقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا
قوله
: (باب من قعد حيث ينتهي به المجلس) ، ضمير به لمن قعد لا لحيث إذ لم يعهد رجوع
الضمير إلى الظرف في الجملة المضاف إليها أي حيث يتم المجلس بذلك القاعد أي يقعد
في آخره ومنتهاه إذ المجلس يتم وينتهي ، بمن قعد في آخره. ويمكن جعل الباء للتعدية
أي يقعد حيث يبلغه المجلس ، ويقتضي المجلس جلوسه فيه. اهـ. سندي.
قوله
: (إذ أقبل الخ) قيل كلمة إذ في أمثاله للمفاجأة ومجيئها للمفاجأة في جواب بينما
كثير ، وقيل زائدة والوجهان ذكرهما في القاموس قلت : والزيادة أقرب ههنا إذ إقبال
نفر إلى مجلس النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليس مما يعد من الأمور الغريبة حتى
يحسن إدخال إذ الفجائية عليه والله تعالى أعلم.
40
(1/28)
قوله
: (فأوى إلى الله) ، أي قصد قربه والتوجه إليه بالاقبال على مجلس العلم بلا إدبار
قوله : (فاستحيا) أي بالاقبال على المجلس بعد
أن أدبر كما ورد ، وقيل بترك المزاحمة.
11 ـ
بابٌ العِلمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ
قوله : (باب العلم قبل القول والعمل) الظاهر أن مراده بيان تقدم العلم
على القول والعمل شرفاً ، ورتبة لا زماناً فدلالة ما ذكره في الباب على التقدم الزماني
غير ظاهرة وإنما يدل على المعنى الأوّل والله تعالى أعلم.
41
12 ـ
بَابُ ما كَانَ النَّبِيُّ {صلى الله عليه وسلّم} يَتَخَوَّلُهُمْ بِالمَوْعِظَةِ
وَالعِلمِ كَي لاَ يَنْفِرُوا
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
قوله
: (يتخولهم بالموعظة) أي يصلحهم ويراعي الأوقات في تذكيرهم.
14 ـ
بَابُ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيراً يُفَقِهْهُ فِي الدِّينِ
قوله
: (من يرد الله به خيراً الخ) قيل إن لم نقل بعموم من فالأمر واضح إذ هو في قوة
بعض من أريد به الخير ، وإن قلنا بعمومها يصير المعنى كل من يراد به الخير وهو
مشكل بمن مات قبل البلوغ مؤمناً ونحوه ، فإنه قد أريد به الخير وليس بفقيه ، ويجاب
بأنه عام مخصوص كما هو أكثر العمومات أو المراد من يرد الله به خيراً خاصاً على
حذف الصفة اهـ. قلت :
42
(1/29)
الوجه
حمل الخير على العظيم على أن التنكير للتعظيم ، فلا إشكال على أنه يمكن حمل الخير
على الإطلاق واعتبار تنزيل غير الفقه في الدين منزلة العدم بالنسبة إلى الفقه في
الدين فيكون الكلام مبيناً على المبالغة كأن من لم يعط الفقه في الدين ما أريد به
الخير وما ذكر من الوجوه لا يناسب المقصود ، ويمكن حمل من على المكلفين لأن كلام
الشارع غالباً يتعلق ببيان أحوالهم ، فلا يرد من مات قبل البلوغ أو أسلم ومات قبل
مجيء وقت الصلاة مثلاً أي قبل تقرر التكليف والله تعالى أعلم.
قوله
: (وإنما أنا قاسم) أي اختلافهم في الفقه ليس بأمر من جهته بل بأمر من جهة الله
تعالى فهذا كالاعتذار ، وقوله ولن تزال الخ ظاهر الحديث يفيد أن المراد قيامهم على
العلم والعمل به لا الجهاد فقط. والله تعالى أعلم.
15 ـ
بابُ الفَهْمِ فِي العِلمِ
قوله
: (باب الفهم في العلم) أي بيان أنه مختلف حتى أن ابن عمر مع صغر سنة فهم ما
43
خفى
على الكبار وليس المراد بيان فضل الفهم إذ لا دلالة للحديث عليه والله تعالى أعلم.
17 ـ
بابُ ما ذُكِرَ فِي ذَهَابِ مُوسى صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي البَحْرِ
إِلَى الخَضِرِ
(1/30)
قوله : (ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر) كأنه أراد بقوله في
البحر أي في ناحية البحر وطرفه لا أنه ركب البحر إذ المشهور أنه خرج في البر ، ثم رأيت
الشيخ ابن حجر كتب هذا الوجه على طريق الاحتمال مع احتمالات أخر من جملتها أن إلى
في قوله إلى الخضر بمعنى مع قوله : (وكان يتبع أثر الحوت في البحر) كأن المراد
فكان يريد وينتظر أن يفقد الحوت فيتبع أثره إذ الظاهر أنه ما اتبع الأثر إلا بعد
ما رجع إلى الصخرة لا أول الأمر ، ويمكن أن يكون معنى قوله فكان أي حال الرجوع
يتبع ويكون قوله فقال لموسى فتاه معطوفاً على قيل له لا على فكان يتبع ، والفاء
للدلالة على أن فتى موسى قال لموسى ذلك القول بعد الخروج بقليل والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
44
19 ـ
بابُ مَتَى يَصِحُّ سَماعُ الصَّغِيرِ
قوله
: (باب متى يصح سماع الصغير) أريد بالسماع مطلق التحمل ، ويؤخذ من مجموع حديثي
الباب أن سن صحة السماع والتحمل مطلق سن التعقل والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
45
21 ـ
بَابُ فَضْلِ مَنْ عَلِمَ وَعَلَّمَ
(1/31)
قوله : (كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً) أي : هي محل الانتفاع ، وهذا
القيد متروك ههنا اعتماداً على فهمه من التفصيل ، وبقرينة ذكر ضدّه في مقابل هذا القسم
وهو قوله ، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان الخ.m لأن قوله وأصاب
منها طائفة أخرى معطوف على جملة أصاب أرضاً ، وهذا ظاهر وعلى هذا فضمير منها في
وأصاب منها لمطلق الأرض المفهوم من الكلام لا للأرض المذكورة أوّلاً ، في قوله أصاب
أرضاً فصار الحاصل أنه قسم الأرض بالنسبة إلى المطر إلى قسمين ، لا إلى ثلاثة كما
توهمه كثير من الفضلاء ، فظهر انطباق المثل بالمثل له ، واندفع إيراد أن المذكور
في المثل ثلاثة أقسام وفي المثل له قسمان ، كما لا يخفى إلا أنه قسم القسم الأوّل
من الأرض الذي هو محل الانتفاع أيضاً ، أي قسمين قسم ينتفع بنتائج مائه النازل فيه
، وثمراته لا بعين ذلك الماء ، وقسم ينتفع بعين مائه تنبيهاً على أن الذي ينتفع
بعلمه الواصل إليه قسمان من الناس قسم ينتفع بثمرات علمه ونتائجه كأهل الاجتهاد والاستخراج
والاستنباط ، وقسم ينتفع بعين علمه ذلك كأهل الحفظ والرواية.
والحاصل
أنه {صلى الله عليه وسلّم} شبه ما أعطاه الله من أنواع العلوم بالوحي الجلي أو
الخفي بالماء النازل من السماء في التطهير وكمال التنظيف والنزول من العلو إلى
السفل ، ثم قسم الأرض بالنظر إلى ذلك الماء قسمين : قسماً هو محل الانتفاع
، وقسماً لا انتفاع فيه. وكذا فسم الناس بالنظر إلى العلم قسمين على هذا الوجه إلا
أنه قسم القسم الأول من الأرض إلى قسمين ، واكتفى به في قسمه القسم الأول من الناس
إلى قسمين لوضوح الأمر ، وعلى هذا فأصل المثل تام بلا تقدير في الكلام والله تعالى
أعلم.
(1/32)
ثم قوله
أصاب أرضاً نعت الغيث لأن اللام لتعريف الجنس ومدخوله كالنكرة ، فيوصف بالجملة كما
في قوله ، كمثل الحمار يحمل أسفاراً أو حال منه والله تعالى أعلم اهـ. سندي.
46
22 ـ
باب رَفعِ العِلمِ وَظُهُورِ الجَهْلِ
قوله
: (أن يرفع العلم) ، أي بقبض أهله كما ورد وقوله ، ويثبت الجهل أي ببقاء أهله أو
بإيجادهم إذ من وجد بعد أهل العلم يبقى جاهلاً لعدم العلم ، ويمكن أن يكون إفناء
أهل العلم هو إفناء الرجال وإبقاء أهل الجهل هو إبقاء النساء كما هو مؤدى الرواية
الثانية والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
23 ـ
باب فَضْلِ العِلمِ
قوله
: (باب فضل العلم) أي ماذا يفعل له.
وحاصل
ما يفيده الحديث أنه إذا فضل من العلم فضل عند الرجل يؤثر به بعض أصحابه. فإن قلت
هل لفضل العلم تحقق في هذا العالم حتى يستقيم ما ذكرت ، وإلا فتحققه في عالم
المثال والرؤية لا يفيد. قلت يمكن تحققه في الكتب فإن زادت الكتب عند رجل على
47
قدر
حاجته يؤثر به بعض أصحابه والله تعالى أعلم.
وكذا
في الانتفاع بالشيخ ، فإذا بلغ الرجل مبلغ الشيخ أو قضى حاجته منه يتركه حتى ينتفع
به غيره ، ولا يشغله عن انتفاع الغير به مثلاً.
قوله : (إني لأرى الري الخ) قال بعض المشايخ يحتمل تقدير المضاف أي أثر
الري ، وهو الطراوة المشاهدة على ظاهر الجسد للعطشان بعد ما ترتوي حتى ظهر أثره في
الأظفار التي هي أصلب فهو نهاية الري والله تعالى أعلم.
48
قوله
: (لم أكن أريته) أي : مما أراد الله تعالى إراءته والله تعالى أعلم.
(1/33)
وقوله
حتى الجنة والنار غاية لمحذوف أي ورأيت الأمور العظام في هذا المقام حتى الجنة
والنار إذ الجنة والنار مما رآه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل ذلك ليلة
المعراج كما ثبت في الأحاديث ، فلا يصح جعل حتى الجنة غاية لرؤية ما لم يره قبل
إلا أن يجعل غاية له بتأويل أي ما لم أكن أريته في العالم السفلي ، فيمكن أنه صلى
الله تعالى عليه وسلم ما رأى قبل ذلك الجنة والنار في العالم السفلي ، ويمكن أن
يقال لعله رآهما في ذلك الوقت على صفة أو على وجه ما سبقت الرؤية قبل ذلك الوقت
على تلك الصفة ، أو على ذلك الوجه ، فتصح الغاية بالنظر إلى تلك الصفة ، وذلك
الوجه وإنما ذكرت الجنة والنار غاية لما في رؤيتهما في ذلك المقام الضيق مع عظمهما
المعلوم من الاستعداد والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
49
50
31 ـ
باب مَنْ أَعَادَ الحَدِيثَ ثَلاَثاً لِيُفهَمَ عَنْهُ
قوله
: (وإذا تكلم بكلمة الخ) الظاهر أنه محمول على المواضع المحتاجة إلى الإعادة لا
51
على
العادة ، وإلا لما كان لذكر عدد الثلاث في بعض المواضع كثير فائدة مع أنهم يذكرون
في الأمور المهمة أنه قالها ثلاثاً كما تقدم في الكتاب في هذا الباب والله تعالى
أعلم.
فإن
قلت عنوان هذا الكلام يفيد الاعتياد قلت ، لو سلم يمكن أن يقال كان عادته إلا عادة
في كل كلمة مهمة لا في كل كلمة على أن تنكير كلمة للتعظيم والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
وأما
تكرار السلام فالأقرب فيه الحمل على الاستئذان فإن التثليث فيه معلوم والله تعالى
أعلم.
32 ـ
باب تَعْلِيمُ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ
(1/34)
قوله : (ثلاثة لهم أجران) الظاهر أن المراد لهم أجران على كل عمل لا أن
لهم أجرين على العملين ، إذ ثبوت أجرين على عملين لا يختص بأحد دون أحد ، نعم يمكن
لهؤلاء أن
52
يكون
لهم أجران على كل واحد من هذين العملين أو لهم أجران على كل عمل من جميع أعمالهم
والله تعالى أعلم.
قوله
: (ثم قال عامر أعطيناكها الخ) كأن مراده تعريف قدر الحديث ليحفظه علماً وعملاً
ولا يضيعه.
33 ـ
باب عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعْلِيمِهِنَّ
قوله
: (فجعلت المرأة تلقى الخ) يمكن أنها تصدقت من مالها أو من مال زوجها بعلمه لحضوره
، والأول أقرب والله تعالى أعلم.
34 ـ
باب الحِرْصِ عَلَى الحَدِيثِ
قوله
: (أحد أول منك) لفظ أول إما بالرفع على أنه صفة أحد وقيل بدل وهو بعيد ، وإما
بالنصب فقيل على أنه ظرف ويمنعه تعلق منك به وقيل على أنه مفعول لظننت ولا يظهر له
53
معنى
وقيل على أنه حال وهو الوجه قوله : (خالصاً من قلبه)
إما أن يحمل الإخلاص على ما هو فوق الإخلاص المعتبر في مطلق الإيمان أو تعتبر
الأسعدية بالنسبة إلى الشفاعة العامة الشاملة للكفرة إلا أنه يلزم منه أن الكافر
سعيد بشفاعته ، والقول بأن الكافر سعيد بعيد إلا أن يقال ما لزم منه هذا القول إلا
ضمنا وهو غير بعيد ، وإنما البعد أن يقال الكافر سعيد بشفاعته صريحاً أو يجرد أسعد
عن معنى التفضيل ، ويعتبر بمعنى أصل الفعل ، لكن استعمال أسعد بالإضافة التي هي من
مقتضيات معنى التفضيل يبعد القول بالتجريد فافهم.
54
37 ـ
باب مَنْ سَمِعَ شَيئاً فَرَاجَعَ حَتَّى يَعْرِفَهُ
(1/35)
قوله : (كانت لا تسمع) بصيغة المضارع لأنها تدل على الاعتياد والاستمرار
بعد كان والدلالة على الاعتياد مطلوبة قوله : (إنما ذلك العرض) أي الحساب اليسير
ليس من باب الحساب ، وإنما هو من باب العرض أي عرض أفعال العبد عليه مع التبشير
بالغفران والحساب لا يكون إلا بنوع مناقشة عن ومن حوسب كذلك يعذب ، وعلى هذا فليس
حاصل الجواب بيان التجوز في قوله من حوسب عذب بأن المراد الحساب في هذا الكلام
المناقشة في الحساب حتى يرد أن قوله إنما ذلك العرض لا يحتاج إليه في تمام الجواب
، بل حاصل الجواب حمل الحساب اليسير على العرض وأن مطلق الحساب لا يخلو عن نوع
مناقشة ، والمناقشة حالة الحساب تقضي إلى الهلاك فصح قوله من حوسب عذب ، ولم يكن
منافياً للآية والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
38 ـ
باب لِيُبَلِّغَ العِلمَ الشَّاهِدُ الغَائِبَ
قوله
: (سمعته) أي : القول وكذا ضمير وعاه للقول ، وأما ضمير أبصرته فللنبي صلى الله
55
تعالى
عليه وسلم وليس هو من التفكيك القبيح لظهور القرينة قوله : (إن الله قد أذن لرسوله
الخ) أي : كان حلها مخصوصاً به ، فلا يتم به الدليل وقوله وإنما أذن لي الخ أي
وكان ذلك الحل أيضاً ساعة لا على الدوام فدليله باطل بوجهين بخصوص الحل به ، وعدم
دوامه وقوله ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس أي عادت حرمتها بعد الساعة
كحرمتها قبلها ، فالمراد باليوم ما بعد الساعة لا يوم التكلم لأن عود الحرمة كان
يوم القتال بعد ما انقضت ساعة الحل والتكلم كان الغد من يوم القتال ، والمراد
بالأمس ما قبل الساعة لا أمس يوم التكلم والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم) أي فيما يفيده قوله ليبلغ الخ من
الحاجة إلى التبليغ والله تعالى أعلم.
(1/36)
وهذا
اعتراض وقوله ألا هل بلغت من جملة الحديث.
56
40 ـ
باب كِتَابَةِ العِلمِ
قوله
: (هل عندكم كتاب) الخطاب لأهل البيت والمراد هل عندكم علم مخصوص بكم مكتوب أو لا
خصكم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم به كما يقول الشيعة وقوله قال لا أي ليس
عندنا علم مطلقاً مكتوباً أو غيره إلا كتاب الله تعالى أو فهم أي علم هو أثر فهم
واجتهاد ، أو ما في هذه الصحيفة فقوله فهم على حذف المضاف والاستثناء متصل من مطلق
العلم ، وكل ما ذكره من كتاب الله تعالى وغيره علم بعضه مكتوب وبعضه لا. ويمكن إجراء
الكلام على
57
ظاهره
أي هل عندكم علم مكتوب ؟ فقال لا أي ليس عندنا علم مكتوب ، إلا كتاب الله تعالى أو
أثر فهم ويلزم على هذا أنه كتب بعض آثار فهمه واجتهاده ، وأراد بالفهم ذلك الأثر
المكتوب ، وعلى الوجهين فحاصل الجواب نفي الخصوص بأنه ليس عندهم إلا ما عند غيرهم
من كتاب الله تعالى ، وما في الصحيفة وأن الله تعالى يخص بالفهم من يشاء ، وذاك
ليس تخصيصاً من النبى {صلى الله عليه وسلّم} والله تعالى أعلم.
قوله
: (فهو بخير النظرين) أي وليه مخير بين نظرين يختار أيهما شاء وقوله إما أن يعقل
على بناء المفعول أي يؤدي دية القتيل ، وقوله وإما أن يقاد أي يمكن أهل القتيل من
قاتله ليقتلوه اهـ. سندي.
قوله
: (إلا ما كان من عبد اللهبن عمرو) أن أريد بكلمة ما الموصولة الكتابة مثلاً يكون
استثناء منقطعاً ، بمعنى لكن لا استثناء مفرد من مفرد إذ لا معنى لقولنا ليس أحداً
كثر حديثاً إلا الكتابة التي كانت صادرة من عبد الله إذ الاستثناء سواء كان متصلاً
أو منقطعاً إذا كان استثناء مفرد من مفرد ، فلا بد من الاتحاد في الحكم ، وهو ههنا
غير مناسب إذ لا توصف الكتابة بأنها أكثر حديثاً بل استثناء جملة من جملة بمعنى الاستدراك
كما يقال ما نفع إلا ضر أي لكن ضر ،
58
(1/37)
والتقدير
ههنا إلا ما كان من عبد الله ، وهو الكتابة لم يكن مني فالخبر محذوف ، والجملة
استثناء أي لكن ما فعلت ما فعله عبد الله ، وإن أريد بالموصول أحد أو رجل مثلاً
كان الاستثناء متصلاً ، وعلى هذا تكون كان تامة ويكون من عبد الله بياناً أي إلا
أحداً أو رجلاً تحقق هو عبد الله ، ويجوز أكتب أن يجعل كلمة ما عبارة عن الأحاديث
، ويكون الاستثناء متصلاً نظراً إلى المعنى إذ حاصل المعنى ما كان أحاديث أحد أكثر
إلا أحاديث حصل جمعها من عبد الله والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
قوله
: (ائتوني بكتاب) لعل المراد به ما يكتب فيه ، وبقوله كتب لكم كتاباً ما يكتب ،
ولذلك أتى بالمظهر قيل إنما كان هذا الأمر من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ، اختباراً
لأصحابه فهدى الله عمر لمراده ، ومنع من احضار الكتاب وخفي ذلك على ابن عباس ،
وعلى هذا فينبغي عدّ هذا في جملة موافقة عمر ربه اهـ. قلت : يأبى عنه قوله لا
تضلوا بعده لأنه جواب ثان للأمر فمعناه أنكم لا تضلون بعد الكتاب إن أتيتم به
وكتبت لكم ولا يخفى أن الأخبار بمثل هذا الخبر لمجرد الاختبار بل في موضع يكون ترك
إحضار الكتاب أولى وأصوب من إحضار من قبيل الكذب الواضح الذي ينزه كلامه صلى الله
تعالى عليه وسلم عنه ، فلا بد ههنا من اعتذار آخر.
(1/38)
وحاصل
ما ذكروا في الاعتذار أن أمر ائتوا ما كان أمر عزيمة وإيجاب حتى لا يجوز مراجعته ،
ويصير المراجع عاصياً بل كان أمر مشورة وكانوا يراجعونه صلى الله تعالى عليه وسلم
في بعض تلك الأوامر سيما عمر. وقد علم من حاله أنه كان موفقاً للصواب في درك
المصالح ، وكان صاحب إلهام من الله عز وجل ذكره وثناؤه ، ولم يقصد عمر بقوله قد
غلب عليه الوجع أنه يثوهم عليه الغلط به ، وإنما أراد التخفيف عليه من التعب الشديد
اللاحق به من إملاء الكتاب بواسطة ما معه من الوجع فلا ينبغي للناس أن يبشاروا ما
يصير سبباً للحوق غاية المشقة به في تلك الحالة ، فرأى أن ترك إحضار الورق أولى مع
أنه خشي أن يكتب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أموراً يعجز عنها الناس فيستحقون
العقوبة بسبب ذلك لأنها منصوصة لا محالة لا اجتهاد فيها أو خاف لعل بعض المنافقين
يتطرقون به إلى القدح في بعض ذلك المكتوب لكونه في حال المرض فيصير سبباً للفتنة
فقال حسبنا كتاب الله لقوله تعالى : {ما فرطنا في الكتاب من شيء} ، وقوله : {اليوم
أكملت لكم دينكم} فعلم أن الله تعالى أكمل دينه
فأمن الضلال على الأمة اهـ. كلامهم بخلاصته. وفيه نظر لأن قوله
لا تضلوا يفيد أن الأمر للإيجاب إذ السعي فيما يفيد الأمن من الضلال واجب على
الناس ، وقول من قال : كان واجباً
59
(1/39)
لم يتركه
لاختلافهم كما لم يترك التبليغ لمخالفة من خالف يفيد أنه ما كان واجباً عليه صلى
الله تعالى عليه وسلم كتابته لهم ، وهو لا ينافي الوجوب عليهم حين أمرهم به ، وبين
أن فائدته الأمن من الضلالة ودوام الهداية ، فإن الأصل في الأمر هو الوجوب على
المأمور لا على الآمر سيما إذا كان فائدته ما ذكر ، والوجوب عليهم هو محل الكلام
لا الوجوب عليه على أنه يمكن أن يكون واجباً عليه ، وسقط الوجوب عنه بعدم امتثالهم
للأمر ، وقد رفع علم تعيين ليلة القدر عن قبله صلى الله تعالى عليه وسلم بتلاحي
رجلين فيمكن رفع هذا كذلك ثم المطلوب تحقيق أنه كيف لا يكون للوجوب مع وجود قوله
لا تضلوا ، وهذه المعارضة لا تنفع في إفادة ذلك التحقيق ، وأما أنه خشي أن يكتب
أموراً تصير سبباً للعقوبة أو سبباً لقدح المنافقين المؤدي إلى الفتنة فغير متصور مع
وجود قوله لا تضلوا لأن هذا بيان أن الكتاب سبب للأمن من الضلال ودوام الهداية
فكيف يتوهم أنه سبب للعقوبة أو الفتنة بقدح أهل النفاق ومثل هذا الظن يوهم تكذيب
ذلك الخبر ، وأما قولهم في تفسير حسبنا كتاب الله أنه تعالى : {قال ما فرطنا في
الكتاب من شيء} وقال تعالى : {اليوم أكملت لكم دينكم} فكل منهما لا يفيد الأمن من
الضلال ودوام الهداية للناس حتى يتجه ترك السعي في ذلك الكتاب للاعتماد على هاتين
الآيتين كيف ، ولو كان كذلك لما وقع الضلال بعد مع أن الضلال والتفرق في الأمة قد
وقع بحيث لا يرجى رفعه. ولم يقل صلى الله تعالى عليه وسلم أن مراده أن يكتب
الأحكام حتى يقال أنه يكفي في فهمها كتاب الله تعالى ، فلعله كان شيئاً من قبيل
أسماء الله تعالى أو غيره مما ببركته مكتوباً عندهم بأمر نبيهم صلى الله تعالى
عليه وسلم بأمن الناس من الضلالة ، ولو فرض أن مراده كان كتابة بعض الأحكام فلعل النص
على تلك الأحكام منه
(1/40)
صلى
الله تعالى عليه وسلم سبب للأمن من الضلالة فلا وجه لترك السعي في ذلك النص اكتفاء
بالقرآن ، بل لو لم يكن فائدة النص إلا الأمن من الضلالة لكان مطلوباً جداً ، ولم
يصح تركه للاعتماد على أن الكتاب جامع لكل شيء كيف ، والناس محتاجون إلى السنة أشد
احتياج مع كون الكتاب جامعاً ، وذلك لأن الكتاب ، وإن كان جامعاً إلا أنه لا يقدر
كل أحد على الاستخراج منه ، وما يمكن لهم استخراجه منه فلا يقدر كل أحد على
استخراجه منه على وجه الصواب ، ولهذا فوض إليه البيان مع كون الكتاب جامعاً فقال
تعالى : {لتبين للناس ما نزل إليهم} ولا شك أن استخراجه صلى الله تعالى عليه وسلم
من الكتاب على وجه الصواب ، وهذا يكفي ويغني في كون نصه مطلوباً لنا سيما إذا
أمرنا به سيما إذا وعد على ذلك الأمن من الضلال فما معنى قول أحدنا في مقابلة ذلك
حسبنا كتاب الله بالوجه الذي ذكروا. قلت : فالوجه عندي طلب مخرج هو أحسن وأولى
60
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
(1/41)
مما ذكروا
إن شاء الله تعالى ، وهو أن عمر رضي الله تعالى عنه. لعله فهم من قوله صلى الله
تعالى عليه وسلم : "لا تضلوا بعده أنكم لا تجتمعون على الضلالة ولا تسري
الضلالة إلى كلكم" لا أنه لا يضل أحد منكم أصلاً ورأى أن إسناد الضلال إلى
ضمير الجمع لإفادة هذا المعنى لما قام عنده من الأدلة على أن ضلال البعض متحقق لا
محالة ، وذلك لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد أخبر في حال صحته أنه ستفترق الأمة
وستمرق المارقة وستحدث الفتن ، وهذا وغيره يفيد ضلال البعض قطعاً ، فعلم أن المراد
بقوله لا تضلوا هو أمن الكل بذلك الكتاب عن الضلالة لا أمن كل واحد من الآحاد ،
فلما فهم رضي الله تعالى عنه هذا المعنى ، وقد علم من آيات من الكتاب مثل قوله
تعالى : {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض} ، وقوله
سبحانه : {كنتم خير أمة} ، وقوله : {لتكونوا شهداء على الناس} ، وكذا من بعض
إخباراته صلى الله تعالى عليه وسلم كحديث : "لا تجتمع أمتي على الضلالة"
، وحديث : "لا يزال طائفة من أمتي" ونحو ظاهرين ذلك أن هذا المعنى حاصل
لهذه الأمة بدون ذلك الكتاب الذي أراد صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكتبه ، ورأى
أن ليس مراده صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك الكتاب إلا زيادة احتياط في الأمر لما
جبل عليه صلى الله تعالى عليه وسلم من كمال الشفقة ووفور الرحمة والرأفة صلى الله
تعالى عليه وسلم تسليماً كما فعل صلى الله تعالى عليه وسلم يوم بدر حيث تضرع إلى
الله تعالى في حصول النصر أشد التضرع ، وبالغ في الدعاء مع وعد الله تعالى إياه
بالنصر وإخباره صلى الله تعالى عليه وسلم قبل ذلك بمصارع القوم ، ورأى أن أمره صلى
الله تعالى عليه وسلم إياهم بإحضار الكتاب أمر مشورة بأنه يختار تعبه لأجل كمال
الاحتياط في أمرهم ، فلما كان كذلك أجاب عمر بما أجاب
(1/42)
للتنبيه
على أنهم أحق بمراعاة الشفقة عليه صلى الله تعالى عليه وسلم في تلك الحالة التي هي
حالة غاية الشدة ونهاية المرض ، وأن ما قصده حاصل لما أن الله تعالى قد وعد به في
كتابه ، وهذا معنى قوله حسبنا كتاب الله أي يكفي في حصول هذا المعنى ما وعد الله
تعالى به في كتابه ، وهذا مثل ما فعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه يوم بدر حين رأى
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في شدة التعب والمشقة بسبب ما غلب عليه من الدعاء
والتضرع حيث قال خلّ بعض مناشدتك ربك ، فإن الله منجز لك ما وعدك فقال كذلك شفقة
عليه لما علم أن أصل المطلوب حاصل بوعد الله تعالى.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
61
62
وهذا
منه صلى الله تعالى عليه وسلم زيادة احتياط بمقتضى كرم طبعه والله تعالى أعلم.
وبالجملة فهو صلى الله تعالى عليه وسلم قد ترك الكتاب ، والظاهر أنه ما ترك الكتاب
إلا لأنه ما كان يتوقف عليه شيء من أمر الأمة من أصل الهداية أو دوامها بل كان
لزيادة الاحتياط وإلا لما تركه مع ما جبل عليه من كرم طبعه. اهـ. سندي.
45 ـ
باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلعَالِمِ إِذَا سُئِلَ : أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟
فَيَكِلُ العِلمَ إِلَى اللَّهِ
(1/43)
قوله : (باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى
الله) قيل الظرف أعني إذا سئل متعلق بما بعده وليس بسديد إذ يلزم أن الباب موضوع لبيان
ما يستحب للعالم مطلقاً ، وليس كذلك ، كيف ولو كان كذلك لكان اللازم أن جميع ما
يستحب للعالم هو أن يكل العلم إلى الله إذا سئل أي الناس أعلم ، وهذا فاسد ، وإنما
هو موضوع لبيان ما يستحب له حين السؤال ، فالوجه أن الظرف متعلق بيستحب ، وأما
قوله فيكل فهو جزاء شرط محذوف حذف صوناً للكلام عن صورة التكرار مع ظهور القرينة ،
وهذا شائع كثير ومثل هذه الفاء الواقعة في جواب شرط محذوف تسمى فاء فصيحة والتقدير
إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله بمعنى فليكل من وضع الخبر موضع الإنشاء
، والجملة الشرطية لبيان ما يستحب له حين السؤال والله تعالى أعلم.
63
قوله
: (هو أعلم منك) أي في بعض العلوم ، وقول موسى أيضاً صحيح بالنظر إلى بعض العلوم ،
فلا يلزم الكذب في كلامه ، وهذا هو مقتضى كلام الخضر الذي سيجيء والله تعالى أعلم.
اهـ. سندي.
قوله
: (فإذا فقدته فهو ثم) أي في قرب محل الفقد فلا ينافي ما تقدم في الروايات أنه قيل
له إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه. ويمكن أن يقال المراد في قوله إذا فقدت أي
إذا علمت بالفقد ، والمراد بقوله إذا فقدته حقيقة الفقد فإنها كانت عند الصخرة ،
وعلم الفقد كان بعد ذلك ، والله تعالى أعلم.
(1/44)
قوله
: (فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما) هو بالنصب عطف على بقية أو بالجر عطف على
ليلتهما وتعتبر الإضافة بعد العطف ليكون إضافة إلى مجموع الليلة ، واليوم لا إلى
كل واحد إذ هما انطلقا بقية أحدهما وجميع الثاني فلا يصح أن يقال انطلقا بقية الليلة
وبقية اليوم ، ويصح أن يقال بقية المجموع إذ بقية أحدهما ، وتمام الثاني بقية
بالنظر إلى تمامهما ويحتمل العطف على البقية ويكون الجر للجوار ، والله تعالى أعلم.m ثم قيل الصواب تقديم اليوم على الليلة كما في رواية مسلم
ويوافقه قوله فلما أصبح ، ولا يقال أصبح إلا عن ليل. قلت : من تأمل في تقرير إضافة
البقية إلى مجموع اليوم والليلة يعرف أن الكلام صحيح على ذلك التقدير على الوجه
الذي في صحيح البخاري فليتأمل.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
قوله
: (وإني بأرضك السلام فقال : أنا موسى) هذا جواب من أسلوب الحكيم وتنبيه على أن
الذي ينبغي أن يكون أهمّ هو السؤال عمن سلم لا عن كيفية تحقق السلام في تلك الأرض
والله تعالى أعلم.
64
46 ـ
باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ ، عالِماً جالِساً
قوله
: (وما رفع إليه رأسه الخ) إن كان قائله أبا موسى يحكيه عن مشاهدة ذكره جواباً لمن
يقول لأيّ شيء رفع رأسه ، فالاحتجاج به واضح ، وإن كان قائله غيره ذكره استنباطاً
من قوله ، فرفع إليه رأسه ، فالاحتجاج في موضع نظر إذ يجوز رفع الرأس من المجيب
وقت الجواب ، وإن كان السائل قاعداً إذا صوب رأسه قبل الجواب كأنه ينظر إلى الأرض
مثلاً والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
65
48 ـ
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ العِلمِ إِلاَّ قَلِيلاً}
(1/45)
قوله : (لا تسألوه لا يجيء فيه) أي في جواب السؤال وقوله : لا يجيء
بالجزم جواب النهي أي إن لا تسألوه لا يجيء في جوابه بمكروه لعدم الجواب والسؤال ،
وإن سألتم يخاف أن يجيء بمكروه فاتركوا سؤاله. وقيل : بالنصب على أن لا زائدة والتقدير
: خشية أن يجيء أو أصلية ، والتقدير : لئلا يجيء ، وقيل : بالرفع على الاستئناف ،
قلت : فالمعنى لا يجيء في الجواب بمكروه إذا تركتم السؤال كما لا يخفى ولا يصبح
بلا اعتبار إذا تركتم السؤال كما لا يخفى.
49 ـ
باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ
النَّاسِ عَنْهُ
فَيَقَعُوا
فِي أَشَدَّ مِنْهُ
قوله
: (فيقعو في أشدّ منه) أي من ترك ذلك المختار.
66
50 ـ
باب مَنْ خَصَّ بِالعِلمِ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لاَ يَفهَمُوا
قوله
: (صدقاً من قلبه) أي شهادة صدق في اعتقاده أي يكون معتقداً أن هذه الشهادة شهادة
صدق لا أنه يشهد لغرض مع أنها شهادة كذب كالمنافقين والشهادة فعل اللسان وفعل القلب
لا يسمى شهادة فجعل من قلبه متعلقاً بيشهد على معنى أنه يشهد بالقلب غير ظاهر نعم
يمكن جعله متعلقاً به على معنى شهادة ناشئة من مواطأة قلبه لكن لا يبقى حينئذٍ
لقوله صدقاً كثير فائدة والله تعالى أعلم.
(1/46)
قوله
: (حرمه الله على النار) أي حرم دوام تعذيبه على النار ؛ وقيل : كان قبل نزول
الفرائض ، وفيه نظر لأنه مع كونه خلاف الواقع لأن صحبة معاذ في المدينة وفرضية
الصلاة بمكة لا يصح حينئذٍ قوله : إذا يتكلوا إلا أن يقال يتكلوا بعد شروع الأعمال
؛ وقيل : غير ذلك من التأويلات ، لكن جميع ما ذكروا من التأويلات يقتضي أن خوف
الاتكال إنما هو بالنظر إلى هذا اللفظ لا بالنظر إلى المراد حتى لو ذكر المراد
بلفظ واف بالمقصود لما كان هناك خوف اتكال أصلاً ، وهذا كما ترى وحقيقة الأمر إلى
الله تعالى.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
قوله
: (عند موته تاثماً) لا ينافيه النهي لجواز أنه علم أن النهي عن كتمان العلم كان
بعد
67
ذلك
فرآه مفسوخاً به ، وكون الخاص يخصص العام سواء كان متقدماً أو متأخراً مذهب بعض
الأصوليين ، فيجوز أن معاذاً لا يرى ذلك بل يرى أن المتأخر منهما ناسخ للمتقدم كما
هو مذهب أصحابنا الحنفية ، وعلى هذا يمكن أن يكون التأخير إلى الموت للتردد فيما
بين التخصيص ، والنسخ أو لعدم الكتمان قبل ذلك والله تعالى أعلم.
51 ـ
باب الحَيَاءِ فِي العِلمِ
قوله
: (باب الحياء في العلم) أي : لا ينبغي ومثله لا يسمى حياء شرعاً بل ضعفاً فلا ينافي
الحياء من الإيمان. ويفهم أن الحياء في العلم لا ينبغي من حديث ابن عمر بسبب قول
عمر. اهـ. سندي.
68
54 ـ
باب مَنْ أَجَابَ السَّائِلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ
قوله
: (من أجاب السائل بأكثر الخ) والجواب في الحديث وقع بأكثر من حيث أن السؤال كان
عما يلبس المحرم. والجواب جاء ببيان ما لم يلبس صريحاً وما يلبس ضمناً. وقيل :
السؤال كان حال الاختيار وجاء الجواب ببيان بعض حال الاضطرار أيضاً وهو فإن لم يجد
النعلين الخ.
69
(1/47)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 36
4 ـ
كتاب الوضوء
1 ـ
باب مَا جَاءَ فِي الوُضُوءِ
قوله
: (باب ما جاء في قول الله الخ) قد بين أن الأمر فيه للمرة لا للتكرار بما ذكر من
فعله صلى الله تعالى عليه وسلم.
2 ـ
باب لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيرِ طُهُورٍ
قوله
: (لا تقبل صلاة من أحدث الخ) قيل : ينبغي جعل الغاية للصلاة لا للقبول فالمعنى ما
صلى المحدث إلى الوضوء لا يقبل لا ما صلى فلا يقبل إلى الوضوء لأن الصلاة حالة
الحدث لا تقبل لا قبل الوضوء ولا بعده. اهـ. سندي.
70
3 ـ
باب فَضْلِ الوُضُوءِ وَالغُرُّ المُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ
قوله
: (والغر المحجلون) أي فيه الغر أي في هذا الباب ذكرهم أو في بيان الفضل ذكرهم
والله تعالى أعلم.
4 ـ
باب لاَ يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيقِنَ
قوله
: (باب لا يتوضأ من الشك) أي لا يلزمه الوضوء لا أنه لا ينبغي له أن يتوضأ نعم إذا
كان في الصلاة فلا ينبغي له إفساد الصلاة كما هو مقتضى الحديث.
قوله
: (حتى يسمع صوتاً الخ) كناية عن التيقن أعم من أن يكون بسماع صوت أو وجدان ريح أو
يكون بشيء آخر. وغلبة الظن عند بعض العلماء في حكم التيقن فبقي أن الشك لا عبرة به
، وإليه تشير ترجمة المصنف.
5 ـ
باب التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوء
قوله
: (يقول رؤيا الأنبياء الخ) أي ولا تكون الرؤيا وحياً إلا إذا كان قلبه يقظان.
71
6 ـ
باب إِسْبَاغِ الوُضُوءِ
قوله
: (إسباغ الوضوء الإنقاء) أي : لا الإكثار من الماء.
7 ـ
باب غَسْلِ الوَجْهِ بِاليَدَينِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ
(1/48)
قوله : (توضأ فغسل وجهه) الفاء للتفصيل وقوله : أخذ غرفة الخ بيان
لكيفية غسل الوجه إما لأنه حمل الوجه في قوله فغسل وجهه على ما يشمل ما فيه أو لأن
البداءة بمتعلقات الشيء تسمى كيفية لغسله ، وإن كانت تلك المتعلقات خارجة عنه.
72
قوله
: (فرش على رجله اليمنى حتى غسلها) في القاموس الرش نقض الماء ، وفي النهاية :
ابتلالها ، وذلك لأن الغسل يلزم فيه سيلان الماء والقطرات الصغار لا تسيل عن
مواضعها فكيف جعل حتى غسلها غاية للرش. ويجاب بمنع أن يكون المعتبر في الرش صغر
القطرات بحيث لا تسيل بل أعم ، ولو سلم فيجوز استعمال اسم الرش فيما إذا كانت
القطرات سائلة ، ولو تجوزا فأريد ههنا ذلك بقرينة جعل الغسل غاية ، ولو سلم فيجوز
أن يحصل الغسل بالرش ويترتب عليه بسبب تعدد مرات الرش وتكرره على كل بقعة من القدم
فلا إشكال في حصول غسل الرجل بالرش عليها ، وإلى الجواب الأول يميل كلام الكرماني
وإلى الثاني كلام العيني ، وإلى الثالث كلام ابن حجر رحمهم الله تعالى بل كلام ابن
حجر يحتمل الأجوبة الثلاثة والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
73
11 ـ
باب لاَ تُسْتَقْبلُ القِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ ، إِلاَّ عَنْدَ البِنَاءِ
، جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ
(1/49)
قوله : (باب لا يستقبل القبلة ببول ولا غائط إلا عند البناء) قال
الإسماعيلي : ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء
المذكورة أجيب بأن الغائط لغة اسم للمكان المطمئن من الأرض في القضاء ، ثم اشتهر
في نفس الخارج من الإنسان ، فيجمل الغائط في الحديث على معناه اللغوي لكونه
الحقيقة والحقيقة متقدمة على المجاز وعند الحمل على حقيقته اللغوية يصير النهي في
الحديث مخصوصاً بالفضاء ، ويؤيد هذا الحمل أنه يحصل به التوفيق بينه وبين حديث ابن
عمر. قلت لكن إطلاقه على الخارج من الإنسان
صار حقيقة عرفية والحقيقة العرفية متقدمة على الحقيقة اللغوية لكونها مجازاً
عرفياً ، والعبرة للعرف لا للغة ، فالوجه أن يقال : إن القرائن صارفة في الحديث عن
حمل الغائط على حقيقته العرفية ، فوجب الحمل على حقيقته اللغوية ، وبيان القرائن
أن استعمال الإتيان بالنظر إلى ما يخرج من الإنسان غير مستحسن إذ لا يقال أتى
البول أو العذرة بخلاف استعمال الإتيان بالنظر إلى المكان ، فإنه كثير شائع وأيضا الظاهر
أن النهي عن الاستقبال والاستدبار والأمر بالتشريق والتغريب إنما يحس توجههما حين
حضور الإنسان ذلك المكان قبيل إخراجه ذلك الخارج لا حين مباشرته بالإخراج ، فينبغي
حمل الغائط على المكان لا على الخارج من الإنسان ، فإذا لم يصح حمل الغائط على
معناه العرفي ينبغي أن يحمل على معناه اللغوي لا على مطلق المكان المعد لذلك
الخارج لأنه مجاز لغة وعرفاً ، ولأن النهي عن جهتين ، والتخيير بين جهتين أخريين
عند اتيان الغائط إنما يحسنان في الفضاء لا في البيوت ، فإن الإنسان في الفضاء
متمكن عند إتيان الغائط من الجهات الأربع ، فيمكن أن ينهي عن بعضها ، ويخير بين
بعضها ، وأما في البيوت فلا يتمكن عادة عند اتيان الغائط من الجهات الأربع بل
يتمكن منها عند بناء الكنيف ، وأما بعد البناء
(1/50)
عند
اتيان الغائط فهو يصير تابعاً لكيفية البناء والله تعالى أعلم.
وأما
القول بأن هذا الحديث عام مخصوص بحديث ابن عمر فبعيد لأن هذا قول خوطب به الناس
فلا يشمل الخطاب صلى الله تعالى عليه وسلم ، وذلك فعل له فيحتمل أن يكون مخصوصاً
به على أنه كان فعلاً مستوراً عن نظر الأغيار ، وإنما وقع عليه نظر ابن عمر
اتفاقاً ، والقول أن مثله يكون لبيان الجواز بعيد جداً ، فالوجه أن حديث النهي من
أصله مخصوص بالفضاء لا يعم البناء أصلاً وهو الموافق للقرائن فلعل من فهم عموم
الحكم ما فهم من لفظ الحديث إنما فهم من ظنه أن علة النهي إكرام القبلة عن
المواجهة بالنجاسة ، ففهم من عموم هذه العلة عموم الحكم والله تعالى أعلم. اهـ.
سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
74
75
76
19 ـ
باب لاَ يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ
قوله
: (ولا يتنفس في الإناء) عطف على مجموع الجملة الشرطية لا على الجزاء لأن المعطوف
على الجزاء يتقيد بالشرط ، وليس الشرط كسائر القيود حتى يقال إن القيد في المعطوف
عليه لا يلزم مراعاته في المعطوف ، وهذا كما قالوا في قوله تعالى : {فإذا جاء
أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} إن جملة يستقدمون معطوفة على تمام الجملة
الشرطية لا على الجزاء فقط فافهم ، اهـ. سندي.
21 ـ
بابُ لا يُسْتَنْجى بِرَوْثٍ
قوله
: (وألقى الروثة) قد استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاث في الاستنجاء ، وعلله
بأنه لو كان شرطاً لطلب ثالثاً وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وداود ، وأجيب بأن في
رواية
77
(1/51)
أحمد في
مسنده بإسناد رجاله ثقات أثبات عن ابن مسعود في هذا الحديث ، فألقى الروثة ، وقال
: إنها ركس ائتني بحجر أو أنه عليه الصلاة والسلام اكتفى بطرف أحد الحجرين عن
الثالث لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات ، وذلك حاصل ، ولو بواحد له
ثلاثة أطراف اهـ. قسطلاني.
78
29 ـ
بابُ غَسْلِ الأَعْقَابِ
قوله :
(وكان ابن سيرين يغسل موضع الخاتم) يريد أن دليل وجوب غسل الأعقاب يدل
79
على
وجوب الاستيعاب في كل ما أمر بغسله من الأعضاء ، فكان ابن سيرين بسبب ذلك يأخذ منه
وجوب غسل موضع الخاتم أيضاً ، وبه ظهرت المناسبة وعلم مقصود صاحب الكتاب بهذا
النقل والله تعالى أعلم.
قوله
: (أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم صلى الله تعالى عليه وسلم قال : الخ) هذا الكلام
يدل على أن قوله المذكور صلى الله تعالى عليه وسلم كان في إسباغ الوضوء فبطل به
تأويل الشيعة الحديث بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قاله لإزالة النجاسة الحقيقية عن
الأعقاب ، فافهم.
30 ـ
بابُ غَسْلِ الرِّجْلَينِ فِي النَّعْلَينِ ، وَلاَ يَمْسَحُ عَلَى النَّعْلَينِ
قوله
: (باب غسل الرجلين في النعلين) أي في وقت لبس النعلين عليهما أي إذا كان الإنسان
لابس النعلين في الرجلين يجب عليه غسل الرجلين ، ولا يجوز له الاكتفاء بالمسح على
النعلين كما في الخفين ، وليس المراد أنه يغسل الرجلين وهما في النعلين ولا
ينزعهما عنهما في حال الغسل كما لا يخفى.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
قوله
: (لا تمس من الأركان إلا اليمانيين) يفيد أن غير ابن عمر من الصحابة رضي الله
تعالى عنهم الذين رآهم كانوا يستلمون الأركان كلها أحياناً أيضاً ، وإن جاز أنهم
أحياناً يكتفون بمس اليمانيين والله تعالى أعلم.
(1/52)
قوله : (ويتوضأ فيها) المتبادر منه أنه يتوضأ الوضوء المعتاد في حال
لبسها فاستدل به المصنف على ترجمته ، ولو كان الوضوء حال لبسها لا على الوجه المعتاد
لذكر والله تعالى أعلم.
80
قوله
: (تنبعث به راحلته) أي فأنا أؤخر الاهلال إلى يوم التروية لأهلّ حين تنبعث بي
راحلتي إلى منى يوم التروية والله تعالى أعلم.
31 ـ
بابُ التيَمُّنِ فِي الوُضُوءِ وَالغَسْلِ
قوله
: (وفي شأنه كله) كأن المراد بالشأن هو الفعل المقصود أو المراد بشأنه ما يليق أن
يضاف إليه لا ما يباشره لضرورة. وبالجملة فنحو الدخول في الخلاء خارج عنه فلا يشكل
أن التأكيد للتنصيص على العموم فلا يصح ، فافهم. اهـ. سندي.
81
33 ـ
بابُ المَاء الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ شَعْرُ الإِنْسَانِ
قوله
: (باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان الخ) إعلم أنه وضع هذا الباب أصالة لبيان
حكم الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ، وحكم سؤر الكلاب ثم ذكر استطراداً حكم ممر
الكلاب أي : إذا مرت الكلاب في المسجد فهل يحتاج إلى غسل البقعة التي مرت فيها
أولاً ، وكذا ذكر حكم أكل الكلاب أي إذا أكلت الكلاب في الصيد فه يؤكل بقية ذلك
الصيد أم لا ، فالإضافة في أكلها من إضافة المصدر إلى الفاعل فصار الباب موضوعاً
لبيان حكم أربعة أشياء ، ثم بعد أن فرغ من ذكر أدلة طهارة الماء الذي يغسل به شعر
الإنسان أراد أن يزيد في الترجمة حكم شيء خامس ، وهو الإناء بأنه يجب غسله سبعاً
ليصير الباب موضوعاً لبيان حكم خمسة أشياء إلا أن هذا الخامس صار بعيداً عن الباب
أعاد له اسم الباب فقال : باب إذا شرب الكلب الخ ، ثم ذكر أدلة ما بقي من الأمور الخمسة
هذا ما يتعلق بتحقيق الترجمة والله تعالى أعلم.
(1/53)
وأما بيان
كيفية الاستدلال فقد استدل على طهارة الماء الذي يغسل به شعر الإنسان بحديث ابن
سيرين لأن وصول الشعر إلى ابن سيرين من أنس لنا هو بواسطة إعطاء النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم ، ويدل عليه حديث أنس وإعطاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
وتقسيمه بين الصحابة يدل على طهارة الشعر ودعوى خصوص الطهارة بشعر النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم غير مسموعة لكون الأصل هو العموم ، فإذا ثبت طهارة الشعر ثبت
طهارة الماء المغسول به الشعر لأن الماء طهور ، والشعر طاهر فمن أين النجاسة ،
واستدل على حكم الإناء بحديث إذا شرب الكلب وعلى حكم الممرّ بحديث كانت الكلاب
تقبل وتدبر وعلى حكم الأكل بحديث إذا أرسلت كلبك والكل واضح على الوجه الذي قررنا
في حل الترجمة بقي أنه استدل على حكم سؤر الكلب بحديث أن رجلاً رأي كلباً
والاستدلال به خفي تعرض له الشراح. بقي استدلال سفيان والظاهر أنه غير تام لأنه إن
أراد أنه ماء طاهر فهو في محل النزاع ، وإلا فلا شك أن المراد بالنص عندهم الظاهر والله
تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
82
35 ـ
بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلاَّ مِنَ المَخْرَجَينِ : مِنَ القُبُلِ
وَالدُّبُرِ
قوله
: (وقول الله تعالى أو جاء أحد منكم من الغائط الخ) وجه الاستدلال أنه تعالى بين
ما يوجب التيمم عند عدم القدرة على استعمال الماء ، فأشار إلى مطلق الحدث الأصغر
بقوله : {أو جاء أحد منكم من الغائط} كما أشار إلى الحدث الأكبر بقوله : {أو
لامستم النساء} ولا
83
(1/54)
تتم الإشارة
إلى مطلق الحدث الأصغر بذلك القول إلا إذا كان مطلق الحدث الأصغر خروج الخارج من
السبيلن إذ حينئذٍ يمكن أن يقال كني بقوله : {أو جاء أحد منكم من الغائط} عن معنى
أحدث بناء على أن الحدث هو ما يقصد له الغائط أو ما يكون مجاوراً له فيصح أن يكنى
عن مطلق الحدث بالمجيء من الغائط ، وأما إذا كان الحدث غير الخارج من السبيلين
أيضاً فلا يستقيم جعل {أو جاء أحد منكم من الغائط} كناية عن مطلق الحدث والله
تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (إلا من حدث) أي وقد بين أبو هريرة أن الحدث لا يخرج من السبيلين ببيان بعض
أقسام ما يخرج من السبيلين حيث قال هو فساء أو ضراط تنبيهاً به على أن الحدث من
جنس الفاء والضراط في أنه خارج من السبيلين والله تعالى أعلم.
قوله
: (ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم) لا دلالة فيه على أن خروج الدم غير ناقض إذ
لا تعرض فيه لحال الدم أصلاً ولو سلم فالمعذور يصلي مع الدم عند الحنفية أيضاً كما
لا دلالة فيه على أن الخروج ناقض فمن ادعى دلالته على أحدهما فقد بعد فافهم.
قوله
: (ولم يتوضأ) لم يرد مجرد الإخبار بأنه ما توضأ من ساعته إذ ليس له كبير فائدة بل
هو كناية عن كونه ما أعاد الوضوء بل بقي على وضوئه السابق والله تعالى أعلم.
قوله
: (ما لم يحدث فقال رجل الخ) حاصل استدلالة بأحاديث الباب أن ما ورد من الحدث في الأحاديث
الصحاح كله من قبيل الخارج من السبيلين تحقيقاً أو مظنة ففي حديث عثمان ، وأبي
سعيد الحدث هو الخارج مظنة من حيث إن الجماع لا يخلو عن خروج مذي. وفي الأحاديث
الباقية هو الخارج تحقيقاً ، وأما غير الخارج من السبيلين فما صح فيه حديث فلا يصح
القول بكونه ناقضاً وهو المطلوب والله تعالى أعلم. ومعنى قول أبي هريرة الصوت أي
ما
84
85
(1/55)
هو من
جنسه في الخروج من أحد السبيلين والله تعالى أعلم اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
37 ـ
بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ بَعْدَ الحَدَثِ وَغَيرِهِ
قوله
: (ثم قرأ العشر الآيات الخ) قيل هذا محل الاستدلال وليس بمستقيم إذ نومه صلى الله
تعالى عليه وسلم غير ناقض للوضوء وكونه توضأ بعده لا يدل على قيام الحدث حين
القراءة إذ يجوز حصول الحدث بعده أو حصول الوضوء بلا حدث فقيل محل الاستدلال صنع
ابن عباس ، ولا يخفى أنه كان صغيراً غير مكلف والكلام في أفعال المكلفين والله
تعالى أعلم.
86
39 ـ
بابُ مَسْحِ الرَّأْسِ كُلِّهِ
قوله
: (لقوله تعالى وامسحوا برؤوسكم) مبني على أن الرأس اسم الكل كالوجه وقولهم الباء
تدل على أن المراد به البعض منقوض بقوله تعالى في التيمم : {فامسحوا بوجوهكم}
فلا عبرة به ، وأما استدلال بالحديث فغير تامّ لأنه استدلال بمجرد الفعل الذي لم
يثبت دوامه ، ولو ثبت الدوام لما دل على الافتراض فكيف بدونه ، ولو كان له دلالة
على الافتراض لكان الفعل بخصوصية الإقبال والإدبار فرضاً ، ولا قائل به. اهـ. سندي.
87
41 ـ
بابُ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ وَضُوءِ النَّاسِ
(1/56)
قوله : (باب استعمال فضل وضوء الناس) أراد به ما يعم الباقي في الظرف
بعد الفراغ والمتقاطر من الأعضاء وهو الماء المستعمل ؛ قيل : مراده الرد على الحنفية
في الماء المستعمل لكن ما ذكر من الأحاديث لا يدل على طهارة المستعمل عيناً فضلاً
عن طهوريته إذ فضل الوضوء في الحديث ظاهر فيما بقي بعد الفراغ في الإناء. وأما
الوضوء فهو وإن كان ظاهراً في المستعمل لكن يحتمل أن يفسر بفضل الوضوء الباقي في
الظرف. وأما حديث أبي موسى فلم يكن هناك وضوء أصلاً بل هو استعمال في أعضاء الوضوء
لا على وجه التوضىء نعم إن ثبت أن المستعمل طاهر فيمكن إثبات جواز استعماله بقوله
تعالى : {فلم تجدوا ماء} على أن المراد بالماء فيه الماء الطاهر بالإجماع ، وأما
القيد الزائد على قيد الطهارة في الآية فممنوع ، والله تعالى أعلم.
88
89
45 ـ
بَابُ وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ ، وَفَضْلِ وَضُوءِ المَرْأَةِ
قوله
: (وتوضأ عمر بالحميم الخ) ذكر أثر عمر هذا والذي بعده استطراد ، وإنما المطلوب
الاستدلال بالحديث المرفوع ، ووجهه أن العادة قاضية في وضوء الجماعة من إناء واحد
بأن يسبق بعضهم بعضاً بالفراغ ، فلو كان فراغ المرأة قبل الرجال مفسد الماء على
الرجال لما مكنت من الوضوء معهم.H
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
والحاصل
أن مقتضى العادة في مثله أن يتوضأ بعض من فضل بعض كما لا يخفى ، وهذا القدر يكفي
في المطلوب فاتحة الاستدلال. وانكشف الإشكال. والله تعالى أعلم بالحال. اهـ. سندي.
90
91
92
51 ـ
باب إِذَا أَدْخَلَ رِجْلَيهِ وَهُمَا طاهِرَتَانِ
قوله
: (أدخلتهما طاهرتين) يدل على أن الشرط طهارة القدمين وقت اللبس ، ويلزم منه
اشتراط تمام الوضوء عند من يقول بالترتيب ولا يلزم عند غيره كما لا يخفى.
(1/57)
52 ـ
باب مَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ والسَّوِيق
قوله
: (باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق) لم يذكر في الباب ما يدل على حكم السويق
، فكأنه أشار إلى أن حكم السويق في عدم انتقاض الوضوء بعلم من حكم اللحم بالأولى.
53 ـ
باب مَنْ مَضْمَضَ مِنَ السَّوِيقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ
قوله
: (باب من مضمض من السويق) أي وغيره كاللحم وأشار بالاكتفاء على ذكر السويق إلى أن
حكم اللحم ونحوه من المأكولات في المضمضة يعلم من حكم السويق بالأولى على
93
عكس
ترجمة الباب السابق ، ولذلك ذكر حديث اللحم في الباب تنبيهاً على أن المضمضة ، وإن
ترك ذكرها في حديث اللحم لكنها معتبرة حكماً بدلالة حكم السويق بالأولى ، ويحمل
ترك الذكر على أنه اختصار من بعض الروايات أو على أنه ترك لبيان الجواز ولتوضيح
هذا التنبيه عقبه بباب اللبن لما في حديث اللبن من الدلالة على علة المضمضة التي هي
متحققة في اللحم بأتم وجه ، وأكمله وفي اللبن بأضعف وجه فافهم والله تعالى أعلم.
اهـ. سندي.
55 ـ
باب الوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ ، وَمَنْ لَمْ يَرَ مِنَ النَّعْسَةِ
وَالنَّعْسَتَينِ ، أَوِ الخَفقَةِ وُضُوءً
قوله
: (إذا نعس أحدكم الخ) كأنه استدل به على أن النعاس لا ينقض الوضوء إذ لو كان
ناقضاً للوضوء لما منع الشارع عن الصلاة بخشية أن يسب نفسه فيها ، بل وجب أن يذكر
الشارع أنه لا تصح صلاته مع النعاس أو نحوه لانتقاض وضوئه ، فإذا لم ينتقض الوضوء
بالنعاس تعين أن يكون الانتقاض بالنوم إذ لا مساغ للقول بعدم الانتقاض أصلاً.
94
56 ـ
باب الوُضُوءِ مِنْ غَيرِ حَدَثٍ
قوله
: (باب الوضوء من غير حدث) أي فعله أولى وليس بلازم.
57 ـ
باب مِنَ الكَبَائِرِ أَنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِنْ بَوْلِهِ
(1/58)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
قوله
: (وما يعذبان في كبير ثم قال : بلى) ، أي : وإنه لكبير كما جاء في بعض الروايات ،
وحمل كثير منهم الكبير في الموضعين على معنيين دفعاً لما يتوهم من التناقض ، ولا
يخفى أنه لا يحسن الاستدراك بكلمة بلى إلا عند اتحاد المعنى في الموضعين ، وهذا
ظاهر ، فالوجه حمل الكبير في الموضعين على ما يشق الاحتراز عنه أو على الذنب
الكبير والنفي بالنظر إلى ذات الفعل والإثبات بالنظر إلى الاعتياد والذنب الصغير
بالاعتياد يصير كبيراً ، وسهل الاحتراز بالاعتياد يصير صعب الاحتراز فكأنه صلى
الله تعالى عليه وسلم نظر إلى ذات الفعل فقال وما يعذبان في كبير ثم نظر إلى
اعتياد الرجلين فقال : بلى ؛ وقيل : يحتمل
أنه ظن أن ذلك غير كبير فأوحى إليه في الحال أنه كبير فاستدرك. وتعقب بأنه يستلزم
أن يكون نسخاً والخبر لا يدخله النسخ. وأجيب بأن الخبر في الأحكام يقبل النسخ ،
وهذا الخبر كذلك والله تعالى أعلم.
95
قوله
: (لعله أن يخفف) الظاهر أن ضمير لعله للعذاب وكلمة أن في قوله أن يخفف زائدة
تشبيهاً لكلمة لعل بلفظ عسى ، ويدل عليه الروايات الآتية بحذفها وزيادة أن لا تمنع
عن نصب المضارع بعدها كالحروف الجارة الزائدة والله تعالى أعلم.
58 ـ
باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ البَوْلِ
قوله
: (لصاحب القبر) أي في شأنه.
قوله
: (ولم يذكر سوى بول الناس) أي : ذكر بوله ، وذكره بمنزلة ذكر بول الناس لأن
خصوصية الأشخاص مطروحة في باب الأحكام إلا بدليل ، وأما بول غير الناس فلا ذكر له
في الحديث ، فلا يصح الاستدلال به على نجاسة بول مأكول اللحم ، وكذا لا يصح
الاستدلال على ذلك برواية لا يستتر من البول لوجوب حمله على معنى بوله توفيقاً بين
الروايات ، إما بحمل اللام على العهد أو على أنه بدل من المضاف إليه.
(1/59)
وفي
هذا تنبيه على أنه لا بد للمستدل بالحديث من تتبع رواياته فيستدل بملاحظته جميع
الروايات ، فإن أمكن الترجيح أو التوفيق فذاك ، وإلا فيطرح خصوصية الروايات ،
ويستدل بالقدر المشترك بينها ضرورة أن تعدد الروايات إنما يكون من تغيير الرواة
ونقلهم الحديث بالمعنى ، وإلا فمعلوم أن تمام الروايات المختلفة ليست من كلام الرسول
صلى الله تعالى عليه وسلم في حديث واحد ، فالاستدلال بكل رواية على حدة عند اختلاف
الروايات في حديث واحد مشكل. اهـ. سندي.
96
62 ـ
باب يُهَرِيقُ المَاءَ عَلَى البَوْلِ
قوله
: (باب يهريق الماء الخ) هذا الباب ساقط عند كثير وسقوطه هو الوجه والله تعالى
أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
97
67 ـ
باب غَسْلِ الدَّمِ
قوله
: (ثم تقرصه بالماء) استدل به على تعين الماء لغسل النجاسة الحقيقية لغسل
98
النجاسة
الحقيقية لا بمفهوم اللقب كما قيل بل بأن خبر الشارع أمر والأمر باستعمال الماء
يوجب تعينه ، وتجويز الغير مبطل للأمر ولكن هذا لو كان الأمر متوجهاً إلى خوصية
الماء لكن الغالب أنه ليس كذلك ، وذكر الماء لأنه المعتاد لا لاشتراط خصوصيته ،
فالاستدلال ضعيف والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
68 ـ
باب غَسْلِ المَنِيِّ وَفَرْكِهِ ، وَغَسْلِ ما يُصِيبُ مِنَ المَرْأَةِ
قوله
: (وأثر الغسل فيه) الظاهر أن المراد بأثر الغسل هو أثر الماء لا أثر المني
المغسول وهو المراد بقوله ثم أراه فيه بقعة في الرواية الثانية توفيقاً بين
الروايات ، فالاستدلال به على بقاء أثر المني مشكل.
99
70 ـ
باب أَبْوَالِ الإِبْلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَمِ وَمَرَابِضَها
قوله
: (فهؤلاء سرقوا الخ) أي : فالتغليظ في عقوبتهم كان على قدر جنايتهم.
100
(1/60)
71 ـ
باب مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالمَاءِ
قوله
: (باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء) يريد أن مدار الأمر التغير ، ولذلك
أمروا بإلقائها وما حولها ، واستعمال الباقي وعدّ المسك مقابلاً للدم في حديث
الشهيد فعند التغير يظهر تغير الأحكام وعند عدمه لا يظهر ، بل ينبغي إبقاء الأحكام
الثابتة إذ عند عدم التغير هو ذلك الشيء ، فيبقى حكمه ، وعند التغير يمكن أن يعتبر
شيئاً آخر فيكون له حكم آخر ، والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (كل كلم) ـ بفتح الكاف وسكون اللامـ وقوله : يكلمه مبني للمفعول ، ويجوز بناؤه
للفاعل أي كل جرح يجرحه.
قوله
: (والعرف عرف) بفتح العين وسكون الراء فيهما أي الريح ريح المسك ليتشرف في الموقف.
101
73 ـ
باب إِذَا أُلقِيَ عَلَى ظَهْرِ المُصَلِّي قَذَرٌ أَوْ جِيفَةٌ لَمْ تَفسُدْ
عَلَيهِ صَلاَتُهُ
قوله
: (بسلا جزور) ـ بفتح السين المهملة مقصوراً وهو الجلدة التي يكون فيها ولد
البهائم كالمشيمة للآدميات ، ويقال فيهن أيضاً.
قوله
: (أشقى القوم) عقبةبن أبي معيط بمهملتين مصغراً.
قوله
: (ويحيل إلخ) أي : ينسب بعضهم فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكماً اهـ. قسطلاني.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
102
قوله
: (في القليب الخ) ـ بفتح القاف وكسر اللامـ البئر قبل أن تطوى أو العادية القديمة
اهـ. قسطلاني.
103
104
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 70
5 ـ
كتاب الغسل
قوله
: (أو جاء أحد منكم من الغائط) الظاهر أن كلمة أو ههنا بمعنى الواو جاءت لمشاكلة
ما بعده ، وما قبله وإلا فالمقابلة خفية جداً ، وهذا إن شاء الله تعالى أظهر من
التكلفات التي ذكرها كثير من المفسرين والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
105
(1/61)
2 ـ
بابُ غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ
قوله
: (أغتسل أنا والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم) دلالة هذا اللفظ على المعية ضعيفة
إذ واو العطف لا تدل على القرن واتحاد الإناء لا يقتضي اتحاد زمان الاغتسال إلا أن
تجعل الواو في قولها والنبي للمعية لا العطف ، وهو بعيد إذ التأكيد بالمنفصل يؤيد
العطف وهو الأصل في الواو إلا أن يقال قد علم من سائر روايات الحديث أن الواقع كان
هو المعية ، فالاستدلال بالنظر إليه لا بالنظر إلى هذا اللفظ ، وستجيء تلك
الروايات فتأمل.
106
5 ـ
بابُ الغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
قوله
: (قالت ميمونة : وضعت للنبيصلى الله تعالى عليه وسلم للغسل فغسل الخ) وجه دلالته
على المرة أن سياق الحديث يدل على أن مطلوب ميمونة بيان كيفية الغسل بتمامه ، فلو
تعدّدت مرات الإفاضة لذكرت تتميماً لبيان المطلوب كما ذكرت مرات غسل اليدين فعدم
ذكرها مرات الإفاضة في مثل هذا الموضع دليل على أنه كان مرة واحدة ، ولا يكفي في الاستدلال
القول بأن الأصل عدم الزيادة على المرة ضرورة أنه حكاية فعل وقع في الخارج لا يدري
على أي كيفية كان ، فبمجرد أن الأصل عدم الزيادة لا يحكم بوحدة المرة كما لا يخفى.
107
6 ـ
بابُ مَنْ بَدَأَ بِالحِلاَبِ أَوِ الطِّيبِ عِنْدَ الغُسْلِ
قوله
: (باب من بدأ بالحلاب) ظاهر صنيع المصنف رحمه الله تعالى يفيد أنه حمل الحلاب على
أنه نوع من الطيب وعلى هذا ، فالمناسب أن يحمل قوله إذا اغتسل من الجنابة على معنى
إذا فرغ من الاغتسال ، وكذا يحمل قوله عند الغسل أي عند الفراغ منه إذ استعمال
الطيب قبل الاغتسال غير معهود ، وإنما المعهود استعماله بعد لكن الصحيح أن الحلاب
نوع من الإناء لماء الاغتسال ، وقد كثر كلامهم لتطبيق كلام المصنف على هذا الصحيح
إلا أن كلامه آب وما ذكروه تكلف والله تعالى أعلم.
(1/62)
وعلى
هذا فهذا الحديث تفسير لما في حديث عائشة السابق ، ثم يصب على رأسه ثلاث غرف ،
ولما في حديث جابر يأخذ ثلاث أكف.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
وحاصله
أن التعدد كان للاستيعاب لا للتكرار فإثبات التكرار في الغسل مشكل والأقرب الوحدة
كما نص عليه الإمام البخاري والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
7 ـ
بابُ المَضْمَضَةِ وَالاسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ
قوله
: (باب المضمضة والاستنشاق) أي إنهما من غسل الجنابة أعم من كونهما واجبين أم لا
إذ لا دلالة لحديث الباب على الوجوب ولا على عدمه ؛ وقيل : أراد بيان عدم
وجوبهما لأن في بعض روايات الحديث ، ثم توضأ وضوءه للصلاة فدلّ على أنهما للوضوء ،
وقام الإجماع على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب والمضمضة والاستنشاق من توابع
الوضوء ، فإذا سقط الوضوء سقطت توابعه اهـ. ولا يخفى أن لفظ توضأ وضوءه ليس من
كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم ، ولا يلزم من كلام ميمونة أيضاً ضرورة أن الحديث
واحد واختلاف ألفاظه إنما هو من الرواة فلا يصح الاستدلال به ، ولو سلم فكونهما
للوضوء لا يمنع من كونهما للغسل أيضاً إذا نوى أن يكونا للأمرين ، والحديث لا يدل
على أنه ما نوى لهما على أنه لا حاجة إلى النية عن الحنفية. وقوله : وقام الإجماع
على أن الوضوء في غسل الجنابة الخ إن أراد أن غسل أعضاء الوضوء منها غير واجب فباطل
، وإن أراد أن تقديم الوضوء مرتباً غير واجب فلا يفيد. ثم الظاهر من قوله صلى الله
تعالى عليه وسلم أبد أن بميامنها ومواضع الوضوء منها أن ما يتوهم من كون الوضوء
ليس بوضوء مطلوب من حيث كونه وضوءاً ، بل هو
108
(1/63)
بداية
للاغتسال بأعضاء الوضوء تشريفاً وتكريماً لها كالبداية بالميامن وعلى هذا فينبغي
أن لا يسن تكرار غسل تلك الأعضاء لاستيعاب الاغتسال والله تعالى أعلم. والوجه في
إثبات خروج المضمضة والاستنشاق والدلك عن الغسل الاستدلال بحديث أم سلمة إنما
يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين أخرجه مسلم فتأمل.
8 ـ
بابُ مَسْحِ اليَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقى
قوله
: (تختلف أيدينا فيه) هذا وإن دلّ على إدخال اليد لكن لا يدل على كون الإدخال قبل
غسل اليد كما لا يخفى وقيل كون الإدخال قبل تمام الغسل يكفي في المطلوب لأن
الجنابة قبل تمام الغسل باقية إذ هي لا تتجزأ ، فالإدخال قبل غسل اليد وبعده
بالنظر إلى الجنابة سواء فلا يفيد غسل اليد في الجنابة ، وإنما يفيد في القذر إن
كان ، فإذا لم يكن فلا فائدة وفيه نظر لظهور أن الجنابة تتخفف ، ولذلك يؤمر الجنب
بالوضوء إذا أراد أن ينام على جنابته أو أراد الأكل ونحوه فتأمل. وأما حديث غسل
يده فهو مبني على أن غسل اليد لا يفيد في الجنابة فيكون للقذر.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
وأما الأحاديث
الأخر فهي راجعة إلى حديث تختلف أيدينا والله تعالى أعلم. وبالجملة الاستدلال
بهذه الأحاديث على المطلوب خفي جداً اهـ. سندي.
109
110
12 ـ
بابُ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ ، وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ
وَاحِدٍ
قوله
: (ينضخ طيباً) كأنه أخذ منه كون الغسل واحداً إذ لا يبقى أثر الطيب على هذا الوجه
مع تعدد الاغتسالات ، وأما حديث أنس : فكأنه أخذ منه وحدة الغسل من وحدة الساعة إذ
الدور عليهن بغسل جديد لكل واحدة يحتاج إلى زمان كثير والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
111
(1/64)
16 ـ
بابُ مَنْ تَوَضَّأَ فِي الجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ
غَسْلَ مَوَاضِعِ الوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى
قوله
: (وذراعيه ثم أفاض على رأسه الماء) ويعلم منه أنه ما غسل الرجلين في الوضوء بل
أخرهما إلى آخر الاغتسال ، وقد جاء ذلك في هذا الحديث صريحاً كما تقدم في الكتاب ،
بل ظاهر هذا الحديث أنه مسح الرأس فأخذ منه المصنف أن غسل أعضاء الوضوء ما كان منه
على أنه وضوء مستقل مطلوب لذاته وأن الأعضاء المغسولة في الوضوء مقصود إعادتها في
حالة غسل الجسد
112
لتتميم
الاغتسال إذ لو كان على هذا الوجه لكان الظاهر إتمام الوضوء أولاً ، حتى لو احتيج
إلى تأخير غسل الرجلين بسبب لأخر الغسل الثاني الذي هو لتتميم الاغتسال ، فإن
تأخيره يكفي في المطلوب ، بل كان غسل أعضاء الوضوء منه على أنه بداية للاغتسال
بأعضاء الوضوء تشريفاً وتكريماً لها كالبداية بالميامن غير مقصود إعادتها عند غسل
الجسد ، وهذا ظاهر عند التأمل ، ويلزم منه أن غسل مواضع الوضوء لا يعاد ثانياً ،
وهذا الذي فهمه البخاري رحمه الله تعالى من هذا الحديث بدقيق نظره هو الذي يقتضيه
الحديث الآخر أيضاً ، وهو حديث أبد أن بميامنها ومواضع الوضوء منها ، فإنه يدل على
أنه ليس بوضوء مطلوب بل هو بداية للاغتسال والله تعالى أعلم.
17 ـ
بابُ إِذَا ذَكَرَ فِي المَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ ، يَخُرُجُ كَمَا هُوَ ، وَلاَ
يَتَيَمَّمُ
(1/65)
قوله : (يخرج كما هو) أي على الحالة التي هو عليها من الجنابة
والاستدلال بحديث أبي هريرة مبنى على المطلوب الأصلي للصحابة من ذكر الوقائع مع
ذكر الأحكام في ضمنها لا مجرد ذكر القصص فإنه قليل الجدوى ، فلو كان هناك تيمم لما
ترك أبو هريرة ذكره في الحديث فعدم الذكر في مثل هذا دليل العدم فثبت أنه صلى الله
تعالى عليه وسلم لم يتيمم ، والأصل هو العموم والخصوص يحتاج إلى دليل لا يقال قد
وجد في الباب دليل الخصوص ، وهو ما رواه الترمذي في فضائل علي وحسنه من قوله صلى
الله تعالى عليه وسلم يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. ونقل في
تفسيره أن معنى يجنب يستطرقه جنباً لأنه حديث ضعيف كما صرح به كثير من الحفاظ
والأحكام لا تثبت بمثله والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
113
19 ـ
بابُ مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيمَنِ فِي الغُسْلِ
قوله
: (على شقها الأيمن) الظاهر أن المراد به شقّ رأسها كما يدل عليه الاكتفاء باليد
الواحدة ، وأما شق الإنسان فلا يكفيه اليد الواحدة ، بل ولا يدان أيضاً فهذا هو
موضع الترجمة. وعلى هذا تحمل البداية في الترجمة على الإضافة بالنسبة إلى الأيسر
لا الحقيقة لكن لا يخفى أن القران متصور ، بل هو الأقرب في استعمال اليدين في
الطرفين والعطف بالواو لا يدل على الترتيب فبداية الأيمن محل نظر. ثم الظاهر أن
المقصود بهذا التعدد هو الاستيعاب لا تكرار الغسلات كيف ، ولو كان التكرار هو
المراد لما اكتفى في اليمين واليسار بواحد فمقتضى الجمع بين هذا الحديث والأحاديث
السابقة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يكتفي في الاستيعاب بثلاثة أكف
والنساء لكثرة شعورهن يزدن على ذلك بشيء والله تعالى أعلم.
(1/66)
20 ـ
بابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَاناً وَحْدَهُ فِي الخَلوَةِ ، وَمَنْ تَسَتَّرَ
فَالتَّسَتُّرُ أَفضَلُ
قوله
: (الله أحق أن يستحيا منه) أي فيستتر المرء لأجله لأنه يحبه ويرضاه ولعله هو
المراد برواية أحق أن يستتر منه بحمل من التعليل وإلا فاتخاذ الحائل عن رؤيته
مستحيل ، فإنه تعالى يبصر ما في السماء وما تحت الثرى ، ويعلم السر وأخفى ، ولو
كان الثوب حائلاً ساتراً لكفى البيت ساتراً والله تعالى أعلم.
114
قوله
: (فقالوا والله ما يمنع موسى الخ) هذا الاستنباط منهم دليل على أن النظر إلى
العورة كان جائزاً في دينهم إذ لولا ذلك لما حملوا تستر موسى على أنه لعيب في بدنه
بل حملوه على أنه لمراعاة أمر الدين ، ويؤيده تمكينهم من النظر إلى عورة موسى إذ
لولا الجواز لكان الأقرب عدم التمكين لأن موسى نبي معصوم والله تعالى أعلم.
لكن
حينئذٍ صارت شريعتنا مخالفة لشريعتهم فاستدلال المصنف يصير موضع نظر إذ الاستدلال بشريعة
من قبلنا ، إنما يتم عند عدم العلم باختلاف الشرعين والله تعالى أعلم.
قوله
: (والله إنه لندب) أي : إن الضرب صار أثراً بالحجر. وقوله ضرباً منصوب بمحذوف
والباء في قوله بالحجر زائدة أي ضرب الحجر ضرباً ، والجملة بمنزلة التعليل إشارة
إلى أنه صار أثراً لقوة الضرب وشدته والله تعالى أعلم.
قوله
: (ولكن لا غنى بي عن بركتك) أي : فلا أطلبه من حيث إنه مال فإنك قد أغنيتني عنه
من هذه الحيثية بل أطلبه من حيث إنه من بركاتك ، ولا غنى بي عنه من هذه الحيثية
فلا يتوهم التنقض في الكلام بناء على أنه لا بركة في المقام سوى الجراد ، ولا
يتوهم أنك وإن أعطيتني ما يغنيني لكن أنا لا أستغني به لكثرة حرصي فإنه لا يناسب
المقام والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
115
(1/67)
22 ـ
بابُ إِذَا احْتَلَمَتِ المَرْأَةُ
قوله
: (إن الله لا يستحي من الحق) أي : والمؤمن يتخلق بأخلاقه تعالى :
23 ـ
بابُ عَرَقِ الجُنُبِ ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ
قوله
: (أن المسلم لا ينجس) أي : بالجنابة ونحوها من الحدث الأصغر فقد بين أن الحدث
الأصغر والأكبر ليس بنجاسة ، وإنما هو أمر تعبدي ويمكن أن يقال معناه أنه لا ينجس
أصلاً ونجاسة بعض الأعيان اللاصقة به أحياناً لا توجب نجاسة ما لصقت به من أعضاء
المؤمن
116
نعم
تلك الأعيان مما يجب الاحتراز عنها ، فإذا لم تكن فما بقي إلا أعضاء المؤمن فلا
وجه للاحتراز عنها فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال تلك الأعيان معلوم انتفاؤها
فما بقي إلا وأن يكون المسلم نجساً والمسلم لا ينجس أصلاً فلا نجاسة تقتضي لك البعد
عن مجالستي والله تعالى أعلم.
24 ـ
بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيرِهِ
قوله
: (ويمشي في السوق وغيره) قال المحقق ابن حجر بالجر أي في غير السوق ، ويحتمل
الرفع عطفاً على يخرج من جهة المعنى. اهـ. قلت : أي له الخروج وغيره من الأفعال
كالأكل. اهـ. سندي.
117
118
119
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
115
22 ـ
بابُ إِذَا احْتَلَمَتِ المَرْأَةُ
قوله
: (إن الله لا يستحي من الحق) أي : والمؤمن يتخلق بأخلاقه تعالى :
23 ـ
بابُ عَرَقِ الجُنُبِ ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لاَ يَنْجُسُ
قوله
: (أن المسلم لا ينجس) أي : بالجنابة ونحوها من الحدث الأصغر فقد بين أن الحدث
الأصغر والأكبر ليس بنجاسة ، وإنما هو أمر تعبدي ويمكن أن يقال معناه أنه لا ينجس
أصلاً ونجاسة بعض الأعيان اللاصقة به أحياناً لا توجب نجاسة ما لصقت به من أعضاء
المؤمن
116
(1/68)
نعم
تلك الأعيان مما يجب الاحتراز عنها ، فإذا لم تكن فما بقي إلا أعضاء المؤمن فلا
وجه للاحتراز عنها فكأنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال تلك الأعيان معلوم انتفاؤها
فما بقي إلا وأن يكون المسلم نجساً والمسلم لا ينجس أصلاً فلا نجاسة تقتضي لك
البعد عن مجالستي والله تعالى أعلم.
24 ـ
بابُ الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ وَغَيرِهِ
قوله
: (ويمشي في السوق وغيره) قال المحقق ابن حجر بالجر أي في غير السوق ، ويحتمل
الرفع عطفاً على يخرج من جهة المعنى. اهـ. قلت : أي له الخروج وغيره من الأفعال
كالأكل. اهـ. سندي.
117
118
119
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 105
6 ـ
كتاب الحيض
قوله
: (وحديث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أكثر) أي : أشمل لشموله جميع النوع ،
مثله في حديث أنا سيد ولد آدم إذ المراد بولد آدم نوع الإنسان فيشمل آدم والله
تعالى أعلم.
1 ـ
باب كَيفَ كَانَ بَدْءُ الحَيضِ ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} :
"هذا شَيءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ"
قوله
: (غير أن لا تطوفي بالبيت) في شرح القسطلاني أي غير أن تطوفي فلا زائدة اهـ. يريد
أن المقصود استثناء الطواف من جملة ما يقضي الحاج. قلت : يمكن إبقاء لا على معناها
على أنه استثناء مما يفهم من الكلام السابق أي ولا فرق بينك وبين الحاج غير أن لا
تطوفي ،
120
والظاهر
أن المقصود بيان الفرق لا الاستثناء مما يقضي الحاج وإلا لقيل غير الطواف لا غير
طوافك بالإضافة إذ طوافها ليس مما يقضي الحاج ، وإنما مطلق الطواف إلا أن يجعل
الاستثناء منقطعاً فيلزم خلاف الأصل من وجهين من جهة زيادة لا ومن جهة انقطاع
الاستثناء والله تعالى أعلم.
(1/69)
ثم ظاهر
هذا الحديث يقتضي أن لها السعي قبل الطواف وهو خلاف المشهور في المذاهب فكأن
المراد بالطواف هو وما يتبعه ، والسعي من توابعه وعدم جوازه ليس لأن الحيض مانع
عنه وإنما هو لأن تقديمه على الطواف يخل بالتبعية والله تعالى أعلم.
3 ـ
باب غَسْلِ الحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ
قوله
: (وكل ذلك تخدمني) قيل رفع على الابتداء أو نصب على الظرف. قلت : والمعنى على الأول كل ما ذكرت من قسمي المرأة تخدمني ، وعلى
الثاني كل ما ذكرت من الحالتين تخدمني أمرأتي فعلى الأول ضمير تخدمني لكل ذلك ،
وعلى الثاني لامرأته والله تعالى أعلم.
121
5 ـ
باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيضاً
قوله
: (من سمى النفاس حيضاً) الظاهر أن المقصود تسمية الحيض باسم النفاس دون العكس ،
والعبارة المطابقة لهذا المقصود من سمى الحيض نفاساً فقيل هذه العبارة مقلوبة ؛
وقيل : يحمل على التقديم والتأخير والتقدير من سمى حيضاً النفاس ؛ وقيل : سمى
بمعنى أطلق أي أطلق اسم النفاس على الحيض. قلت : والأقرب عندي القول
بالقلب ، ولا شك أن القلب من جملة البلاغة إذا تضمن نكتة لطيفة كما هنا وهي
الإشارة إلى أن إطلاق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اسم النفاس ينبغي أن يعتبر
أصلاً وتسمية أم سلمة له حيضاً هو كالفرع المحتاج إلى البيان ، وأما الحمل على
التقديم والتأخير. وكذا اعتبار سمى بمعنى أطلق فيأباه تنكير حيضاً ، وأيضاً
المتعارف في إطلاق التسمية بمعنى الإطلاق هو أن المفعول الثاني للتسمية يكون
مطلقاً على المفعول الأول دون العكس كما هنا لا يخفى ذلك على من تتبع مظانه.
وحاصله أن التسمية مع مفعوليه يجعل عبارة عن الإطلاق لا أن لفظ سمى يراد به أطلق
فافهم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 120
6 ـ
باب مُبَاشَرَةِ الحَائِضِ
(1/70)
قوله
: (في فور حيضتها) متعلق بأمر أي أمرها بذلك في هذه الحالة للمباشرة ، ولعل
122
المقصود
بيان أنه كان يباشر في فور الدم ما فوق إلا زار أيضاً فكيف في غيره ، وهو الموافق
لحديث ميمونة المتصل بهذا الحديث وليس المقصود بيان أنه يباشر في غير الفور بلا
إزار والله تعالى أعلم.
7 ـ
باب تَرْكِ الحَائِض الصَّوْمَ
قوله
: (فإني أريتكن) الظاهر أن المراد نوعكن لا المخاطبات بالخصوص إذ لا يمكن أتهن
أكثر أهل النار وأيضاً لو كان كذلك لما نفعهن التصدق إلا أن يقال التصدق للتخفيف
لا للمنع من الدخول والمرجو من فضل الله تعالى ورحمته أنه لا ندخل منهن واحدة في
النار ، وبه اندفع ما يتوهم أن الظاهر نجاة كثير من غير الصحابيات ودخولهن ابتداء
في الجنة فلو دخلت صحابية في النار للزم فضل غير الصحابية على الصحابية إلا أن
يقال إن النجاة في الابتداء فضل جزئي فلا يمنع في الفضل الكلي فافهم.
قوله
: (أذهب) من الاذهاب المتعدي على قول من جوز بناء اسم التفضيل من باب الأفعال واللام
للتقوية ، ويمكن جعله من الذهاب اللازم على أن اللام بمعنى باء التعدية والله
تعالى أعلم.
123
قوله
: (من نقصان عقلها) وفي الثاني من نقصان دينها لا يخفى أن الأول منشؤه نقصان العقل
، ولكن الثاني ليس منشؤه نقصان الدين بل نقصان الدين ينشأ من الثاني فما معنى الكلام
، ويمكن أن يقال المراد نقصان الدين من حيث الإرادة والتقرير ، وهو سبب للثاني
فتأمل.
فإن
قلت : إنهن في ترك الصلاة والصوم في طاعة الله تعالى قلت : لكن أجره ليس كأجر
الصلاة والصوم إن كان له أجر وليس كل طاعة تساوي طاعة أخرى في الأجر. اهـ. سندي.
124
125
13 ـ
باب الطِّيبِ لِلمَرْأَةِ عَنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ
(1/71)
قوله : (أربعة أشهر وعشراً) الظاهر أنه متعلق بمحذوف يفهم من الاستثناء
أي فنحد عليه أربعة أشهر وعشراً أو فيأمرنا أن نحد عليه أربعة أشهر وعشراً. وقوله : ولا نكتحل عطف على هذا المحذوف فيكون مرفوعاً على التقدير الأول
ومنصوباً على التقدير الثاني والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
14 ـ
باب دَلكِ المَرْأَةِ نَفسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ مِنَ المَحِيضِ ،
وَكَيفَ
تَغْتَسِلُ ، وَتأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً ، فَتَتَّبِعُ أَثَرَ الدَّمِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 120
قوله
: (فأمرها كيف تغتسل) أي : بين لها كيفية الاغتسال وهذا الكلام مبني على تضمين أمر
معنى فعل التبيين ثم كيف تغتسل استفهام وسؤال والتبيين يتعلق بجوابه لا به نفسه
فهو على حذف المضاف لأن حذف هذا المضاف شائع كثير والتقدير أمرها بما أمر مبنياً
لها جواب كيف
126
تغتسل.
وقوله : قال خذي أي في جملة بيان الكيفية ، وما
أمر به وكان من جملة ذلك الدلك ، وغيره إلا أنه تركه الرواة اقتصاراً ، وقد جاء في
رواية مسلم فاستدلال المصنف إما بالنظر إلى ذلك المتروك أو بالنظر إلى هذا المروي
الموجود ، فإنه حيث أمرها بالطيب لزيادة التنظيف وإزالة الرائحة الكريهة ، فالدلك الذي
لا بد منه في أصل التنظيف عرفاً صار مأموراً به بالأولى والله تعالى أعلم.
16 ـ
باب امْتِشَاطِ المَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ
(1/72)
قوله : (ولم تطهر حتى دخلت ليلة عرفة) كلمة حتى ههنا لإفادة مدة الحيض واستمرارها
إلى ما بعدها لا للانتهاء عنده إلا أن يقال ولم تطهر وصبرت حتى دخلت ليلة عرفة ،
فيظهر الانتهاء وذلك لأن الحمل على الانتهاء بلا تأويل لا تساعده الرواية الآتية
وإن كان الحمل عليه أليق بترجمة المصنف كما لا يخفى لكن إذا لم يحمل على الانتهاء
لا يصح احتجاج المصنف على ما ذكر في الترجمة لا بواسطة ما ثبت أنها اغتسلت للإهلال
، وكان نقض الرأس والامتشاط منها لذلك الاغتسال ولا شك أن اغتسال الحيض أولى بذلك
من اغتسال الإحرام ، وبهذا تظهر الترجمة الثانية والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
127
18 ـ
باب {مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ مُخلَّقَةٍ}
قوله
: (فإذا أراد أن يقضي خلقه الخ) أي : فيمن أراد له ذلك فهي مخلقة ، وغير مخلقة في
الرحم الذي هو مستقر دم الحيض والله تعالى أعلم.
19 ـ
باب كَيفَ تُهِلُّ الحَائِضُ بالحَجِّ وَالعُمْرَةِ
قوله
: (باب كيف تهل الحائض) أي : هل تهل بعد الاغتسال أو لا حاجة إليه لأن اغتسالها لا
يفيد الطهارة لما بها من الحيض فبين أن الحديث يفيد الإهلال بالاغتسال بناء على أن
النقض والامتشاط كان لذلك كما سبق فافهم. اهـ. سندي.
128
129
24 ـ
باب شُهُودِ الحَائِضِ العِيدَينِ وَدَعْوَةَ المُسْلِمِينَ ، وَيَعْتَزِلنَ المُصَلَّى
قوله
: (فلما قدمت أم عطية الخ) هذه هي أخت النازلة ولولا هذا في الحديث لما كان الحديث
صحيحاً لجهالة النازلة ، وبواسطة هذا تتصل الرواية ، وترتفع المجهولة من البين
والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 120
25 ـ
باب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ ، وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ
فِي
الحَيضِ وَالحَمْلِ ، فِيما يُمْكِنُ مِنَ الحَيضِ
(1/73)
قوله : (باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض) أي : وادعت ذلك تصدق ومحل
الاستدلال بالحديث تفويض الأيام إليهن من غير تعيين والله تعالى أعلم.
130
131
29 ـ
باب إِذَا رَأتِ المُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ
قوله
: (باب إذا رأت المستحاضة الطهر) أي : انقطاع الحيض لا انقطاع الدم إذ الكلام في
المستحاضة حال قيام الاستحاضة ، وهي التي لا ينقطع دمها. وكون الطهر بهذا المعنى
ساعة باعتبار معرفتها دم الحيض ، ودم الاستحاضة والله تعالى أعلم.
30 ـ
باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
قوله
: (باب الصلاة على النفساء) أي فهي طاهرة إذ الميت كالإمام. وكذا الحائض والمؤمن
لا ينجس وإيجاب الاغتسال وغيره تعبد محض والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
132
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 120
7 ـ
كتاب التيمم
2 ـ
باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلاَ تُرَاباً
قوله
: (باب إذا لم يجد ماء ولا تراباً) الظاهر أن مراده يصلي ولا يعيد وهو الموافق
133
لظاهر
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : "إذا أمرتكم أمر فأتوا منه ما استطعتم"
أو كما قال : "إذ الصلاة على حالة غاية ما يستطيعه الإنسان" في تلك
الحالة وغير المستطاع ساقط ولا يسقط به المستطاع إلا بدليل وجه استدلاله بحديث
الباب تنزيل عدم شرع التيمم منزلة عدم التراب بعد شرعه إذ مرجعهما إلى تعذر التيمم
وهو المؤثر ههنا.
قوله
: (فوجدها) أي النبيّصلى الله تعالى عليه وسلم وجد القلادة من تحت البعير حين بعث
البعير بعد أن بعث ذلك الرجل ، أو ذلك الرجل المبعوث وجدها من تحت البعير بعد أن رجع
وبأحد الوجهين يحصل التوفيق بين هذه الرواية وبين الرواية السابقة.
3 ـ
باب التَّيَمُّمِ فِي الحَضَرِ ، إِذَا لَمْ يَجِدِ المَاءَ وَخَافَ فَوْتَ
الصَّلاَةِ
(1/74)
قوله
: (فسلم عليه فلم يرد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حتى أقبل الخ) كأنه بنى
134
الأمر
على أن التيمم غير مشروع مع القدرة على استعمال الماء ، فلا بد ههنا من اعتبار
الماء مفقوداً لذلك وحينئذٍ فهذا الحديث دل على أن التيمم مشروع في الحضر عند فقد
الماء لغير الصلاة ، فكذا للصلاة إذ لا دليل على الفرق بينهما بل الحاجة في الصلاة
أتم لفرضية الطهارة لها ، فإذا شرع لغيرها مع قلة الحاجة فلها مع كثرة الحاجة
بالأولى وحينئذٍ فقوله تعالى : {وإن كنتم مرضى أو على سفر} ليس للتخصيص ، بل لأن
الحاجة عادة لا تكون إلا هناك والله تعالى أعلم.
4 ـ
باب المُتيمِّمُ هَل يَنْفخُ فِيهِمَا ؟
(1/75)
قوله : (إنما كان يكفيك هكذا) قد استدل المصنف بهذا الحديث على عدم لزوم
الذراعين في التيمم في موضع ، وعلى عدم وجوب الضربة الثانية في موضع آخر ، وكذا
سيجيء في روايات هذا الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قدّم في هذه الواقعة
الكفين على الوجه ، فاستدل به القائل بعدم لزوم الترتيب ، فلعل القائل بخلاف ذلك
يقول إن هذا الحديث ليس مسوقاً لبيان عدد الضربات ، ولا لبيان تحديد اليد في
التيمم ولا لبيان عدم لزوم الترتيب ، بل ذلك أمر مفوض إلى أدلة خارجة ، وإنما هو
مسوق لرد ما زعمه عمار من أن الجنب يستوعب البدن كله. والقصر في قوله إنما يكفيك
معتبر بالنسبة إليه كما هو القاعدة أن القصر يعتبر بالنظر إلى زعم المخاطب ،
فالمعنى إنما يكفيك استعمال الصعيد في عضوين وهما الوجه واليد ، وأشار إلى اليد
بالكف ولا حاجة إلى استعماله في تمام البدن ، وعلى هذا يستدل على عدد الضربات
وتحديد اليد ولزوم الترتيب أو عدمه بأدلة أخر كحديث التيمم ضربة للوجه وضربة
للذراعين إلى المرفقين وغير ذلك ، فإنه حديث صحيح كما نص عليه بعض الحفاظ وهو مسوق
لمعرفة عدد الضربات وتحديد اليد فيقدم على غير المسوق لذلك والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 133
135
136
137
7 ـ
باب إِذَا خَافَ الجُنُبُ عَلَى نَفسِهِ المَرَضَ أَوِ المَوْتَ ، أَوْ خَافَ
العَطَشَ ، تَيَمَّمَ
(1/76)
قوله : (فقال إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك الخ) كأنه أشار إلى أن قوله
تعالى : {فلم تجدوا ماء} بمعنى لم تقدروا على
استعماله لكونه مرتباً على قوله : {وإن كنتم مرضى أو
على سفر} والمرض ليس سبباً لعدم وجود الماء بل لعدم القدرة على استعماله بخلاف
السفر ، فإنه سبب لعدم الوجود ولعدم القدرة لكون عدم الوجود يوجب عدم القدرة فيراد
عدم القدرة لكونه مما يترتب على المرض والسفر جميعاً بخلاف عدم الوجود ، فإذا أريد
ذلك ، فلو كانت الآية شاملة لحالة الجنابة أيضاً لكان شدة البرد سبباً للتيمم في
حق الجنب لأنها توجب عدم القدرة على استعمال الماء في الاغتسال دون الوضوء وهو
بعيد ، فيلزم أن تكون الآية مخصوصة بالحدث الأصغر كما هو شأن النزول ولزم منه حمل
قوله تعالى : {أو لامستم النساء} على مس البشرة لا الجماع فهذا منه رضي الله تعالى
عنه إقامة للدليل على تخصيص الآية ، وتبيين المراد بقوله تعالى : {أو لامستم} لا
معارضة الآية بمجرد تخييل كما يتراءى ، فإن مثله بعيد عن مثله والله تعالى أعلم.
138
139
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 133
8 ـ
كتاب الصلاة
1 ـ
بابُ كَيفَ فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ فِي الإِسْرَاءِ
قوله
: (ثم جاء بطست من ذهب) قلت : فإذنه بل بأمره تعالى فصار استعمال الذهب في حقه
مباحاً بل واجباً ، فمن قال استعمال الذهب حرام فسؤاله ليس في محله حتى يحتاج إلى
140
جواب
والله تعالى أعلم.
قوله
: (ولم يثبت كيف منازلهم) فعلى هذا فينبغي حمل ثم في قوله : ثم مررت بموسى ونحوه على
تراخي أخبار أبي ذر وحكايته كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى لا ينافي قوله ،
ولم يثبت كيف منازلهم فتأمل. وقد يقال معنى ثم مررت أي أنه صلى الله تعالى عليه
وسلم قال كذلك على احتمال. اهـ. سندي.
(1/77)
قوله : (ففرض الله على أمتي خمسين صلاة) كأنه تعالى أراد بذلك تشريف
نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وإظهار فضله حتى يخفف على أمته بمراجعته صلى الله تعالى
عليه وسلم. وما قالوا أنه لا بد للنسخ من البلاغ أو من تمكن المكلفين من المنسوخ ،
فذلك فيما يكون المراد به ابتلاءهم والله تعالى أعلم.
قوله
: (فقلت استحييت من ربي) هذا يدل على أن ليس المراد بقوله لا يبدل القول لديّ أنه
لا يمكن التغيير في الصلوات الخمس بالزيادة والنقصان إذ لو كان كذلك لما كان
للاعتذار بالاستحياء كبير وجه بل كان الوجه أن يقول إن الصلوات الخمس لا تحتمل
التغيير أصلاً ، فينبغي أن يقال المراد بقوله لا يبدل القول إن مساواة واحدة بعشرة
لا تبدل ولا تغير ، وهذه المساواة هي مضمون قوله وهي خمسون كما لا يخفى ، وعلى هذا
فقول الحنفية بوجوب الوتر
141
لا
ينافي هذا الحديث والله تعالى أعلم.
قوله
: (فرض الله الصلاة) أي المختلفة حضراً وسفراً فلا يشكل بصلاة المغرب أو الفجر
وقوله : فأقرت معناه رجعت بعد نزول القصر في السفر إلى الحالة الأولى بحيث كأنها
كانت مقررة على الحالة الأصلية ، وما ظهرت الزيادة فيها أصلاً فلا يشكل بأن ظاهر
قوله تعالى : {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} يفيد أن صلاة السفر قصرت بعد
أن كانت تامة فكيف يصح القول بأنها أقرت والله تعالى أعلم.
2 ـ
باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ
(1/78)
قوله : (ومن صلى ملتحفاً في ثوب واحد) أي : فقد أتى بواجب الستر ، وكذا
قوله : ومن صلى في الثوب الذي يجامع الخ ، أي
: فقد أتى بالواجب ومراده كذلك. ولما لم يكن هذا التفصيل مطلوباً بالإثبات بالدليل
لم يصرح به في الترجمة ، بل أتى به بطريق الإشارة والله تعالى أعلم ، ووجه
استدلاله بحديث لا يطوف بالبيت عريان ظاهر من حيث إن الصلاة أوفر شروطاً وآداباً
من الطواف فاشتراط الستر للطواف يدل على اشتراطه للصلاة بالأولى ووجه استدلاله
بحديث الباب أن الستر لما كان مطلوباً لحضور المصلى الذي هو من مقدمات الصلاة ،
فكونه مطلوباً للصلاة بالأولى لكن قد يقال هذا الستر ليس للصلاة بل للاحتجاب عن الرجال
حتى يطلب للحيض والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
142
4 ـ
باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ مُلتَحِفاً بِهِ
قوله
: (وهو المخالف) أي : المتوشح المخالف. قوله : (بين طرفيه) أي : طرفي الثوب. قوله
: (على عاتقيه) أي واضعاً ملقياً إياهما على عاتقيه من غير عقد للطرفين على القفا
أو موضوعين على عاتقيه ، وبه حصل الفرق بين القسم الأول ، وهذا القسم من كيفيات
اللباس ، وهذا القسم لا يمكن إلا عند اتساع الثوب ، والأول يطلب عند ضيقه وقوله
وهو الاشتمال أي الخلاف بين الطرفين هو الاشتمال بالثوب واضعاً طرفيه على منكبيه
أراد بذلك كمال الإيضاح حتى لا يشتبه هذا القسم بالقسم الأول والله تعالى أعلم.
143
(1/79)
قوله : (أو لكلكم ثوبان) فيه إشارة إلى ظهور جواب المسألة بالتتبع عن
أحوال المصلين فلا وجه للسؤال عن مثلها ، وفيه إشارة إلى أن من لا يجد إلا ثوباً واحداً
فيصلي فيه لا ينبغي حمل جواز الصلاة له في الثواب الواحد على الخصوص به للضرورة إذ
الأصل في الأحكام هو العموم والخصوص لا يثبت بلا دليل ، فإذا ثبت جواز الصلاة في
ثوب واحد لشخص أو في حال ، فالأصل هو الجواز للكل ، وفي جميع الأحوال إلا إذا دل
الدليل على خلافه ، ففي هذا الجواب بيان لقاعدة أن الأصل في أحكام الشرع هو العموم
والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
144
145
9 ـ
بابُ الصَّلاَةِ فِي القَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالتُّبَّانِ وَالقَبَاءِ
قوله
: (باب الصلاة في القميص) أي وجوداً وعدماً أي هل تصح في القميص وتصح عند عدمه ؟
وعلى هذا فحديث الإحرام لبيان جواز الصلاة عند عدمه والله تعالى أعلم.
146
12 ـ
بابُ ما يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ
قوله
: (وفخذه على فخذي) كأنه بنى الاستدلال بذلك على استبعاد وضع الفخذ على
147
فخذ
غيره لو كان الفخذ عورة ولو بحائل كالفرج ونحوه فالوضع دليل على أنه ليس بعورة ،
ولم يرد الاستدلال بأنه وضع الفخذين بلا حائل لأن الأصل عدمه ، فإنه باطل بشهادة
العادة بالحائل في مثله فصار الأصل هو الحائل كما لا يخفى والله تعالى أعلم. اهـ.
سندي.
148
13 ـ
بابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي المَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ ؟
(1/80)
قوله : (متلفعات في مروطهن) وجه الاستدلال أن الزمان كان زمان قلة
الثياب ، فالغالب من حالهن عدم الزيادة على ذلك الثوب الواحد ، ولو فرض احتمال الزيادة
، فاحتمال عدم الزيادة موجود قطعاً والثوب الزائد لو كان خفياً لا يظهر بواسطة
التلفع ، فلولا جازت صلاتهن في الثوب الواحد لكان الظاهر أن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم بحث عن حالهن فترك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم البحث عن حالهن مع
احتمال وحدة الثوب دليل على الجواز في الثوب الواحد ، ولا شك أنه لو كان هناك بحث
منه صلى الله تعالى عليه وسلم لروى عادة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
149
18 ـ
بابُ الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالمِنْبَرِ وَالخَشَبِ
قوله
: (فإنما أردت) بالخطاب أي أردت بذكر هذا الحديث الاستدلال على جواز اختلاف موقف
الإمام والمأموم في العلو والسفل وقوله : فقلت بالتكلم أي : إن سفيان كان يسأل عن
هذا الحكم كثيراً فيستدل عليه بهذا الحديث.
150
قوله
: (فلم تسمعه) أي : هذا الحديث في معرض الاستدلال. قوله : (منه) أي : من سفيان. قوله : (قوله : قال) : أي : أحمد. قوله : (لا) ، أي :
ما سمعته منه ، والحاصل أن هذا الحديث دليل على جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم ولابن
دقيق العيد فيه بحث حاصله أنه وارد على قصد التعليم فلا يلزم جواز هذا الفعل بدون
قصد التعليم ، قلت : وهو مدفوع بما عرفت في حديث أو لكلكم ثوبان ، وحاصله كما أن
الأصل في الوارد عموم الأشخاص كذلك الأصل عموم الأحوال والخصوص في كل يحتاج إلى
دليل فافهم ، والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
(1/81)
قوله
: (فصلى بهم جالساً وهم قيام) أي : ابتداء ثم أشار إليهم بالجلوس فجلسوا إلا أن
هذه الرواية فيها اختصار ، وكذلك في آخره اختصار ، والأصل وإن صلى جالساً فصلوا
جلوساً والله تعالى أعلم.
151
20 ـ
بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الحَصِيرِ
قوله
: (فلأصلي لكم) ، وكذا قوله فصلى لنا الظاهر أن المراد إماماً لكم ، وإماماً لنا ،
أو المراد لنفعكم أو نفعنا بالبركة أو التعليم ، وإلا فالصلاة للهلا لغيره والغالب
في مثله صلى بنا على ياء التعدية والله تعالى أعلم.
22 ـ
بابُ الصَّلاَةِ عَلَى الفِرَاشِ
قوله
: (ورجلاي في قبلته) أي : الرجلان في محل الفراش ، وقد علم أن عائشة رضي الله
تعالى عنها كانت نائمة على الفراش كما سيجيء في الحديثين الآتيين ، فلزم أن سجوده
صلى الله تعالى عليه وسلم كان على الفراش وهو مطلوب. اهـ. سندي.
152
153
28 ـ
بابُ فَضْلِ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ
قوله
: (يستقبل بأطراف رجليه القبلة) أي : فالاستقبال لفضله مطلوب مهما أمكن.
قوله
: (من صلى صلاتنا الخ) كأنه كناية عن إظهار شعائر الإسلام ، أو قبول الأحكام.
154
29 ـ
بابُ قِبْلَةِ أَهْلِ المَدِينَةِ ، وَأَهْلِ الشَّأْمِ ، وَالمَشْرِقِ
(1/82)
قوله : (باب قبلة أهل المدينة الخ). قد اختلف النسخ ههنا فوجد في بعضها
لفظ قبلة في قوله ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ، وسقط من بعضها ، فعلى تقدير
وجوده يحتمل أن المراد باب حكم قبلة أهل المدينة ، وغيرهم في عدم جواز الاستقبال
والاستدبار بغائط أو بول إلا أنه كني عن غير أهل المدينة بأهل الشام والمشرق ،
تفصيلاً لبعض أقسامه وقوله ليس في المشرق الخ ، أي لناحية المدينة ، ويحتمل أن
المراد باب بيان قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق ، أي مشرق ناحية المدينة
والشام.o وكذا مغرب هذه الناحية إلا أنه ترك ذكر
المغرب مقايسة يعني أن الباب في بيان قبلة هذه الناحية بحيث يعم مشرق الناحية
ومغربها. ثم بين تلك القبلة بقوله ليس في المشرق الخ.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
وأما
على تقدير سقوط لفظ القبلة فقبلة أهل المدينة مبتدأ ، والمراد بالمشرق مشرق ناحية
المدينة فقط. وقوله ليس في المشرق ولا في المغرب خبره بتأويل القبلة بالمستقبل
والله تعالى أعلم.
155
30 ـ
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ
مُصَلَّى}
قوله
: (باب قول الله تعالى واتخذوا الخ) يمكن أن يقال أشار بأحاديث الباب إلى أن الأمر
مخصوص بركعتي الطواف أو أنه للندب حيث فعله تارة ، وتركه أخرى أو أشار إلى أن
المراد بمقام إبراهيم البيت أو الحرم والله تعالى أعلم.
ومعنى
قوله مصلى أي قبلة على أنه في الأصل مصلى إليه اسم مفعول ثم صار مصلى بالحذف
والإيصال. والله تعالى أعلم.
156
31 ـ
بابُ التَّوَجُّهِ نَحْوَ القِبْلَةِ حَيثُ كَانَ
(1/83)
قوله : (قد نرى تقلب وجهك) كلمة قد للتحقيق أو التقليل بالنظر إلى
المفعول أي لا بمعنى أن التقلب يقع إلا أن الفاعل يراه أحياناً بل بمعنى أنه يقع أحياناً
، فيراه الفاعل على حسب ما يقع فافهم. اهـ. سندي.
قوله
: (يصلي على راحلته حيث توجهت) أي : فالنفل على الدابة مستثنى من آية التوجه نحو الكعبة
قوله : (واستقبل القبلة وسجد سجدتين) أي : فسجدتا السهو داخلتان تحت الأمر بالتوجه
نحو الكعبة.
157
32 ـ
باب مَا جَاءَ فِي القِبْلَةِ ، وَمَنْ لاَ يَرَى الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا ،
فَصَلَّى إِلَى غَيرِ القِبْلَةِ
قوله
: (باب ما جاء في القبلة) أي : في متعلقاتها كمقام إبراهيم أو فيها ، ومقام
إبراهيم هي الكعبة قوله : (فاستداروا إلى الكعبة) أي : فما أعادوا ما صلوا إلى غير
الكعبة قبل علمهم بالأمر ، فكذا الساهي والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
158
159
37 ـ
باب كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ
قوله
: (البزاق في المسجد خطيئة) أي : لمن لا يريد دفنها لما سبق ، وسيجيء من قوله
ليبصق عن يساره أو تحت قدمه ، والقول بأنه عام مخصوص بغير المسجد لهذا الحديث. ليس
بشيء كيف ومورد ذلك القول كان هو المسجد كما يرشد إليه روايات الصحيح وغيره ،
وتخصيص المورد غير صحيح ، وقد ذكر المحقق ابن حجر من الأحاديث ما هو صريح في هذا
المطلوب ، فارجع إليه إن شئت.
38 ـ
باب دَفنِ النُّخَامَةِ فِي المَسْجِدِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
قوله
: (فإن عن يمينه ملكاً) قلت : التنكير في ملكاً للتعظيم أي عظيماً ، فلا يشكل بأن
160
عن
اليسار ملكاً أيضاً. والله تعالى أعلم.
39 ـ
بابٌ إِذَا بَدَرَهُ البُزَاقُ فَليَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ
(1/84)
قوله : (باب إذا بدره البزاق الخ) أشار بهذه الترجمة إلى أن الحديث
المطلق المذكور في الباب محمول على التقييد بشهادة روايات لم يذكرها المصنف لكونها
ليس على شرطه ، وقد ذكر بعضها مسلم في صحيحه.
40 ـ
باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلاَةِ وَذِكْرِ القِبْلَةِ
قوله
: (باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة) أي : في شأنه.
قوله
: (كما أراكم) صيغة المضارع ههنا للحال أي كما أراكم في هذه الساعة. وأما في
161
قوله
إني لأراكم من وراء ظهري فللاستمرار فلا حاجة في تصحيح التشبيه إلى اعتبار حذف في
الكلام والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
162
46 ـ
باب المَسَاجِدِ فِي البُيُوتِ
قوله
: (لم أستطع) هو بمنزلة بدل الاشتمال من جملة سال الوادي ، فلذا ترك العطف. وقوله
فأصلي بهم بالنصب جواب النفي أو عطف على آتي قوله : (فلم يجلس حتى دخل) وفي بعض
النسخ حتى الجارة موضع حين والظاهر أنها سهو يقال صحيح إذ المعنى فلم يجلس في
الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت قلت : وهذا المعنى لا يناسب الكلام السابق أعني
فاستأذن
163
فأذنت
له لأن الاستئذان لا يكون إلا عند باب البيت فافهم.
قوله
: (ألا تراه قد قال الخ) فإن قلت : الإرادة لا ترى فكيف قال ؟ ألا ترى قلت : قد
تظهر بآثارها ، ولما خفيت آثار هذه الإرادة ههنا على المخاطب بل ظهرت آثار ضد تلك
الإرادة قال في الجواب الله ورسوله أعلم. فبين صلى الله تعالى عليه وسلم له وجود
هذه الإرادة منه بقوله فإن الله قد حرم الخ أي وهذا الرجل منهم والله تعالى أعلم.
48 ـ
بابٌ هَل تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ ، وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا
مَسَاجِدَ ؟
قوله
: (باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية الخ) أي : إذا أراد الإنسان أن يتخذ مقبرة
164
(1/85)
المشركين
مسجداً ، فهل له أن يزيل قبورهم ويخرج عظامهم ؟ منها حتى لا يبقى قبر لئلا يكون
متخذاً للقبور مسجداً أم لا. وقوله لقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الخ تعليل
أنه ينبش ويزيل لأن مقتضى الحديث المنع من اتخاذ القبور مسجداً ، فينبغي أن تنبش
القبور ، ويخرج منها ما فيها حتى لا يلزم اتخاذ القبور مسجداً ، ولعل هذا التقرير
أولى من تقرير الشراح ههنا والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
قوله
: (بنوا على قبره مسجداً الخ) أي : فينبغي نبش قبر المشرك إذا أراد الإنسان أن
يتخذ محله مسجداً حتى لا يلزم بناء المسجد على القبر المنهي عنه. اهـ. سندي.
165
50 ـ
باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ
قوله
: (باب الصلاة في مواضع الإبل) يريد أن ما ورد من النهي عن الصلاة بمعاطن الإبل
وهي مواضع إقامتها عند شرب الماء خاص بالمعاطن فقط ، ولا يقاس بها سائر المواضع ،
فالصلاة فيها جائزة والله تعالى أعلم.
51 ـ
باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ ، أَوْ شَيءٌ مِمَّا يُعْبَدُ
فَأَرَادَ بِهِ اللَّهَ
قوله
: (عرضت علي النار) كأن العرض يقتضي الحضور قدامه. وكذا خصوص الواقعة كان كذلك على
مقتصى الروايات ، وإلا فرؤيته صلى الله تعالى عليه وسلم لا تتوقف على الحضور قدامه
لأنه كان يرى من وراء ظهره والله تعالى أعلم.
53 ـ
باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ ، الخَسْفِ وَالعَذَابِ
قوله
: (إلا أن تكونوا باكين) أي : فإذا ليس له الدخول في ذلك المكان إلا على هذه
166
(1/86)
الصفة
، وليس له الصلاة فيها أيضاً إلا على هذه الصفة والصلاة على هذه الصفة عادة متعسرة
بل ربما يخل البكاء في القراءة وغيرها إذا كثر ، وأيضاً البكاء للتفكر في حال
المعذبين يمنع عن التفكر في أمور الصلاة ، فينبغي أن تكره الصلاة في مثل هذا
المكان والله تعالى أعلم.
54 ـ
باب الصَّلاَةِ فِي البِيعَةِ
قوله
: (الصور) بالجر بدل أو بيان للتماثيل أو بالرفع أي هي الصور.
167
56 ـ
قوله
: (باب قول النبى {صلى الله عليه وسلّم} جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) يريد أن
مفاد الحديث أن الأرض في ذاتها كلها محل للصلاة في الكل إلا لعارض يدل دليل على أن
الصلاة معه مكروهة أو غير صحيحة ، فتقصر الكراهة أو عدم الصحة عليه. اهـ. سندي.
قوله
: (نصرت بالرعب) كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أراد الرعب من غير آلات وأسباب
تقتضي ذلك عادة كما كان في حقه صلى الله تعالى عليه وسلم والله تعالى أعلم.
57 ـ
باب نَوْمِ المَرْأَةِ فِي المَسْجِدِ
قوله
: (باب نوم المرأة الخ) في جميع أبواب النوم تظهر التراجم من الأحاديث المذكورة
فيها بتأمل من حيث إن العادة في مثل ذلك تقتضي النوم في المسجد مثلاً إذا علم حال
أصحاب الصفة علم أنه لا يمكن مع هذه الحالة عادة أن يكون لهم بيوت ، فلا بد من
نومهم في المسجد وهكذا. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
168
169
170
65 ـ
باب مَنْ بَنَى مَسْجِداً
قوله
: (بنى الله له مثله في الجنة) كأنه رضي الله تعالى عنه اعتذر بلفظ المثل واعتمد
في التزيين عليه والله تعالى أعلم.
171
70 ـ
باب ذِكْرِ البَيعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى المِنْبَرِ فِي المَسْجِدِ
قوله
: (باب ذكر البيع والشراء) أي : ذكر مسائله نبه على أن ما ورد النهي عنه هو فعل
172
(1/87)
البيع
والشراء في المسجد ، وأما ذكرهما وذكر ما يتعلق بهما من العلم فليس بمنهى عنه.
قوله
: (إن شئت أعطيت أهلك) أي : ثمنك لا بدل كتابتك. والحاصل أنها أرادت شراءها
وإعتاقها لا أداء كتابتها واشتراط الولاء لها ، وإلا لكانت هي المستحقة للزجر لا
أهل بريرة ثم أهل بريرة ما رضوا بالشراء إلا بشرط أن عائشة تعتقها ، ويكون الولاء
لهم ، وعلى هذا فقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ابتاعيها معناه مع الشرط كما
هو مقتضى بعض الروايات ، وإلا فلا يمكن منهم الشراء بلا شرط لعدم رضاهم به ، وعلى
هذا فيرد الإيراد المشهور وهو أنه كيف أمرها بالشراء على هذا الشرط مع أنه شرط
مفسد للبيع ، وفيه من الخديعة ما لا يخفى ، والجواب أنه شرط مخصوص بهذا الشراء وقع
لمصلحة اقتضته مثل التغليظ عليهم بإبطال شرطهم عليهم بعد تقريرها لهم صورة ،
وللشارع التخصيص في مثله والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (ذكرته ذلك) المشهور على الألسنة ذكرته بالتشديد
كأنه بناء على ما زعموا من كونه متعدياً إلى مفعولين ، والمخفف لا يتعدى إليهما
فجعلوه مشدداً لكن مقتضى المشدد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان عالماً بالأمر
إلا أنه نسيه أو غفل عنه ، فذكرته عائشة الأمر ، وهذا لا معنى له ههنا ، فالوجه أن
يقرأ مخففاً ، والحمل على الحذف والإيصال أي ذكرت له ذلك أو على أن ذلك بدل من الضمير
والجار والمجرور محذوف أي له ، وهذا هو الموافق للروايات ، ويقتضيه المعنى المقصود
ههنا والله تعالى أعلم.
قوله
: (يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله) ظاهره يفيد أن كل شرط ليس في كتاب الله
173
تعالى
فهو شرط باطل وهو مشكل ، والوجه أن المراد كل شرط يرده كتاب الله صراحة أو ضمناً
فهو فاسد ، فكل شرط يخالف دين الله يرده كتاب الله لقوله تعالى : {أطيعوا الله
وأطيعوا الرسول} والله تعالى أعلم.
(1/88)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
71 ـ
باب التَّقَاضِي وَالمُلاَزَمَةِ في المَسْجِدِ قوله : (حتى سمعهما) الظاهر في المعنى سمعها كما في بعض الروايات. رواية التثنية
تحمل على حذف المضاف أي سمع أصواتهما والله تعالى أعلم قوله : (كان يقمّ المسجد) ،
وكان من جملة أمره في ذلك التقاط العيدان وغيره ، كما ثبت في روايات الحديث فعم الحديث
الترجمة كلها نظراً إلى خصوص الواقع ، وكثيراً ما يكون دليل المصنف بالحديث مبنياً
على خصوص الواقع والله تعالى أعلم.
73 ـ
باب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الخَمْرِ فِي المَسْجِدِ
قوله
: (باب تحريم تجارة الخمر) أي : ذكر حرمتها في المسجد ففيه إشارة إلى أن الشيء إذا
كان حراماً فذكر حرمته بل ذكر نفسه ليس بحرام ، فيجوز في المسجد.
174
75 ـ
باب الأَسِيرِ أَوِ الغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي المَسْجِدِ
قوله
: (أو كلمة) بالنصب عطف على مقول قال ، وضمير نحوها لتمام المقول باعتبارها كلمة
واعتبار الجملة كلمة غير بعيد لغة والله تعالى أعلم.
(1/89)
وأما جعلها
عطفاً على البارحة فلا يصح إلا باعتبار أن تجعل لفظة البارحة مقول قال ضمناً ، ولا
يخفى أنه اعتبار بعيد ، فالوجه ما ذكرنا تأمل قوله : (فذكرت قول أخي الخ)
كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم نظر إلى أن من أعظم ذلك الملك ، وأخصه التصرف في
الشياطين والتمكين منهم ، فيتوهم بربط الشياطين عدم خصوص ذلك الملك بسليمان ، وعدم
استجابة دعائه لما فيه من المشاركة معه في جملة ما هو من أخص أمور ذلك الملك ،
فترك الربط خشية ذلك التوهم الباطل ، ولم يرد أن ربط الشياطين يوجب المشاركة معه
في تمام ملكه ، ويقضي إلى عدم خصوص ذلك الملك بسليمان ، فإن التمكين من شيطان واحد
بل من ألف شيطان لا يقدح في الخصوص قطعاً ، فإن الخصوص كان بالنسبة إلى تمام الملك
كما لا يخفى.
76 ـ
قوله
: (باب الاغتسال إذا أسلم) كأنه أراد أن الأسير المربوط في المسجد يخرج
175
للاغتسال
إذا أراد أن يسلم ، فلذلك وضع الباب في أبواب المساجد والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
78 ـ
باب إِدْخالِ البَعِيرِ فِي المَسْجِدِ لِلعِلَّةِ
قوله
: (وأنت راكبة) يمكن أن يستدل بذلك على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه ، ومن يراهما
نجساً لا بد له من الاعتذار والله تعالى أعلم.
176
81 ـ
باب الأَبْوَابِ وَالغَلَقِ لِلكَعْبَةِ وَالمَسَاجِدِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
قوله
: (فذهب عليّ أن أسأله كم صلى) فعلى هذا جزم ابن عمر بأنه صلى ركعتين كما تقدم عنه
في الرواية السابقة في الكتاب ليس على وجه الحصر بل على أن الركعتين أقل ما
177
يتحمله
مطلق الصلاة في النهار والله تعالى أعلم.
83 ـ
باب رَفعِ الصَّوْتِ فِي المَسَاجِدِ
(1/90)
قوله : (باب رفع الصوت في المساجد) يحتمل أنه بذكره الحديثين أشار إلى
تفصيل بأنه إن كان بلا ضرورة ، فلا يجوز وإن بضرورة يجوز أو إلى أنه ممنوع بضرورة أو
بلا ضرورة ، فلذلك بادر صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قطع الاختصام بينهما الموجب
لرفع الصوت في المسجد قطعاً لرفع الصوت فيه ، وصارت هذه المبادرة بمنزلة الإنكار
على رفع الصوت والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
178
85 ـ
باب الاِسْتِلقَاءِ فِي المَسْجِدِ ، وَمَدِّ الرِّجْلِ
قوله
: (كان عمر وعثمان يفعلان ذلك) نبه به على أنه لا يحمل فعله صلى الله تعالى عليه
179
وسلم
على الخصوص وعلى هذا ، فما ورد من النهي على هذا الفعل يحمل على ما إذا خاف بدوّ
العورة بذلك جمعاً بين الأدلة.
87 ـ
باب الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ
قوله
: (صلاة الجمع) أي صلاة القوم الذين يصلون مجتمعين خلف إمام ، وليس المراد صلاة
كلهم بل صلاة كل واحد منهم ، ولذلك قيل تزيد على صلاته بالأفراد لا الجمع ،
والمراد
180
(1/91)
الفرض
وإلا فقد ورد أن النفل في البيت أفضل. وقوله وصلاته في سوقه يدل على جواز الصلاة
في السوق ، وإلا لما كان لها فضل ، فلا يصح تفضيل صلاة الجميع عليه ، فإذا جازت الصلاة
في السوق فجوازها في مسجد السوق بالأولى ، وقد يقال صلاة الجميع هي الصلاة في
المسجد مع الإمام أعم من أن تكون في مسجد السوق أو في غيره من المساجد ، فشمل
بعمومه الصلاة في مسجد السوق ، فحمل الاستدلال هو أن مدحه لصلاة الجميع على
الإطلاق دليلي على جواز الصلاة في مسجد السوق أيضاً فتأمل. وقوله فإن أحدكم الخ ،
تعليل للزيادة لا بمعنى أن زيادتها بالنظر إلى متعلقاتها أي أنها بضم ثواب تلك
المتعلقات تصير زائدة أجراً إذ لا فضيلة حينئذٍ لنفس الصلاة وهو خلاف الظاهر ،
وأيضاً يلزم أن لا تكون صلاة الجميع منضبطاً أمرها في الدرجات بل تكون متفاوتة في
الدرجات قلة وكثرة حسب قلة المتعلقات وكثرتها ، بل بمعنى أنها إذا كانت عادة لا
تخلو عن هذه المتعلقات التي هي خيرات ، وأعمال موجبات للثواب والجزاء عند الله
كانت أحب وأحسن عند الله تعالى فجعل الله تعالى جزاءها زائداً على جزاء ما تكون خالية
عادة عن هذه المتعلقات والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
181
89 ـ
باب المَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ المَدِينَةِ ، وَالمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى
فِيهَا النَّبِيُّ {صلى الله عليه وسلّم}
قوله
: (أو حج أو عمرة) عطف على غزو وكلام القسطلاني يشعر بأنه عطف على تلك الطريق ،
ولا يخفى أنه بعيد بل فاسد فتأمل.
(1/92)
قوله : (صلى حيث المسجد الصغير) المسجد بالرفع مبتدأ حذف خبره أي موجود
، والجملة مضاف إليه لحيث فهي لا تضاف إلا إلى الجملة ، واعتبر القسطلاني المسجد
خبر مبتدأ محذوف وقدره حيث هو المسجد قلت : ولا يظهر لهذا الذي قدره مرجع إذ لا
يرجع إلى حيث إذ الجملة المضاف إليها لم يعهد فيها ضمير للمضاف ، وأيضاً يظهر عند
التأمل فساد المعنى ، ولا يظهر مرجع آخر فافهم. اهـ. سندي.
182
183
184
90 ـ
باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلفَهُ
قوله
: (باب سترة الإمام سترة من خلفه) أي : فلا حاجة لهم إلى إتخاذ سترة لهم على حدة
بل يكفيهم سترة الإمام ، وتعتبر تلك سترة لهم أيضاً ، ولهذا يكون المرور المضرّ
بين يدي المصلي في حق المأموم هو المرور بين الإمام وسترته ، كما في حق الإمام ،
ويدل عليه ما ذكره ابن عبد البر حيث قال حديث ابن عباس هذا يخصص حديث أبي سعيد
الخدري إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يدع أحد يمر بين يديه ، فإن ذلك مخصوص بالإمام
والمنفرد ، فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا قال وهذا كله
لا خلاف بين العلماء انتهى. نقله في الفتح وفي
شرح العيني قال الأبهري : سترة الإمام سترة المأموم ، فلا يضر المرور بين يديه لأن
المأموم تعلقت صلاته بصلاة إمامه انتهى. وعلى هذا فالمصنف أخذ من الحديث
185
الأول
أن المرور بين يدي المأموم لا يضر إذا لم يكن بين الإمام وسترته وبني ذلك على أن
قوله إلى غير جدار معناه إلى شيء هو غير الجدار ، وهو المتبادر من هذا اللفظ لأن
كلمة غير تكون صفة ، ومن الحديث الثاني والثالث أنه لا حاجة للمأموم إلى سترة بل يكفيه
سترة الإمام كما اكتفى الناس بسترته {صلى الله عليه وسلّم} .
91 ـ
باب قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَينَ المُصَلَّى وَالسُّتْرَةِ
(1/93)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
قوله
: (كان بين مصلى رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} وبين الجدار ممر الشاة) الذي
عليه الشراح وهو الموافق لبعض الروايات أن المراد بالمصلى موضع القيام لا موضع
السجود ، وممر الشاة على ما يظهر لا يزيد على نصف الذراع بل قدره بعضهم بشبر كما
ذكره الأبي في شرح مسلم ، وهذا لا يكفي عادة للسجود فيه كما لا يخفى ، وقد علم أنه
صلى الله تعالى عليه وسلم صلى في الكعبة فجعل بينه وبين الجدار قدر ثلاثة أذرع ،
وهذا هو الذي يمكن أن يعتمد عليه ، ولهذا استحسنه جماعة لكن لا بد لحديث الباب من
محمل ، فقال بعض مشايخ المالكية محملة حالة القيام ، فقال ينبغي أن يكون الشبر
بينه وبين السترة ، وهو قائم فإذا ركع تأخر بثلاثة أذرع قل والتأخر وإن كان عملاً
لكنه لمصلحة الجمع بين الحديثين قلت : والتزام هذا الفعل في كل ركعة بعيد ، فالوجه
أن يحمل المصلي على موضع السجود ، وتحمل رواية موضع القيام على تصرف بعض الرواء
لقصد النقل بالمعنى أو يحمل ممر الشاة على موضع يمكن لها فيه التعدي والمشي طولاً
لا عرضاً ، أي لو كان هنا طريق إلى جهة القبلة وأرادت الشاة المرور من موضع قيام
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى جهة القبلة لأمكن لها القيام في المسافة التي
بينه صلى الله تعالى عليه وسلم وبين الجدار مارة إلى جهة القبلة ، ولعل هذا محمل
ما قاله ابن الصلاح قدروا ممر الشاة بثلاثة أذرع والله تعالى أعلم.
186
187
99 ـ
باب الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِير
قوله
: (باب الصلاة إلى السرير) وفي بعض النسخ على السرير وهو المناسب بحديث
188
(1/94)
الباب
إذ الظاهر أن معنى توسط السرير أنه صار في وسطه لكن إدخال هذا الباب في أبواب
السترة يؤيد أن المعتمد إلى السرير ، وعلى هذا قالوا إن معنى توسط السرير أنه جعله
وسطاً بينه وبين القبلة كما جاء به الحديث عن عائشة أيضاً إلا أن المناسب بذلك
المعنى لفظ وسط لا لفظ توسط ، فإن التوسط لازم ويكون السرير منصوباً على أنه مفعول
فيه ، ووسط متعد يكون السرير بالنظر إليه مفعولاً به ، وما ذكروا من المعنى لا يتم
إلا على المتعدي لا على اللازم فافهم. والله تعالى أعلم.
فالوجه
في الترجمة جعل أن بمعنى على بقي أن إدراج هذا الباب حينئذٍ في أبواب السترة غير
مناسب والله تعالى أعلم.
101 ـ
باب إِثْمِ المَارِّ بَينَ يَدَيِ المُصَلِّي
قوله
: (لكان أن يقف أربعين خيراً له) أي : لكان خيراً له عنده ، وفي اعتقاده وإلا
فخيرية
189
الوقوف
من المرور لا تتوقف على علمه بل الوقوف خير من المرور في نفسه علم أو لم يعلم ،
ويمكن أن يقال معناه لصار الوقوف خيراً له أي أسهل له وأخف عليه من المرور وعلى
المعنى الثاني يحمل قوله لو يعلم المار على العلم تفصيلاً أو معاينة أو العلم
النافع الذي يعمل به صاحبه إذ العلم بلا عمل يعد كلا علم ، وإلا يشكل بأن كثيراً
من المارين قد علموا بذلك بخبر الصادق ، وما صار الوقوف ساعة أسهل عليهم من المرور
فضلاً عن وقوف أربعين والله تعالى أعلم.Y
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
102 ـ
باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيرَهُ فِي صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي
(1/95)
قوله : (باب استقبال الرجل الرجل) أراد أنه مكروه إذا خيف الشغل به ،
ولهذا كرهت عائشة استقبالها لأن المرأة محل لاشتغال الرجل بها ، وإن كان ذاك بالنظر
إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بعيداً ، وبهذا ظهر مطابقة الحديث الترجمة
فافهم.
190
104 ـ
باب التَّطَوُّعِ خَلفَ المَرْأَةِ
قوله
: (باب التطوع خلف المرأة) أراد به كون المرأة قدامه بوجه من الوجوه ، ولم يرد
اقتداء الرجل بالمرأة في التطوع ، ولا أن يكون الرجل وراء ظهر المرأة والله تعالى
أعلم.
105 ـ
باب مَنْ قَالَ : لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيءٌ
قوله
: (باب من قال لا يقطع الصلاة شيء) أي مرور شيء بين يدي المصلي ولو بلا سترة إذ
الكلام في باب السترة وإلا فكم من شيء يقطعها ؛ وقيل : أي شيء من أفعال غير المصلي
، وفيه أن غير المصلي مثل المصلي إذ لو فعل معه ما أبطل عليه استقبال القبلة أو ما
نقض عليه الوضوء كإخراج الدم عند القائل بنقض الوضوء به أو مس المرأة عند القائل
به أو ما حصل به نجاسة ثوبه أو بدنه ، عند القائل ببطلان الصلاة به لكان ذلك الفعل
من غير المصلي قاطعاً للصلاة على المصلي فانظر والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله : (شبهتمونا بالحمر الخ) هذا الكلام من عائشة دليل على أنه ما
بلغها الخبر عن النبى {صلى الله عليه وسلّم} بقطع الأمور المذكورة برواية معتمدة ،
فكانت تنكر هذا الخبر وترى أنه من تصنع الحاضرين عندها أو تصنع مشايخهم والله تعالى
أعلم.
191
ثم
استدلال عائشة لا يخلو عن ضعف إذ ليس فيما ذكرت مرور امرأة بين يدي المصلي ، ومحمل
حديث يقطع الصلاة الكلب وغيره على المرور والله تعالى أعلم.
107 ـ
باب إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِضٌ
(1/96)
قوله : (كان فراشي حيال مصلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم) كأن
المصنف حمله على أن الفراش كان في حذاء المصلي أمامه لا في جانبه ، لكن الحديث
الثاني وهو وأنا إلى جنبه لا يوافق الترجمة. والله تعالى أعلم.
192
193
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 140
9 ـ
كتاب مواقيت الصلاة
1 ـ
باب مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا
قوله
: (أن عمربن عبد العزيز أخر الصلاة يوماً) لعلها كانت صلاة العصر ، وعلى هذا فكأن
عروة أنكر عليه فعله بمجموع حديث إمامة جبريل ، وحديث عائشة لا بحديث الإمامة فقط
، إذ ليس فيه تعيين الأوقات حتى يتجه الإنكار بالتأخير ، وقد يقال إن إنكاره بحديث
الإمامة بالنظر إلى ما يفيده الحديث من أن أمر الأوقات عظيم عند الله تعالى ، فإن
الله تعالى لتعظيم شأنها والاهتمام بها أرسل جبريل ليبين ذلك فعلاً ، ويأمر بذلك
قولاً ، فجاء جبريل ففعل ذلك ، فإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي التأخير والتساهل في
أمرها ، وكون ما فعل عمربن عبد العزيز تأخراً وتساهلاً كان أمراً معلوماً عند الكل
، فلا حاجة إلى بيانه في الإنكار بل يتم الإنكار بحديث الإمامة فقط. والله تعالى
أعلم. اهـ. سندي.
194
2 ـ
باب {مُنِيبِينَ إِلَيهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ
المُشْرِكِينَ}
قوله
: (باب قول الله تعالى منيبين إليه الخ) كأنه أراد أن الآية تفيد أن ترك الصلاة من
أفعال المشركين بناء على أن معنى ولا تكونوا من المشركين أي بترك الصلاة ، وقد
قرره الحديث حيث عد فيه الصلاة من الإيمان ، فصار الحديث مبيناً لمعنى القرآن
والله تعالى أعلم.
4 ـ
بابٌ الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ
قوله
: (تكفرها الصلاة والصوم الخ) حاصله على ما ذكروا ، ويفهم من الأحاديث أن كلا
195
(1/97)
من هذه
الأعمال تكفر الصغائر ، ويرد عليه أنه إذا كفرها الصلاة مثلاً فماذا يبقى للصوم
حتى يكفر ؟ قلت : المقصود بيان فضل كل من هذه الأعمال بأنه يبلغ في الفضل إلى أن
يكفر الصغائر كلها لو كانت ، وأما وجود التكفير بالفعل فغير لازم ، كيف فماذا تقول
؟ فيمن لا صغيرة له أصلاً كالنبي المعصوم فافهم.
6 ـ
باب الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ كَفَّارَةٌ
قوله
: (يمحو الله به الخطايا) خصها العلماء بالصغائر ولا يخفى أنه بحسب الظاهر لا
196
يناسب
التشبيه بالنهر في إزالة الدرن إذ النهر المذكور لا يبقى من الدرن شيئاً أصلاً ،
وعلى تقدير أن يبقى فإبقاء القليل والصغير أقرب من إبقاء الكثير والكبير كما لا
يخفى ، فاعتبار بقاء الكبائر وإرتفاع الصغائر قلب لما هو المعقول نظراً إلى
التشبيه فلعل ما ذكروا من التخصيص مبني على أن للصغائر تأثيراً في درن الظاهر فقط.
كما يدل عليه ما ورد في خروج الصغائر عن الأعضاء عند التوضؤ بالماء بخلاف الكبائر
، فإن لها تأثيراً في درن الباطن كما يفيده بعض الأحاديث أن العبد إذا ارتكب
المعصية تحصل في قلبه نقطة سوداء ، ونحو ذلك وقد قال تعالى : {بل وإن على قلوبهم
ما كانوا يكسبون} فكما إن الغسل إنما يذهب بدرن الظاهر دون الباطن ، فكذلك الصلاة متفكر
والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
8 ـ
باب المُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
قوله
: (إن أحدكم إذا صلى يناجي ربه فلا يتفلن عن يمينه) تفريع النهي بالفاء على
الناجاة يفيد أن علة النهي هي المناجاة وسيجيء التعليل بها صريحاً ولعل تقرير
العلة هو أن المناجاة مما يشتغل بكتابتها كاتب اليمين ، فينبغي توقيره حال كتابته المناجاة
، كما ينبغي توقير من يناجيه فلا يتفل بين يديه فافهم.
197
(1/98)
قوله
: (اعتدلوا في السجود) أي توسطوا بين الإفتراش والقبض بوضع الكفين على الأرض ،
ورفع المرفقين عن الجنبين والبطن عن الفخذ.
9 ـ
باب الإِبْرَادُ بالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ
قوله
: (فأبردوا بالصلاة) حقيقة الإبراد الدخول في البرد ، والباء للتعدية والمعنى
إدخال الصلاة في البرد ، وقد جاءت عن موضع الباء في كثير من الروايات ، والأقرب
أنها تعليلية أو بمعنى الباء ، وقيل على تضمين معنى التأخر أي تأخروا عن الصلاة
مبردين انتهى. قلت : ولا يخفى بعده إذ معنى تأخروا عن الصلاة تبعدوا عنها وتجنبوا
، وهو يرجع إلى النهي عن الصلا
198
ة وهو
ليس بمراد ، وإنما المراد تأخير الصلاة عن أول وقتها إلى زمان الدخول في البرد
والفرق بين المعنيين ظاهر عند التأمل ، ولو قدرنا فأخروا الصلاة عن الصلاة أي عن
أول وقتها مبردين كان زيادة تكلف مستغنى عنه والله تعالى أعلم.
قوله
: (فإن شدة الحر من فيح جهنم) فيكون الوقت مظهر الآثار الغضب والعمل عند ظهور آثار
الرضا أقرب إلى القبول منه عند ظهور آثار الغضب ، فقد يقبل عند الرضا ما لا يقبل
عند الغضب والله تعالى أعلم.
قوله
: (أشد ما تجدون الخ) أي : فنفس النار في الوقتين أشد ما تجدون من الحر والبرد في
الوقتين.
10 ـ
باب الإِبْرَادُ بالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ
قوله
: (حتى رأينا الخ) أي : استمر على القول حتى رأينا.
199
11 ـ
باب وَقْتُ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ
قوله
: (يصلي الصبح وأحدنا يعرف جليسه) المراد يفرغ من صلاة الصبح لا يشرع فيها كما
بينه سائر الروايات.
200
12 ـ
بابُ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى العَصْرِ
(1/99)
قوله : (باب تأخير الظهر إلى العصر) لا يخفى أنه لا دلالة في لفظ الحديث
على التأخير لجواز أن ما فعله يكون من باب التقديم ، فكأنه أشار بهذه الترجمة إلى
توجيه الحديث بأنه لا يحمل على الجمع بين الصلاتين في الوقت حتى يقال يمكن أن يكون
من باب التقديم أو من باب التأخير بل يحمل على تأخير الصلاة الأولى إلى آخر وقتها
، وضمها إلى الثانية فعلاً ، وهذا التأويل في الحديث هو الذي اعتمده كثير من المحققين
وهو أقرب ما قيل فيه والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
201
15 ـ
بابُ إِثْمُ مَنْ فاتَتْهُ العَصْرُ
قوله
: (الذي تفوته صلاة العصر) المتبادر من الفوت هو أن لا يكون باختيار من العبد ،
202
فعلى
هذا قوله فكأنما وترَ أهله وماله إشارة إلى ما فاته من الخير بفوت الصلاة وهو
المناسب بجعل المصنف الفوت في مقابلة الترك لكن على هذا يشكل إضافة الإثم إلى
الفوت إلا أن يراد بالإثم ما يلحقه من الضرر ، ولو بفوات الفضل ، وقال المحقق ابن
حجر أشار بذكر الإثم إلى أن المراد بالفوت تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر لأن
الإثم إنما بترتب على ذلك انتهى.
16 ـ
بابُ مَنْ تَرَكَ العَصْرَ
قوله
: (من ترك صلاة العصر الخ) أي : والتساهل والتأخير في مثل هذا اليوم ربما يؤدي إلى
الترك.
17 ـ
بابُ فَضْلِ صَلاَةِ العَصْرِ
قوله
: (فإن استطعتم أن لا تغلبوا الخ) على بناء المفعول أي أن لا يغلبكم الشيطان على
تفويت الصلاتين عنكم ، وهذا كناية عن المداومة على الصلاتين أو عن محافظة النفس من
غلبة الشيطان ، فلذا تعلق به الاستطاعة وإلا فالاستطاعة لا تتعلق إلا بالأفعال لا
بالأعدام سيما إذا
203
(1/100)
كان العدم
مضافاً إلى فعل الغير كما هنا ، فإن العدم ههنا مضاف إلى غلبة الشيطان ، وعلى هذا
فقوله فافعلوا أي افعلوا المداومة أو المحافظة.
قوله
: (ثم يعرج الذين باتوا فيكم) أي : أو ظلوا فهو من باب الايجاز أو معنى باتوا
كانوا أعم من أنهم باتوا أو ظلوا. وأما قولهم أتيناهم وهم يصلون فهو من باب
الزيادة في الجواب تتميماً لمراد السائل إذ هم علموا أن مقصود السائل ليس إلا
إظهار فضل العباد وشرفهم على لسان الملائكة ، فبادروا إلى ذلك في الجواب زيادة على
السؤال تتميماً للمراد والله تعالى أعلم.
18 ـ
بابُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ الغُرُوب
قوله
: (إنما بقاؤكم) ينبغي أن يكون هذا معتبراً بالنظر إلى مدة آحاد هذه الأمة وآحاد
أولئك الأمم إذ به يظهر العمل قلة وكثرة في الآحاد وهم محل الأجر والجزاء لا
بالنظر إلى مدة تمام الأمة ، فلا يرد أن ما بين عيسى وبيننا أقل مما بيننا
والقيامة.
والحاصل
أنهم كانوا غالباً طويلي الأعمار كثيري الأعمال ، ونحن قصيرو الأعمار قليلو
الأعمال لكن أمر الأجر بالعكس بفضل الله تعالى ورحمته ، فقد جعل لنا من كرمه ليلة
هي خير من ألف شهر والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
وهذا
الذي ذكرنا يدل عليه التكرير في قوله قيراطاً وقيراطين قيراطين ، فإنه صريح في أن
الكلام في الآحاد لا في مجموع الأمة ، ولعل المتأمل يشهد بفساد اعتبار المجموع ،
فإنا لو فرضنا أن ثواب مجموع هذه الأمة أكثر من ثواب مجموع اليهود والنصارى لما
كان فيه كثير
204
(1/101)
فائدة
لجواز أن ذلك الثواب لكثرة آحاد هذه الأمة مثلاً ، فإذا قسم في هذه الأمة لا يحصل للآحاد
من الثواب إلا قليل ، وهم عند القسمة يجوز أن يكونوا بعكس ذلك بناء على فرض آحاد
هذه الأمة أكثر من آحاد أولئك الأمم مثلاً ، فحينئذٍ لا ينفع كثرة ثواب الكل في
الآحاد أصلاً فافهم. قوله : (ونحن كنا أكثر عملاً) فإن قلت : كيف يستقيم هذا
بالنسبة إلى النصارى ؟ على قول الجمهور القائلين بأن ابتداء وقت العصر من المثل.
قلت : قد ذكروا أن من وقت الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله أكثر من ثلاث ساعات
ومن وقت المثل إلى الغروب أقلّ ثلاث ساعات ، وهذا يكفي في كون النصارى أكثر عملاً
مع أن الواقع في الحديث ليس وقت الزوال بل نصف النهار ونصف النهار قبيل وقت الزوال
، فيظهر فيه تفاوت أيضاً. ثم الواقع في طرف العصر أيضاً ليس وقت العصر بل صلاة
العصر ، ولا شك أن المعتاد أن الناس يتهيئون لها من أول المثل ويصلون وسط المثل ، فباعتبار
ذلك يكثر التفاوت بلا ريب على أنه يمكن أن يحمل أكثر عملاً على معنى أكثر تعباً
ومشقة ، فيظهر الأمر ظهوراً بيناً بناء على أن عمل النصارى مفروض في وقت شدة الحر
فافهم. ولعل وجه مطابقة الحديث بالترجمة هو أنه يفهم من الحديث أن ما أتى هذه
الأمة من أعمال البر إلى غروب الشمس فلهم فيه الأجر بأتم وجه ، فيقتضي أن من أدرك
بعض الصلاة في هذا الوقت يكون مأجوراً ، ولا يكون مأجوراً إلا إذا كان مدركاً
لتمام الصلاة والله تعالى أعلم.
0
19 ـ
بابُ وَقْتِ المَغْرِبِ
قوله
: (والمغرب إذا وجبت) أي : غربت الشمس أو إذا لزمت ، والمراد في أول وقتها والله
تعالى أعلم.
20 ـ
بابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلمَغْرِبِ : العِشَاءُ
(1/102)
قوله : (لا تغلبنكم الأعراب) كأن المراد فيه وفي مثله النهي عن إكثار
إطلاق لغة الأعراب بحيث تغلب لغة الأعراب على الاسم الشرعي ، فقيل إطلاق الاسم الشرعي
بين الناس ، ويكثر إطلاق اسم الأعراب فلا ينافي إطلاق اسم العشاء على قلة ولهذا
ورد مثل هذا النهي في إطلاق اسم العتمة على العشاء ثم جاء إطلاق
206
اسم
العتمة على العشاء في الشرع على قلة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
22 ـ
بابُ وَقْتِ العِشَاءِ ، إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا
قوله
: (باب وقت العشاء إذا إجتمع الناس أو تأخروا) أي : بيان المختار من وقت العشاء
لصلاة العشاء عند اجتماع الناس في أول الوقت أو عند تأخر الناس عنه ، ويفهم من
الحديث أن المختار عند اجتماعهم أول الوقت هو أول الوقت ، وعند تأخرهم المختار آخر
الوقت وأوسطه بل وقت اجتماعهم ، فوافق الترجمة الحديث ، واندفع أنه لا يفهم من
الحديث وقت العشاء أصلاً أيضاً ليس للعشاء وقتان وقت إذ اجتمعوا ، ووقت إذا تأخروا
بل وقت العشاء واحد دائماً فافهم.
207
23 ـ
بابُ فَضْلِ العِشَاءِ
قوله
: (باب فضل العشاء) وذلك الفضل هو ما ورد في الحديثين من مدح أهل العشاء والثناء
عليهم ، وتبشيرهم عند انتظارهم ، وهذا بيان موافقة الحديثين بالترجمة.
قوله
: (إن من نعمة الله عليكم) بكسر همزة إن على الاستئناف أو بالفتح على التعليل أي
لأن أو بتقدير الباء أي أبشروا بأن.
24 ـ
بابُ ما يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ
قوله
: (والحديث بعدها) ولعل محمله الاشتغال بالقصص كما هو دأب بعض الناس فإنه المخل
المضيع للوقت والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
208
25 ـ
بابُ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءَ لِمَنْ غُلِبَ
(1/103)
قوله
: (لولا أن أشق) أي : لولا كراهة أن أشق فلا يرد أن لولا لانتفاء الثاني لوجود
الأول والمشقة ههنا منفية.
26 ـ
قوله
: (باب وقت العشاء إلى نصف الليل) كأنه أراد ثبوته وبقاءه إلى نصف الليل قطعاً ،
209
ولم
يرد أنه لا ينبغي بعده بل فيما بعده محتمل ، فلا يرد أنه لا دلالة في الحديث على
عدم بقاء الوقت فيما بعد النصف ، فكيف يطابق الترجمة لكن قد يقال بل الحديث يدل
على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعد النصف ، فإن المتبادر من قوله أخر إلى النصف
ثم صلى هو أنه صلى بعد النصف ، فصار الحديث دالاً على بقاء الوقت بعد النصف ،
ويمكن الجواب عنه بأن المراد في الترجمة بالنصف هو النصف تقريباً ، فزيادة شيء
عليه لا تضر والله تعالى أعلم.
27 ـ
بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الفَجْرِ
قوله
: (من صلى البردين دخل الجنة) لا يخفى أن دخول الجنة مطلقاً من ثمرات الإيمان ، فلا
يحسن ترتبه على أن يصلي البردين ، ولا يحصل لهما فضل ولا شرف بذلك أصلاً ، فالوجه
أن يراد ههنا الدخول ابتداء وحينئذٍ الوجه حمل صلى على أنه داوم عليهما ، ولعل من
أراد الله تعالى له دخول النار لا يوفقه لمداومتها والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
210
211
30 ـ
بابُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً
قوله
: (فقد أدرك الصبح) أي : تمكن من إدراكها ، وصار مالكاً للادراك بأن يضم إليه ما
بقي ، وليس المعنى أن ذلك القدر يكفيه في فراغ الذمة.
31 ـ
بابُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
(1/104)
قوله : (باب الصلاة بعد الفجر الخ) اعلم أنه ورد في هذا الباب وفي الباب
الذي بعده أحاديث مختلفة ظاهراً ، فورد في بعضها النهي بعد الصبح ، وبعد العصر مطلقاً
وفي بعضها إذا طلع حاجب الشمس أو غاب ، وفي بعضها لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا
غروبها. وفي النهاية التحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء
بالفعل والقول ، قالمتبادر من حديث التحري أن المنهى عنه تخصيص الوقتين المذكورين
بالصلاة واعتقادهما أولى وأحرى بالصلاة ، فأخذ كثير من العلماء بالإطلاق لأن دلالة
التقييد على عدم النهي عند انتفاء القيد بالمفهوم ودلالة الإطلاق على وجود النهي
فيه بالصريح ، وعلى هذا فحديث إذا طلع حاجب الشمس أو غاب يمكن حمله على أن
تخصيصهما بالذكر لأنهما أشد كراهة ، وأما التحري فلعل المراد به مطلق القصد إلى
الوقتين المذكورين لأجل إيقاع الصلاة فيهما بناء على أن الصلاة فعل اختياري ، فمن يفعلها
فيهما يقصدهما لأجلها فتوافقت. الأحاديث على إطلاق النهي ، وكأنه لهذا أطلق المصنف
في الترجمة ثم استدل عليها بالأحاديث الثلاثة تنبيها على أن مرجع الكل إلى إطلاق
النهي ، وعلى هذا فقول المصنف فيما بعد باب لا يتحرى الصلاة ثم الاستدلال عليه
بحديث لا صلاة بعد الصبح أيضاً مبني على أن التحري مطلق القصد والصلاة مطلقاً لا
تخلو عنه ، وعلى هذا فذكر التحري في أحد البابين دون الآخر مع استواء البابين في
الأدلة إما لمجرد التفنن أو للدلالة على أن التحري لا دخل له في الخصوص فافهم.
ويمكن أن يقال ذكر التحري في العصر لأن العصر ورد فيها أنه {صلى الله عليه وسلّم}
صلى بعدها بخلاف الفجر لكن هذا لا يناسب ما ذكر في معرض الاستدلال من الأحاديث
فإنها في الباب سواء نعم إطلاق النهي في الأوقات لا ينافي خصوص الصلاة المنهي عنها
، وللتنبيه على ذلك قال باب ما يصلي
(1/105)
بعد
العصر ، فصار الحاصل أن الصلاة بلا سبب منهي عنها بعد الفجر والعصر مطلقاً لا عند
الطلوع
212
والغروب
فقط. ولا أن المنهي عنه هو تخصيص الوقتين للصلاة واتخاذهما أولى وأحرى من غيرهما
والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
ومن
يقول بعموم الصلاة يجيب عن الركعتين بعد العصر بأنهما من الخصائص ضرورة أنهما من
باب المداومة على القضاء ، وهو لا يعم الناس بالاتفاق. اهـ. سندي.
213
34 ـ
بابُ مَا يُصَلَّى بَعْدَ العَصْرِ مِنَ الفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا
قوله
: (وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة) كأنها أرادت بذلك تأكيد مداومته عليهما
حتى داوم عليهما حال ثقله عنهما أيضاً ، وقولها ولا يصليهما في المسجد للتنبيه على
سبب إطلاع الناس عليهما.
214
(1/106)
قوله : (ركعتان لم يكن رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} يدعهما) الظاهر
أن ركعتان مبتدأ خبره جملة النفي ولا يناسب اعتبار جملة النفي صفة ، ويكون الخبر
ركعتان قبل صلاة الصبح إذ المقصود بالبيان مداومة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
عليهما وملازمته إياهما ، فينبغي أن يجعل ما يفيد المداومة وهو جملة النفي خبراً
حتى تكون المداومة مقصودة بالذات لا صفة حتى تكون المداومة أمراً مفروغاً عنها غير
مقصودة إلا تبعاً ، ويرد حينئذٍ إشكال الابتداء بالنكرة الغير الموصوفة ، والمخلص
عنه إما بأن التحقيق جواز الابتداء بالنكرة إذا حصلت الفائدة أو بتقدير الصفة كأن
يقال ركعتان من النوافل أو بأن ركعتان مثلاً يفيد معنى الصفة إذ المعنى صلاة تكون
ركعتين وقت الأداء فلا إشكال. ثم تسمية عائشة ركعتين باعتبار أنهما وقت الأداء ركعتان
لا باعتبار أنهما ركعتان في كل يوم ، فلا يضر أداؤهما في أوقات من النهار في
كونهما ركعتين إذ هما في كل وقت من أوقات الأداء ركعتان والله تعالى أعلم.
35 ـ
بابُ التَّبْكِيرِ بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيمٍ
قوله
: (باب التبكير بالصلاة في يوم غيم) لعله أراد بالصلاة العصر فقط. وقد استدل على
215
ذلك
بالحديث المرفوع بالنظر إلى ما استنبط منه الصحابي وفهم منه فإن بريدة قد أسند
قوله بكروا إلى الحديث المرفوع ، واستدل به عليه فليست هذه الترجمة مبنية على قول
بريدة كما زعمه الإسماعيلي والله تعالى أعلم.
38 ـ
بابُ مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَليُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا ، وَلاَ يُعِيدُ إِلاَّ
تِلكَ الصَّلاَةَ
قوله
: (لم يعد إلا تلك الصلاة) كأنه أخذ ذلك من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا
كفارة لها إلا ذلك.
216
(1/107)
قوله : (وأقم الصلاة لذكري) وفي بعض النسخ للذكرى بفتح الراء بعدها ألف
مقصودة وهو أوضح موافق للمقصور أي وقت تذكرها ، وأما ما وقع في كثير من النسخ أعني
لذكري على الإضافة إلى ياء المتكلم ، وهو الموافق للقراءة المشهورة ، فلا يوافق
المقصود ظاهراً إلا بتأويل ، فقال التوربشتى المعنى أقم الصلاة لذكرها لأنه إذا
ذكرها ذكره أو يقدر المضاف أي لذكر صلاتي أو وقع ضمير الله موقع ضمير الصلاة
لشرفها وخصوصيتها قلت : الوجه أن يقال ذكر الصلاة سبب لفعلها الذي هو سبب لذكر
الله فيها أو ذكر الله سبب ذكر أحكامه التي من جملتها الصلاة ، فهو سبب لذكر
الصلاة ، فأريد بذكره تعالى ذكر الصلاة بإحدى العلاقتين.d والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
39 ـ
بابُ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ ، الأُوْلَى فَالأُوْلَى
قوله
: (باب قضاء الصلوات الأولى فالأولى) أي : مراعاة الترتيب في القضاء إذا تعدو ،
وكأنه استدل عليه بالحديث لأنه إذا روعي للترتيب بين القضاء والأداء فبالأولى أن
يراعي بين القضاءين والله تعالى أعلم.
217
42 ـ
بابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيفِ وَالأَهْلِ
قوله
: (فهو أنا وأبي الخ) أي : فمن في البيت أنا وأبي الخ. اهـ. سندي.
218
219
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
39 ـ
بابُ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ ، الأُوْلَى فَالأُوْلَى
قوله
: (باب قضاء الصلوات الأولى فالأولى) أي : مراعاة الترتيب في القضاء إذا تعدو ،
وكأنه استدل عليه بالحديث لأنه إذا روعي للترتيب بين القضاء والأداء فبالأولى أن
يراعي بين القضاءين والله تعالى أعلم.
217
42 ـ
بابُ السَّمَرِ مَعَ الضَّيفِ وَالأَهْلِ
قوله
: (فهو أنا وأبي الخ) أي : فمن في البيت أنا وأبي الخ. اهـ. سندي.
218
219
(1/108)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 194
10 ـ
كتاب الأذان
1 ـ
بابُ بَدْءِ الأَذَانِ
قوله
: (فأمر بلال أن يشفع الأذان) ظاهره يفيد أن الأمر كان عقيب مذاكرتهم اليهود
والنصار بلا تراخ ، وليس كذلك فقيل في الكلام تقدير واختصار وأصله ، فافترقوا ،
فرأى عبد اللهبن زيد الأذان ، فجاء إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فقص عليه
رؤياه فصدقه فأمر بلال الخ ، ولا يخفى أن المعهود تقدير الجمل إذا دل عليها قرينة
مثل قوله تعالى : {فأرسلون يوسف أيها الصديق} فإن تقديره فأرسلوه ، فجاء يوسف فقال
له يوسف أيها الصديق ، ولا يظهر ههنا قرينة سوى خصوص الواقع ، والواقع لا يصلح
قرينة كما لا يخفى ، والأظهر ههنا كلمة ثم فكأن الفاء وقعت موقعها أو لأن مذاكرتهم
واجتماعهم ذلك لما صار سبباً مفضياً إلى الرؤيا ، وما ترتب عليها من أمر بلال
اعتبر كأن بداية الأمر كانت من عند ذلك ، فذكر الأمر بالفاء ويحتمل أن الفاء لأفادة
السببية والله تعالى أعلم.
220
ثم
قوله أن يشفع الأذان محمول على التغليب ، وإلا فكلمة التوحيد مفردة في آخره ،
وقوله ويوتر الإقامة لعل معناه أن تجعل على نصف الأذان فيما يصلح للانتصاف ، فلا
يشكل بتكرار التكبير في أولها ولا بكلمة التوحيد في آخرها والله تعالى أعلم.
(1/109)
قوله : (فقال عمر أو لا تبعثون الخ) حمل النداء ههنا على نحو الصلاة
جامعة لا على الأذان المعهود لأن ظاهر الحديث أن عمر قال ذلك وقت المذاكرة ،
والأذان المعهود إنما كان بعد الرؤيا ، وعلى هذا فإدراج المصنف الحديث في الباب لأن
هذا النداء كان من جملة بداية الأذان ومقدماته ، وقيل يمكن حمله على الأذان
المعهود بالوجه الذي ذكرنا في قوله فأمر بلال أن يشفع الأذان الخ ، ويرد عليه أن
عمر حضر بعد أن سمع صوت ذلك الأذان على ما يفيده حديث عبد اللهبن زيد رائي الأذان
، فلا يصح بالنظر إلى ذلك الأذان أن عمر قال أو لا تبعثون رجلاً. وقد يجاب بأنه
يجوز أن يكون عمر في ناحية من بعض نواحي المسجد حين جاء عبد اللهبن زيد برؤيا
الأذان عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ، فلما قص الرؤيا سمع الصوت حين ذلك ، فحضر
عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأشار بقوله أو لا تبعثون رجلاً إلى أن عبد الله
لا يصلح لذلك ، فابعثوا رجلاً آخر يصلح له والله تعالى أعلم.
221
6 ـ باب
مَا يُحْقَنُ بِالأَذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ
قوله
: (لم يكن يغزو بنا) الظاهر أن يغزو خبر لم يكن كما هو الشائع في أمثاله ، ويشهد
له إدخال لام الجحد في مثله كثيراً مثل لم يكن الله ليغفر لهم ويشهد له المعنى
أيضاً ، فالأصل فيه ثبوت الواو للرفع ووقع في بعض النسخ بحذف الواو ، فقيل في
توجيهه إنه يدل ولا يخفى أنه لا يظهر أنه من أي أقسام البدل إلا أن يكون بدل غلط ،
فالوجه أن حذف الواو من قبيل حذف حرف العلة تخفيفاً كما في قوله تعالى : {والليل
إذا يسر} وقوله أجيب دعوة الداع وقوله الكبير المتعال ونحو ذلك ، وقد وقع في بعض
النسخ بغير من الإغارة بالرفع على
222
الأصل
، وفي بعضها يغر بالجزم ولعله غلط من بعض الرواة والله تعالى أعلم.
(1/110)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
والعجب
من القسطلاني حيث زعم من توجيه الشارحين للجزم أن الجزم هو الأصل ، فقال على رواية
يغزو بالواو الأصل إسقاط الواو للجزم ، ولكنه جاء على بعض اللغات انتهى.
7 ـ
باب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ المُنَادِي
قوله : (فقولوا مثل ما يقول المؤذن) أي : مما يصلح أن يقال في الجواب لا
ما لا يصلح كالحيعلتين ، فإن ذكرهما في الجواب يشبه الرد والاستهزاء ، وعلى هذا فالتخصيص
في هذا الحديث عقلي لا يحتاج إلى دليل نعم إقامة الحوقلتين مقام الحيعلتين يحتاج
إلى دليل والله تعالى أعلم.
قوله
: (وحدثني بعض إخواننا) لا يخفى أنه مجهول فلا يناسب إدراج روايته في الصحيح.
223
8 ـ
باب الدُّعَاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ
قوله
: (حلت له شفاعتي) أي : وجبت كما في رواية الطحاوي أو نزلت عليه ، واللام بمعنى
على ويؤيده رواية مسلم حلت عليه ، ولا يجوز أن تكون من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك
محرمة. كذا قيل قلت : هي لا تحل إلا لمن أذن له ، فيمكن أن يجعل الحل كناية عن
حصول الإذن في الشفاعة والله تعالى أعلم.
9 ـ
باب الاِسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ
قوله
: (لو يعلم الناس ما في النداء) لعل المراد به علم تفصيل أو علم معاينة ، فلا يرد
أنهم قد علموا بذلك بخبر الصادق ، وهم بسبيل من تحصيله بلا كلفة الاستهام ومع ذلك
هم عنه معرضون ، فكيف يستقيم خبر الشارع.
10 ـ
باب الكَلاَمِ فِي الأَذَانِ
قوله
: (فقال فعل هذا من هو خير منه) وجه الاستدلال أنه لا مانع من الكلام المباح فيه
224
(1/111)
إلا مراعاة
نظمه ، وقد علم بهذا الحديث أن مراعاة نظمه غير لازمة ، فيجوز الكلام في أثنائه
قوله : (وإنها عزمة) أي : إن الجمعة واجبة عند النداء إليها لقوله تعالى : {إذا
نودي للصلاة من يوم الجمعة} الآية والنداء إليها يحصل بقول المؤذن حي على الصلاة ،
فكرهت أن يقول ذلك فتجب عليكم فتقعوا في حرج ، وهذا يقتضي أن المؤذن لا يتم النداء
في الجمعة بل يقول في وسطه موضع حي على الصلاة الصلاة في الرحال ، وما جاء في
إتمام الأذان ثم زيادة الصلاة في الرحال في آخره ، فذلك ينبغي أن يكون في غير
الجمعة والله تعالى أعلم.
12 ـ
باب الأَذَانِ بَعْدَ الفَجْرِ
قوله
: (باب الأذان بعد الفجر) لعل المراد به أن لا يكون قبله أعم من أن يكون بعده أو
مقارناً لطلوعه ، ولعل أذان ابن أم مكتوم من قبيل المقارن ، فلذلك جعل غاية للسحور
، وقول من يقول له أصبحت معناه قاربت الصبح بحيث إذا أذنت يقارن الأذان الصبح. قيل
وهذا لا يستبعد عن الصحابي المؤيد بالتأييد الإلهي والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
225
قوله
: (بين النداء والإقامة) الاستدلال به على كون النداء بعد الفجر لا يخلو عن خفاء.
13 ـ
باب الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ
قوله
: (وليس أن يقول الفجر الخ) أي : ليس ظهور الفجر على الهيئة التي تستفاد من إشارة
الأصابع ، فقوله أن يقول بمعنى الظهور اسم ليس وخبره ما يستفاد من الإشارة.
14 ـ
باب كَمْ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقامَةِ وَمَنْ يَنْتَظِرُ الإِقامَةَ
قوله
: (باب كم بين الأذان والإقامة) كأنه أشار إلى المستفاد من الحديث أن أقل ما
بينهما قدر صلاة والله تعالى أعلم.
226
15 ـ
باب مَنِ انْتَظَرَ الإِقَامَةَ
(1/112)
قوله
: (إذا سكت المؤذن بالأولى) كأن المعنى سكت بسبب الفراغ من المناداة الأولى وهي
الأذان وتسميتها أولى لمقابلتها للإقامة.
والحاصل
أن باء بالأولى للسببية ولم يقل عن الأولى لأن السكوت عن الشيء قد يكون بمعنى
الترك وليس بمراد ، وإنما المراد الفراغ فأتي بالباء ليكون نصاً في ذلك والله
تعالى أعلم.
17 ـ
باب مَنْ قَالَ : لِيُؤَذِّنْ فِي السَّفَرِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ
قوله
: (فليؤذن لكم أحدكم) فيه أن رواية الحديث مختلفة في هذا اللفظ لما في بعض
227
الروايات
فأذنا كما سيجيء ، فلا بد أن يكون أحد اللفظين من تغيير الرواة ، ولم يعلم أيهما
ذلك ، فكيف يصح الاستدلال بأحدهما إذ يجوز أن ذلك من الراوي ، ويمكن الجواب أن وجه
الاستدلال هو أن معنى رواية أذنا هو أن يؤذن أحدهما لظهور أن المعهود في الأذان أن
يؤذن الواحد ، فاتفق الروايتان في المعنى على الواحدة فاتحة الاستدلال ، فحينئذٍ
لفظ أذنا مبني على أن النسبة إليهما مجازية أي ليتحقق الأذان ، فيكما كما في بنو
فلان قتلوا والنسبة إليهما للتنبيه على عدم خصوص الأذان بأحدهما بعينه كالإمامة
والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
228
19 ـ
باب هَل يَتَتَبَّعُ المُؤَذِّنُ فاهُ هاهُنَا وَهاهُنَا ؟ وَهَل يَلتَفِتُ فِي
الأَذَانِ ؟
قوله
: (فجعلت أتتبع) أي : وتتبعه فرع تتبع المؤذن ، وهذا وجه الاستدلال.
229
22 ـ
باب مَتَى يَقُوُم النَّاسُ إِذَا رَأُوا الإِمَامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ
قوله
: (باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام) قلت : قوله إذا رأوا الإمام ينبغي أن يجعل
متعلقاً بمحذوف أي يقومون إذا رأوا الإمام وهو جواب السؤال ، وقد استدل على هذا
الجواب بالحديث والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
230
(1/113)
29 ـ
باب وُجُوبِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ
قوله
: (لقد هممت أن آمر بحطب الخ) وجه الاحتجاج أنه {صلى الله عليه وسلّم} قد همّ بعقوبة
شديدة بترك
231
الجماعة
وهمه بها فرع استحقاقهم لها ، ومثلها لا يستحق إلا بترك الواجب فعلم أن الجماعة
واجبة وما قيل إن ترك العقوبة يدل على عدم الوجوب ، فباطل لجواز أنهم حين علموا
بهمة تركوا الخلاف ، ويحتمل أنه ترك لمانع آخر بل قد ثبت أنه ترك ذلك لأجل الذراري
والنساء في البيوت.
30 ـ
بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ
قوله
: (صلاة الجماعة) أي : صلاة كل واحد في الجماعة لا صلاة كل الجماعة من حيث الكل ثم
لعل وجه التوفيق بين رواية سبع وعشرين ، ورواية خمس وعشرين هو أن إحدى الروايتين
أو كلتيهما محمولة على التكثير لا التحديد واستعمال أسماء العدد في التكثير شائع
والله تعالى أعلم. ثم أنهم استدلوا بهذا الحديث وأمثاله على عدم وجوب الجماعة لأن
تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بتلك الدرجات فرع صحة صلاة الفذ ، وهذا ليس بشيء
لأن معنى وجوب الجماعة عند غالب من يقول به من العلماء هو أنها واجبة على المصلي
حالة الصلاة يأثم المصلي بتركها بلا عذر لا أنها من واجبات الصلاة بمعنى أنها شرط
في صحتها تبطل الصلاة بانتفائها ، فإنه ما قال بالمعنى الثاني إلا شرذمة قليلون ، وأيضاً
تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ لا يدل على صحتها مطلقاً حتى ولو ترك القيام
والقراءة ، وصحتها في بعض الأحيان كما في حالة العذر مثلاً مجمع عليه ، وهو يكفي
في التفضيل ، فالاستدلال به على عدم وجوب الجماعة غير ظاهر والله تعالى أعلم.
232
31 ـ
بابُ فَضْلِ صَلاَةِ الفَجْرِ فِي جَمَاعَةٍ
(1/114)
قوله : (وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار الخ) فإن قلت هذا يدل على
فضل صلاة الفجر مطلقاً لا على فضلها في جماعة ، وما سبق يدل على فضل مطلق الجماعة لا
على فضل الجماعة في الفجر ، فأين الترجمة ؟ قلت : يحتمل أنه حمل هذا على صلاة
الفجر في الجماعة بقرينة القرآن إلا أن دلالة القرآن ضعيفة ، فلعل وجه الدلالة على
الترجمة هو أن الحديث يفهم منه فضل الجماعة ، وفضل صلاة الفجر ، ويلزم منه أن صلاة
الفجر في الجماعة تحوي الفضلين والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
233
قوله
: (إلا أنهم يصلون جميعاً) وهذا يدل على عظم فضل الجماعة ، فإذا ضم ذلك إلى فضل
صلاة الفجر المعلوم بالحديث المتقدم يلزم أن لصلاة الفجر فضلاً عظيماً.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (أبعدهم فأبعدهم ممشى) هذا يدل على عظم الفضل في الجماعة يعظم ما يلحق المصلي من
المشقة في ومعلوم أن المشقة في الجماعة في الفجر أزيد فيعلم أن أجرها أوفر والله
تعالى أعلم.
32 ـ
بابُ فَضْلِ التَّهْجِيرِ إِلَى الظُّهْرِ
(1/115)
قوله : (بينما رجل يمشي) بينما ظرف يضاف إلى جملة ورجل مبتدأ خبره جملة
يمشي بطريق ، والجملة مضاف إليها الظرف ، والعامل في الظرف وجد غصن شوك والأفعال الثلاثة
بعده معطوفة عليه ، والظرف إذا أضيف إلى الجملة يكون في الحقيقة مضافاً إلى مضمون
الجملة ، وهو ههنا مشى رجل في الطريق ولا يخفى أن بين يقتضي التعدد في المضاف إليه
ولا تعدد ههنا فيقدر مضاف يحصل به التعدد وهو الأوقات فيصير التقدير بين أوقات مشى
رجل في الطريق وجد ذلك الرجل غصن شوك الخ. والله تعالى أعلم. والابتداء بالنكرة
إما لأن المدار على الإفادة ، والظاهر أن من يشترط التخصيص في النكرة عند وقوعها
مبتدأ إنما يشترطه فيها عند كونها في جملة مقصودة بالإفادة لا عند كونها في جملة
تابعة لجملة أخرى هي المقصودة بالإفادة كما ههنا يدل عليه تعليلاتهم ، ولو سلم
اشتراط التخصيص في النكرة مطلقاً ، فالظاهر أن ههنا يقدر الصفة أي رجل مذنب بقرينة
المغفرة على أنهم عدوا إذا التي للمفاجأة من المسوغات نص عليه البعض والله تعالى
أعلم.
وأما
قول القسطلاني رحمه الله تعالى إن قوله يمشي بطريق صفة رجل وخبره وجد غصن شوك ،
والجملة مضافة للظرف فعجيب إذ لا يتم الكلام حينئذٍ أصلاً إذ يصير تمام الحديث
كلمة بين مع ما أضيف إليها من الجملة ولا يتم الكلام من المضاف والمضاف إليه ، ولا
يبقى
224
للظرف
عامل أصلاً اللهم إلا أن يقال فأخره عامل في الظرف ، وليس بمعطوف على قوله وجد
وهذا مما يأتي عنه الفاء وشهادة الذوق فافهم.
235
35 ـ
باب اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ
قوله
: (ليؤمكما أكبركما) والإمامة في الشرع تطلب لنيل فضل الجماعة فطلبها من اثنين يدل
على نيلهما فضل الجماعة ، وهذا معنى الاثنان جماعة وكونهما جماعة يستلزم كون
الأكثر جماعة بالأولى. اهـ. سندي.
236
(1/116)
37 ـ
باب فَضْلِ مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِدِ وَمَنْ رَاحَ
قوله
: (قال من غدا إلى المسجد وراح) قيل في تفسيره أي : ذهب ورجع قلت : ترتيب الجزاء على الرجوع من المسجد بعيد ظاهراً إلا أن يقال
باعتبار أنه من تتمة أمر الصلاة لأن الإنسان يحتاج إليه بواسطة الخروج إلى الصلاة
، وباعتبار أنه سبب للتهيؤ للصلاة ثانياً ، والله تعالى أعلم. وقوله : كلما غدا أو
راح يفيد تكرار إعداد النزول له حسب تكرار الغدو والرواح.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
39 ـ
باب حَدِّ المَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الجَمَاعَةَ
قوله
: (باب حد المريض أن يشهد الجماعة) أي : أيَّ حد له في شهود الجماعة ومتى يكون
الشهود له أولى ، وكأنه استدل له بقولها ، فوجد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من
نفسه خفة الخ ، فأشار إلى أن المريض إن وجد من نفسه خفة بحيث يمكن له أن يحضر
237
الجماعة
، ولو بين رجلين ينبغي له الحضور أن تيسر له ذلك ، والله تعالى أعلم.
(1/117)
قوله : (مروا أبا بكر فليصل بالناس) استدل به أهل السنة على خلافة أبي
بكر رضي الله تعالى عنه ووجهه أن الإمامة في الصلاة التي هي الإمامة الصغرى كانت
من وظائف الإمام الكبرى فنصبه صلى الله تعالى عليه وسلم إياه إماماً في الصلاة في
تلك الحالة من أقوى أمارات تفويض الإمامة الكبرى إليه ، وهذا مثل أن يجلس سلطان
زماننا أحد أولاده عند الوفاة على سرير السلطنة ، فهل يشك أحد في أنه فوّض السلطة
إليه ؟ فهذه دلالة قوية لمن شرح الله تعالى صدره ، وليس من باب قياس الإمامة
الكبرى على الإمامة الصغرى مع ظهور الفرق كما زعمه الشيعة ، وقولهم : إن الدلالة
لو كانت ظاهرة قوية لما حصل الخلاف بينهم في أول الأمر باطل ضرورة أن الوقت كان
وقت حيرة ودهشة ، وكم من ظاهر يخفى في مثله والله تعالى أعلم. وقولها : فخرج أبو
بكر فصلى معناه استمر على الصلاة بالناس أياماً وقولها فوجد النبى {صلى الله عليه
وسلّم} من نفسه خفة أي في بعض تلك الأيام ، وليس المراد أنه وجد خفة في تلك الصلاة
والله تعالى أعلم. فلا تنافي هذه الرواية الرواية الآتية. قوله : (إنكن صواحب يوسف)
أي : في كثرة الإلحاح عليه صلى الله تعالى عليه وسلم. اهـ. سندي.
238
41 ـ
بابٌ هَل يُصَلِّي الإِمَامُ بمَنْ حَضَرَ وَهَل يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي
المَطَرِ ؟
قوله
: (خطبنا إلى قوله فأمر) لا يخفى أن شرع الأذان قبل الخطبة ، وهذا لو أجرى على
ظاهره لكان مقتضاه أن يكون الأذان بعد الخطبة ، فالوجه أن يحمل خطبنا على معنى
أراد أن يخطبنا والله تعالى أعلم.
قوله
: (كرهت أن أؤثمكم الخ) لا يخفى أنه ليس مجيئهم كذلك إيقاعاً لهم في الإثم ، بل هو
إيقاع لهم في المثوبة العظمى فكأن المعنى إني كرهت أن أكون سبباً لوقوعكم في الإثم
إن لم تحضروا فتحضرون لذلك ، ولو بمشقة كثيرة.
239
(1/118)
42 ـ
بابٌ إِذَا حَضَرَ الطَّعَامُ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (قبل أن تصلوا صلاة المغرب) فيه إشارة إلى أن غير المغرب يقدم عليه العشاء أو
الطعام بالأولى إذ وضع المغرب على التعجيل ، فإذا أخرت لأجل الطعام فكيف غيرها ،
وكأنه لهذا وضع الكلام في العشاء لا في الغداء أو في مطلق الطعام والله تعالى أعلم.
240
43 ـ
بابُ إِذَا دُعِيَ الإِمَامُ إِلَى الصَّلاَةِ وَبِيَدِهِ مَا يَأْكُلُ
قوله
: (باب إذا دعي الإمام إلى صلاة الخ) كأنه أشار بوضع هذا الباب في جنب الباب
السابق إلى أن البداية بالطعام أو المضي عليه عند الحاجة إلى ذلك ، وخوف فوات
الخشوع عند البداية بالصلاة ، وأما إذا قضى حاجته من الطعام في الجملة وصار بحيث
لا يخاف فوات الخشوع يقدم الصلاة. والله تعالى أعلم.
45 ـ
بابُ مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ
صَلاَةَ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} وَسُنَّتَهُ
قوله
: (وهو لا يريد إلا أن يعلمهم) أي لا يريد الإمامة لذاتها بل يريدها ليتوسل إلى
241
تعليمهم
كيفية الصلاة وهو المراد بقوله في الحديث ، وما أريد الصلاة أي : أن أصلى بكم أي ليس غرضي من التقدم بين يديكم أن أكون إماماً
لكم ومتقدماً بين يديكم ، وإنما مرادي بذلك التعليم والله تعالى أعلم. وبهذا يندفع
ما يتوهم أنه كيف تصح الصلاة بلا نية الصلاة. اهـ. سندي.
46 ـ
بابٌ أَهْلُ العِلمِ وَالفَضْلِ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ
(1/119)
قوله : (باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة) قيل : أي ممن ليس بمرتبته
في العلم والفضل ، وهذا مبني على أن أمره صلى الله تعالى عليه وسلم بإمامة أبي بكر
بناء على أنه كان أعلم وأفضل من غيره ، ويحتمل أن مراده بيان أن أهل العلم أولى
بالإمامة من أهل القراءة كما قال الجمهور : إن الأعلم أولى من الأقرأ ، وهذا مبني
على أن أبيا كان أقرأ القوم كما جاء
242
أقرؤكم
أبيّ ، ومع ذلك اختار صلى الله تعالى عليه وسلم أبا بكر للإمامة لأنه كان أعلم ، وعلى
هذا فقيل إن تقديم الأقرأ منسوخ ؛ وقيل : بل تقديم الأقرأ مبني على أن أقرأهم كان
أعلمهم ، ولا يخفى أن لازم الجواب الثاني أن يكون أبي أعلمهم لأنه أقرؤهم وهو يفيد
أصل الاستدلال والله تعالى أعلم.
قوله
: (كأنه وجهه ورقة مصحف) ليس التشبيه في مجرد البياض وإلا لما كان لتخصيص الورقة بالمصحف
كثير معنى بل في أنه منور محبوب في القلوب معظم في الصدور مبدأ للعلوم والله تعالى
أعلم ، وقوله : ثم تبسم يضحك أي : شارعاً في الضحك.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (فلم يقدر عليه) أي : فما قدرنا بعد ذلك على رؤيته ومشاهدة نوره.
47 ـ
بابُ مَنْ قَامَ إِلَى جَنْبِ الإِمَامِ لِعِلَّةٍ
قوله
: (أن كما أنت) أي : أن كن كما أنت ، وأن تفسيرية لما في الإشارة من معنى القول.
243
48 ـ
بابُ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ ، فَجَاءَ الإِمَامُ الأَوَّلُ ، فَتَأَخَّرَ
الأَوَّلُ أَوْ لَمْ يَتَأَخَّرْ ، جَازَتْ صَلاَتُهُ
قوله
: (باب من دخل) إلى قوله فجاء الإمام الأول أي الراتب فتأخر الأول أي الذي شرع في
الصلاة أو لا.
(1/120)
قوله : (أن أمكث مكانك) كأنه رضي الله تعالى عنه رأى أنه ما أمره صلى
الله تعالى عليه وسلم بذلك أمر إلزام وإلا لما كان له أن يخالف لمصلحة ما بل أمره
تكرماً ، ولذا رفع يديه وحمد الله تعالى ، ثم علم من قولهصلى الله تعالى عليه وسلم
أن إمكث جواز الصلاة إن لم يتأخر كما علم من تقريره صلى الله تعالى عليه وسلم فعل
أبي بكر جواز التأخر.
244
49 ـ
بابٌ إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَليَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
قوله
: (باب إذا استووا في القراءة) كأنه أراد بالقراءة ما يستحق به الإمامة أعم من
القراءة والعلم واستواء أصحاب مالكبن الحويرث في ذلك من حيث أنهم كانوا مستوين في
الإقامة عنده صلى الله تعالى عليه وسلم ، والغالب في مثلهم الاستواء في الأخذ
والله تعالى أعلم.x
51 ـ
بابٌ إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ
قوله
: (فذهب لينوء) أي : أراد وقصد ليقوم.
245
قوله
: (يا عمر صل بالناس) كأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه رأى أن أمره بذلك كان تكرماً
والمقصود أداء الصلاة بإمام لا تعيين أنه الإمام ، ولم يدر ما جرى بينه صلى الله
تعالى عليه وسلم وبين بعض أزواجه في ذلك ، وإلا لما كان له تفويض الإمامة إلى عمر
والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
246
(1/121)
قوله : (ثم صلى بعد ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم جالساً الخ)
يريد أن حديث عائشة الذي في مرضه صلى الله تعالى عليه وسلم ناسخ لحديث إذا صلى جالساً
فصلوا جلوساً كذا قاله جمهور الفقهاء ، لكن قد بحث فيه من لا يرى النسخ بوجوه منها
أن الحديث المذكور ليس بصريح في إمامة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، فيجوز أن
يكون الإمام إذ ذاك هو أبو بكر ، وذلك لأن قولها فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم الخ
على ظاهره يستلزم أن تكون صلاة واحدة بإمامين ، وأن يكون اقتدى أحد الإمامين
بالآخر ، فلا بد من تأويله عند الكل فكما يجوز تأويله بأن النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم كان إماماً ، وأن أبا بكر كان يسمع الناس التكبير كذلك يمكن تأويله بأن
أبا بكر كان يراعي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الصلاة ، وينظر إلى حاله ،
وهذا كما في الحديث في حق إمام اقتدى بأضعفهم إلا أن يقال بعض روايات هذا الحديث لا
يقبل مثل هذا التأويل لا أنه معارض بأن بعضها صريح في إمامة أبي بكر فعن عائشة صلى
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعداً ومثله عن
أنس رواهما الترمذي وصححهما.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
(1/122)
والحاصل
أن الحديث مضطرب لا ينبغي بمثله الحكم بنسخ حديث صحيح لا غبار عليه. لا يقال يمكن
دفع الاضطراب بالحمل على تعدد الواقعة ، فإن مثل هذه الاحتمالات تبدي لدفع النسخ
لا لإثباته ، وأيضاً قد علم أن القضية كانت مختلفاً فيها عندهم ، ولا يتصور
الاختلاف إلا إذا كانت الصلاة واحدة ، فقد روى ابن عبد البر وابن خزيمة في صحيحه
عن عائشة قالت : من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله
تعالى عليه وسلم في الصف ، ومنهم من يقول كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
المقدم ، وهذا يفيد أن سبب الاختلاف في الأحاديث هو أن القضية ما كانت محققة عندها
، ولا عندهم كما هو شأن أيام المصائب والهموم والله تعالى أعلم. ومنها أنه لا
دلالة فيه على أن الصحابة كانوا قياماً نعم قد ثبت أن أبا بكر كان قائماً ولعله
قام لضرورة الاسماع. لا يقال قد جاء في بعض الروايات أنهم كانوا قائمين لأن مدار
النسخ حينئذٍ على تلك الروايات لا على ما ذكره صاحب الصحيح أو أصحاب الصحاح فحينئذٍ
ينظر في تلك الروايات هل يقوى شيء منها قوة حديث إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً ،
وما ذكروا لا يساوي هذا الحديث بل ولا يدانيه فلا يتجه الحكم بنسخ هذا الحديث بتلك
الروايات ، وما قيل إنهم ابتدأوا الصلاة مع أبي بكر قياماً بلا
247
(1/123)
نزاع
فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان انتهى ففيه أن المحتاج إلى البيان من
يدعي النسخ ، وأما من يمنعه فيكفيه الاحتمال لأن الأصل عدم النسخ ، ولا يثبت بمجرد
الاحتمال فقوله فمن ادعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان خارج عن قواعد البحث على
أنا نقول قعود الصحابة هو الأصل الظاهر عملاً بالحكم السابق المعلوم عندهم وبقاؤهم
على القيام لا يتصور إلا بعد علمهم بنسخ ذلك الحكم المعلوم ولا دليل عليه فالواجب
أنهم قعدوا فمن ادعى خلافه فعليه البيان ، وأما القول بأنهم ثبتوا على القيام
اتفاقاً ، وإن كان المعلوم عندهم أن الحكم هو القعود إلا أنه وافق النسخ وعلم ذلك
بتقرير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم على القيام فمن باب فرض المستحيل
عادة ، وكذا القول بأنه لم يكن في الحاضرين أحد يعرف الحكم السابق مع أن الحكم
السابق كان مشهوراً فيما بينهم وكانوا يعملون به ، وكذا القول بأنهم لعلهم عرفوا
النسخ قبل هذه القضية ببيانه صلى الله تعالى عليه وسلم لهم النسخ ، فلذلك ثبتوا
على القيام إذ يستبعد جداً أن يكون هناك ناسخ لذلك يعرفه أولئك الحاضرون ، ثم يخفى
بحيث لا يرويه أحد ، ومما يدل على بقاء الحكم المذكور أنه قد جعل قعود المقتدي عند
قعود الإمام من جملة الاقتداء بالإمام والإجماع على بقاء الاقتداء به ، فالظاهر
بقاء ما هو من جملة الاقتداء ، وكذا يدل على بقاء الحكم أنه قد علل في بعض
الروايات حكم القعود بأن القيام عند قعود الإمام من أفعال أهل فارس بعظمائها يعني
أنه يشبه تعظيم المخلوق فيما وضع لتعظيم الخلق من الصلاة ، ولا يخفى بقاء هذه
العلة ، والأصل بقاء الحكم عند دوام العلة وللطرفين ههنا كلمات ، وما ذكرنا فيه
كفاية في بيان أن دعوى النسخ لا يخلو عن نظر ، والله تعالى أعلم. اهـ سندي.
(1/124)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
52 ـ
بابُ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلفَ الإِمَامِ
قوله
: (فإذا سجد فاسجدوا) قيل الفاء للتعقيب فتدل على أن سجود المقتدي عقب سجود الإمام
وردّ بأن النبي للتعقيب هي الفاء العاطفة والتي ههنا للربط ؛ وقيل : الشرط يتقدم
على المشروط وردّ بأن الشرط النحوي قد يقارنه الجزاء نعم الشرط الفقهي يجب أن
يتقدم على المشروط كالوضوء للصلاة ولا كلام فيه. قلت : بل إذا تفيد
معنى الظرفية أي : وقت سجود الإمام اسجدوا وهو إلى القران أميل منه إلى التعقيب
لكن الثابت شرعاً بالأدلة الأخرى هو التأخير فتحمل الظرفية على اتحاد وقت سجود
المقتدي مع سجود الإمام في الجملة والله تعالى أعلم.
248
53 ـ
بابُ إِثْمِ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ
قوله
: (أما يخشى) قيل : كلمة أما أو ألا للاستفتاح. قلت : ويلزم على هذا أن يكون
الكلام إخباراً بأن فاعل هذا الفعل خاش من المسخ وليس كذلك ، فالوجه أن ما أو لا
نافية والهمزة للاستفهام للإنكار والمقصود الإنكار على ترك الخشية والحث عليها
ليرتدع فاعل ذلك الفعل بسبب الخشية من شنيع عاقبته عن ذلك الفعل.
والحاصل
أن فاعل هذا الفعل في محل المسخ ويستحق ذلك ، فينبغي أن يخشى ذلك ، وليس له أن لا
يخشى والله تعالى أعلم. وهذا يدل على أن فاعل هذا الفعل يستحق هذا العقاب وكونه لا
يلحق به فضلاً من الله تعالى لا يدل على خلافه فكم من شيء يستحقه العبد ويعفو عنه
الرب تعالى ، وقد قال ويعفو عن كثير والله تعالى أعلم.
(1/125)
ثم
الجمهور على أن فاعل هذا الفعل آثم وصلاته جائزة. قلت : وقد يتعجب منهم حيث يقولون
بأن التقدم على الإمام مكاناً مفسد والتقدم عليه أفعالاً غير مفسد مع أن المقتدي
ما التزم الاقتداء إلا في الأفعال ، فينبغي أن يكون التقدم فيها أولى بالفساد من
التقدم في المكان والله تعالى أعلم.
54 ـ
بابُ إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى
قوله
: (أقرؤهم لكتاب الله) استدل بالإطلاق وفيه أنه إن حمل على إطلاقه يلزم أن يؤم
249
الأقرأ
، وإن لم يعرف شيئاً سوى القراءة ، وإن لم يحمل فليكن المراد الأقرأ إذا كان
حاوياً لشرائط الإمامة ، فلا يدل على مطلوب المصنف رحمه الله تعالى والله تعالى
أعلم.
قوله
: (وإن استعمل حبشي) ومقتضى استعماله أن يؤم لهم.
56 ـ
باب إِمَامَةِ المَفتُونِ وَالمُبْتَدِعِ
قوله
: (وعليه بدعته) أي : ظاهرة لائحة عليه بدعته أو هو من تشبيه البدعة باللباس. اهـ.
سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
250
251
252
253
67 ـ
باب مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الإِمامِ
قوله
: (فأشار إليه أن صل فتأخر الخ) فإن قيل : كيف يتأخر بعد أن أشار إليه النبى صلى
الله تعالى عليه وسلم بالقيام مقامه بقوله أن صل ، فإن معناه على ما سبق في
الروايات السابقة صل في مكانك ، ولا تتأخر عنه. قلت : لعل معنى فتأخر
فبقي متأخراً ، وذلك لأنه تأخر عن مكانه شيئاً قليلاً قبل أن يشير إليه النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم لا أنه تأخر بحيث وصل إلى الصف فلما أشار إليه النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم بقي في مكانه متأخراً ، ويحتمل أن يكون معناه فتأخر عما أراد
من التأخر مكاناً أي تبعد عنه وتركه بل ثبت في مكانه ، وبه اندفع ما يقال أنه صلى
متقدماً في موضع الإمامة كما هو مفاد الروايات فما معنى فتأخر فتأمل.
254
(1/126)
69 ـ
بابٌ هَل يَأْخُذُ الإِمَامُ إِذَا شَكَّ بِقَوْلِ النَّاسِ ؟
قوله
: (فقال الناس : نعم ، فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخ) ظاهره يفيد أنه اعتمد على قولهم وحديث لم يسجد سجدتي السهو حتى
يقنه الله ذلك لا يدل على خلافه ، فإن مضمونه هو أنه علم انتهاء ، وذلك لا ينافي الاعتماد
على قولهم ابتداء والله تعالى أعلم.
70 ـ
بابٌ إِذَا بَكى الإِمَامُ فِي الصَّلاَةِ
قوله
: (باب إذا بكى الإمام) استدل عليه بحديث مروا أبا بكر لأن الأمر بإمامته مع أنه
255
256
رقيق
يتوقع منه البكاء دليل على أنه لا يضر البكاء للصلاة. اهـ. سندي.
74 ـ
بابُ إِقامَةِ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاَةِ
قوله
: (فلا تختلفوا) استدل به على عدم جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لما فيها من
الاختلاف بين الإمام والمأموم نية وهو ضعيف لأن المراد عدم الاختلاف في الأفعال
بدليل التفسير بقوله : فإذا ركع الخ كيف ؟ ولو كان شاملاً للاختلاف نية لما كانت
صلاة المتنفل خلف المفترض جائزة مع أنه جائز والله تعالى أعلم.
75 ـ
بابُ إِثْمِ مَنْ لَمْ يُتِمَّ الصُّفُوفَ
(1/127)
قوله : (ما أنكرت شيئاً الخ) فيه أن الإنكار قد يقع على ترك السنة فلا
يدل على حصول الإثم فلا دلالة للحديث على الترجمة وأيضاً فالحديث موقوف ، والجواب بأنه
أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سوّوا ونحوه لا يفيد طابقة هذا الحديث بالترجمة
ودلالته عليها بل يصير الدليل على الترجمة حديث سووا ونحوه لا هذا الحديث إلا أن
يقال قد لا تكون الترجمة للاستدلال بالحديث عليها بل لبيان ما هو الصحيح في محمل
الحديث بدلائل أخر فههنا بالترجمة أفاد أن إنكار أنس محمول على إنكار على ترك
الواجب لا على إنكار على ترك السنة بدليل سووا صفوفكم ونحوه. وقد يقال إن الحديث
يدل على أن ترك إقامة الصفوف خلاف ما كان عليه أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم
، والأصل فيه هو التأثيم لقوله تعالى : {فليحذر الذين يخالفون عن أمر} إلا ما دل
الدليل على خلافه ، وهذا مبني على أن الأمر في الآية مطلق
257
الشأن
، والحال لا خصوص الصيغة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
77 ـ
بابٌ إِذَا قامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمامِ وَحَوَّلَهُ الإِمامِ خَلفَهُ
إِلَى يَمِينِهِ ، تَمَّتْ صَلاَتُهُ
قوله
: (وحوّله الإمام خلفه إلى يمينه تمت صلاته) أي : ما صارت ناقصة بواسطة التحويل أو
خرجت بواسطة التحويل عن نقصان القيام في يسار الإمام ، ولم يرد أن الصلاة صارت
تامة بمجرد تحويل الإمام من غير حاجة إلى سائر الأركان ، وهذا ظاهر اهـ. سندي.
79 ـ
بابُ مَيمَنَةِ المَسْجِدِ وَالإِمامِ
قوله
: (حتى أقامني عن يمينه) قال الكرماني دلالته على يمين المسجد لأن يمين الإمام
258
(1/128)
يمينه
قلت : لأن وجه المسجد إلى الكعبة كوجه الإمام لأن المساجد بنيت متوجهة إليها ، ولا
تعتبر المواجهة بين الإنسان والمسجد حتى ينقلب الأمر بالعكس ، ثم ما ذكر من
الدلالة لو كانت الصلاة في المسجد لكن الصلاة كانت في البيت إلا أن يقال يكفي في
الدلالة أنها لو كانت في المسجد لكان هذا قياماً في يمين المسجد والله تعالى أعلم.
80 ـ
بابٌ إِذَا كانَ بَينَ الإِمامِ وَبَينَ القَوْمِ حائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
قوله
: (يصلي من الليل في حجرته) الظاهر أنها الحجرة من الحصير كما يدل عليه سائر
الروايات ، وعلى هذا فاطلاق الجدار مجاز وحمله على البيت لا يساعده النظر ، وما في
بعض الروايات في حجرة من حجر أزواجه لعله محمول على أن الحصير كان ملكاً لبعض
أزواجه والله تعالى أعلم.
قوله
: (إني خشيت أن تكتب عليكم صلاة الليل) لعل المراد بها قيام رمضان إذ الواقعة كانت
فيه ، وافتراض قيام رمضان لا ينافي أن الصلاة المفترضة كل يوم لا تزيد على خمس فلو
فرض أن معنى حديث لا يبدل القول لديّ أن الصلاة لا تزيد ولا تنقص لما كان هذا
الحديث منافياً له على أنه قد سبق أن ذلك الحديث محمول على معنى آخر والله تعالى
أعلم.
81 ـ
قوله
: (فإن أفضل الصلاة الخ) مورد هذا الحديث كان هو قيام رمضان في مسجد المدينة
259
المنورة
، فيدل على أن الصلاة النافلة أفضل في البيت من المساجد الفاضلة أيضاً ، وعلى أن
الأفضل في قيام رمضان هو البيت لا المسجد إلا أن العلماء بعد ما صار قيام رمضان في
المساجد من شعائر الإسلام يرون أنه في المسجد أفضل والله تعالى أعلم.
82 ـ
بابُ إِيجَابِ التَّكْبِيرِ ، وَافتِتَاحِ الصَّلاَةِ
(1/129)
قوله : (باب إيجاب التكبير وافتتاح الصلاة) أي : مع افتتاح الصلاة
واستدل عليه بحديث ركوب الفرس لما فيه من قوله ، وإذا كبر فكبروا ، وإن كان غير
مذكور في بعض رواياته اختصاراً من الرواة ووجه الاستدلال أن الأمر للإيجاب لكن قد يقال
إنه قد أمر به في الحديث اقتداء بالإمام ، ولا يلزم من ذلك وجوبه في نفسه ، وأيضاً
الأمر يتناول كل التكبيرات ، فلو كان للوجوب لوجب كل التكبيرات فافهم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
260
261
88 ـ
بابُ الخُشُوعِ فِي الصَّلاَةِ
قوله
: (هل ترون قبلتي) كأن المراد إنكار لازم ذلك وهو قصور النظر في تلك الجهة وإلا
فلا شك في كون القبلة في تلك الجهة والله تعالى أعلم.
262
قوله
: (أقيموا الركوع) استدل به على الخشوع لأن إقامة الركوع هي الكون والاطمئنان فيه
، وهو المراد بالخشوع.
89 ـ
بابٌ ما يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ
قوله
: (كانوا يفتتحون الصلاة) ظاهر صنيع المصنف يفيد أنه حمل افتتاح الصلاة على ما
يقال بعد التكبير لا على افتتاح القراءة أما بناء على أن التكبير خارج عن الصلاة
أو أنه لظهور مفروغ عنه فقد نبه على أن دعاء الافتتاح ليس بلازم بل كانوا يفتتحون
به أحياناً والله تعالى أعلم.
90 ـ
باب
قوله
: (أي رب وأنا معهم) أي : أتعذبهم وأنا معهم ، وقد قلت وما كان الله ليعذبهم
263
(1/130)
وأنت فيهم
، وهذا من باب التضرع في حضرته وإظهار غناه وفقر الخلق وأن ما وعد به من عدم
العذاب مادام فيهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يمكن أن يكون مقيداً بشرط ،
وليس مثله مبنياً على عدم التصديق بوعده الكريم ، وهذا ظاهر ومثله قول المؤمنين
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا مع حديث رفع من أمتي الخطأ والله تعالى أعلم.
ثم دلالة الحديث على الترجمة ؛ قيل : بالنظر إلى هذا الدعاء قلت وهذا غير ظاهر إذ
لا دلالة فيه على كون الدعاء بعد التكبير إلا أن يراد بقوله بعد التكبير ما يتحقق
بعده أعم من كونه متصلاً أم لا فيشمل الواقع في تمام الصلاة ، ولا يخفى بعده ؛
وقيل : باعتبار إطالة القيام إذ إطالته لا تخلو من دعاء بعد التكبير عادة قلت لو
سلم ذلك فلا يدل الحديث على تعيينه ومفاد قوله باب ما يقول إن الباب لبيان تعيين
ذلك المقول والله تعالى أعلم.
91 ـ
بابُ رَفعِ البَصَرِ إِلَى الإِمَامِ فِي الصَّلاَةِ
قوله
: (فرأيت جهنم) أي : ورؤية جهنم في جدار القبلة لا تخلو عن رفع بصر بحيث لو كان
قبله إمام لكان رافعاً للبصر إلى الإمام ، وقد يمنع كون رؤية النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم محتاجة إلى رفع بصر لأنه كان يرى من ورائه
264
265
94 ـ
بابٌ هَل يَلتَفِتُ لأَمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ ، أَوْ يَرَى شَيئاً ، أَوْ بُصَاقاً
فِي القِبْلَةِ ؟
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (فحتها ثم قال حين انصرف) ظاهره أن الحت وقع داخل الصلاة ، وتقدم من رواية
الحديث غير مقيد بحال الصلاة ؛ قيل : لا بأس به لأنه فعل قليل قلت : قد يحتاج إلى آلة وهو مما يقبل التأخير والنظر إلى هذا ربما
يبعد وقوعه داخل الصلاة ، فيمكن أن يجعل قوله حين انصرف متعلقاً بالفعلين على
التنازع والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
(1/131)
95 ـ
بابُ وُجُوبِ القِرَاءَةِ لِلإِمَامِ وَالمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا ،
فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ
قوله
: (فأركد الخ) يعني : أن التطويل في الأوليين والتخفيف في الأخريين بكثرة القراءة
266
وقلتها
وقد قال أنه يصلي صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعلم به ثبوت القراءة
في صلاته صلى الله تعالى عليه وسلم في أفعال صلاته هو الوجوب لحديث صلوا كما
رأيتموني أصلي.
قوله
: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ليس معناه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب مرة في عمره قط أو في الصلاة حتى يقال لازم الأول افتراض الفاتحة في عمره
مرة ولو خارج الصلاة ، ولازم الثاني افتراضها مرة في صلاة من الصلوات فلا يلزم منه
الافتراض لكل صلاة ، وكذا ليس معناه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ، ولو في
بعض الصلوات إذ لازمه أنه بترك الفاتحة في بعض الصلوات تفسد الصلوات كلها ما ترك
فيها ، وما لم يترك فيها إذ كلمة لالتقى الجنس ولا قائل به بل معناه لا صلاة لمن
لم يقرأ بفاتحة الكتاب من الصلوات التي لم يقرأ فيها فهذا عموم محمول على الخصوص
بشهادة العقل وهذا الخصوص هو الظاهر المتبادر من مثل هذا العموم ، وهذا الخصوص لا
يضر بعموم النفي للجنس لشمول النفي بعد لكل صلاة ترك فيها الفاتحة ، وهذا يكفي في
عموم النفي ، ثم قد قرروا أن النفي لا يعقل إلا مع نسبة بين أمرين ، فيقتضي نفي
الجنس أمراً مسنداً إلى الجنس ليتعقل النفي مع نسبته ، فإن كان ذلك الأمر مذكوراً
في الكلام ، فذاك ، وإلا يقدر من الأمور العامة كالكون والوجود.
وأما
الكمال فقد حقق المحقق ابن الهمام ضعفه لأنه مخالف للقاعدة لا يصار إليه إلا بدليل
والوجود في كلام الشارع يحمل على الوجود الشرعي دون الحسي فمفاد الحديث نفي
267
(1/132)
الوجود
الشرعي للصلاة التي لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، وهو عين نفي الصحة ، وما قال
أصحابنا أنه من حديث الآحاد ، وهو ظني لا يفيد العلم ، وإنما يوجب العمل فلا يلزم
منه افتراض الفاتحة في الصلاة لأن الافتراض لا يثبت إلا بما يفيد العلم ففيه أنه
يكفي في المطلوب أنه يوجب العمل ضرورة أنه يجب العمل بمدلوله لا بشيء آخر ومدلوله
عدم صحة الصلاة التي لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فوجوب العمل به يوجب القول بفساد
تلك الصلاة وهو المطلوب ، فالحق أن الحديث يفيد بطلان الصلاة إذا لم يقرأ فيها
بفاتحة الكتاب نعم يمكن أن يقال قراءة الإمام قراءة للمقتدي كما ورد به بعض
الأحاديث فلا يلزم بطلان صلاة المقتدي إذا ترك الفاتحة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
بقي
أن الحديث يوجب قراءة الفاتحة في تمام الصلاة لا في كل ركعة فلذلك عقبه بحديث
الأعرابي المشتمل على قوله وافعل ذلك في صلاتك كلها ، فإنه يفيد في كل ركعة.
قوله
: (اقرأ ما تيسر معك) كأنه قال له ذلك بناء على أن المتيسر لمثله عادة هي الفاتحة
أو لأنه أعرابي عاجز ينتفي منه بالمتيسر على أنه ورد في بعض الروايات تعيين
الفاتحة والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
96 ـ
باب القِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ
قوله
: (ويسمع الآية أحياناً) قال الشيخ ابن حجر : استدل به على جواز الجهر في
268
(1/133)
السرية
، وأنه لا سجود سهو على من فعل ذلك خلافاً لمن قال ذلك من الحنفية وغيرهم سواء
قلنا كان يفعل ذلك عمداً لبيان الجواز أو بغير قصد للاستغراق في التدبر انتهى. قلت
: وهذا بحبس الظاهر من باب الجمع بين السر والجهر ، وقد صرح الحنفية بأن الجمع
قبيح غير مشروع ، وقد يجاب عنه بما في البحر نقلاً عن الخلاصة الإمام إذا قرأ في
صلاة المخافتة بحيث سمع رجل أو رجلان لا يكون جهراً والجهر أن يسمع الكل اهـ. سندي
ولا يخفى ما فيه إذ كثيراً ما لا يسمع أطراف الصف الأول لطوله مع أنه جهر لا ريب
فيه فكيف يعتبر في الجهر سماع الكل ، ثم إن الكل قد يكون رجلاً أو رجلين على أنه
لا يلزم في الجهر حضور أحد ، فأي كل يعتبر حينئذٍ ، فالأوجه في الجواب لهم أن يقال
معنى يسمع الآية أنه يسبق لسانه إلى إظهار بعض كلمات من آية بحيث يظهر أنه يقرأ الآية
الفلانية ، ومثله عفو لا يعد من الجهر المضر الموجب للجمع لتقبيح أو يقال إنه كان
يظهر لمصلحة إعلامهم بالقراءة حتى لا يعتقدوا أن الصلاة السرية خالية عن القراءة ،
ومثله جائز له للحاجة إلى البيان والله تعالى أعلم.g
269
100 ـ
بابُ الجَهْرِ فِي العِشَاءِ
قوله
: (فقرأ إذا السماء انشقت الخ) مطلق القراءة ، وإن كان لا يستلزم الجهر لكن المتبادر
من مثل هذا الكلام هو أن السامع علم تعيين السورة بواسطة السماع وهو أقرب إلى
الجهر والله تعالى أعلم على أن الجهر في العشاء متفق عليه فيكفي أدنى دليل والحاجة
إلى قوة الدليل عند الخصم ولا خصم. اهـ. سندي.
270
271
105 ـ
بابُ الجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الفَجْرِ
(1/134)
قوله : (قرأ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيما أمر الخ) يحتمل أنه
أراد يقرأ أي جهر ويسكت أي أخفى والأقرب أنه أشار به إلى مذهبه أنه لا قراءة في السرية
، وقوله : {وما كان ربك نسياً} إشارة إلى دليل أن كل ذلك كان بالأمر إذ ليس الرب
تعالى نسياً حتى يترك الأمر بسبب النسيان في موضع الحاجة إلى البيان والله تعالى
أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
272
106 ـ
بابُ الجَمْعِ بَينَ السُّورَتَينِ فِي الرَّكْعَةِ. وَالقِرَاءَةِ بِالخَوَاتِيمِ
وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ ، وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ
قوله
: (ذكر موسى وهرون) أي : قوله تعالى : {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون}.
قوله
: (أو ذكر عيسى) أي قوله تعالى : {وجعلنا ابن مريم وأمه آية}.
قوله
: (بسورة من المثاني) وهو ما بلغ مائة آية أو لم يبلغها أو ما عدا السبع الطوال
إلى المفصل سيمت مثاني لأنها ثبت السبع أو لكونها قصرت عن المئين وزادت عن المفصل
أو لأن المئين جعلت مبادي ، والتي تليها مثاني ثم المفصل.
قوله
: (فقال هذا) ـ بفتح الهاء وتشديد المعجمةـ أي : أتهذ هذا كهذ الشعر أي سرداً
وامراطاً في السرد لأن هذه الصفة كانت عادتهم في إنشاد الشعر. اهـ. قسطلاني.
273
274
111 ـ
بابُ جَهْرِ الإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ
قوله
: (إذا أمن الإمام الخ) معناه وقت تأمين الإمام أمنوا ولا يدري وقت التأمين عيناً
إلا في الجهر نعم قد يدري في السر ذلك بالسكوت عند قوله : {ولا الضالين}.
113 ـ
بابُ جَهْرِ المَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ
(1/135)
قوله : (فقولوا آمين) قيل : في التوفيق بين هذا الحديث وبين السابق أن
الخطاب في قولوا شامل للإمام والقوم جميعاً ، وكأن الأصل فليقل الإمام آمين ، وقولوا
: آمين إلا أن الإمام لهم كان هو نفسه فترك الأول اختصاراً ، والأقرب أن هذا اللفظ
مبني على الإخفاء بآمين واللفظ السابق يحتمل الإخفاء والجهر إلا أنه إلى الجهر
أميل ، فالتوفيق بحملهما على الإخفاء أقرب والله تعالى أعلم.
275
114 ـ
بابٌ إِذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ
قوله
: (باب إذا ركع دون الصف) أي : فقد ارتكب النهي ولا تبطل صلاته لحديث ولا تعد ولم
يأمره بالإعادة.
115 ـ
بابُ إِتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ
قوله
: (باب إتمام التكبير في الركوع) أي في حالة الركوع حين الذهاب إليه وإتمامه
إتيانه في كل ركوع. اهـ. سندي.
276
277
121 ـ
بابُ حدّ إتْمَام الرّكُوعِ والاعْتِدَالِ فِيهِ والطْمَأْنِينَةِ
قوله
: (وبين السجدتين وإذا رفع) هو عطف على الرجوع بتقدير عامل مناسب للظرف أي ومكنه
بين السجدتين ، وحين رفع رأسه ، ولو قدر وجلوسه بين السجدتين ، وقيامه حين رفع
رأسه لكان ارتكاباً لزيادة التقدير بلا حاجة والله تعالى أعلم. ثم لا يخفى أن
المساواة بين هذه الأمور لا تدل على الاعتدال في الركوع إذ يمكن تحققها بلا اعتدال
، وكأن مدار الدليل أن بعض هذه الأشياء معلومة بالتطويل قطعاً فمساواة الباقي تفيد
المطلوب اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
278
126 ـ
باب
قوله
: (كان القنوت في المغرب والفجر) أي : في النوازل وكأن المراد اكثاره فيهما لئلا
ينافي ثبوته في الظهر أو في ابتداء الأمر ثم نسخ الكل عند بعض ، وفي المغرب فقط
عند آخرين ، وبقي في الفجر والله تعالى أعلم.
279
280
129 ـ
بابُ فَضْلِ السُّجُودِ
(1/136)
قوله
: (فإنكم ترونه كذلك) أي : رؤية لا مرية فيها فهذا هو الذي يفيده السوق في وجه
الشبه.
281
قوله
: (فيأتيهم الله) أي : يظهر لهم على وجه يخفي عليهم بعض صفاته التي يعهدونه بها ،
فيقولون خوفاً من الوقوع في إتباع غيره تعالى وارتكاب الشرك هذا مكاننا الخ. وفي
هذا إظهار شرفهم ونزاهتهم عن رذيلة الشرك إلى هذا الحد ، ولا يلزم فيه تغير في
صفات المرئي ، وإنما التغير في رؤيتهم ، والظهور عليهم. وقيل : معنى فيأتيهم الله
أو لا يأتيهم ملكه على حذف المضاف ، وردّ بأن الملك معصوم فكيف يقول ؟ أنا ربكم
وهو كذب لكن يقال إن لا نسلم عصمته من هذه الصغيرة لمصلحة الامتحان ، ورد بأنه
يلزم منه أن يكون قول فرعون أنا ربكم من الصغائر انتهى. قلت : إن فرض مجيء الملك
فلا شك أنه يجيء بإذن الله تعالى ، ويقول بإذن الله تعالى فلا تتصور أن يكون قوله
صغيرة ولا كبيرة ولا يمكن قياسه بقول فرعون بل الظاهر أنه يقول بأمره فيكون القول واجباً
أو مندوباً ، فكيف يكون معصية ؟ لكن بقي الإشكال من حيث إنه في الظاهر شرك ومعلوم
أن الشرك غير مأذون فيه في حال وقد قال تعالى : {ومن يقل منهم إني إله من دونه}
فذلك نجزيه جهنم ، والتحقيق أنه لو فرض الأمر كذلك فلا إشكال لجواز أنه يقول ذلك
حكاية لبعض كلماته تعالى : وقراءة لها كأن يقرأ أحدنا إني أنا الله لا إلا أنا
لآية ومثله ليس من الكذب والمعصية في شيء نعم لغرض الامتحان يذكر على وجه لا تتميز
الحكاية والله تعالى أعلم.
(1/137)
قوله : (فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته) يمكن أن يكون معناه أنه صلى
الله تعالى عليه وسلم أول من يجوز من الرسل وأمته أول من تجوز من الأمم ، فلا يلزم
تأخر الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم عن أمته صلى الله تعالى عليه وسلم في جواز
الصراط ، ويحتمل أن يقال أن تقدم الأمة تبعاً لتقدم الرسول من فضيلة الرسول لا من
فضلة الأمة ، فلا إشكال فيه أو يقال اختصاص المفضول بفضيلة جزئية لمصلحة مصاحبة
الأمم برسلها لا يضر في فضل الفاضل والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (مثل شوك السعدان) أي : في الكثرة قوله : (فيقول هل عسيت الخ) ولعل إدخال
282
الجنة
بطريق التدريج ، وأخذ العهود والمواثيق منه ليعلم أن استحقاقه النار كان بسبب كثرة
العذر في العهود ، وأن دخوله الجنة بمجرد فضل الرب تعالى وكرمه والله تعالى أعلم.
130 ـ
بابٌ يُبْدِي ضَبْعَيهِ وَيُجَافِي فِي السُّجُودِ
قوله
: (فرج بين يديه) من إضافة بين إلى متعدد ، فيتوهم أن ذلك المتعدد هنا يديه ،
283
وليس
كذلك بل يداه أحد طرفي المتعدد والطرف الثاني محذوف أي بين يديه وما يليهما من
الجنب ، والمعنى بين كل من يديه وما يليهما من الجنب.
والحاصل
أن المراد بيديه كل واحدة منهما فما بقي متعدداً فلا بد من اعتبار أمر آخر يحصل
بالنظر إليه التعدد ، وهذا معنى قول المحقق ابن حجر أي نحى كل يد عن الجنب الذي
يليها ، ولو أبقى الكلام على ظاهره لم يستقم قوله حتى يبدو الخ ، فهو قرينة دالة
على الحذف والله تعالى أعلم.
133 ـ
بابُ السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظمٍ
قوله
: (أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم)الرواية في أمر على بناء المفعول ، وإن كان
284
(1/138)
من حيث
العربية يحتمل البناء للفاعل أيضاً على أن يكون المصلي مفعول أمر ومرجعاً لضمير أن
يسجد ، وهو معلوم بالسوق. نعم هو لا يخلو عن نوع تكلف بخلاف بناء المفعول ، فإنه
خال عن التكلف والله تعالى أعلم.
قوله : (فإذا قال سمع الله لمن حمده الخ) كأن المراد بسمع الله لمن حمده
ذكر الاعتدال مطلقاً إلا أنه جعل سمع الله لمن حمده كناية عنه لشهرته وزيادة اختصاصه
بالاعتدال فلا ينافي ما ثبت في الأحاديث أنه كان يزيد في ذكر الاعتدال على سمع
الله لمن حمده ، والمعنى إذا فرغ من ذكر الاعتدال وحتى ظهره للذهاب إلى السجود لم
يحن أحد منا ظهره للذهاب إلى السجود ، فلا يرد أن الشروع في سمع الله لمن حمده
يكون حين ابتداء الاعتدال ، والقوم في تلك الحالة يكونون في الركوع كما هو مقتضى
تأخرهم عن الإمام فكيف يستقيم قبله لم يحن أحد منا الخ. كيف يحسن والله تعالى أعلم.
135 ـ
بابُ السُّجُودِ عَلَى الأَنْفِ ، وَالسُّجُودِ عَلَى الطِّينِ
قوله
: (عشر الأول) إن اعتبر العشر أنها ليال فالأول بضم الهمزة جمع ، وإن اعتبر أنه
285
ثلث
الشهر ، فالأول بفتح الهمزة مفرد وعلى الأول يناظر العشر الأواخر ، وعلى الثاني
العشر الأواسط فافهم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
286
287
142 ـ
بابٌ مَنِ اسْتَوَى قاعِداً فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ ، ثُمَّ نَهَضَ
(1/139)
قوله : (باب من استوى قاعداً الخ) يريد بيان جلسة الاستراحة ، واستدل
عليها بحديث مالكبن الحويرث ، وغالب الأئمة لا يقولون بها ويحملونها على أنها كانت
لكبر السن ، ويشكل عليهم قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لمالك وأصحابه صلوا
كما رأيتموني أصلي ، فهذا يدل على أن الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة كانت
مطلوبة شرعاً ، ولم تكن ضرورية ثم العجب ممن يحمل حديث مالك على حالة كبر السن ،
ثم يقول بنسخ ما اشتمل عليه حديث مالك من رفع اليدين عند الركوع منه فافهم.
288
289
148 ـ
باب التَّشَهُّدِ فِي الآخِرَةِ
قوله
: (فالتفت إلينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن الله هو السلام) هذا
مبني على اختصار في الرواية ، وكانوا يقولون السلام على الله كما سيجيء وكأنهم
يقولون ذلك زعماً منهم أن السلام من باب التعظيم القولي كالحمد والشكر ، فيقولون
ذلك بالمقايسة ، فلما علم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأمرهم منعهم عن ذلك.
قوله
: (مغفرة من عندك) ربما يتوهم أنه لا فائدة لقوله من عندك لأن المغفرة المطلوبة من
الله تعالى لا تكون إلا من عنده. والجواب أن معنى من عندك ما تكون من محض فضلك من
غير استحقاقي لها أو ما تكون لائقة بجانبك ، فظهرت الفائدة والله تعالى أعلم. اهـ.
سندي.
290
291
154 ـ
بابُ مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى الإِمَامِ ، وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ
الصَّلاَةِ
قوله
: (وسلمنا حين سلم) كأنه أخذ منه أنه يفهم منه مقارنة تمام سلامهم تمام سلام
الإمام ، ولا تتحقق تلك المقارنة إذا زاد سلام المأموم على سلام الإمام بأن كان
المأموم يسلم في يمينه وفي يساره ، ويسلم بينهما على الإمام ، والإمام يسلم في
الطرفين فقط ، إلا أن فهم المقارنة على هذا الوجه لا يخلو عن نظر والله سبحانه
وتعالى أعلم.
292
(1/140)
155 ـ
باب الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
قوله
: (أدركتم من سبقكم) فسروا السبق بالسبق رتبة أي من حيث كثرة الأعمال بسبب المال
ورجحه الشيخ تقي الدين على السبق زماناً. قلت : وعلى هذا ينبغي حمل البعدية على
البعدية رتبة أيضاً ، ولا يخفى أن المقابلة بقوله وكنتم خير من أنتم بين ظهرانية
يقتضي الحمل على الزمان لا على الرتبة إلا أن يحمل بين ظهرانية على المساوي رتبة ،
ولا يخفى بعده إذ المتبادر منه المعاصر ، فعلى تقدير الحمل على الرتبة في الكل
المعنى واضح ، وعلى تقدير الحمل على الزمان كما هو متبادر من اللفظ يشكل بأن هذه
الأمة خير من سبقهم من الأمم قال تعالى : {كنتم خير أمة} والصحابة أفضل ممن بعدهم
سواء اشتغلوا بهذا الورد أم لا ؟ فما معنى إن أخذتم أدركتم الخ ، ويمكن الجواب بأن
من سبق كانوا أكثر أعمالاً وأطول أعماراً ،
293
فيمكن
أن يراد إدراكهم في كثرة الأعمال ، وأما الثواب فهؤلاء أكثر ثواباً على الأعمال
القليلة من أولئك على الأعمال الكثيرة كما يفيده حديث مثلكم فيمن كان قبلكم الحديث
، وأما قوله ولم يدرككم أحد الخ ، فالجواب أنه يعتبر الجزاء مجموع الأمور الثلاثة
، فيجوز أن يكون بعض الثلاثة حاصلاً قبل الشرط إلا أن اجتماع الثلاثة في الوجود
يحصل بعده ولا يخفى أنه لا يصح على هذا جعل الاستثناء في قوله إلا من عمل متعلقاً
بالكل ، فيجب جعله متعلقاً بالأخير ، وأما تقدير الحمل على الرتبة فيصح جعل
الاستثناء متعلقاً بالكل أيضاً على معنى يحصل لكم الأحوال الثلاث بالنظر إلى
الطوائف إلا من عمل من الطوائف الثلاث مثله فافهم.
(1/141)
قوله
: (لا مانع لما أعطيت) الجار ينبغي أن يجعل متعلقاً بالخبر المحذوف ، فلا يشكل
بناء اسم لا بأنه شبيه المضاف فالحق إعرابه لأن ذلك لو كان الجار متعلقاً بمانع ،
وكذا قوله ولا معطي لما منعت والله تعالى أعلم.
قوله
: (ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد) قيل منك معناه عندك ؛ وقيل : من بدلية وقيل هي
متعلقة بينفع على تضمين معنى يحفظ أو يمنع.
294
295
159 ـ
بابُ الاِنْفِتَالِ وَالاِنْصِرَافِ عَنِ اليَمِينِ وَالشِّمَالِ
قوله
: (يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف) أورد عليه أن حقاً نكرة وقوله أن لا ينصرف
296
بمنزلة
المعرفة وتنكير الاسم مع تعريف الخبر لا يجوز. وأجيب بأنه من باب القلب قلت : وهذا
الجواب يهدم أساس القاعدة إذ يتأتى مثله في كل مبتدأ نكرة مع تعريف الخبر فما بقي
لقولهم بعدم الجواز فائدة ثم القلب لا يقبل بلا نكتة ، فلا بد لمن يجوز ذلك من
بيان نكتة في القلب ههنا ، وقيل بل النكرة المخصصة كالمعرفة قلت ذلك في صحة الابتداء
بها ، ولا يلزم منه أن يكون الابتداء بها صحيحاً مع تعريف الخبر ، وقد صرحوا
بامتناعه ، ويمكن أن يجعل اسم أن قوله أن لا ينصرف وخبره الجار والمجرور هو عليه
ويجعل حقاً حالاً من ضمير عليه أي يرى أن عليه الانصراف عن يمينه فقط حال كونه
حقاً لازماً والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
161 ـ
بابُ وُضُوءِ الصِّبْيَانِ ، وَمَتَى يَجِبُ عَلَيهِمْ الغَسْلُ وَالطُّهُورِ وَحُضُورِهِمْ
الجَمَاعَةَ وَالعِيدَينِ وَالجَنَائِزَ ، وَصُفُوفِهِمْ
قوله
: (باب وضوء الصبيان) لا بد من تقدير ليتم فيمكن أن يقدر أي إنه صحيح تصح به
297
(1/142)
الصلاة
أو أن له أصلاً في السنة حيث كان موجوداً في وقته صلى الله تعالى عليه وسلم وفي
حضرته ولو قدرنا أنه واجب بمعنى أنه لا تصح الصلاة بدونه لا بمعنى ما يعاقب على تركه
كوجوب الوضوء في حق البالغ للصلاة النافلة أو قدرنا أنه مندوب بمعنى أنه إذا توضأ
وصلى يحصل له الثواب ، وإن تركه مع ترك الصلاة فلا عقاب لا بمعنى أنه تصح الصلاة
بدونه لكان صحيحاً إلا أن أحاديث الباب لا تدل عليه وبهذا علم أن ما قاله ابن
المنير لم ينص على حكمه لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء ، ولو
عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حدّ الواجب فأتى بعبارة سالمة
عن ذلك انتهى. لا يخلو عن نظر والله تعالى أعلم.
298
قوله
: (قد نام النساء والصبيان) قال ابن رشد فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين
ناموا كانوا حضوراً في المسجد ، وليس الحديث صريحاً في ذلك بل يحتمل أنهم ناموا في
البيوت اهـ. سندي.
162 ـ
باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى المَسَاجِدِ بِاللَّيلِ وَالغَلَسِ
قوله
: (وكانوا يصلون العتمة فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول) استشكل بأن
299
بين
لارم الإضافة إلى متعدد فكان مقتضى ذلك أن يقال فيما بين أن يغيب الشفق ، وثلث
الليل بالواو لا بإلى.
وأجيب
بأن المضاف إليه محذوف والتقدير فيما بين أزمنة الغيبوبة إلى الثلث الأول. قلت :
ويمكن أن يقال تقديره فيما بين أن يغيب الشفق وثلث الليل من الغيبوبة إلى الثلث ،
ففيه تقدير أمرين بقرينة ذكر مقابليهما ، وإنما قيل من الغيبوبة إلى الثلث بعد أن
قيل فيما بين أن يغيب للتنبيه على دخول الطرفين دفعاً لما يتوهم من قوله فيما بين
أن يغيب ، والثلث من خروج الطرفين والله تعالى أعلم.
300
164 ـ
بابُ صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلفَ الرِّجَالِ
(1/143)
قوله : (باب صلاة النساء خلف الرجال) أي : قيامهنّ في الجماعة خلف صفوف
الرجال ، ويحتمل أن يقال المراد اقتداؤهنّ بالرجال في الصلاة ودلالة الحديث الأول على
المعنى الثاني واضح ، وعلى المعنى الأول بواسطة أن تقدمَ النساء في الخروج من
المسجد يقتضي تأخرهن في القيام وإلا يلزم تخطيهن إياهم عند الخروج وهو معلوم
الانتفاء مكروه طبعاً وشرعاً والله تعالى أعلم. ولعل هذا هو توجيه ذكر هذا الباب
مرتين في الكتاب كما في بعض النسخ ، فيحمل مرة على تأخر الصف ، ومرة على صحة
الاقتداء والله تعالى أعلم.
301
302
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 220
11 ـ
كتاب الجمعة
1 ـ
باب فَرْضِ الجُمُعَةِ
قوله
: (لقول الله تعالى إذا نودي الخ) استدل به على الوجوب تارة بأن شرع الأذان
للفرائض ، وتارة بأن إيجاب السعي إليها فرع وجوبها ، وقد يقال هذا مبني على كون
اسعوا للوجوب ، وهو في محل النظر لأن قوله ذلكم خير لكم يفيد خلافه لأن خير اسم
تفضيل ، فيقيد أن السعي أولى من تركه ، فيقتضي حمل الأمر على الندب ، وقد يجاب بأن
ذلكم إشارة إلى ترك البيع فقط أو إلى مجموع السعي وترك البيع ، وقوله خير نظراً
إلى أن البيع لا يخلو عن نفع دنيوي إلا أن النفع الأخروي أولى وأحرى ، وهذا لا
ينافي الوجوب فافهم.
2 ـ
باب فَضْل الغُسْلِ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، وَهَل عَلَى الصَّبِيِّ شُهُودُ يَوْمِ
الجُمُعَةِ ، أَوْ عَلَى النِّسَاَءِ
قوله
: (وهل على الصبي شهود يوم الجمعة أو على النساء) الظاهر أنه أراد لا لا نعم كما
303
(1/144)
زعم بعض
ويدل عليه ما سيجيء في الكتاب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من لم يشهد الجمعة غسل
من النساء والصبيان ، ولعله استدل عليه بحديث غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم
بناء على حمل المحتلم على الذكر البالغ لصيغة التذكير والاحتلام من علامات البلوغ
والغسل مشروع لشهود الجمعة ، فإيجابه على المحتلم فقط. دليل على أن الشهود واجب
عليه فقط وهو المطلوب لكن قد يقال هذا الحديث لا يدل على الحصر ، ويجاب بأنه من
باب تقرير قواعد الشرع فيحمل على الحصر صوناً للقواعد عن الاختلال والله تعالى
أعلم.
قوله : (فناداه عمر الخ) كلامهما لم يكن حال الاشتغال بالخطبة ، فلا
يكون مشمولاً في حديث إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب ، فقد لغوت
فصار ككلام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لمن دخل المسجد حال الخطبة أركعت ركعتين
، وقوله لا ومثله لا يضر ، وقال الأبي في شرح مسلم ولا يكونان لاغيين ، وإنما
اللاغي عن استماعها ويشغل نفسه باستماع غيرها مما لا يسوغ في الشرع انتهى. قوله :
(فلم أزد أن توضأت) قال القسطلاني : أن صلة زيدت لتأكيد النفي انتهى. قلت : بل
مصدرية بتقدير حرف الجر أي فلم أزد أن توضأت كما في بعض الروايات وحذف حرف الجر مع
أن وأن قياس ، وأما ما ذكره فلا يظهر له وجه عند العقل والله تعالى أعلم.
قوله
: (والوضوء أيضاً) بالنصب أي وفعلت الاقتصار على الوضوء أيضاً ، واستدل بعدم أمر
عمر له بالغسل وسكوت الصحابة على أن الغسل غير واجب بالإجماع ، وهذا كما ترى إذ
304
(1/145)
يجوز أن
يكون وجوب الغسل مختلفاً فيه عندهم ، ويكون سكوتهم كسكوت الناس على الأمر المختلف
فيه ضرورة أن المختلف فيه لا يرد على فاعله إذا كان مقلداً ، فكيف إذا كان مجتهداً
؟ فافهم. وقال الأبي في شرح مسلم يمكن أن يقال إنه واجب عارضه واجب آكد منه انتهى.
يريد أنه لم يأمره لضيق وقت الصلاة والصلاة آكد منه والله تعالى أعلم. قلت : وهذا
مبني على أن وجوب الغسل إن فرض فلا يكون كوجوب الوضوء بمعنى لا تصح الصلاة بدونه ،
وإلا لا يصح الجواب المذكور قطعاً.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 303
3 ـ
باب الطِّيبِ لِلجُمُعَةِ
قوله
: (فالله أعلم أواجب هو أم لا) لا يخفى أن العطف في المفردات يقتضي المشاركة في
الحكم ، فلا يظهر وجه التردد في الوجوب على تقدير عطف قوله أن يستن على الغسل
فكأنه مبني على أنه يمكن تقدير الخبر أي أن يستن وأن يمس طيباً خير فيكون من باب
عطف الجملة على الجملة بقرينة العدول عن صريح الاسم إلى أن مع الفعل ، فإن مثله قد
يكون للتنبيه على المغايرة في الحكم والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
305
6 ـ
باب الدُّهْنِ لِلجُمُعَةِ
قوله
: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر الخ) أي : لا يفعل رجل هذه الأفعال المذكورة
ولا يأتي بها إلا غفر له ، فالنفي متوجه إلى الأفعال كلها بعد اعتبار العطف بينها
، وقوله أو يمس طيباً لإفادة أن أحد الأمرين من الادهان ومس الطيب مع الأمور
الباقية يكفي في ترتيب الجزاء المذكور ، وقوله ثم يصلي ما كتب له معناه ما قدر له
من النوافل.6
(1/146)
وقال القسطلاني
: تبعاً للكرماني أي ما فرض له من صلاة الجمعة أو قدر له فرضاً أو نفلاً ، ولا
يخفى أنه لا يناسبه قوله ثم ينصت لأنه يدل على إنه قبل الخطبة وصلاة الجمعة بعدها
إلا أن يقال كلمة ثم لمجرد تأخير الأخبار والموضع موضع الواو والله تعالى أعلم.
306
قوله
: (فقال لا أعلمه) قال المحقق : ابن حجر هذا
مخالف لما أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعاً من جاء إلى الجمعة ، فليغتسل ، وإن
كان له طيب فليمس منه ، وفي سنده من ضعف لكن إن كان محفوظاً عنه احتمل أن يكون
ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك انتهى. قلت : ويحتمل أنه
سمعه من صحابي آخر بعد أن قال لا أعلمه والله تعالى أعلم.
7 ـ
بابٌ يَلبَسُ أَحْسَنَ ما يَجِدُ
قوله
: (لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة) هذا العرض من عمر يشير بأن لبس أحسن الثياب
كان معهوداً عندهم للجمعة وترك إنكار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أصل التجمل
للجمعة تقرير له ، وكل منهما يصلح دليلاً للترجمة.
8 ـ
بابُ السِّوَاكِ يَوْمَ الجُمُعَةِ
قوله
: (أكثرت عليكم في السواك) وهذا من جملة الترغيب فيه والمبالغة في أمره لظهور
307
أن
إكثاره في محله ولا يظن به أنه في غير محله.
11 ـ
باب الجُمُعَةِ في القُرَى وَالمُدْنِ
قوله
: (بجواثى من البحرين) في رواية وكيع قرية من قرى البحرين وهي تدل على الجواز في
القرى وفي المدن بالأولى لكن قد قيل كانت جواثى مدينة وإطلاق القرية على المدينة
كان
308
شائعاً
، فقد أطلق الله تعالى على مكة في كتابه اسم قرية في مواضع منها قوله لولا نزل هذا
القرآن على رجل من القريتين عظيم ، وقال تعالى : {أشد قوة من قريتك التي أخرجتك}
وغير ذلك.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 303
(1/147)
قوله : (الإمام راع) أي : على من كان أمير إقامة الأحكام الشرعية
وإجراؤها في رعيته ، والجمعة منها كذا قرروا وجه الاستدلال وفيه بحث لأن كون
الجمعة منها في الجملة لا يفيد وكونها منها بالنظر إلى خصوص المكان هو محل النزاع.
309
قوله
: (حق على كل مسلم) أي : مكلف فإنه المتبادر في موضع التكليف ، فخرج الصبي وبتذكير
اللفظ خرجت المرأة. فإن قلت : كثيراً ما يجيء هذا اللفظ شاملاً للنساء أيضاً قلت :
هو على خلاف الأصل ، والأصل مراعاة التذكير وهو يكفي في الاستدلال على عدم الوجوب
لأن الأصل عدم الوجوب ، والوجوب يحتاج إلى دليل والله تعالى أعلم.
14 ـ
باب الرُّخْصَةِ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الجُمُعَةَ في المَطَرِ
قوله
: (إن الجمعة عزمة) قال المحقق : ابن حجر استشكله الإسماعيلي فقال لا اخالة
310
صحيحاً
فإن أكثر الروايات بلفظ إنها عزمة أي كلمة المؤذن وهي حي على الصلاة لأنها دعاء
إلى الصلاة تقتضي لسامعه الإجابة ولو كان المعنى الجمعة عزمة لكانت العزيمة لا
تزول بترك بقية الأذان انتهى. والذي يظهر أنه لم يترك بقية الأذان وإنما أبدل قوله
حي على الصلاة بقوله صلوا في بيوتكم ، والمراد بقوله إن الجمعة عزمة أي فلو تركت
المؤذن يقول حي على الصلاة لبادر من سمعه إلى المجيء في المطر ، فيشق عليهم فأمرته
أن يقول صلوا في بيوتكم ليعلموا أن المطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة
انتهى. وقد سبق لنا توجية وجيه والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
15 ـ
بابٌ مِنْ أَينَ تُؤْتَى الجُمُعَةُ ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ
قوله
: (فيأتون في الغبار) أي : يأتون مع غبارهم السابق الحاصل لهم بسبب أنهم
311
(1/148)
أصحاب
الشغل والخدمة ، وقوله يصيبهم الغبار والعرق أي في الطريق حين الإتيان إلى المسجد.
وقوله فيخرج منهم العرق أي في المسجد والله تعالى أعلم. ثم لا دلالة في الحديث على
وجوب الإتيان من مقدار العوالي كيف ولو وجب لما تناوبوا بل حضروا جميعاً فضلاً عن
الدلالة على التحديد بمقدار العوالي بمعنى أن الذي يؤتى منه هو مقدار العوالي فقط.
وهو المطلوب في الترجمة فلا دلالة للحديث على الترجمة ثم العوالي مختلفة قرباً
وبعداً فلو سلم الدلالة ، فأي مقدار يؤخذ للتحديد ، فالإشكال بوجوه ، وقال القرطبي
فيه رد على الكوفيين حيث لم يوجبوا الجمعة على من كان خارج المصر انتهى. وأنت خبير
بأن التناوب يفيد عدم الوجوب ، فهذا ينبغي أن يكون دليلاً لهم ، وإن لم يكن فلا
ينبغي أن يجعل عليهم فافهم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 303
قوله
: (وكانوا إذا راحوا) قالوا به استدل المصنف على أن ذلك كان بعد الزوال لأن حقيقة
الرواح هو الذهاب بعد الزوال كما صرح به أكثر أهل اللغة نعم قد يراد به مطلق
الذهاب بقرينة اهـ. ولا يخفى أن هذا الحديث في أهل العوالي وأمثالهم وذهاب هؤلاء
لا يمكن أن يكون بعد الزوال ، ولو فرض أن الصلاة كانت بعد الزوال فلا بد من حمل
الرواح ههنا على مطلق الذهاب لا على الذهاب بعد الزوال ، فلا يتم الاستدلال.
قوله
: (كنا نبكر) كأنه أشار بذكر هذا الحديث بعد الحديث السابق إلى أن التبكير محمول
على الصلاة أول الوقت لا على الصلاة أول النهار توفيقاً بين الأدلة نعم قد يقال
القيلولة هي الاستراحة نصف النهار ، فكيف يصح هذا الحمل ؟ أجيب بأن المراد أنه يفوتهم
بسبب التبكير الاستراحة المعتادة لهم كل يوم نصف النهار ، فيأتون ببدلها بعد
الجمعة ، وإن لم يكن ذلك البدل يسمى باسم القيلولة إلا مجازاً والله تعالى أعلم.
(1/149)
312
17 ـ
بابٌ إِذَا اشْتَدَّ الحَرُّ يَوْمَ الجُمُعَةِ
قوله
: (يعني الجمعة قال يونس الخ) يريد أن ليس الحديث في صلاة الجمعة ، وإنما هو في
صلاة الظهر إلا أن أنساً وغيره لما استدلوا به على صلاة الجمعة قياساً على الظهر
حمله بعض الرواة عليها ، فقال يعني الجمعة فليس دليل تأخير الجمعة يوم شدة الحرّ
إلا القياس لا الحديث والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
313
314
26 ـ
بابُ الخُطْبَةِ عَلَى المِنْبَرِ
قوله
: (وقد امتروا في المنبر) قال المحقق ابن حجر من المماراة وهي المجادلة ، وقال
315
الكرماني
من الامتراء وهو الشك انتهى. قلت : كأن خلافهما في المعنى بعد أن الامتراء يجيء
بمعنى المجادلة تارة والشك أخرى لا في الاشتقاق ، وإلا فلا يمكن أن يكون من
المماراة بل يتعين أن يكون من الامتراء كما لا يخفى ، فقول ابن حجر من المماراة أي
من الامتراء المرادف للمماراة بمعنى المجادلة ، وهذا المعنى يحصل بتقدير مضاف أي
من مرادف المماراة والله تعالى أعلم. ثم الأقرب صلاح اللفظ لهما ولا دليل يعين أحدهما
بحيث يمنع الآخر والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
316
29 ـ
بابُ مَنْ قالَ في الخطْبَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ : أَمَّا بَعْدُ
قوله
: (ثم قال أما بعد) أي : ليفصل بين الثناء على الله وبين الخبر الذي يريد إعلام
الناس به في الخطبة قوله : (ولغط) بفتح اللام والغين المعجمة والمهملة ويجوز كسر
الغين وهي الأصوات المختلفة والجلبة قوله : (فانكفأت) أي : ملت بوجهي
ورجعت قوله : (ما علمك بهذا الرجل) أي : النبى {صلى الله عليه وسلّم} ، والخطاب
للمفتون وأفرد بعد أن قال في قبوركم بالجمع
317
لأن
السؤال عن العلم يكون لكل واحد وكذا الجواب.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 303
(1/150)
قوله
: (من الجزع) بالتحريك ضد الصبر وقوله والهلع بالتحريك أيضاً أفحش الفزغ. اهـ.
قسطلاني.
قوله
: (لم يخف عليّ مكانكم) أي : وجودكم في المسجد مجتمعين فالمكان مصدر ميمي لا اسم
مكان اهـ. سندي.
318
31 ـ
بابُ الاسْتِماعِ إِلَى الخُطْبَةِ
قوله
: (يكتبون الأول فالأول) الظاهر نصب الأول على أنه مفعول به ؛ وقيل : على الحال وجاءت معرفة وهو قليل قلت : كأنه رأى أن المفعول مقدر
أي يكتبون الحاضرين ورأى أن قوله الأول فالأول بمنزلة المتفاوتين درجة حسب تفاوتهم
في المجيء ، والظاهر أنه لا حاجة إلى ما ذكر والله تعالى أعلم.
قوله
: (ثم كالذي يهدي بقرة) كلمة ثم ههنا قائمة مقام والذي بعده كالذي يهدي بقرة
319
كأن
أصله والذي يقال فيه ثم يهجر كالذي يهدي ، فالترتيب والتعقيب إنما يعتبر في مجيئهم
وحضورهم الجمعة ، ولا تعقيب في ثبوت مضمون هذه الجمل بل مضمون هذه الجمل ثابت
دائماً ، فإن كون السابق كالذي يهدي بدنة ، ومن يليه في المجيء كالذي يهدي بقرة
أمر ثابت عند الله تعالى لا أن كون من يليه كالذي يهدي بقرة بعد كون السابق كالذي
يهدي بدنة فلا يحسن إرجاع معنى ثم إلى تمام مضمون الجملة إلا أن يقال إن الترتيب
في الأخبار أو يقال بالترتيب بين الجمل حسب كتابة الملائكة ، فإنهم يكتبون المهجر
أولاً ثم يكتبون من يليه والله تعالى أعلم. وأما قوله ثم كبشاً ، فالتقدير والذي
بعده كالذي يهدي كبشاً.
والحاصل
أن الحديث لا يخلو عن حذف الموصول مع بعض صلته وللنحاة فيه خلاف والله تعالى أعلم.
320
321
322
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 303
12 ـ
كتاب الخوف
1 ـ
بابُ صَلاَةِ الخَوْفِ
(1/151)
قوله : (فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة) ينبغي حملة على قيامهم على
التعاقب لا على قيامهم معاً لئلا تضيع الحراسة المطلوبة بوضع هذه الصلاة بل قد جاء
التعاقب في رواية أبي داود صريحاً من حديث ابن مسعود ولفظه ، فقام هؤلاء أن
الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم ،
فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا كذا ذكره المحقق ابن حجر.
323
2 ـ
بابُ صَلاَةِ الخَوْفِ رِجالاً وَرُكْبَاناً
قوله
: (نحوا من قول مجاهد إذا اختلطوا قياماً) قد وقع ههنا في الكتاب اختصار مخلّ
وتصحيف ، وقد ساقه الإسماعيلي على وجهه عن مجاهد قال إذا اختلطوا فإنما هو الإشارة
بالرأس وعن ابن عمر مثل قول مجاهداً إذا اختلطوا ، فإنما هو الذكر وإشارة الرأس
وزاد ابن عمر عن النبى {صلى الله عليه وسلّم} فإن كثروا الخ ،
فقول المصنف إذا اختلطوا قياماً تصحيف من قوله إذا اختلطوا فإنما وأما بعد ذلك فهو
محذوف في غير موضعه. كذا يستفاد مما ذكره المحقق ابن حجر والله تعالى أعلم.
قوله
: (وإن كانوا أكثر من ذلك) جاء في رواية مسلم وغيره فإن كان خوف أكثر من ذلك أو
أشد من ذلك وذلك اللفظ أوضح ، فقال القسطلاني في تفسير ما في الكتاب ، وإن كانوا
أي العدو أكثر من ذلك أي من الخوف يمكن معه القيام في موضع ولا يخفى أن توصيف
الناس بأنهم أكثر من الخوف غير مناسب إذ الواجب في اسم التفضيل هو المجانسة ولا
مجانسة بين الخوف والناس والوجه أن يقال وإن كانوا أي المؤمنون أي خوفهم أكثر من ذلك
كما هو رواية مسلم وغيره أو إن كانوا أي العدو أكثر من ذلك أي ممن يمكن معهم
القيام والله تعالى أعلم.
324
325
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 323
(1/152)
13 ـ كتاب
العيدين
1 ـ
بابٌ في العِيدَينِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
قوله
: (إنما هذه لباس من لا خلاق له) قال الكرماني : هذه إشارة إلى نوع الجبة ، وقال
ابن حجر والذي يظهر لي عينها ويلتحق به جنسها انتهى. قلت : والظاهر أن من لا
خلاق له كناية عن الكفرة وليس معنى إضافة اللباس إليهم
(1/153)
بيان الإباحة
لهم ، فإنه مشكل عند من يقول بتكليف الكفرة بالفروع ، ولكن معناها أنهم الذين
يعتادون هذا اللباس وهو من شأنهم ودأبهم ، وليس المعنى أن من يلبسه فلا خلاق له
حتى يقال لا يخلد المؤمن بلبسه في النار ، فكيف يصح ذلك ؟ وعلى هذا فما ذكره
الكرماني من الإشارة إلى النوع أحسن إذا الأخبار باللباس المضاف إلى نوع الكفرة ،
إنما يناسب نوع الجبة لا شخصها ثم الظاهر أن هذه الجبة كانت من لباس الرجال لا
النساء فيختص الكلام من أصله بالرجال ، ولا يعم الرجال والنساء حتى يقال يجوز
للنساء لبس الحرير ، وهذا الحديث يقتضي أن لا يجوز لهن ذلك والله تعالى أعلم.
326
2 ـ
بابُ الحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ العِيدِ
قوله
: (باب الخراب والدرق) قال الكرماني الدرق بالمهملتين المفتوحتين جمع الدرقة وهي
الترس الذي يتخذ من الجلود.
قوله
: (قال حسبك) حمل على الاستفهام بقرينة الجواب بتقدير الهمزة ، وقيل لا حاجة إلى
التقدير وقولها نعم يحمل على التصديق فإن نعم يأتي لتصديق المخبر قلت : الأصل في
نعم أنه جواب الاستفهام مع أن الاخبار للمخاطب بأن هذا يكفيك بمعنى أنه قد طاب به
قلبك ليس فيه كثير فائدة إذ هو بذلك أعلم من المتكلم ، فإن صاحب البيت أدرى بما
فيه فتأمل. والله تعالى أعلم.
3 ـ
بابُ سُنَّةِ العِيدَينِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ
(1/154)
قوله : (إن أول ما نبدأ به) قد يقال ما يبدأ به هو الأول فما معنى إضافة
الأول إليه ، والجواب أنه يمكن اعتبار أمور متعددة مبتدأ بها باعتبار تقدمها على غيرها
كأن يعتبر جميع ما يقع أول النهار مبتدأ به ، فما يكون فيها متقدماً يقال له أولها
ثم قوله ثم نرجع فننحر ، ينبغي أن يكون بالرفع على العطف على مقدر أي فنصلي ثم
نرجع فننحر ولا يستقيم عطفه على أن نصلي لأنه خبر عن الأول ، والأول لا يتعدد إلا
أن يراد بالأول ما يعم الأول حقيقة أو إضافة
327
أي
يكون أول بالنظر إلى ما بعده ، وذكره الرجوع لكونه تمهيداً لذكر النحر وإلا ،
فالمطلوب ذكر النحر دون الرجوع ، ولعل الذي تعتبر أولية الأمرين أعني الصلاة
والنحر بالنسبة إليه مما يبدأ به هو الأكل والشرب اللذان هما من متعلقات هذا اليوم
ديناً ، فكأنه اعتبر الصلاة والنحر والأكل والشرب مبتدأ بها ثم اعتبر الصلاة
والنحر أو المبتدأ به على أن الصلاة أول حقيقة ، والنحر أول إضافة والله تعالى
أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 326
قوله
: (وعندي جاريتان الخ) لم يرد به الاستدلال على أن اللعب والغناء من سنن العيد إذ
مثل اللعب لا يوصف بالسنية بل غايته أن يوصف بالإباحة بل أراد به الاستدلال على أن
إظهار السرور والتوسعة على العيال بما يحصل لهم به بسط النفس وترويح البدن من كلف
العبادة والإعراض عنهم عند اشتغالهم باللعب ونحوه من السنن ، فإنه الذي فعله صلى
الله تعالى عليه وسلم بدلالة هذا الحديث لا اللعب والغناء والله تعالى أعلم.
5 ـ
بابُ الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ
قوله
: (فلا أدري أبلغت الرخصة من سواه أم لا) مبني على أنه ما بلغ إليه ما سيجيء في
328
(1/155)
حديث البراء
من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ولن تجزي عن أحد بعدك قوله : (فأول شيء يبدأ به
الصلاة) هذا من قبيل قوله إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة في الإبتداء بالنكرة
المخصصة مع تعريف الخبر لكون المبتدأ اسم تفضيل ، وقد أجازوا مثله.
329
7 ـ
بابُ المَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى العِيدِ بِغَيرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقامَةٍ
قوله
: (باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة) هكذا في رواية الجمهور وفي
رواية أبي ذر وابن عساكر هكذا باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة
بغير أذان ولا إقامة ، فقيل بتصويب رواية الجمهور لما سيجيء في الباب الذي بعده
بيان تأخير الخطبة عن صلاة العيد وهو عين تقديم الصلاة على الخطبة قلت : والذي
يظهر أن محط الترجمة في هذا الباب هو قوله بغير أذان ولا إقامة ، فلا يضر وجود
قوله والصلاة قبل الخطبة ولا يورث التكرار بالنظر إلى البيان الذي بعده كما لا يضر
عدمه ، فالمقصود بيان الفرق بين الجمعة والعيد بأن المشي والركوب إلى الجمعة معلق
بالنداء لقوله تعالى : {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله} وكذا
الصلاة في الجمعة تكون بأذان وإقامة بخلاف العيد في كل ذلك ، فإن السعي إليها بلا نداء
من أذان أو إقامة وكذا الصلاة ثم استدل على ذلك بحديث تأخير الخطبة عن الصلاة ،
ولعل وجه الاستدلال والله تعالى أعلم. أن المعلوم عند اجتماع النداء والخطبة في
صلاة هو أن يكون النداء عند الخطبة وذلك لا يحسن إلا عند تقديم الخطبة على الصلاة
ليفيد النداء فائدته ، وعند تأخير الخطبة عن الصلاة لو كان نداء عند الخطبة فلا
فائدة فيه ، وقد علم في صلاة العيد تأخير الخطبة فعلم أنه لا نداء فيه وبه ثبت أن
المشي أو الركوب إليها لا يعلق بالنداء بل يكون بلا نداء. وكذا علم أنها صلاة بلا
نداء فافهم.
(1/156)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 326
330
8 ـ
بابُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العِيدِ
قوله
: (ثم أتى النساء) وجه الاستدلال هو أن هذا الإتيان وما يشتمل عليه من تتمة الخطبة
فيلزم من تأخيره عن الصلاة تأخر الخطبة عنها.
قوله : (إن أول ما نبدأ) قيل الظاهر أن هذا القول كان قبل الصلاة وهو من
جملة الخطبة فيلزم تقدم الخطبة على الصلاة فصار هذا الحديث مخالفاً للمطلوب وليس بشيء
لجواز أن يكون هذا القول بعد الصلاة أو يكون قبلها على أنه ليس جزءاً من الخطبة
بقي بعد النظر في
331
دلالة
الحديث على المطلوب ، فقيل جعل الصلاة أول ما يبدأ يقتضي تقديمها على الخطبة وأنت
خبير بأنه ما وقع في الحديث ذكر للخطبة صريحاً وهو مبني على أن الخطبة من متعلقات
الصلاة فذكرها مندرج في ذكر الصلاة ، وعلى هذا فيصح كون الصلاة أول ما يبدأ سواء كانت
الخطبة قبلها أو بعدها كما أن تقديم الوضوء أو الغسل على الصلاة لا يضر في كون
الصلاة أول ما يبدأ فدلالة الحديث على المطلوب لا تخلو عن خفاء والله تعالى أعلم.
332
11 ـ
بابُ فَضْلِ العَمَلِ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
(1/157)
قوله : (ما العمل في أيام العشر أفضل منها في هذه) كذا لأكثر الرواة ،
والمراد بهذه أيام عشر ذي الحجة كما جاء مصرحاً به في غير واحد من روايات الكتب ، ووقع
في بعض روايات هذا الكتاب ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه أي أيام
التشريق إلا أن هذا السياق شاذ لا عبرة به لمخالفته لروايات هذا الكتاب وروايات
سائر الكتب بقي أن الحديث على الوجه الصحيح لا يطابق الترجمة ، والجواب أن فضل عشر
ذي الحجة إنما هو لوقوع أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك
من تتماته ، فينبغي أن يكون لها نصيب من الفضل وضمير منها في الحديث عائد إلى
العمل قيل بتأويل الأعمال كما قالوا في قوله تعالى : {أو الطفل الذين لم يظهروا}
وقيل : بتأويل القربة أي ما القربة في أيام أفضل منها ، وهذا القائل رد الوجه
الأول بأنه غلط لأن الطفل يطلق على الجمع بخلاف العمل. قلت : وهو غلط لأن العمل
مصدر وإطلاق المصدر على الجمع مما صرح به غير واحد من أئمة العربية والتتبع شاهد
صدق على ذلك قال تعالى : {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات} إنا لا نضيع أجر من أحسن
عملاً فقد قالوا العائد إلى المبتدأ هو أن من أحسن هم المؤمنون أو شمول من أحسن
لهم ولا يخفى أن المؤمنين يحسنون أعمالاً والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 326
ثم
المتبادر من هذا الحديث عرفاً أن كل عمل من أعمال البرّ إذا وقع في هذه الأيام هو
أفضل من نفسه إذا وقع في غيرها ، وهذا من باب تفضيل الشيء على نفسه باعتبارين ،
وهو
333
(1/158)
شائع
كثير وأصل اللغة في مثل هذا الكلام لا يفيد الأفضلية بل يكفي فيه المساواة لأن نفي
الأفضلية يصدق عند المساواة وهذا أوضح ، وعلى الوجهين لا يظهر لاستبعادهم المذكور
بلفظ ولا الجهاد كبير وجه إذ لا يستبعد أن يقال الجهاد في هذه الأيام أفضل منه في
غيرها أو مساو للجهاد في غيرها نعم. لو كان المراد أن العمل في هذه الأيام مطلقاً
أي عمل كان أفضل من العمل في غيرها مطلقاً أي عمل كان حتى أدنى الأعمال في هذه
الأيام أفضل من أعظم الأعمال في غيرها لكان الاستبعاد في موقعه لكن كون ذلك مراداً
بمعزل عن اللفظ وعن النظر إلى الواقع وإلى ما يقتضيه أدلة الشرع ، فلعل وجه
استبعادهم إن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج ، فينبغي أن يكون في غير هذه الأيام
أفضل منه في هذه الأيام ، وحينئذٍ قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا رجل أي جهاد
رجل بيان لفخامة جهاده ، وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغاً لا يكاد يتفاوت بشرف الأيام
والأزمان وعدم شرفها والله تعالى أعلم.
ثم قد
قيل قوله فلم يرجع بشيء يستلزم أنه يرجع بنفسه ، وهذا مبني على أن الأصل رجوع
النفي في الكلام إلى القيد مع بقاء أصل الفعل على حاله لكن كثيراً ما يخالف هذا
الأصل سيما ههنا لأن قوله بشيء نكرة في سياق النفي ، فيشمل النفس والمال فيفيد
الكلام أنه لا يرجع بلا شيء والله تعالى أعلم.
334
335
18 ـ
بابُ العَلَمِ الَّذِي بِالمُصَلَّى
قوله
: (ولولا مكاني من الصغر ما شهدته) الجار متعلق بما بعده أي ما شهدته لأجل الصغر
لولا مكاني وقرابتي منه صلى الله تعالى عليه وسلم لا يقال النفي يمنع التعلق لأن
ما في حيزة لا يتقدم عليه لأنا نقول لو سلم فيمكن تقديره ما شهدته قبل الجار
واعتبار المذكور بياناً للمقدر فافهم. قوله حتى أتى العلم غاية لما يفهم أي خرج
حتى أنى.
(1/159)
19 ـ
بابُ مَوْعِظَةِ الإِمامِ النِّسَاءَ يَوْمَ العِيدِ
قوله
: (فلما فرغ نزل) لم يرد نزل من منبر ونحوه إذ لا منبر ثمة بل أراد انتقل من مكانه
،
326
ولعل
مكان النساء أسفل من مكان الرجال والله تعالى أعلم.
قوله
: (لكنّ فداء أبي وأمي) قيل الجار متعلق بفداء قلت : ويمكن أن يعتبر خبر المحذوف
والتقدير هو أي ما تعطين لكن من مقول بلال لهن والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 326
337
338
25 ـ
بابٌ إِذَا فاتَهُ العِيدُ يُصَلِّي ركْعَتَينِ ، وَكَذلِكَ النِّسَاءُ ، وَمَنْ
كَانَ في البُيُوتِ وَالقُرَى
قوله
: (هذا عيدنا أهل الإسلام) أي : فجعل العيد عيداً لكل المسلمين ، فينبغي أن يشارك
الكل في سنن العيد ومن جملتها الصلاة والله تعالى أعلم.
339
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 326
14 ـ
كتاب الوتر
1 ـ بابُ
ما جاءَ في الوَتْرِ
(1/160)
قوله : (صلاة الليل مثنى مثنى) قيل : المراد به أنه يجلس على رأس كل
ركعتين فحسب لكن الصحيح أنه يسلم على رأس كل ركعتين لما في رواية أحمد صلاة الليل مثنى
مثنى يسلم في كل ركعتين ، ولمسلم قيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال يسلم في كل ركعتين
ولا شك أن هذا التفسير إن لم يثبت رفعه كما هو مقتضى رواية أحمد ، فقد ثبت وقفه
على ابن عمر وهو راوي الحديث فتفسيره يقدم على تفسير غيره ، وحينئذٍ تكون الواحدة
التي هي الوتر مفصولة عن ثنتين قبلها بسلام فثبت به أن الوتر ركعة واحدة ، وقد جاء
هذا في أحاديث متعددة قولاً وفعلاً ولا يعارضه حديث نهي عن البتيراء لأن في إسناده
من ضعف فلا يصح أن يعارض الأحاديث الصحاح وأوّل بعضهم البتيراء بأن يصلي بركوع
ناقص وسجود ناقص أو يصلي واحدة ليس قبلها شيء ولا بعدها والله تعالى أعلم. فإن قلت
: بماذا تتعلق الفاء في قوله فإذا خشي إذ لا يرتبط بظاهر قوله صلاة الليل مثنى
مثنى فإنه إخبار عن صلاة الليل بأنها ينبغي أن تكون ركعتين ركعتين. قلت : بمقدر يفهم
من الكلام أي فيصلي المصلي كذلك إلى أن يخشى الصبح فإذا خشي الصبح صلى واحدة أو لا
حاجة إلى التقدير لأن قوله صلاة الليل مثنى مثنى لبيان كيفية صلاة الليل ،
والمقصود به العمل بها فصار متضمناً للعمل فافهم.
340
2 ـ
بابُ سَاعاتِ الوِتْرِ
قوله
: (كل الليل أوتر) المراد أجزاء الليل الصالحة لذلك وهي ما بعد العشاء على البدلية
341
فأحياناً
صلى أول الليل وأحياناً وسطه وأحياناً آخره والله تعالى أعلم.
4 ـ
بابٌ لِيَجْعَل آخِرَ صَلاَتِهِ وِتْراً
قوله
: (اجعلوا آخر صلاتكم) يستدل بصيغة الأمر ههنا ، وفي أحاديث أخر من يقول بوجوب
الوتر لكن يرد عليه أن صيغة الأمر في هذا الحديث للندب قطعاً إذ لا يقول أحد يجعل
الوجوب آخر الصلاة.
(1/161)
5 ـ
بابُ الوِتْرِ عَلَى الدَّابَّةِ
قوله
: (أليس لك في رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} أسوة) كأنه أراد ما تعدّ فعله صلى
الله تعالى عليه
342
وسلم
جائزاً ، وتقتدي به في الجواز فتفعله أحياناً سيما في وقت الحاجة كمثل هذا الوقت ،
ولم يرد أن في مجرد النزول ترك الاقتداء به كيف وقد جاء أنه كان ينزل أحياناً حتى
قالوا إنه الأولى إن تيسر والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 340
7 ـ
بابُ القُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ
قوله
: (إلى قوم مشركين دون أولئك) قال الكرماني : فإن قلت : فما معنى دون أولئك قلت
يعني غير الذين دعا عليهم ، وكان بين المدعو عليهم وبينه عهد فغدروا وقتلوا القراء
، فدعا عليهم. اهـ.
والحاصل
أن دون بمعنى غير صفة القوم المرسل إليهم وأولئك إشارة إلى الذين دعا عليهم والله
تعالى أعلم.
343
344
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 340
15 ـ
كتاب الاستسقاء
2 ـ
بابُ دُعاءِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "اجْعَلهَا عَلَيهِمْ
سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ"
قوله
: (باب دعاء النبى {صلى الله عليه وسلّم} اجعلها عليهم سنين الخ) ذكره لأنه دعاء بقحوط المطر على من يستحقه ، ففيه إشارة إلى أنه
لا بد من النظر في الاستسقاء إلى أهلية من يدعي لهم.
345
346
5 ـ
بابُ الاسْتِسْقَاءِ في المَسْجِدِ الجَامِعِ
قوله
: (فقال يا رسول الله هلكت المواشي الخ) كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ما منعه من
الكلام أثناء خطبة الإمام لأنه ضرر خاص ، ومثله يتحمل لدفع الضرر العام وكأن مراد
هذا القائل دفع الضرر العام ، فعفا عنه في تحمله الضرر الخاص لأجله والله تعالى
أعلم.
(1/162)
قوله
: (فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس الخ) قد تقدم في باب الاستسقاء في الخطبة يوم
الجمعة ، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال ولا يخفى ما بين
هذه الرواية وتلك من التدافع ظاهراً ، ولعل وجه التوفيق أن ذلك الكلام بالنظر إلى
ما آل إليه الأمر بعد أن توسطت السماء ، وهذا بالنظر إلى الابتداء والله تعالى
أعلم.
347
7 ـ
بابُ الاسْتِسْقَاءِ عَلَى المِنْبَرِ
قوله
: (يمطرون) أي : أهل اليمين وأهل الشمال.
8 ـ
بابُ مَنِ اكْتَفَى بِصَلاَةِ الجُمُعَةِ فِي الاسْتِسْقَاءِ
قوله
: (على الآكام) بكسر الهمزة أو بفتحها مع المد قوله : (انجياب الثوب) وأصل
348
349
الجوبة
من جاب إذا انقطع ومنه قوله تعالى : {وثمود الذين جابوا الصخر} وموضع الترجمة قوله يا رسول الله تهدمت البيوت الخ ، أي من كثرة
المطر. اهـ. قسطلاني.
13 ـ
بابُ الدُّعاءِ إِذَا كَثُرَ المَطَرُ : حَوَالَينَا وَلاَ عَلَينَا
قوله
: (لفي مثل الإكليل) بكسر الهمزة وهو ما أحاط بالشيء وروضة مكللة محفوفة بالنور ،
وعصابة تزين بالجوهر ويسمى التاج إكليلاً.
350
17 ـ
بابُ صَلاَةِ الاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَينِ
قوله
: (باب صلاة الاستسقاء ركعتين) أراد بها بيان كميتها وأشار إليها بقوله ركعتين على
طريق عطف البيان على سابقه المجرور بالإضافة.
351
20 ـ
بابُ رَفعِ النَّاسِ أَيدِيَهُمْ مَعَ الإِمامِ في الاسْتِسْقَاءِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 345
قوله
: (بشق) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المكسورة وبالقاف أو بفتحها أي مل أو تأخر أو
اشتد عليه الضرر أو حبس.
21 ـ
باب رَفعِ الإِمامِ يَدَهُ فِي الاسْتِسْقَاءِ
قوله
: (لا يرفع يديه في شيء الخ) ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء وهو
352
(1/163)
معارض
بأحاديث ذكرها الشراح في الباب السابق فليحمل النفي في هذا الحديث على صفة مخصوصة
، إما الرفع البليغ وإما على صفة اليدين في ذلك اهـ. قسطلاني.
353
27 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذّبُونَ}
قوله
: (باب قول الله تعالى وتجعلون رزقكم الخ) حاصل ما يفيده الحديث المذكور في الباب
أن الرزق هو المطر وهو نعمة كبيرة حقها أن يشكر الله تعالى الإنسان عليها وقولهم
بعد ذلك مطرنا بنوء كذا على معنى أن المؤثر في وجوده هو الكوكب تكذيب لإيجاد الله
تعالى إياه ، وحيث أتوا به في موضع الشكر فكأنهم جعلوا شكر هذا التكذيب ، وهذا معنى
وتجعلون رزقكم أي شكره أنكم تكذبون حيث تصغون التكذيب موضع الشكر والله تعالى أعلم.
354
28 ـ
باب لاَ يَدْرِي مَتَى يَجيءُ المَطَرُ إِلاَّ اللَّهُ
قوله
: (باب لا يدري متى يجيء المطر) أي : لا يدري جوابه وهو تعيين وقت المجيء وإلا
فنفس هذا الاستفهام يدريه كل أحد بل مرجعه الجهل لا العلم والله تعالى أعلم.
355
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 345
16 ـ
كتاب الكسوف
1 ـ
بابُ الصَّلاَةِ في كُسُوفِ الشَّمْسِ
(1/164)
قوله : (صلى بنا ركعتين) استدل به من يقول صلاة الكسوف كصلاة النافلة ،
فإنه المتبادر من لفظ صلى ركعتين سيما وقد زاد النسائي كما تصلون ، والصلاة المعلومة
لهم هي كالنافلة ، وقد أجاب من يقول بخلافه بحمله على أن المعنى كما تصلون في
الكسوف لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة ، وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان
في كل ركعة ركوعان كما روي ذلك ابن أبي شيبة وغيره وكذا استدل الأولون بحديث
النعمان ابن بشير وفيه فجعل يصلي ركعتين ، وأجلب الآخرون بأن المعنى ركوعين ركوعين
في كل ركعة توفيقاً بين الأحاديث وإطلاق الركعة على الركوع في أحاديث باب الكسوف
كثير. وكذا استدلوا بحديث فإذا رأيتموهما فصلوا إذ المتبادر من الصلاة ما يكون كل
ركعة منها بركوع لا بركوعين.
وأجاب
الآخرون بأن القول مبين بالفعل إذ هما كانا مقارنين فلا يتبادر عند ذلك من القول
إلا ما وقع به الفعل ورده الأولون بأن البيان مضطرب ومعارض بعضه ببعض ، فإنه جاء
أن كل ركعة كانت بركوعين وثلاثة وأربعة إلى غير ذلك ، والحمل على تعدد الوقائع
مشكل إذ لم يعهد وقوع الكسوف مراراً كثيرة في قدر عشر سنين ، فسقط البيان للتعارض
، فبقيت الصلاة مطلقة فوجب حملها على المتعارفة والله تعالى أعلم.
356
قوله
: (لموت أحد ولا لحياته) كأنهم كانوا يتوهمون أن مطلق الكسوف يكون لأحد الأمرين :
إما لموت عظيم أو لولادته كما كانوا يتوهمون ذلك في الشهب ، فعلى وفق ذلك التوهم توهموا
أن هذا الكسوف لموت إبراهيم فنفى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك كون مطلق الكسوف
لموت أو حياة ، ويحتمل أن ذكره للمبالغة في أنه ليس للموت على معنى أنه لا تعلق له
بموت أحد أصلاً لا بأن يكون له ولا بأن يكون لمقابلة ومثله في موضع المبالغة
متعارف والله تعالى أعلم.
357
(1/165)
5 ـ
بابٌ هَل يَقُولُ : كَسَفَتِ الشَّمْسُ أَوْ خَسَفَتْ
قوله
: (باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت) مفاد الكلام أنه يصح إستعمال كل
358
منهما
في الشمس والقمر ، فأتى بالآية لبيان استعمال الخسوف في القمر ، وبالحديث لأن أوله
يفيد استعمال الخسوف في الشمس وآخره استعمال الكسوف فيهما جميعاً والله تعالى
أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (لا يخسفان) بفتح الياء وسكون الخاء وكسر السين.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 356
359
9 ـ
بابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ جَمَاعَةً
قوله
: (كعكعت) أي : تأخرت أو تقهقرت اهـ. قسطلاني قوله : (أفظع) أقبح وأشنع
360
وأسوأ
صفة للمنصوب ، وكاليوم قط اعتراض قوله : (يكفرن العشير) الزوج أي إحسانه لا ذاته.
10 ـ
بابُ صَلاَةِ النِّساءِ مَعَ الرِّجالِ في الكُسُوفِ
قوله
: (الغشي) من طول تعب الوقوف بفتح الغين وسكون الشين المعجمتين آخره مثناة تحتية
مخففة ، وبكسر الشين وتشديد المثناة مرض قريب من الأغماء قوله : (تفتنون) أي : تمتحنون اهـ. قسطلاني.
361
362
14 ـ
بابُ الذِّكْرِ في الكُسُوفِ
قوله
: (يخشى أن تكون الساعة) قد يقال هذه الخشية لا تنافي ما كان معلوماً عنده من تأخر
الساعة إلى ظهور مقدمات وعلامات قبلها إما لأن غلبة الخشية والدهشة ، وفجأة الأمور
العظام تذهل الإنسان عما يعلم وإما لأنه يجوز أن يكون ظهور المقدمات قبلها وتأخرها
مشروطاً عند الله تعالى بشروط غير معلومة ، فمن الجائز تخلف بعض تلك الشروط وتقدم
قيام الساعة لذلك والله تعالى أعلم. والشراح حملوا ذلك على أنه خشي أن يكون مقدمة
من مقدمات الساعة وفيه أن وجوده صلى الله تعالى عليه وسلم من مقدمات الساعة ،
فمطلق المقدمة لا يوجب الخشية والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
363
364
365
(1/166)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 356
17 ـ
كتاب سجود القرآن
1 ـ
باب ما جاءَ في سُجُود القُرْآن وَسُنَّتِهَا
قوله
: (وسجد من معه) أي : من المؤمنين والمشركين ، وقد روى في سر سجود المشركين معه
صلى الله تعالى عليه وسلم قصة مستبعدة ظاهراً فلذلك ردها غالب أهل التحقيق وأثبتها
بعض ، وأجاب عن الاستبعاد والرد أقرب وعلى تقدير الرد ، فلعل السر في سجودهم هو
أنه أول ما قرع سمعهم من القرآن "سورة النجم"
كما
روى فلعله بهرتهم بلاغة القرآن بحيث ما قدروا على أن يمسكوا أنفسهم على الخلاف ،
ويمكن أن يقال إنه لما سمعوا منه ذم الأصنام أرادوا أن يصرفوه عن ذلك بالموافقة
معه رجاء منهم أنه بسبب ذلك يوافقهم ويطاوعهم فيما يريدون منه والله تعالى أعلم.
366
3 ـ
بابُ سَجْدَةِ ص
قوله
: (ليس من عزائم السجود) أي : مؤكد إنه وواجباته بناء على الاختلاف في أن سجود
القرآن واجب أو مندوب اهـ. سندي.
5 ـ
بابُ سُجُودِ المُسْلِمِينَ مَعَ المُشْرِكِينَ ، وَالمُشْرِكُ نَجَسٌ لَيسَ لَهُ
وُضُوءٌ
قوله
: (باب سجود المسلمين مع المشركين) أي : اختلاط المسلمين مع المشركين لا يضر في
سجود المسلمين مع أن المشرك نجس غير متوضىء ، وقوله وكان ابن عمر الخ بمنزلة الترقي
في ذلك أي بل كان ابن عمر لا يوجب الوضوء للسجود فكيف يضر اختلاط المشرك النجس ولم
يرد اختيار قول ابن عمر والاستدلال عليه بسجود المشركين مع عدم الوضوء ضرورة أن
فعل المشرك ما كان إلا صورة السجود لا معناه فلا وجه للاستدلال به والله تعالى
أعلم.
367
6 ـ
بابُ مَنْ قَرَأَ السَّجْدَةَ وَلَم يَسْجُدْ
(1/167)
قوله : (فلم يسجد فيها) ليس فيه دليل لمن يقول بأنه لا سجود فيها أما
على قول عدم وجوب السجود ، فظاهر لجواز الترك حينئذٍ وأما على القول بالوجوب فيجوز
أنه أخره إلى وقت آخر ، ولم يأمر زيداً بذلك لصغره والله تعالى أعلم.
368
10 ـ
بابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ
قوله
: (ولم يجلس لها) أي : ما قصد استماع السجود بأن جلس لأجل سماعها أي فهل عليه سجود
؟ فقال لو قعد لأجل سماعها ، وقصد ذلك لما كان عليه شيء فكيف إذا سمع ذلك اتفاقاً
، وأما قول سلمان وعثمان ، فيقتضي الوجوب على القاصد للسماع دون من سمع إتفاقاً
فهو دليل لمن يقول بوجوب السجود في الجملة.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 366
قوله
: (فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه) استدل به على عدم وجوب السجود بأن
عمر قال ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر أحد ذلك فصار إجماعاً على عدم الوجوب ،
ولعل من يقول بالوجوب يضعف هذا الإجماع بأن إنكار المختلف فيه غير لازم سيما إذا
كان قائلة. إماماً أو يحمل قول عمر فمن سجد أي على الفور ، وقوله ومن لم يسجد أي
على الفور بل أخر إلى وقت آخر قوله : (إلا أن نشاء) أي :
فلا نسجد إلا أن نشاء أو هو
369
بمنزلة
الدليل على عدم الافتراض بأنه ما فرض إلا أن يقال وقت المشيئة ، ولا فرض كذلك فلا
افتراض والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
370
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 366
18 ـ
كتاب تقصير الصلاة
1 ـ
بابُ ما جاءَ في التَّقْصِيرِ ، وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
(1/168)
قوله : (وكم يقيم حتى يقصر) أي : أي قدر يقتصر على إقامته وأي حد لا
يزيد عليه في الإقامة حتى يصح له الاستمرار على القصر الذي كان عليه حالة السير ، فالمقصود
تحديد الإقامة لصحة الاستمرار على القصر والتحديد في مثله لأجل منع الزيادة ،
فيكون ذلك قرينة على أن معنى كم يقيم أي كم يقتصر عليه في الإقامة ، وقوله حتى
يقصر أي لأجل أن يصح له القصر حالة الإقامة أو لأجل أن يستمر على القصر الذي كان
عليه في حالة السير وبهذا رجع الكلام إلى ما ذكرنا من معناه.
قوله
: (فنحن إذا سافرنا تسعة عشر) أي : أقمنا في بلدة مسافرين غير آخذين لها وطناً
وصدر الحديث يدل على هذا المعنى.
قوله
: (فكان يصلي ركعتين ركعتين) كناية عن قصر الرباعية أو ركعتين موضع أربع فإنها محل
القصر أو فيما سوى المغرب ، وترك الاستثناء لفظاً لظهوره.2 ـ
371
قوله :
(آمن ما كان) يمكن اعتباره صفة لحين أي صلى بنا حيناً هو آمن الأكوان والله تعالى
أعلم.
4 ـ
بابٌ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ
قوله
: (لا تسافر المرأة) محمول على سفرها بلا زوج ، وإلا فسفر المرأة مع الزوج هو
الأصل اهـ. سندي.
372
373
7 ـ
بابُ صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ ، وَحَيثُما تَوَجَّهَتْ بِهِ
قوله
: (وحيثما توجهت به) الباء للتعدية والمراد بحيثما توجهت به أي في أي جهة توجهه
الدابة إليها.
374
375
11 ـ
باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ في السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا
(1/169)
قوله : (فلم أره يسبح) أشار بالترجمة إلى أنه محمول على النافلة المتصلة
بالفرائض ، فلا ينافي ما ثبت في حديث ابن عمر من أنه رأى النبي صلى الله تعالى
عليه وسلم صلى السجدة بالليل ونحوه ، ويدل على ما ذكره مورد الحديث ففي مسلم أنه
رأى ناساً قياماً أي بعد صلاة الظهر ، فأنكر عليهم ، وقال لو كنت مسبحاً لأتممت
وذكر بعده ما ذكره المصنف ، ولعل معنى لو كنت مسبحاً لأتممت لو صليت النافلة على
خلاف ما جاءت السنة لأتممت على خلافها أي لو تركت العمل بالسنة لكان تركها لإتمام
الفرض أحب وأولى من تركها لإتيان النفل وليس المعنى لو كانت النافلة مشروعة لكان
الإتمام مشروعاً حتى يرد عليه ما ذكر النووي من أن الفريضة متحتمة ، فلو شرعت تامة
لتحتم إتمامها ، وأما النافلة فهي إلى خيرة المصلي فلا حرج عليه في شرعها والله
تعالى أعلم. ثم قوله فلو شرعت تامة يقتضي أن
الفريضة في السفر لم تشرع تامة وهو مخالف لمذهب النووي ، وإنما هو موافق لمذهب
أصحابنا الحنفية والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 371
376
377
17 ـ
بابُ صَلاَةِ القَاعِدِ
قوله
: (إن صلى قائماً فهو أفضل ومن صلى قاعداً الخ) حمله كثير من العلماء على
378
(1/170)
التطوع
، وذلك لأن أفضل يقتضي جواز القعود بل فضله ولا جواز للقعود في الفرائض مع عدم
القدرة على القيام ، فلا يتحقق في الفرائض أن يكون القيام أفضل ، ويكون القعود
جائزاً بل إن قدر على القيام فهو المتعين وإن لم يقدر عليه يتعين القعود أو ما
يقدر عليه. بقي أنه يلزم على هذا الحمل جواز النفل مضطجعاً مع القدرة على القيام ،
والقعود وقد التزمه بعض المتأخرين لكن أكثر العلماء أنكروا ذلك وعدوه بدعة وحدثاً
في الإسلام وقالوا لا يعرف أن أحداً صلى قط على جنبه مع القدرة على القيام ، ولو
كان مشروعاً لفعلوه أو فعله النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ولو مرة تبييناً للجواز
، فالوجه أن يقال ليس الحديث بمسوق لبيان صحة الصلاة وفسادها ، وإنما هو لبيان
تفضيل إحدى الصلاتين الصحيحتين على الأخرى ، وصحتهما تعرف من قواعد الصحة من خارج. فحاصل الحديث أنه إذا صحت الصلاة قاعداً ، فهي على نصف صلاة
القائم فرضاً كانت أو نفلاً ، وكذا إذا صحت الصلاة نائماً فهي على نصف الصلاة
قاعداً في الأجر ، وقولهم إن المعذور لا ينتقص من أجره ممنوع ، وما استدلوا به
عليه من حديث إذا مرض لعبد أو سافر كذب له مثل ما كان يعمل وهو مقيم صحيح لا يفيد
ذلك ، وإنما يفيد أن من كان يعتاد عملاً إذا فاته لعذر ، فلذلك لا ينتقص من أجره
حتى لو كان المريض والمسافر تاركاً للصلاة حالة الصحة والإقامة ثم صلى قاعداً أو
قاصراً حالة المرض أو السفر ، فصلاته على نصف صلاة القائم في الأجر مثلاً والله
تعالى أعلم.
379
380
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 371
19 ـ
كتاب التهجد
1 ـ
بابُ التَّهَجُّدِ بِاللَّيلِ
(1/171)
قوله : (أنت الحق ووعدك الحق) الظاهر أن تعريف الخبر فيهما ليس للقصر ،
وإنما هو لإفادة أن الحكم به ظاهر مسلم لا منازع فيه كما قال علماء المعاني في قوله
ووالدك العبد وذلك لأن مرجع هذا الكلام إلى أنه تعالى موجود صادق الوعد ، وهذا أمر
يقول به المؤمن والكافر قال تعالى : {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض} ليقولن
الله ولم يعرف في ذلك منازع يعتد به وكأنه لهذا عدل إلى التنكير في البقية حيث وجد
المنازع فيها بقي أن المناسب لذلك أن يقال وقولك الحق كما في رواية مسلم فكان
التنكير في رواية الكتاب للمشاكلة والله تعالى أعلم.
قوله
: (وبك آمنت) الظاهر أن تقديم الجار للقصر بالنظر إلى سائر من يعبد من دون الله
تعالى والله تعالى أعلم.
381
2 ـ
بابُ فَضْلِ قِيَامِ اللَّيلِ
قوله
: (فذهبا إلى النار) سيجيء ما ظاهره أنهما أرادا أن يذهبا به إلى النار لكنهما ما
ذهبا به إليها ، فحمل الذهاب ههنا على ظاهره وهناك على الإلقاء في النار والله
تعالى أعلم. ويمكن أن يجعل ما سيجيء من باب الاختصار من بعض الرواة أي أرادا
الذهاب بي فذهبا بي فتلقاهما الخ والله تعالى أعلم.
382
4 ـ
بابُ تَرْكِ القِيَامِ لِلمَرِيضِ
قوله : (قال احتبس الخ) هذا طرف من الحديث السابق فلذلك ذكره وإلا فلا
مناسبة له بالترجمة قوله : (ماذا أنزل الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن) كأن
المراد قدّر إنزاله أو أوحى إليه بأنه سينزل والله تعالى أعلم.
5 ـ
باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} عَلَى صَلاَةِ اللَّيلِ
وَالنَّوَافِل مِنْ غَيرِ إِيجَابٍ
قوله
: (وهو يقول وكان الإنسان الخ) كأنه عد التمسك بالتقدير في دار التكليف من الجدل
المذموم لأنه لو صح التمسك به
383
(1/172)
في هذه
الدار لبطل دائرة التكليف بخلاف التمسك به لمن خرج عن دار التكليف إذا تاب عما لا
يلام عليه من الفعل فإنه من الاحتجاج الصحيح كما قال فحج آدم موسى والله تعالى
أعلم.
قوله
: (وما سبح رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} سبحة الضحى) محمول على نفي رؤيتها كما
جاء في بعض الروايات عنها أو على نفي المداومة ، فلا ينافي ما جاء عنها أنه كان
يصلي حين يرجع عن السفر ، ويحتمل أنها أخبرت أولاً بالنفي مطلقاً على حسب ما زعمت
ثم علمت أنه كان يصليها حين الرجوع عن السفر بالسماع من غيرها فأخبرت بذلك والله
تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 381
6 ـ
بابُ قِيَامِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} حَتَّى تَرِمَ قَدَماهُ
قوله
: (فيقال له فيقول الخ) أي : يقول له القائل أنت مغفور له ، فلأي سبب هذا الاجتهاد
، وهذا بناء على أنهم يرون الاجتهاد في العبادة لطلب المغفرة فيرون أن من غفر له
لا
384
يحتاج
إلى الاجتهاد ، فأرشدهم صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أن الاجتهاد فيها قد يكون
أداء لشكر ما أنعم الله تعالى به وحينئذٍ يزيد بزيادة النعم والمغفرة من أجل النعم
فتقتضي زيادة الاجتهاد في العبادة لا تركه.
7 ـ
بابُ مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ
(1/173)
قوله : (وكان ينام نصف الليل الخ) ظاهره أنه ينام النصف الأول من الليل
ويقوم الثلث بعد النصف ، ويلزم منه أنه كان ينام متصلاً بغروب الشمس وهذا بعيد غير
متعارف وأيضاً قد رغب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الناس في هذا الفعل ، فلو
فرض على هذا الوجه لما استقام ترغيب المسلمين فيه أصلاً إذ لا يجوز لهم أن يناموا
متصلاً بغروب الشمس إلى نصف الليل ، فكأن المراد أنه كان ينام من حين ينام إلى نصف
الليل لا أنه يستوعب النصف الأول بالنوم ، وإن كان ظرفية النصف بتقدير في يتبادر
منها الاستيعاب ، ويجوز أن يحمل قوله ويقوم ثلثه على أنه يقوم شيئاً من أول الليل
وشيئاً من وسطه بحيث يبلغ الكل الثلث ، ويحتمل أن يعتبر النصف والثلث والسدس من
وقت النوم لا من تمام الليل. فإن قلت : فيلزم الجهالة إذ لم يعلم أنه من أي وقت
ينام. قلت : وقت النوم معتاد متعارف عند غالب الناس فيحمل عليه ، فترتفع الجهالة
والله تعالى أعلم.
385
9 ـ
بابُ طولِ القِيَامِ في صَلاَةِ اللَّيلِ
قوله
: (كان إذا قام للتهجد من الليل يشوص فاه السواك) أي : اهتماماً لا صلاح الصلاة
وطلباً لأدائها على أتم وجه وأحسنه ، ولا شك أن التطويل أحسن وأولى بالمراعاة من
ذلك ، فمن يهتم بأمر الصلاة على ذلك الوجه يستبعد منه ترك التطويل ، فهذا وجه
مطابقة الحديث الترجمة والله تعالى أعلم.
386
387
14 ـ
باب الدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ مِنْ آخِرِ اللَّيلِ
قوله
: (ينزل ربنا) أي : نزولاً يليق بجنابه المقدس.
والحاصل
أن التفويض والتسليم أسلم ، والقدر الذي قصد إفهامه معلوم ، وهو أن الثلث الأخير
وقت استجابة وعموم رحمة ووفور مغفرة ، فينبغي لطالب الخير أن يدركه ولا يفوته فعلى
الإنسان أن يقتصر على هذا القدر ولا يتجاوز عنه إذ لا يتعلق بأزيد منه غرض والله
تعالى أعلم.
(1/174)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 381
388
15 ـ
بابُ مَنْ نَامَ أَوَّلَ اللَّيلِ وَأَحْيَا آخِرَهُ
قوله
: (فإن كان به حاجة) أي : أثر حاجة أو المراد بالحاجة هي الجبابة لكونها أثراً لها
أو المراد حاجة الاغتسال بقرينة الجزاء والشراح حملوا الحاجة على الحاجة لي الأهل
بلا إعتبار تقدير مضاف في الكلام ، وقالوا جزاه الشرط محذوف أي قضى بقرينة اغتسل ،
وهذا بعيد إذ الظاهر أن الوقت بعد الأذان لا يساعد ذلك ، والعجب أنهم استدلوا على
ذلك برواية مسلم كان ينام أول الليل ويحيى آخره ، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى
حاجته ثم ينام ، فإذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء ، وإن لم يكن
جنباً توضأ ولا يخفى أنه موافق لما قلنا فهو دليل لنا عليهم لا لهم فافهم.
389
17 ـ
بابُ فَضْلِ الطُّهُورِ بِاللَّيل وَالنَّهَارِ ، وَفَضْلِ الصَّلاَةِ بَعْدَ
الوُضُوءِ بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ
قوله
: (فإني سمعت دف نعليك الخ) لا يخفى أنه من باب الرؤيا فلعل له تأويلاً لا يدري ،
وعلى تقدير أن يكون تأويله ظاهره يحمله التقدم على نحو تقدم الخدم على الموالي ،
وبالجملة ما في هذه الرؤيا من تشريف بلال لا يخفى والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
390
391
24 ـ
باب مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَينِ وَلَمْ يَضْطَجِعْ
قوله
: (فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع) هذا لا ينافي ما أخرجه المصنف قبل
392
أبواب
التهجد وغيره من أن كلامه عليه الصلاة والسلام أو اضطجاعه كان بعد فراغه من صلاة
الليل لاحتمال وجوده بعد صلاة الليل وركعتي الفجر جميعاً.
25 ـ
باب ما جاءَ في التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى
قوله
: (باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى) أي : مطلقاً ليلاً أو نهاراً فقط.
(1/175)
وأما ليلاً
فغني عن البيان أو قد بين سابقاً ؛ قيل : لم يستدل على ذلك بقوله عليه الصلاة
والسلام صلاة الليل مثنى مثنى بأن يستدل به على النهار بالقياس لأن القياس حينئذٍ
يصير كالمعارض لمفهوم الحديث ، فإن مفهومه أن صلاة النهار ليست كذلك وإلا سقطت
فائدة تخصيص الليل ، فلا يقبل القياس وردّ بأن ذلك لو لم يكن تخصيص الليل في
الحديث لفائدة أخرى ، وأما إذا كان لفائدة أخرى ، فلا مفهوم وفائدة التخصيص هو أن
الليل محل للوتر فينوهم قياس صلاة الليل على الوتر فنص على الليل دفعاً لذلك
القياس ، وإذا ظهرت للتخصيص فائدة سوى المفهوم فلا مفهوم ، فيصبح الاستدلال
بالقياس ؛ قلت : هذا تطويل بلا طائل كثير إذ يكفي لانتفاء المفهوم أن السؤال كان
عن صلاة الليل فقط. والتخصيص في الجواب إذا كان
مبنياً على التخصيص في السؤال فلا مفهوم فافهم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 381
393
قوله
: (صليت مع رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} الخ) الظاهر أن المراد به المعية في
مجرد المكان والزمان لا المشاركة والاقتداء في الصلاة إذ الاقتداء في الرواتب غير
معروف ، ويحتمل على بعد أنه اتفق المشاركة أيضاً والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
394
28 ـ
بابُ ما يُقْرَأُ في رَكْعَتَي الفَجْرِ
قوله
: (باب ما يقرأ الخ) لم يذكر في الباب ما يدل على تعيين المقروء في ركعتي الفجر بل
ذكر ما يدل على تخفيف القراءة فيهما ، فلذلك قيل كلمة ما للاستفهام عن صفة القراءة
أي هل هي طويلة أو قصيرة ؟ قلت : فعلى هذا يجب اعتبار الفعل أعني يقرأ بمعنى
المصدر إما بتقدير أن أو بدونها أي ما القراءة أي ما صفتها فافهم.
395
قوله
: (هل قرأ الخ) بيان لكمال المبالغة في التخفيف ومثله لا يفيد الشك في القراءة ولا
يقصد به ذلك والله تعالى أعلم.
396
(1/176)
31 ـ
بابُ صَلاَةِ الضُّحى في السَّفَرِ
قوله
: (قلت لابن عمر أتصلي الضحى) الحديث وإن كان في نفي صلاة الضحى مطلقاً ، لكن
استدل به على نفية في السفر ، واستدل بحديث عائشة على نفية في الحضر لأنه قد يمنع
إطلاقه بأن ابن عمر لعله ما اطلع عليه بناء على أنه كان يصلي في البيت ثم استدل
على إثباته في السفر بحديث أم هانىء ، وعلى إثباته في الحضر بحديث أبي هريرة ،
فصار حاصل ما ذكر أن أمر صلاة الضحى على التوسع لا حرج فيه ، فعلا ولا تركا والله
تعالى أعلم.
32 ـ
بابُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحى ، وَرَآهُ وَاسَعاً
قوله
: (أوصاني خليلي) إلى قوله ونوم على وتر. قلت : ليس المراد ظاهره إذ النوم بعد
الوتر غير مطلوب ، وإنما المراد لازمه وهو تقديم الوتر على النوم فافهم. اهـ. سندي.
397
35 ـ
باب الصَّلاَةِ قَبْلَ المَغْرِبِ
قوله
: (مرثد) بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة وقوله اليزني بفتح المثناة التحتية
398
وبالزاي
والنون نسبة إلى يزن بطن من حمير.
36 ـ
بابُ صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً
قوله
: (على خزير) بفتح الخاء وكسر الزاي المعجمتين طعام قوله : (فثاب) بالمثلثة بعد
399
الفاء
وموحدة بعد الألف أي جاء قوله : (حتى أقفل) بضم الفاء أي أرجع قوله : (فأهللت) أي
: أحرمت. اهـ. قسطلاني.
400
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 381
20 ـ
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
1 ـ
بابُ فَضْلِ الصَّلاَةِ في مَسْجِدِ مَكْةَ وَالمَدِينَةِ
(1/177)
قوله : (لا تشد الرحال) قال المحقق ابن حجر بضم أوله بلفظ النفي والمراد
النهي. قلت : يمكن جعله نهياً لفظاً أيضاً ،
والفرق بحسب حركات الدال ، فإن ضم فهو نفي ، وإن فتح أو كسر فهو نهي فكأنه كلام
المحقق مبني على الرواية والله تعالى أعلم. لكن قد يقال إن ضم فهو يحتمل النفي
والنهي. فلا تتم الرواية أيضاً فتأمل. ثم تقدير الكلام لا تشد الرحال إلى مسجد إلا
إلى ثلاثة مساجد ، فلا يرد شد الرحال إلى التجارة أو تحصيل العلم أو غيرهما ، وشد
الرحال كناية عن السفر لا مطلق الركوب بلا سفر ، فلا يرد الإشكال بذهاب النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم أو أهل المدينة إلى مسجد قباء إذ مثله لا يسمى سفراً والله
تعالى أعلم.
401
4 ـ
بابُ إِتْيَانِ مَسْجِدِ قُبَاءٍ ماشِياً وَرَاكِباً
قوله
: (راكباً وماشياً) الواو إما بمعنى أو أو بمعناها ، والجمع باعتبار اجتماع
الأمرين بالنظر إلى مطلق الزيارة أي كان يزوره راكباً تارة وماشياً أخرى ، وإن كان
بالنظر إلى خصوص كل زيارة لا يكون إلا أحدهما والله تعالى أعلم.
402
6 ـ
بابُ مَسْجِدِ بَيتِ المَقْدِسِ
قوله
: (الفطر والأضحى) تخصيصهما لكونهما الأصل ، وأيام التشريق من توابع الأضحى. اهـ.
سندي.
403
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 401
21 ـ
كتاب العمل في الصلاة
2 ـ
باب ما يُنْهى مِنَ الكَلاَم في الصَّلاَةِ
قوله
: (فأمرنا بالسكوت) أي : بترك ذلك الكلام الذي كنا نتكلم ، وإلا فالصلاة محل
404
405
للذكر
فلا يتصور فهيا أن يأمر الناس بالسكوت والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
7 ـ
بابُ إِذَا دَعَتِ الأُمُّ وَلَدَهَا في الصَّلاَةِ
(1/178)
قوله : (باب إذا دعت الأم ولدها في الصلاة) أي : يجيب كما يدل عليه حديث
الباب ، وأما بقاء الصلاة بعد الإجابة فلا يدل عليه الحديث ، والاستدلال به مبني على
أن شرع من قبلنا شرح لنا ما لم يظهر خلافه والله تعالى أعلم.
406
407
12 ـ
بابُ ما يَجُوزُ مِنَ البُصَاقِ وَالنَّفخِ في الصَّلاَةِ
قوله
: (باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة) كاملة ما يحتمل أن تكون استفهامية أي
أيّ قسم يجوز من أقسام البصاق والنفخ أو موصولة أي باب القسم الذي يجوز من أقسام
البصاق والنفخ ، ولكن فيه أن ما ذكره في الكتاب ، وإن علم منه في البصاق ما يجوز
وهو ما
408
في
اليسار ، وما لا يجوز بمعنى ما يحل وما يحرم لكن لم يعلم في النفخ ذلك ، فالوجه أن
يجعل النفخ عطفاً على ما يجوز لا على البصاق أي وباب النفخ أو يجعل ما موصولة ومن
في قوله من البصاق بيانية ، ونعتبر الجواز في مقابلة الفساد لا في مقابلة الحرمة.
والحديث يفيد أن البصاق مطلقاً لا يفسد الصلاة ، فإن الذي نهى عنه ما نهى عنه
لكونه مفسداً للصلاة بل لكونه منافياً لحالة المناجاة ، ولذلك جوّز البصاق في
اليسار ، ولو كان مفسداً لما جوّز ، فالحاصل أن كلاً من البصاق والنفخ وإن كان
يظهر به بعض الحروف ، فهو غير مفسد للصلاة نعم البصاق إلى القبلة أو اليمين لا يحل
لمنافاته لمقتضى المناجاة لا لإفساد الصلاة هذا ما يقتضيه ظاهر عبارة المصنف والله
تعالى أعلم. بحقيقة الحال. اهـ. سندي.
14 ـ
بابٌ إِذَا قِيلَ لِلمُصَلِّي : تَقَدَّمْ ، أَوِ انْتَظِرْ ، فَانْتَظَرَ ، فَلاَ
بَأْسَ
(1/179)
قوله : (باب إذا قيل للمصلي الخ) لا يلزم منه أن يقال له ذلك في الصلاة
حتى يقال لا دلالة في الحديث على ذلك بل هو أعم من القول له في الصلاة أو خارجها ،
والمقصود أن مراعاة المصلي في الصلاة حال غيره أو إطاعته بعض أوامره في الصلاة لا
يبطل الصلاة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 404
409
410
18 ـ
باب يُفَكِّرُ الرَّجُلُ الشَّيءَ فِي الصَّلاَةِ
قوله
: (باب يفكر الرجل) أي : الشخص أعم من أن يكون رجلاً أو امرأة أو الرجل والمرأة
وغيرهما من الصغار من التوابع ، فاكتفى بذكر الأصل ثم الظاهر أن مراده أن التفكر
لا يبطل الصلاة نعم ما لا يتعلق بالصلاة ، فترك التفكر فيه مهما كان مطلوب. اهـ.
سندي.
411
قوله
: (فقلت لم تشهدها) الظاهر أنه بتقدير الاستفهام
أي ألم تشهدها ، وذلك ليتبين أن عدم معرفته كان لعدم حضوره الصلاة أو لأجل ذهوله
عنها ، فلما قال بلى تعين أنه كان للذهول وبه تبين الفرق بين أبي هريرة وغيره
بالذهول وعدمه وهو تسبب إكثار أبي هريرة دون غيره ؛ وقيل : في معنى قوله لم تشهدها
أي شهوداً تاماً وكأنه بناه على أنه إخبار فلا بد من التقييد ليكون صادقاً ، ولا
يخفى أن قوله بلى لا يناسب الأخبار فتأمل.
412
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 404
22 ـ
كتاب السهو
3 ـ
باب إِذَا سَلَّمَ فِي رَكْعَتَينِ ، أَوْ فِي ثَلاَثٍ ، فَسَجَدَ سَجْدَتَينِ ،
مِثْلَ سُجُودِ الصَّلاَةِ أَوْ أَطْوَلَ
قوله
: (أحق ما يقول قالوا نعم) لا يخفى أن قوله نقصت الصلاة وهو المذكور في هذه
413
(1/180)
الرواية
ليس بحق ، فلا يصح هذا الجواب بالنظر إليه ، فجوابهم بذلك مبني على ما سيجيء
وبالجملة ففي هذه الرواية وقع في السؤال اختصار من الرواة ، والجواب مبني على ما
كان عليه السؤال بالحقيقة ، ويمكن إخراج الجواب على هذه الرواية بالنظر إلى لازم
السؤال أي هل وقع مني ما يقتضي هذا السؤال ، وأما حمل النقصان في الصلاة على ما
يعم النقصان بوحي من الله تعالى أو بنسيان منه صلى الله تعالى عليه وسلم ليندرج
فيه السؤال بتمامه أعني أقصرت الصلاة أم نسبت ، فذاك مفسد للاستفهام إذ هذا العام
واقع عند ذي اليدين قطعاً ، وإنما الشك بالنظر إلى خصوص النقصان من حيث الوحي أو
النسيان كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
4 ـ
بابُ منْ لَمْ يَتَشَهَّدْ في سَجْدَتَيِ السَّهْوِ
قوله
: (قال ليس في حديث أبي هريرة) كأن المصنف بنى الاستدلال بذلك على أن مقصود
الصحابة بذكر هذه الاخبارات تحقيق الأحكام الشرعية لا بيان القصص ، فعدم ذكرهم مثل
هذا الشيء الذي لو كان لما تم الحكم الشرعي بدونه دليل عدمه والله تعالى أعلم.
414
5 ـ
باب مَنْ يُكَبِّرُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ
(1/181)
قوله : (فقال لم أنس ولم تقصر) أحسن ما ذكروا في الجواب أن هذا الخبر
خبر بحسب ظنه أو هو كناية عن إني لم أشعر بشيء منهما لأن عدم الشيء يستلزم عدم الشعور
به ، واعتبار الظن في الأخبار أو جعله كناية عن عدم الشعور غير بعيد ، فإن أكثر
الأخبارات في مجرى العرف إنما هي مبنية على الظنون حتى اشتبه على العلماء بسبب ذلك
حقيقة الصدق والكذب ، فذهب كثير منهم إلى أن مدارهما على مطابقة الاعتقاد وعدمه ،
وسواء اعتبرنا بناء الخبر على الظن أو اعتبرناه كناية عدم الشعور فهو خبر صادق
قطعاً لا يقال سؤال ذي اليدين عن الواقع فكيف يطابقه الجواب على تقدير الظن مثلاً
لأنا نقول ليس معنى الجواب على هذا الجواب نفي الظن نفسه بل نفيهما بحسب الواقع في
الظن أي أظن أنهما ليسا بواقعين في الخارج لا أنه ليس لي ظن بوجوهما في الخارج ،
وإن كان بعض منهما في الخارج.
والحاصل
إنه جواب بتعلق الظن بعدمهما في الخارج لا أنه جواب بأن ظنه لم يتعلق بهما وغير
المطابق. اهـ. الثاني دون الأول ، فإن الأول متعارف في مجاري العرف قطعاً والفرق
بين الوجهين يحصل عند التأمل والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 413
23 ـ
كتاب الجنائز
1 ـ
بابٌ فِي الَجنَائِزِ ، وَمَنْ كانَ آخِرُ كَلاَمِه : لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ
(1/182)
قوله : (باب ما جاء في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله)
الجنائز جمع جنازة بالفتح والكسر لغتان للميت ؛ وقيل : بالكسر للنعش وبالفتح للميت
، والمراد ههنا الميت وقوله ومن كان آخر كلامه الخ عطف على الجنائز بمنزلة التفسير
فصار المعنى باب ما جاء فيمن كان آخر كلامه لا إله إلا الله ؛ وقيل : مراده بقوله من كان آخر كلامه ذكر حديث رواه أبو داود بإسناد
حسن ، والحاكم بإسناد صحيح إلا أنه حذف جواب من وهو دخل الجنة. قلت : ولا يخفي بعده
ثم إنه جعل هذه الترجمة كالشرح لأحاديث الباب ، وأشار بها إلى حمل أحاديث الباب
على من كان آخر كلامه لا إله إلا الله ، وطريق حمله أن يجعل قوله لا يشرك بالله
كناية عن التوحيد بالقول وهي جملة حالية ، فتفيد مقارنة الموت بالتوحيد باللسان
وطريق تلك المقارنة هو أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله كما جاء في حديث أبي
داود والحاكم ، وهذا مسلك دقيق لتأويل أحاديث الباب يغني عما ذكروا في تأويلها من
حمل قوله دخل الجنة على دخوله ولو بالأخرة وهو بعيد غير مستقيم إذ يلزم أن يدخل
جاحد النبوّة وغيرها الجنة إذا لم
419
يشرك
بل يلزم أن من لم يشرك ولم يوحد بأن كان شاكاً مثلاً يدخل الجنة ، فلا بد من تأويل
آخر وهو جعل قوله لا يشرك بالله شيئاً كناية عن نفي مطلق الكفر فافهم. ولا يخفى
أنه يحمل دخول الجنة على ما فهمه المصنف على الدخول ابتداء كما هو المتبادر إذ لا
يستبعد أن يكون إجراء الله تعالى هذه الكلمة السعيدة على لسانه في هذه الحالة من
علامات أنه سبقت له المغفرة من الله تعالى والرحمة فيكون أهل هذه الكرامة من الذين
قال الله تعالى : {فيهم إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون} والله تعالى
أعلم.
(1/183)
والعجب
ممن قال كأن المؤلف أراد أن يفسر معنى قوله من كان آخر كلامه الخ بالموت على
الإيمان مطلقاً ؛ قلت : ولا يخفي ما فيه أما أولاً فلأن حمل قوله من كان آخر كلامه
على هذا المعنى بعيد جداً ، وأما ثانياً فلأنه مخالف للمعهود إذ المعهود وضع
الترجمة شرحاً للحديث أو مسئلة يستدل عليها بالحديث لا وضع الترجمة ليكون الحديث
شرحاً لها ، وأما ثالثاً فلأن حديث أبي ذر ونحوه معلوم بالإشكال محتاج إلى التأويل
بخلاف حديث من كان آخر كلامه ، فينبغي أن يحمل حديث أبي ذر ونحوه على حديث من كان آخر
كلامه ليزول به الإشكال ، وأما حمل حديث من كان آخر كلامه على حديث أبي ذر ونحوه
فهو ما يزيد الإشكال ، فأي فائدة في هذا الحمل والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
قوله
: (وقلت أنا من مات الخ) كأن ابن مسعود ما بلغه هذا اللفظ مرفوعاً ، وإلا فقد صح
هذا اللفظ من حديث جابر مرفوعاً وكأنه أخذه من مفهوم الخلاف بناء على إنحصار الدار
بين الجنة والنار ؛ وقيل : أخذه من كون الشرك سبباً لدخول النار وانتفاء السبب يوجب
انتفاء المسبب ، وعند انتفاء النار تعين دخول الجنة لانتفاء دار أخرى ، ولا يخفى
أن الحديث لا يفيد انحصار السببية في الشرك ، فيجوز وجود سبب آخر لدخول النار والله
تعالى أعلم.
420
3 ـ
بابُ الدُّخُولِ عَلَى الَميِّتِ بَعْدَ المَوْتِ إِذَا أُدْرِجَ في كَفَنِهِ
(1/184)
قوله : (باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في كفنه) كأنه أراد به
أن يكون مدرجاً حقيقة أو في حكم المدرج المقصود أنه لا ينبغي الدخول عليه بلا ساتر
خشية أن يطلع منه على ما يكره الإطلاع عليه ، فلا يشكل أن دخول أبي بكر كان قبل
التكفين بل قبل الغسل ، فلا يوافق الترجمة ، وأما حديث جابر فحمل الاستدلال هو نهي
الصحابة عن الكشف وتقرير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياهم على النهي.
421
قوله
: (ما يفعل بي) قال الحافظ : ابن حجر هكذا هو المحفوظ في رواية ليث فما ذكره بعض
الرواة في رواية ليث ما يفعل به فهو غلط ، ولذلك ذكر المصنف عقب رواية ليث رواية
نافع ، وذكر أن فيها ما يفعل به تنبيهاً على الاختلاف ثم قالوا هذا كان قبل نزول
قوله تعالى : {ليغفر لك الله الآية} وكان أولاً لا يدري لأن الله لم يعلمه ثم درى
بعد أن أعلمه الله تعالى ، وهذا معنى ما قيل إنه منسوخ وحاصله أنه خبر عن شيء قد
زال ، فما قيل عليه أن الخبر لا يدخله النسخ ليس بشيء على أن هذا الخبر مما تعلق
به الأمر في قوله تعالى : {قل ما كنت بدعاً من الرسل} وما أدري ما يفعل بي ولا بكم
، فيجوز تعلق النسخ به بالنظر إلى ذلك الأمر فافهم.l
422
4 ـ
بابُ الرَّجُلِ يَنْعى إِلَى أَهْل الَميِّتِ بِنَفسِهِ
قوله
: (باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه) المراد بأهل الميت الناس مطلقاً ومفعول
ينعي محذوف أي ينعي الميت إلى الناس أو يخبرهم بموته بنفسه ، ويواجههم به ولا
يحتاج إلى أن يبعث من يحكي عنه هذا الخبر وإن كان هذا الخبر لا يخلو عن إيراث حزن
وسوء للسامعين.
5 ـ
بابُ الإِذْنِ بِالجَنَازَةِ
قوله
: (باب الأذن بالجنازة) قلت : الأقرب الأيذان بمعنى الأعلام ، وأما الأذن فالظاهر
أنه بمعنى العلم وهو غير مناسب.
(1/185)
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
423
6 ـ
بابُ فَضْلِ مَنْ ماتَ لَهُ وَلَدٌ فَاحْتَسَبَ
قوله
: (لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار) المشهور عندهم نصب يلج على أنه جواب
النفي لكن يشكل ذلك بأن الفاء في جواب النفي تدل على سببية الأول للثاني قال تعالى
: {لا يقضي عليهم فيموتوا} وموت الأولاد ليس سبباً لدخول النار بل سبباً للنجاة
منها ، وعدم الدخول فيها بل لو فرض صحة السببية ، فهي غير مرادة ههنا لأن المطلوب
أن من مات له ثلاثة ولد لا يدخل النار بعد ذلك إلا تحلة القسم وعلى تقدير كونه
جواباً يصير المعنى أنه لا يموت لمسلم ثلاثة ولد حتى يدخل النار بسببه إلا تحله
القسم ، وهذا معنى فاسد قطعاً لازمه أن موت ثلاثة من الولد لا يتحقق لمسلم قطعاً ،
وأنه لو تحقق لدخل ذلك المسلم النار دائماً إلا قدر تحلة القسم ، فالوجه الرفع على
أن الفاء عاطفة للتعقيب ، والمعنى أنه بعد موت ثلاثة ولد لا يتحقق الدخول في النار
إلا تحلة القسم وأقرب ما قيل في توجيه النصب أن الفاء بمعنى
424
(1/186)
الواو
المفيدة للجمع وهي تنصب المضارع بعد النفي كالفاء ، والمعنى لا يجتمع موت ثلاثة من
الولد ، وولوج نار إلا تحلة القسم ، وللعلماء ههنا كلمات بعيدة منها ما ذكره
الحافظ ابن حجر حيث قال إن السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء لأن الاستثناء بعد
النفي إثبات ، وكأن المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد وهو ظاهر لأن
الولوج عام ، وتخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه انتهى. ولا يخفى أنا إذا
صححنا السببية بالنظر إلى الاستثناء ، فلا بد من اعتبار الاستثناء أو لا قبل جعله
جواباً ليصلح بذلك أن يكون جواباً ، وحينئذٍ يكون الاستثناء معتبراً معه قبل أن
يصير جواباً واقعاً في حيز النفي ، فلا يكون الاستثناء إلا من الإثبات لا من النفي
، فيفيد الكلام أنه يلج النار إلا تحلة القسم وهو خلاف المطلوب ثم إذا جعلنا هذا
المعنى جواباً للنفي مسبباً عما دخل عليه النفي كما هو دأب الجواب يلزم أن هذا
المعنى منتف لانتفاء ما دخل عليه النفي كما لا يخفى ذلك على من تأمل في نظائره
ومنها قوله تعالى : {لا يقضي عليهم فيموتوا} فيلزم أن لا يتحقق موت ثلاثة ولد حتى
يترتب عليه دوام الولوج إلا تحلة القسم كما لا يتحقق القضاء عليهم حتى يترتب عليه
موتهم ، ولا يخفي أنه فاسد جداً فافهم.
425
426
427
18 ـ
بابُ الثِّيَابِ البِيضِ لِلكَفَنِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
قوله
: (سحولية) بفتح السين وتشديد المثناة التحتية نسبة إلى السحول وهو القصار لأنه
يسحلها أي يغسلها أو إلى سحول قرية باليمن ؛ وقيل : بالضم اسم لقرية أيضاً ، وقوله
من كرسف بضم أوله وثالثة أي قطن وصحح الترمذي والحاكم من حديث ابن عباس مرفوعاً
البسوا ثياب البياض ، فإنها أطيب وأطهر وكفنوا فيها موتاكم اهـ. قسطلاني.
428
(1/187)
22 ـ
بابُ الكَفَنِ في القَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ ، أَوْ لاَ يُكَفُّ ، وَمَنْ كُفِّنَ
بِغَيرِ قَمِيصٍ
قوله
: (فقال أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين) فإن قلت : كيف لعمر أن يقول أو
يعتقد ذلك ، وفيه إتهام للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم بارتكاب المنهي عنه قلت :
لعله جوز النسيان والسهو ، فأراد أن يذكره ذلك ، ويمكن أن يقال قوله أليس الله
نهاك ليس لتقرير النهي بل للتردد بين النهي وعدمه ليتوسل به إلى فهم ما ظنه نهياً
، وأما ما يشعر به كلام بعضهم أن النهي كان متحققاً لأن الصلاة استغفار للميت ،
وقد نهى صلى الله تعالى عليه وسلم عن الاستغفار للمشركين لقوله تعالى : {ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} فليس بشيء إذ لا يلزم من كون الميت
منافقاً أن يكون مشركاً ، والظاهر أن الحكم كان في حق المشركين وهو النهي ، وفي حق
المنافقين التخيير ثم نزل المنع والنهي والله تعالى أعلم.
قوله
: (بعد ما دفن فأخرجه) هذا الحديث مخالف لحديث عمر السابق سيما رواية ابن
429
عباس
عن عمر كما ذكرها الترمذي وصححها ، ففيها دعي صلى الله تعالى عليه وسلم للصلاة
عليه ، فقام إليه إلى أن قال ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه فإنه
صريح في أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان مع الجنازة إلى أن آتى به القبر ، وقد
تكلفّ بعضهم في التوفيق بما لا يدفع الإيراد بالكلية والله تعالى أعلم.
25 ـ
بابُ الكَفَنُ مِنْ جَمِيعِ المَالِ
قوله
: (فلم يوجد له ما يكفي فيه إلا بردة) أي : فكفن فيه والتكفين فيه من غير بحث ،
430
وتفتيش
عن كون البرد المذكور يبلغ الثلث أم لا دليل على أن الكفن من كل المال ، وقال
القسطلاني وقوله إلا بردة موضع الترجمة لأن الظاهر أنه لم يوجد ما يملكه إلا
البردة المذكورة اهـ. والله تعالى أعلم.
(1/188)
28 ـ
بابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ في زَمَنِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} فَلَمْ
يُنْكَرْ عَلَيهِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
قوله
: (باب من استعد الكفن) قال القسطلاني أي أعده وليست السين للطلب انتهى.
قوله
: (فيها حاشيتها) الظاهر أن المطلوب إفادة أنها كانت ذات حاشية وهي ما يكون طرفاها
على غير لون الوسط والله تعالى أعلم.
431
30 ـ
بابُ حَدِّ المَرْأَةِ عَلَى غَيرِ زَوْجِهَا
قوله
: (فتمسحت به الخ) لا يخفى أن مقتضى الحديث أنها لا تترك الزينة والطيب فوق ثلاث
ليال للإحداد على الميت إذا كان الميت غير الزوج ، ولا يلزم منه أن تستعمل الطيب
أو الزينة بعد ثلاث ليال ، فكأن مراد أم عطية وغيرها من أزواج النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم باستعمال الطيب دفع الشبهة ظاهراً ، والتجنب عن شبه الإحداد يقتضي
استعمال الطيب أو الزينة والله تعالى أعلم.
قوله
: (إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً) وهذه الزيادة صريحة في
432
الوجوب
، فإن خبر الشارع يحمل عليه وبه اندفع ما قيل إن مفهوم إلا على زوج أنه يحل لها
الإحداد ، فإين الوجوب قال القسطلاني : أجيب بكفاية الإجماع على الوجوب ، وأيضاً
جاء نهي صريح عن الكحل وغيره ، ولعله سند للإجماع ولأبي داود لا تحد المرأة فوق
ثلاث إلا على الأزواج فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً ، فهذا أمر بلفظ الخبر انتهى.
قلت : يكفي رواية الكتاب عما ذكر من رواية أبي داود إلا أن يقال غرضه بيان موافقة
رواية أبي داود لرواية الكتاب والله تعالى أعلم.
ويحتمل
أنه زعم أن رواية الكتاب تحتمل التأويل بأن يقال معنى فإنها تحد أي يحل لها أن تحد
بقرينة الكلام السابق بخلاف رواية أبي داود والله تعالى أعلم.
(1/189)
قوله
: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت) هو فاعل لا يحل على أنه من
وضع الفعل موضع المصدر بتقدير أن أو بدونه ومثله قوله تعالى : {ومن آياته يريكم
البرق} وقوله أربعة أشهر وعشراً معمول لمقدر
أي فإنها تحد بقرينة الرواية السابقة والسوق وليس من جملة المستثنى حتى يقال إنه
استثناء شيئين عن شيئين بحرف واحد بأن يقال على زوج مستثنى من على ميت وأربعة أشهر
وعشراً مستثنى من فوق ثلاث ، وقد صرحوا بمنعه وعلى هذا فهذه الرواية بواسطة هذا
المقدر أيضاً من أدلة وجوب العدة والله تعالى أعلم.
31 ـ
بابُ زِيارَةِ القُبُورِ
قوله
: (فلم تجد عنده بوابين) لعل أنساً ساق هذا الحديث لإفادة ما كان عليه النبي {صلى
الله عليه وسلّم}
433
من
التواضع ، فذكر أنها ما عرفته أو لا إذ ليس من شأنه الامتياز عن آحاد الناس في
المشي حتى يعرف به كما هو شأن أكابر الدنيا ثم حين جاءت إلى الباب فما وجدت مانعاً
يمنعها عن الوصول إليه كما يوجد على أبواب أهل الدنيا والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
32 ـ
بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "يُعَذَّبُ المَيِّتُ
بِبَعْضِ بُكاءِ أَهْلِهِ عَلَيهِ" إِذَا كانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ
(1/190)
قوله : (إذا كان النوح من سنته) أي : سنة الميت أو الأهل وإفراد الضمير
لمراعاة اللفظ ومرجع الوجهين واحد وهو أن الميت قد عود أهله في حياته بالبكاء على الأموات
والنياحة عليهم ورضي به وأقرهم على ذلك إذ اعتياد الأهل عادة لا يكون إلا بتسامح
صاحب البيت في أمرهم وتقريرهم عليه ، وإذا كان كذلك ووقع من الأهل البكاء والنياحة
عليه يصير كأن الميت ما وقاهم عن هذه المعصية ، ولم يراعهم كما ينبغي ويصير كمن سن
لهم ذلك فيصير عاصياً فيعذب لذلك قوله : (وما يرخص من
البكاء) عطف على أول الترجمة.
434
قوله
: (لم يقارف الليلة) أي : لم يجامع قيل قال ذلك تعريضاً بعثمان فإنه جامع تلك
الليلة ، فلم يستحسنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما فيه من الغفلة عن حال أهل
البيت مع أنها من بناته صلى الله تعالى عليه وسلم ومقتضاه شدة الاهتمام بأمرها ثم قيل
لعل وقوع مثل هذا من عثمان لعذر في ذلك إذ يحتمل أنه طال مرضها فاحتاج إلى الوقاع
، ولم يكن يظن أنها تموت تلك الليلة وليس في الخبر ما يقتضي أنه واقع بعد موتها أو
بعد احتضارها والله تعالى أعلم.
435
قوله : (إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه) كأنها فهمت أن
معنى هذا الحديث هو أن الله يزيد الكافر عذاباً جزاء لكفره كما قال تعالى : {فلن نزيدكم
إلا عذاباً} إلا أن الله أجرى عادته بإظهار الزيادة عند البكاء فصار كأن البكاء
سبب للزيادة لا أن الزيادة جزاء للبكاء ، ولا يتصور مثل ذلك في تعذيب المؤمن بسبب
البكاء ، فصار هذا الحديث على فهمها غير مخالف لقوله تعالى : {ولا تزر وازرة وزر
أخرى} بل هو موافق لقوله تعالى : {فلن نزيدكم إلا عذاباً} بخلاف حديث تعذيب المؤمن
فلا يرد أن هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : {ولا تزر وازرة وزر أخرى} فما
بالها تثبته ، وتبطل الحديث الآخر بالمخالفة فافهم.
(1/191)
قوله
: (والله هو أضحك وأبكى) ليس المراد بذلك أن الخالق هو الله تعالى ، فلا يعاقب
العبد بذلك أصلاً بل المراد أن الله تعالى أضحك الحي فلا يؤاخذ بذلك الميت ،
ويحتمل أن يقال مراده بيان أن عذاب الميت ببكاء الأهل لا وجه له أصلاً لا عقلاً
ولا شرعاً أما عقلاً فلأن الفعل مخلوق لله تعالى ، فلا يتجه عذاب العبد به أصلاً
من قام به ولا غيره لولا الشرع ، وأما
436
شرعاً
فلأن الشرع ما ورد إلا بعذاب من قامت به المعصية لا بعذاب غيره ، فلا يصح القول
بعذاب الميت ببكاء أهله ، فإلى الأول أشار ابن عباس بقوله والله أضحك وأبكى بعد أن
نقل عن عائشة ما يكون فيه إشارة إلى الثاني أعني قوله تعالى : {ولا تزر وازرة وزر
أخرى} وهذا الوجه أدق وعلى الوجهين لا يرد أن هذا الكلام يقتضي أن لا يعذب أحد
بفعل أصلاً لا الفاعل ولا غيره لأن الخالق مطلقاً هو الله تعالى. بقي أنه قد صح تحميل الظالم ذنوب المظلوم بعد أن تقسم حسناته
بين المظلومين ، فإذا فرغت توضع سيئات المظلومين عليه ، فما معنى قوله تعالى :
{ولا تزر وازرة وزر أخرى} قلت : لعل معناه أن الله تعالى لا يعاقب أحداً ولا يعذبه
بذنب غيره لا أن يحمل عليه ذنب غيره جزاء له على عمله وبينهما فرق.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
والحاصل
أنه تعالى لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره ابتداء ، ويمكن أن يؤاخذه بعد تحميل عمل الغير
إياه بناء على أن أعماله تقتضي التحميل جزاء عليها ، ومن هذا القبيل من سنّ سنة
سيئة الحديث وحديث لأنه أول من سن القتل وقوله تعالى : {وليحملن أثقالهم
وأثقالاً مع أثقالهم} فافهم.
33 ـ
بابُ ما يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى المَيِّتِ
(1/192)
قوله : (إن كذباً علي ليس ككذب على أحد) الظاهر أن الكاف للمماثلة بمعنى
المساواة وكثيراً ما تجيء الكاف للمساواة ، والمطلوب من نفي المساواة إثبات الأشدية
والأغلظية والله تعالى أعلم. وقيل بل معناه أنه ليس مثله في السهولة ، فيكون دونه
في السهولة ، وما يكون أقل سهولة يكون أكثر شدة فيكون مدخول الكاف أعلى في وجه
الشبه الذي هو السهولة قلت : ويمكن أن يجعل وجه الشبه خفة الإثم ، فيقال ليس مثله
في خفة الإثم فيكون الكذب على الغير أكثر خفة بالنظر إلى الشرك ، والكذب عليه صلى
الله تعالى عليه وسلم أقل خفة ، وما يكون أقل خفة يكون أكثر شدة لكن اعتبار العلو
في مدخول الكاف تحقيقاً ، إنما يعتبر عند إثبات التشبيه ، وأما عند نفي التشبيه
كما هنا فغير لازم إذ وجود التشبيه هو الذي يقتضي كون المشبه أقوى في وجه الشبه ،
وأما عدمه فما بقي معه المشبه مشبهاً حتى يكون أقوى ألبتة والله تعالى أعلم.
437
نعم
قد ينفي التشبيه لبيان أن مدخول الكاف أشد قوة بحيث لا يقار به المشبه حتى يشبه به
لأن التشبيه كما يقتضي نوع نقصان في المشبه كذلك يقتضي قربه إلى المشبه به ، وعند
انتفاء القرب لا يحسن ، وقد ينفي لبيان أن غير مدخول الكاف أشد ، فلا يصح التشبيه
وعلى التقديرين ينبغي أن يكون المحل محل أن يتوهم أن مدخول الكاف أقوى حتى يكون
النفي في موضع يتوهم فيه الإثبات ، فإن ذكر النفي في موضع لا يتوهم فيه الإثبات
قليل الفائدة مثل أن يقال فلان لا يطير فإنه كلام قليل الجدوى ، واعتبار توهم أن
مدخول الكاف ههنا أقوى لا يخفي بعده فالأقرب أن يعتبر ههنا نفي المساواة والله
تعالى أعلم.
438
439
40 ـ
بابُ مَنْ جَلَسَ عِنْدَ المُصِيبَةِ يُعْرَفُ فِيهِ الحُزْنُ
(1/193)
قوله : (إنههن) أي : فانههن وفي نسخة وهي التي في اليونينية ليس إلا
إنههنّ بدل انهض فذهب فنهاهن فم يطعنه لحملهن ذلك على أنه من قبل نفس الرجل قوله : (فاحت في أفواههن التراب) ليسد محل النوح فلا يتمكن منه أو
المراد به المبالغة في الزجر قوله : (فقلت أرغم الله أنفك) أي : قالت عائشة للرجل ودعت
عليه من جنس ما أمر أن يفعله بالنسوة لفهمها من قرائن الحال أنه أحرج النبى {صلى
الله عليه وسلّم} بكثرة تردده إليه في ذلك اهـ. قسطلاني.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
440
441
46 ـ
بابُ القِيَامِ للجَنَازَةِ
قوله
: (فوجده في غاشية أهله) بغين وشين معجمتين بينهما ألف الذين يغشونه للخدمة
والزيارة قوله : (فقال قد قضى) بحذف همزة الاستفهام أي أقد خرج من الدنيا بأن مات
قوله : (حتى تخلفكم) بضم المثناة الفوقية وفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام
المكسورة أي تترككم وراءها ، ونسبة ذلك إليها على سبيل المجاز لأن المراد حاملها.
اهـ. قسطلاني.
442
443
51 ـ
بابُ السُّرْعَةِ بِالجِنَازَةِ
قوله
: (أسرعوا بالجنازة) ظاهره الأمر للحملة بالاسراع في المشي ، ويحتمل الأمر
بالاسراع في التجهيز ، وقال النووي الأول هو المتعين لقوله فشر تضعونه عن رقابكم ،
ولا يخفى أنه يمكن تصحيحه على المعنى الثاني بأن يجعل الوضع عن الرقاب كناية عن
التبعيد عنه ، وترك التلبس به فافهم.
قوله : (فخير تقدمونها) أي : إليه والظاهر أن التقدير فهي خير أي
الجنازة بمعنى الميت لمقابلته بقوله فشرّ وحينئذٍ لا بد من اعتبار الاستخدام في
ضمير إليه الراجع إلى الخير ، ويمكن أن يقدر ، فلها خير أو فهناك خير لكنه لا
تساعده المقابلة والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
444
445
57 ـ
بابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الجَنَائزِ
(1/194)
قوله
: (أكثر أبو هريرة علينا) أي : قد أكثر في رواية الحديث ، فربما يخاف عليه لذلك
السهو وقلة الحفظ والاختلاط.
446
59 ـ
باب صَلاَةِ الصِّبْيَانِ مَعَ النَّاسِ عَلَى الجَنَائزِ
قوله
: (باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد) أي : باب بيان حكم الصلاة على الجنائز
في المصلى والمسجد ، فذكر من الحديث ما يدل على أن المعتاد في صلاة الجنازة كان
أداؤها خارج المسجد حتى إنه صلى على النجاشي في المصلى ، ووضع للجنائز موضعاً عند
المسجد ، فصار أداؤها خارج المسجد أولى وأحرى من أدائها في المسجد نعم قد ورد
الصلاة على الجنازة في المسجد أيضاً ، فيحمل ذلك على بيان الجواز مع أولوية خارج
المسجد ، وهذا أعدل ما قالوا في هذا الباب إن شاء الله تعالى ، وبما ذكرنا ظهر موافقة
الحديثين بالترجمة لأن المطلوب في الترجمة بيان الحكم ، وقد علم بالحديثين أن
الحكم هو الأولوية خارج المسجد ، ففي المسجد إذا ثبت فهو خلاف الأولى.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
447
448
65 ـ
بابُ قِرَاءَةِ فاتِحَةِ الكِتَابِ عَلَى الجَنَازَةِ
قوله
: (ليعلموا أنها سنة) قد يتبادر منه أنها من سنن صلاة الجنازة لا من واجباتها ،
ولو سلم فلا دلالة له على وجوبها في صلاة الجنازة كما لا يخفى وقولهم إن قول
الصحابي من السنة كذا في حكم الرفع لا يدل على أن قوله الفعل الفلاني سنة كذلك ولو
سلم فغايته أنه رفع للفعل إلى النبي بمعنى أنه فعله ولا يلزم من مجرد فعله الوجوب
، فهذا الحديث لا يفيد الوجوب نعم هو يرد قول من يقول بكراهة فاتحة الكتاب في صلاة
الجنازة وحملهم على أنه قرأها على قصد الدعاء بعيد والله تعالى أعلم.
(1/195)
وقد
رجح بعض علمائنا الحنفية القراءة فيها ، وذكر لها أدلة كثيرة ، ولعل من يقول
بالوجوب يأخذه من عموم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب والله تعالى أعلم.
449
68 ـ
بابُ مَنْ أَحَبَّ الدَّفنَ في الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
قوله
: (قال أرسل ملك الموت إلى موسى الخ) كأنه ما علم أنه جاء بإذن الله تعالى بسبب
اشتغاله بأمر من الأمور المتعلقة بقلوب الأنبياء عليهم السلام ، فلما سمع منه أجب
ربك أو نحوه وصار ذلك قاطعاً له عما كان فيه ، ولم ينتقل ذهنه بما استولى عليه من
سلطان الاشتغال أنه جاء بأمر الله حركه نوع عضب وشده حتى فعل ما فعل ، ولعل سر ذلك
إظهار وجاهته عند
450
الملائكة
الكرام ، فصار ذلك سبباً لهذا الأمر وأما قوله تعالى : {ارجع فقل} الخ. فلعل ذلك لنقله من حالة الغضب إلى حالة اللين ليتنبه بما فعل ،
وأما قول موسى ثم ماذا فلعله لم يكن لشك منه في الموت بالآخرة بل لتقرير أنه لا يستبعد
الموت حالاً إذا كان هو آخر الأمر مآلاً وكون الموت آخر الأمر معلوم عنده ، فلم
يكن ما وقع منه لاستبعاده الموت حالاً ، وذلك لأنه حين انتقل إلى حالة اللين علم
أن ما وقع منه لا ينبغي وقوعه منه ، وكذا علم أن ما جاء به الملك عنده من قوله يضع
يده الخ بمنزلة الاعتراض بأنه يستبعد الموت أو يريد الحياة حالاً ، فأراد بهذا
الاعتذار عما فعل وقرر أن الذي فعله ليس لاستبعاده الموت حالاً إذ لا يحسن ذلك ممن
يعلم أن الموت هو آخر الأمر ، فصار كأنه بمنزلة أن يقال إن الذي فعله إنما فعله
لأمر آخر كان من مقتضى ذلك الوقت ، وتلك الحالة التي كان فيها والله تعالى أعلم.
451
452
75 ـ
بابُ مَنْ يُقَدَّمُ في اللَّحْدِ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
(1/196)
قوله : (يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول الخ) قال
المظهر : في شرح المصابيح المراد بثوب واحد في
قبر واحد إذ لا يجوز تجريدهما بحيث تتلاقى بشرتهما. اهـ. قلت : ونقله عنه غير واحد
وأقروه عليه لكن يرده ما رواه الترمذي عن أنس ، وفيه فكثر القتلى وقلت : الثياب
فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد بل يرده نفس
هذا الحديث ، فإن ما ذكره لا يناسبه قوله ثم يقول أيهما أكثر قرآنا الخ. بقي أنه
ما معنى ذلك ، والشهيد يدفن في ثيابه التي عليه ، فكأن هذا فيمن قطع ثوبه ولم يبق
على بدنه أو بقي منه قليل لكثرة الجروح ، وعلى تقدير بقاء شيء من الثوب السابق لا
إشكال لكونه فاصلاً عن ملاقاة بشرتيهما ، وأيضاً قد اعتذر بعضهم عنه بالضرورة ،
وقال بعضهم : جمعهما في ثوب واحد وهو أن يقطع الثوب الواحد بينهما والله تعالى
أعلم. اهـ. سندي.
453
454
79 ـ
بابٌ إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ فَمَاتَ ، هَل يُصَلَّى عَلَيهِ ، وَهَل يُعْرَضُ
عَلَى الصَّبِيِّ الإِسْلاَمُ
قوله
: (باب إذا أسلم الصبي الخ) يريد أن إسلام الصبي صحيح أم لا ، وذكر من الأحاديث ما
يدل على أنه اختار أنه صحيح قوله : (ولم يكن مع أبيه الخ) هذا مبني على ما هو
الصحيح في إسلام عباس أنه أسلم بعد بدر بزمان قيل الفتح ، وكان قبل ذلك على دين
قومه لا أنه كان مسلماً مختفياً في إسلامه والله تعالى أعلم.l اهـ. سندي.
قوله
: (هو الدخ فقال اخسأ الخ) أي أتيت بالخبىء على وجهه لأن الخبىء كان تمام آية ،
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبني وهو ما آتي بلفظ الدخان منها تاماً فكيف الباقي
أي هذا الذي أتيت به من الأمر الناقص جداً هو قدر الساحر الكاذب ولا تقدر أن تجاوز
قدرك والله تعالى أعلم.
455
(1/197)
قوله
: (فقال له أسلم) فيه عرض الإسلام على الصبي وهو دليل على صحته من الصبي إذ لو لم
يصح لما عرض عليه ، وفي قوله أنقذه من النار دلالة على أنه صح إسلامه ، وعلى أن
الصبي إذا عقل الكفر ومات عليه فهو يعذب. كذا قال المحقق ابن حجر ، ويحتمل أن يقال
إنه إنما يعذب على ذلك إذا عرض عليه الإسلام وأبى لا مطلقاً. فإن قلت : فحينئذٍ لم
عرض عليه الإسلام مع أنه لو أبى بعد العرض لا يستحق العذاب قلت : لعله ليموت
مسلماً وينال فضيلة الإسلام إذ لو فرض نجاة أولاد الكفرة فهم محرومون عن نيل فضيلة
الإسلام قطعاً والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
ويحتمل
أن يقال قوله أنقذه من النار مبني على احتمال أن يموت بالغاً في هذا المرض بأن كان
قريب البلوغ ، فيحتمل أن يموت بعده أو في غيره على أنه لا يستبعد إطلاق الغلام على
البالغ القريب العهد بالبلوغ ، فيمكن أن هذا الولد كذلك وعلى هذا فلا دلالة على
عذاب الصبي إذا مات ولم يسلم والله تعالى أعلم.
356
قوله
: (إلا يولد على الفطرة) أي : سلامة الطبيعة ، وخلوّ الذهن عما يبعده عن قبول ملة
الإسلام من الشبه الصارفة أو التقليد المانع عن قبول الحق على ما هو المعتاد
الغالب ، وذلك لأنه بخلوه عن تلك الصوارف صار كأنه جبل على الملة ، وطبع عليها كأن
الملة لسلامتها يسارع الذهن إلى قبولها إذا لم يكن عن القبول مانع والله تعالى
أعلم.
ولعل هذا
على المعتاد الغالب أو المقصود بيان حال أمته لا بيان من سبق ، فلا يشكل بالغلام
الذي قتله الحصر ، فقد ثبت أنه طبع كافراً والله تعالى أعلم.
قوله
: (فأبواه يهودانه) أي : إن تهود.
(1/198)
والحاصل
أنه إن انتقل إلى دين آخر فبواسطة غيره ، والمراد بقول فأبواه أي مثلاً أو المراد
بأبواه هما أو من يقوم مقامهما ممن يقلده الولد ، ويتبعه من شياطين الإنس والجن ،
فلا يشكل بأول كافر من الإنس إذ لم يتصور أن يكون كفره بإتباع الآباء وكذا بكفر
كثير وارتدادهم ممن يكون كفرة بلا مدخلية الآباء.
قوله
: (لا تبديل لخلق الله الآية) فإن قلت : هذا مناف للحديث فإنه يفيد تبديل خلق الله
تعالى ظاهراً لما فيه من قوله ، فأبواه يهودانه فإنه يفيد أن أبويه يغيرانه عما
خلق عليه قلت : يحتمل أن يكون هذا نهياً في المعنى كقوله تعالى : {فلا رفث ولا
فسوق ولا جدال في الحج} ويحتمل أن المراد إنه ليس لأحد تبديل خلق الله تعالى بجعل
الولد مولوداً على غير الفطرة ،
457
فإن
الله تعالى لو خلقه على الفطرة لأبقاه عليها دائماً ، فليس لأحد أن يغير خلق الله
والله تعالى أعلم.
ثم لا
يخفى أن هذا الحديث لا يدل على صحة إيمان الصبي إن آمن ولا على أنه مؤمن من حين
ولد وإلا لما احتيج إلى عرض الإيمان عليه حال صباه ، فمطابقته للترجمة لا تخلو عن
خفاء فتأمل.
81 ـ
بابُ الجَرِيدِ عَلَى القَبْرِ
قوله
: (قوله فسطاطاً) بتثليث الفاء وسكون السين المهملة وبطاءين مهملتين هو الخباء من
شعر ، وقد يكون من غيره قوله : (لمن أحدث عليه) أي : ما لا يليق من الفحش قولاً أو
فعلاً لتأذي الميت بذلك أو المراد تغوّط أو بال. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
(1/199)
قوله : (ومعه مخصرة) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة وبالصاد المهملة
قال في القاموس ما يتوكأ عليها كالعصا ونحوه ، وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب والخطيب
إذا خطب وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالباً للإتكاء عليها قوله : (فقال رجل)
هو عليّبن أبي طالب رضي الله عنه اهـ. قسطلاني.
458
459
84 ـ
بابُ ما يُكْرَهُ مِنَ الصَّلاَةِ عَلَى المُنَافِقِينَ ، وَالاِسْتِغْفَارِ
للمُشْرِكِينَ
قوله
: (أخر عني) كأنه بمعنى تأخر عني على أنه من أخر بمعنى تأخر كما قالوا في قدم
بمعنى تقدم ، ويحتمل أنه بمعنى أخر عني كلامك أي بعده أو أخر نفسك فافهم.
460
86 ـ
بابُ ما جاءَ فِي عَذَابِ القَبْرِ
قوله : (وقوله تعالى : إذ الظالمون الخ) هو بالرفع أي وفيه قوله تعالى
الخ. ولعل كونه في عذاب القبر بالنظر إلى قوله اليوم {تجزون عذاب الهون} إذ ظاهره الوعد
بالعذاب يوم الموت ، والمتبادر منه إلى الذهن عذاب القبر والله تعالى أعلم.
قوله
: (سنعذبهم مرتين) كأن المراد بذلك مرتين كل يوم غدوا وعشياً كما ذكر في عذاب آل
فرعون النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ، فهذا إشارة إلى عذاب القبر ، وقوله ثم
يردون إشارة إلى عذاب القيامة ، والمراد به العذاب المستمر العظيم كيفية لشدته
وكمية لدوامه فتكون هذه الآية من أدلة إثبات عذاب القبر ، وفيها دلالة على أن عذاب
القبر غير مستمر كعذاب القيامة بل يكون كل يوم مرتين والله تعالى أعلم.
وهذا
الذي ذكرنا هو الأوفق بالتوفيق بين هذه الآية وبين آية النار يعرضون الآية قوله :
461
(النار
يعرضون عليها) في الحديث يعرضون عليه مقعده فلا بد من اعتبار القلب في أحد
الموضعين ، والظاهر أن القلب في الآية لافادة أنهم يجرون إلى النار حتى كأنهم
يعرضون على النار والله تعالى أعلم.
(1/200)
قوله
: (نزلت في عذاب القبر) أي : في سؤاله المؤدي إلى عذابه أحياناً.
قوله
: (أتدعوا أمواتاً) أي : تخاطبهم ولا يخفى أن سماع الأموات يقتضي حصول نوع من
الحياة له في القبر ، وبه يصح تعلق العذاب بالميت ، فلذلك ذكر هذا الحديث في هذا
الباب لبيان إمكان العذاب ، وهل يعارض ذلك ؟ قوله تعالى : {لا يذوقون فيها
الموت إلا الموته الأولى} قال أبو عثمان الحداد لا كما يعارضه ما ثبت بالنص من
حياة الشهداء ، وقال ابن المنير إذا ثبت حياتهم لزم أن يثبت موتهم بعد هذه الحياة
ليجتمع الخلق كلهم في الموت عند قوله تعالى : {لمن الملك اليوم}
ويلزم تعدد الموت ، وقد قال تعالى : {لا يذوقون فيها
462
الموت
إلا الموتة الأولى} والجواب الواضح عندي أن معنى قوله تعالى : {لا يذوقون فيها
الموت} أي ألم الموت فيكون الموت الذي يعقب الحياة الأخروية بعد الموت الأول لا
يذاق ألمه ، ويجوز ذلك في حكم التقدير بلا إشكال أو يقال ما وضعت العرب اسم الموت
إلا للمؤلم على ما فهموه لا باعتبار كونه ضد الحياة ، فعلى هذا يخلق الله تعالى
لتلك الحياة الثانية ضداً لا يسمى ذلك الضد موتاً ، وإن كان ضداً للحياة جمعاً بين
الأدلة العقلية والنقلية واللغوية اهـ. قلت : الجواب الثاني لا يوافق ظاهر حديث
ذبح الموت والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
(1/201)
ثم إن
ثبت الموت في الآخرة سوى موت الدنيا ، فلنجعل قوله تعالى : {لا يذوقون فيها الموت
إلا الموتة الأولى} عبارة عن ذلك الموت لا عن موت الدنيا بناء على أن الأصل في
الاستثناء هو الاتصال لا الانقطاع ، ونجعل ضمير فيها للآخرة أو اللجنة بناء على أن
الصالحين كأنهم بعد موت الدنيا في الجنة ، وحينئذٍ لا يظهر الأشكال أصلاً بل يظهر
وجه الاتصال في الاستثناء وتخلص عن مؤنة حمله على الانقطاع فافهم. والله تعالى
أعلم.
463
87 ـ
بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ
قوله
: (يهود تعذب) الظاهر إنه أخبار عن أصحاب الصوت بأنهم يهود لا إخبار عن اليهود
بأنهم يعذبون ، فالأقرب أن يعتبر يهود خبر مبتدإ محذوف ، وأيضاً يهود نكرة ، ولهذا
تدخلها اللام فتقول اليهود والله تعالى أعلم.
88 ـ
بابُ عَذَابِ القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ
قوله
: (فكان يسعى بالنميمة) النميمة عادة لا تكون إلا بإظهار ما لا يجب صاحبه إظهاره
464
بالغيب
، وهو حقيقة الغيبة ، وكأن النميمة من أفراد الغيبة ، ولذلك عبر عنها في الترجمة
باسم الغيبة والله تعالى أعلم.
89 ـ
باب الَمِّيتِ يُعْرَضُ عَلَيهِ مَقْعَدُهُ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ
قوله
: (فيقال هذا مقعدك) أي : فكن متمتعاً أو متهولاً برؤيته ، وبالنظر إليه أو فكن
على أن المصير إليه حتى يبعثك الله أي إليه كما في بعض الروايات أو المراد بهذا
مقعدك القبر حتى يبعثك الله إليه أي إلى المعروض والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
91 ـ
بابُ ما قِيلَ في أَوْلاَدِ المُسْلِمِينَ
قوله
: (إن له مرضعاً في الجنة) كأنه من باب التشريف لا لأن الجنة يحتاج الصغير فيها
إلى تربية ورضاعة والله تعالى أعلم.
465
92 ـ
ما قِيلَ في أَوْلاَدِ المُشْرِكِينَ
(1/202)
قوله : (الله إذ خلقهم أعلم) في المصابيح إذ تتعلق بمحذوف أي علم ذلك إذ
خلقهم ، والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر ، ولا يصح تعلقها بأفعل التفضيل لتقدمها
عليه ، وقد يقال بجوازه مع التقدم لأنه ظرف ، فيتسع فيه. اهـ. قلت : وهذا يقتضي أن إذ ظرف ولا يخفى أن علمه تعالى أزلي قديم ،
فتقييده بوقت الخلق الحادث غير ملائم إلا أن يقال بقدم صفة التكوين كما هو عند الماتريدية
، والأقرب أن يجعل إذ تعليلة ، ويمكن أن يجعل ظرفاً على القول بحدوث الخلق كما هو
مذهب الأشاعرة بتأويل حين قدر خلقهم في الأزل والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
ويمكن
أن يجعل ظرفاً على أن الكلام أخبار عن ثبوت العلم عند الخلق لا حدوثه عنده والله
تعالى أعلم.
قوله
: (يولد على الفطرة) يحتمل أنه ذكر هذا الحديث لبيان أنه يفيد النجاة لأولاد
الكفرة
466
بناء
على إن المراد بالفطرة الإسلام ، وحينئذٍ يلزم التعارض بين هذا الحديث والحديث
السابق.
ويحتمل
أنه ذكر للتنبيه على أن الفطرة لا تحمل على الإسلام بل على سلامة الطبع دفعاً
للتعارض بين هذا الحديث وبين السابق والله تعال أعلم. اهـ. سندي.
93 ـ
بابٌ
قوله
: (كلوب) بفتح الكاف وتشديد اللام حديد له شعب يعلق به اللحم قوله : (يدخله في
شدقه) بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة أي يدخل الرجل القائم الكلوب في
جانب فم الرجل الجالس قوله : (يفهر) بكسر الفاء
وسكون الهاء حجر ملء الكف قوله : (فيشدخ) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح
الدال المهملة وبالخاء المعجمة من الشدخ وهو كسر الشيء الأجوف اهـ. قسطلاني.
467
468
96 ـ
بابُ ما جاءَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} وَأَبِي بَكْرٍ
وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
(1/203)
قوله
: (وأوصيه بذمة الله) أي : بأهل ذمة الله تعالى قوله : (قال أبو لهب عليه لعنة
الله)
469
يمكن
أن يقال هذا هو ذكر شرار الموتى بشرهم أو يقال ذكر أبي لهب في القرآن مع أنه مأمور
بالقراءة إلى يوم القيامة يوجب ذكر أبي لهب بعد الموت وهو من باب ذكر شرار الموتى
والله تعالى أعلم.
470
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 419
24 ـ
كتاب الزكاة
1 ـ
بابُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ
قوله
: (قال ماله) أي : قال من حضر قوله : (أرب ماله) كلمة ما للإبهام أي حاجة ماله
لأجلها جاء.
471
قوله
: (حتى يقولوا لا إله إلا الله) أي : حتى يظهروا الإيمان ، فهذا كناية عن ذلك فلا
يرد
472
أنه
لا بد من الشهادة بالنبوة وبه يحصل التوفيق بينه وبين ما وقع في بعض الروايات من
الزيادة ، وقول أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فإن الزكاة حق المال كأنه أشار به
إلى قوله عليه الصلاة والسلام إلا بحقه أي بحق الإسلام ، ولعل ذلك هو سرّ شرح صدر
أبي بكر رضي الله تعالى عنه للقتال ، فعلم أن القتال لا يخالف الحديث بواسطة هذا
الاستثناء والله تعالى أعلم.
ولا يشكل
الحديث بأن القتال ينتهي بالجزية إما لأن الحديث قبل شرع الجزية أو لأن المراد
بالناس مشركوا مكة وأضرابهم والله تعالى أعلم.
3 ـ
بابُ إِثْمِ مانِعِ الزَّكاةِ
قوله
: (شجاعاً) بضم الشين وتكسر وهي الحية ، ولعل ذلك في بعض الأحوال وما في
473
الأحاديث
من أنها تصفح وتحمى في النار في حال أخرى ، فلا تنافي والله تعالى أعلم.
4 ـ
بابٌ ما أُدِّيَ زَكاتُهُ فَلَيسَ بِكَنْزٍ
(1/204)
قوله : (لقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليس فيما دون الخ) تعليل
للسابق إما بالنظر إلى تضمنه دعوى أنه ليس كل مال كنزاً أو باعتبار أن ما أدى منه الزكاة
بعد وجوبها هو وما لا تجب فيه الزكاة سواء فإذا علم بالحديث حال ما لا يجب فيه
الزكاة ، وأنه لا صدقة فيه بل هو كله حلال لصاحبه ، فكذلك ما أدى منه الزكاة بعد
وجوبها والله تعالى أعلم.
والمراد
بالكنز هو الذي يكون سبباً للتعذيب بنص الكتاب والله تعالى أعلم.
قوله
: (إنما كان هذا) أي : ما يفهم من ظاهرها من الضيق وإلا فالآية في الزكاة ، فلا
معنى أنها منسوخة بنزول الزكاة كما يقتضيه ظاهر كلام ابن عمر والله تعالى أعلم.
اهـ. سندي.
474
475
6 ـ
بابُ الرِّيَاءِ في الصَّدَقَةِ
قوله
: (باب الرياء في الصدقة) أي : مبطل لها اهـ. سندي.
476
11 ـ
بابٌ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَالقَلِيلِ مِنَ الصَّدَقَةِ
قوله
: (فقالوا مراء) أي : قال المنافقون إنه مراء. والحاصل أنهم تكلموا فيمن أعطي
477
القليل
والكثير لأن مرادهم أن لا يتصدق أحد.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
12 ـ
بابٌ أَيُّ الصَّدَقَةِ أفضَلُ ، وَصَدَقَةُ الشَّحِيحِ الصَّحِيحِ
قوله
: (وقد كان لفلان) أي : صار للوارث أماماً زاد على الثلث ، فواضح حتى للوارث
478
إبطال
وصاياه فيه ، وأما إلى الثلث فلأنه لو لم يتصدق به لكان للوارث ولا ينتفع به الميت
فكأنه بالتصدق يتصرف في مال الوارث أو المعنى ، وقد كاد أن يصير لفلان ويخرج عن
يده إن لم يعطه ، فالإعطاء في مثل هذه الحالة كالتصرف في مال الغير أو كلا إعطاء.
16 ـ
بابٌ إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيَ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ
(1/205)
قوله
: (فقال لك الحمد) أي : على سارق أي لأجل وقوع الصدقة في يده دون من هو أسوأ حالاً
منه أو هو للتعجب كما يقال سبحان الله.
479
18 ـ
بابُ الصَّدَقَةِ بِاليَمِينِ
قوله
: (باب الصدقة باليمين) قلت) ذكر فيه حديث تصدقوا الحديث وكأن ذكره لأفادة أن
الصدقة باليمين غير لازمة لا طلاق هذا الحديث نعم هو مندوب مطلوب لحديث ما تنفق
يمينه حيث يدل على أن الإنفاق وظيفة اليمين والله تعالى أعلم.
480
20 ـ
بابٌ لاَ صَدَقَةَ إِلاَّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى
قوله
: (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) أي : إلا ما يخلفه الغنى بحيث كأنه يصير الغني
481
بمنزلة
الظهر لها كظهر الإنسان وراء الإنسان ، فالإضافة الظهر إلى الغنى بيانية لبيان أن
الصدقة إذا كانت بحيث يبقى لصاحبها الغني بعدها إما لقوة قلبه أو لوجود شيء بعدها
يستغني به عما تصدق به ، فهو أحسن وإن كانت بحيث يحتاج صاحبها بعدها إلى ما أعطى
ويضطر إليه فلا ينبغي لصاحبها التصدق به والله تعالى أعلم.
23 ـ
بابُ التَّحْرِيضِ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا
قوله
: (قال اشفعوا تؤجروا الخ) وهذا من مكارم أخلاقه صلى الله تعالى عليه وسلم
482
ليصلوا
جناح السائل وطالب الحاجة وهو تخلق بأخلاق الله تعالى حيث يقول لنبيه صلى الله
تعالى عليه وسلم اشفع تشفع وإذا أمر عليه الصلاة والسلام بالشفاعة عنده مع علمه
بأنه مستغن عنها لأن عنده شافعاً من نفسه وباعثاً من جوده ، فالشفاعة الحسية عند
غيره ممن يحتاج إلى تحريك داعية إلى الخبر متأكد بالطريق الأولى اهـ. قسطلاني.
483
484
(1/206)
29 ـ بابُ
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى
فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ
بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسْرَى} قوله : (إلا ملكان ينزلان
فيقول أحدهما الخ) لا يقال لا فائدة في قولهما هذا على تقدير عدم سماع الناس ذلك
إذ لا يترتب عليه ترغيب ولا ترهيب بلا سماع لأنا نقول تبليغ الصادق يقوم مقام
السماع ، فينبغي للعاقل أن يلاحظ كل يوم هذا الدعاء بحيث كأنه يسمعه من الملكين ،
فيفعل بسبب ذلك ما لو سمعه من الملكين لفعل وهذا هو فائدة إخبار النبي صلى الله
تعالى عليه وسلم بذلك على أن المقصود بالذات الدعاء لهذا ، وعلى هذا سواء علموا به
أم لا ؟ ثم قوله أعط ممسكاً تلفاً حمله الجمهور على ضياع ماله وحمله ابن العربي
الصوفي على توفيق الصدقة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
485
486
33 ـ
بابُ زَكاةِ الوَرِقِ
قوله
: (باب قدركم يعطي من الزكاة الخ) كثيراً ما يذكر المصنف في الترجمة أشياء ليستخرج
لها أحاديث ، فربما لا يتيسر له استخراج الأحاديث إلا لبعضها ، ولعل هذا الباب من
هذا القبيل ، فإن الحديث الذي ذكره لا يوافق إلا الجزء الأخير من الترجمة ، وهو
ومن أعطي شاة والله تعالى أعلم.
وربما
يقال إنه اكتفى في الجزء الأول بأنه ما ورد في الشرع للقدر حد ونبه عليه بعدم ذكر
حديث له ، والأصل عدم التحديد في ذلك إلا بالشرع ، فإذا لم يرد في الشرع ، فالوجه
القول بالإطلاق ، ففيه رد على الحنفية القائلين بكراهة قدر النصاب والله تعالى
أعلم.
487
36 ـ
بابٌ لاَ يُجْمَعُ بَينَ مُتَفَرِّقٍ ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَينَ مُجْتَمِعٍ
(1/207)
قوله : (لا يجمع بين متفرق) معناه عند الجمهور على النهي أي لا ينبغي
لمالكين يجب على مال كل منهما صدقة ومالهما متفرق بأن يكون لكل منهما أربعون شاة ،
فيجب على كل منهما شاة أن يجمعا عند حضور المصدق فراراً عن لزوم الشاة إلى نصفها
إذ عند الجمع يؤخذ من كل المال شاة واحدة ، وعلى هذا قياس ولا يفرق بين مجتمع أي
ليس لشريكين مالهما مجتمع بأن يكون لك منهما مائة شاة وشاة ، فيكون عليها عند
الاجتماع ثلاث شياه أن يفرقا مالهما ليكون على كل واحد شاة واحدة فقط.
والحاصل
أن الخلط عند الجمهور مؤثر في زيادة الصدقة ونقصانها لكن لا ينبغي لهم أن يفعلوا
ذلك فراراً عن زيادة الصدقة ، ويمكن توجيه النهي إلى المصدق أي ليس له الجمع
والتفريق خشية نقصان الصدقة أي ليس له أنه إذا رأى نقصاناً في الصدقة على تقدير
الاجتماع أن يفرق أو رأى نقصاناً على تقدير التفرق أن يجمع وقوله خشية متعلق
بالفعلين على التنازع أو بفعل يعم الفعلين أي لا يفعل شيء من ذلك خشية الصدقة ،
وأما عند أبي حنيفة فلا أثر للخلطة ، فمعنى الحديث عنده على ظاهره النفي على أن
النفي راجع إلى القيد ، وحاصله نفي الخلط لنفي الأثر أي لا أثر للخلط والتفريق في تقليل
الزكاة وتكثيرها أي لا يفعل شيء منهما خشية الصدقة إذ لا أثر له في الصدقة والله
تعالى أعلم.
488
37 ـ
بابٌ ما كانَ مِنْ خَلِيطَينِ ، فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَينَهُمَا
بِالسَّوِيَّةِ
(1/208)
قوله : (ما كان من خليطين) معناه عند الجمهور أن ما كان متميزاً لأحد
الخليطين من المال ، فأخذ الساعي من ذلك التميز يرجع إلى صاحبه بحصته بأن كان لكل عشرون
وأخذ الساعي من مال أحدهما يرجع بقيمة نصف شاة ، وإن كان لأحدهما عشرون وللآخر
أربعون مثلاً فأخذ من صاحب عشرين يرجع على صاحب أربعين بالثلثين ، وإن أخذ منه
يرجع على صاحب عشرين بالثلث ، وعند أبي حنيفة يحمل الخليط على الشريك إذ المال إذا
تميز فلا يؤخذ زكاة كل إلا من ماله ، وأما إذا كان المال بينهما على الشركة بلا
تميز وأخذ من ذلك المشترك فعنده يجب التراجع بالسوية أي يرجع كل منهما على صاحبه
بقدر ما يساوي ماله مثلاً لأحدهما أربعون بقرة وللآخر ثلاثون ، والمال مشترك غير
متميز فأخذ الساعي من صاحب أربعين مسنة ، ومن صاحب ثلاثين تبيعاً وأعطي كل منهما
من المال المشترك فيرجع صاحب أربعين بأربعة أسباع التبيع على صاحب ثلاثين وصاحب ثلاثين
بثلاثة أسباع المسنة على صاحب أربعين والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
489
40 ـ
بابُ زَكَاةِ الغَنَمِ
قوله
: (من الغنم من كل خمس شاة) أي : من كل خمس شاة من الغنم.
490
491
46 ـ
قوله
: (باب الزكاة على الأقارب) يحتمل أن مراده بالزكاة مطلق الصدقة الشاملة للزكاة إذ
الأصل إتحاد الأحكام إلا ما علم بالشرع من الاختلاف ولم يعلم ههنا عند المصنف ما
يدلّ
492
على
اختلاف الأحكام في هذا الباب بل ظاهر النص يقتضي الجواز ، فإن الله تعالى قد جعل
الفقراء والمساكين سائر الأنواع مصارف الزكاة على الإطلاق ، فمن يدعي التقييد
يحتاج إلى دليل الله تعالى أعلم.6
493
49 ـ
بابُ الصَّدَقَةِ عَلَى اليَتَامى
(1/209)
قوله : (وإن مما ينبت الربيع) قيل : هو الفصل المشهور بالإثبات ، وقيل
هو النهر الصغير المنفجر عن النهر الكبير والله تعالى أعلم. وقوله يقتل قيل بتقدير
ما أي ما يقتل قال العيني قلت : لا بد من تقدير ما لأن قوله ينبت الرّبيع فعل
وفاعل ولا يصلح أن يكون لفظ يقتل مفعولاً إلا بتقدير ما انتهى. قلت : وهذا عجيب منه ، فإن المفعول مقدر وهو ضمير راجع إلى الموصول
أعني ما ينبت لكن الوجه أن يقال إن الجارّ والمجرور أعني مما ينبت الربيع يكون
خبراً لأن ويقتل فعل لا يصلح أن يكون اسماً لأن فيقدر ما الموصولة لتكون اسماً لأن
وأيضاً لا بد من شيء يرجع إليه ضمير يقتل ، وأيضاً المعنى يقتضي التقدير إذ لا يصح
أن يعد نفس يقتل الذي هو فعل من الأفعال من جملة ما ينبته الربيع بل لا بد أن يعد
من جملة شيء يقتل ، وعلى
494
هذا
فلا يصح الجواب باعتبار أن ضمير أن محذوف أي إن الشأن نعم يمكن أن يقال إن كلمة من
في قوله مما للتبعيض ومن التبعيضية إسم عند البعض تصلح للابتداء فهي اسم أن ومرجع الضمير
يقتل والله تعالى أعلم.
قوله
: (إلا آكلة الخضراء) هو كلأ الصيف اليابس ، فالاستثناء منقطع أي لكن آكلة الخضراء
تنتفع بأكلها فكأنها أخذت الكلأ على الوجه الذي ينبغي ، وقيل متصل مفرّغ في
الإثبات أي يقتل كل آكلة الخضراء والله تعالى أعلم.
50 ـ
بابُ الزَّكاةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالأَيتَامِ في الحَجْرِ
قوله
: (قال نعم ولها أجران الخ) ولعله صلى الله تعالى عليه وسلم أذن لها في الدخول بعد
ذلك حتى سمعت ذلك من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قصداً إلى زيادة تحقيق الأمر
والتثبيت عندها وبه يحصل التوفيق بين هذه الرواية ورواية أبي سعيد السابقة والله
تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
495
496
497
(1/210)
55 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلحَافاً} (البقرة :
273) وَكَمِ الغِنَى
قوله
: (وكم الغنى) أي : أي قدر من الغنى يحرم به السؤال وكأنه استنبط من قول النبي صلى
الله تعالى عليه وسلم ولا يجد غني يغنيه أن ما يغني الإنسان أي يسد حاجته كقوت
اليوم ، فهو غنى يحرم السؤال والله تعالى أعلم. بحقيقة الحال اهـ. سندي.
498
56 ـ
بابُ خَرْصِ التَّمْرِ
قوله
: (باب خرص التمر) بالمثناة وسكون الميم ولأبي ذر الثمر بالمثلثة وفتح الميم
499
والخرص
بفتح الخاء المعجمة ، وقد تكسر وسكون الراء بعدها صاد مهملة هو حزر ما على النخل
من الرطب تمراً ليحصى على مالكه ، ويعرف مقدار عشرة ، فيثبت على مالكه ويخلي بينه
وبين التمر ، فإذا جاء وقت الجداد أخذ العشر وفائدة الخرص التوسعة على أرباب
الثمار في التناول منها ، وإيثار الأهل والجيران والفقراء اهـ. قسطلاني.
57 ـ
باب العُشْرِ فِيما يُسْقَى مِنْ ماءِ السَّمَاءِ ، وَبِالمَاءِ الجَارِي
قوله
: (باب العشر فيما يسقى من ماء السماء) وقد ذكر في آخر هذا الباب قال أبو عبد الله
هذا تفسير الأول. وكذا ورد في الباب الآتي مثله وكأنه أتي به في البابين لزيادة
التأكيد والمقصود في الموضعين واحد ، والمراد بقوله هذا هو ما سيجيء من حديث أبي
سعيد في الباب الآتي ، وبقوله الأول ما سبق من حديث ابن عمر ، وهذا وإن كان غير
ظاهر لكن مقابلة
500
(1/211)
هذا بالأول
قرينة على أن المراد بهذا هو المتأخر المقابل للأول ولم يسبق حديث يعرف بالأولية
إلا حديث ابن عمر فمقابلة المتأخر هو حديث أبي سعيد ، ثم قد فسر الأول بحديث ابن
عمر توضيحاً للمطلوب ، فقال لم يوقت في الأول يعني حديثابن عمر ، وفسر عدم توقيته
بقوله ، وفيما سقت السماء العشر ومراده الرد على أبي حنيفة حيث أخذ بإطلاق حديث
ابن عمر ، فأشار إلى أنه حديث مبهم يفسره حديث أبي سعيد ، فالواجب الأخذ به لا
بالمبهم فافهم.
501
502
503
65 ـ
بابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الأَغْنِيَاءِ ، وَتُرَدَّ في الفُقَرَاءِ حَيثُ
كانُوا
قوله
: (باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء) هو عطف على أخذ الصدقة بتأويل
المصدر أي والرد في الفقراء ، ويجوز في مثله النصب بتقدير أن كما يجوز الرفع كما
في قوله تعالى : {ومن آياته يريكم البرق} وقوله حيث كانوا الضمير فيه إما للأغنياء
والفقراء جميعاً ، والمقصود بيان أنه لا يجوز نقل الزكاة كما عليه الجمهور أو
للفقراء فقط. وحيث لتعميم أمكنة الفقراء ، والمقصود بيان جواز النقل ، والحديث
أعني من أغنيائهم وفقرائهم إن فسر بأغنياء تلك البلدة وفقرائها يكون دليلاً على
عدم جواز النقل ، وإن فسر بأغنياء المسلمين وفقرائهم يكون دليلاً على جواز النقل
والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
504
67 ـ
بابُ ما يُسْتَخْرَجُ مِنَ البَحْرِ
قوله
: (وإنما جعل النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم في الركاز الخمس) هو بالواو في كثير
من النسخ وهو الظاهر لأنه من كلام المصنف ذكره رداً لكلام الحسن ، وبالفاء في بعض
النسخ أعني قائماً ، فالفاء للتعليل أي ولا يصح فإنما والله تعالى أعلم.
(1/212)
وقوله
ليس في الذي يصاب في الماء أي ولو كان ذلك دارهم كما في حديث الإسرائيلي الذي ذكره
في الباب فكيف في غيره ؟ ولهذا المعنى ذكر الحديث الذي ذكره.
68 ـ
بابٌ في الرِّكازِ الخُمُسُ
قوله
: (والمعدن جبار) يحتمل أن المعنى أن إهلاكه هدر ، ويحتمل أن المراد أنه هدر لا
شيء فيه ورد بأنه يختلف معنى جبار في المواضع الثلاثة ، ويلزم أن لا يجب شيء في
المعدن
505
(1/213)
لكن
قد يقال إن المعنى الأوّل قليل الجدوى لأنه مفهوم من قوله والبئر جبار ، وذلك لأن
المراد من البئر في قوله ، والبئر جبار ما يعم البئر حقيقة وما في حكمها من
الحفرات لظهور عموم الحكم للكل ، فذكر المعدن بعده بأنه جبار بهذا المعنى يفضي إلى
خلو المكان عن الإفادة ، وأيضاً لا يظهر لخصوص المعدن دون غيره من الحفرات فائدة ،
وأما التناسب فكما أن مقتضى الأول وهو قوله العجماء جبار ، والبئر جبار المعنى
الأول كذلك مقتضى الآخر أعني وفي الركاز الخمس المعنى الثاني بل يحصل بالمعنى
الثاني التناسب بين كل اثنين كالعجماء ، والبئر والمعدن والركاز ولا يحصل بالمعنى
الأول بل يصير قوله ، وفي الركاز الخمس كلاماً أجنبياً ، وما قيل في رد المعنى
الثاني أنه يلزم أن لا يجب شيء أصلاً في المعدن ، وقد يجاب عنه بالتزامه ولا ينافيه
وجوب الزكاة فيما خرج منه لظهور أنه لا شيء في المعدن نفسه إذا كان الواجب الزكاة
في النقدين سواء أخرجناهما من المعدن أو غيره كيف والزكاة في النقدين على العموم
واجب عند الكل حتى عند من أوجب وظيفة في المعدن إذ لا يسقط بها عندهم زكاة النقدين
الخارجين منه بشرطها بأن يبلغ النصاب وحال عليه الحول ، فوظيفة المعدن ليس نفس
الزكاة فصح نفيها مع ثبوت الزكاة في النقدين ، وهذا ظاهر كيف ومصارف وظيفة المعدن
عند من يثبتها مصارف خمس الغنيمة لا مصارف الزكات ، فبينهما بون بعيد ، فصح النفي
عند من لا يثبت في المعدن نفسه من حيث خصوص كونه معدناً شيئاً ، ولا ينافي النفي
إيجاب الزكاة عنده في النقدين على العموم والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
506
71 ـ
بابُ وَسْمِ الإِمامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ
(1/214)
قوله : (ليحنكه) تبركاً به {صلى الله عليه وسلّم} وبريقه ويده ودعائه
وهو أن يمضغ التمرة ويجعلها في فم الصبي ، ويحك بها في حنكه بسبابته حتى تتحلل في حنكه
قوله : (في يده الميسم) بكسر الميم وفتح السين المهملة حديدة يكوي بها. اهـ.
قسطلاني.
قوله
: (يسم إبل الصدقة) أي : يعلمها لتتميز عن الأموال المملوكة وهو مخصوص من عموم
النهي عن تعذيب الحيوان. اهـ. قسطلاني.
507
508
509
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 471
25 ـ
كتاب الحج
1 ـ
بابُ وُجُوبِ الحَجِّ وَفَضْلِهِ
قوله
: (وقول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) المشهور في إعراب من استطاع أنه بدل من الناس مخصص له ، وبحث
فيه بعضهم أنه يلزم الفصل بين البدل والمبدل منه بالمبتدأ وهو مخل ؛ وقيل : إنه
فاعل المصدر ورده ابن هشام بأن المعنى حينئذٍ ولله على الناس أن يحج المستطيع ، فيلزم
إثم جميع الناس إذا تخلف المستطيع وتعقبه البدر في المصابيح بأنه بناه على أن تعريف
الناس للاستغراق وهو ممنوع لجواز كونه للعهد. والمراد بهم المستطيعون وذلك لأن حج
البيت مبتدأ خبره قوله لله على الناس ، والمبتدأ وإن تأخر لفظاً فهو مقدم على
الخبر رتبة ، فالتقدير حج المستطيعين البيت حق ثبت لله على الناس أي على أولئك
المستطيعين بل جعل التعريف للعهد مقدم على جعله للاستغراق ، فيتعين المصير إليه
عند الإمكان انتهى. ثم هذه الآية وكذا الحديث لإفادة وجوب الحج أصالة والفضيلة
تبعاً إذ الوجوب مستلزم للفضيلة قطعاً ، ولذلك أخر المصنف في الترجمة الفضيلة عن
الوجوب والله تعالى أعلم.
قوله
: (أدركت أبي شيخاً كبيراً الخ) هذا الحديث يقتضي أنها زعمت أن الحج فرض
510
(1/215)
على أبيها
وهو في تلك الحالة ، وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قررها على زعمها ذلك ،
والمخالف في ذلك يقول إن الاستطاعة شرط للحج بالكتاب ، فلا بد من تأويل الحديث ولا
يخفى أن الاستطاعة قد جاءت مفسرة في الحديث بالزاد والراحلة ، فاشتراط استطاعة
زائدة على ذلك يحتاج إلى دليل. نعم من لا يقدر يجب عليه الحج لا ليحج بنفسه لما
فيه من تكليف ما لا يطاق ، وهو مدفوع بالنص بل ليوصي غيره والله تعالى أعلم.
2 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ
يَأْتِينَ مِنْكُلِّ فَجَ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}
قوله
: (باب قول الله تعالى يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر) لعل المراد بيان الآية من حيث
إن الراكب متى يهل ، فإن ذلك لما كان يتعلق بالإتيان راكباً كان من كيفياته.
511
4 ـ
بابُ فَضْلِ الحَجِّ المَبْرُورِ
قوله
: (رجع كيوم ولدته أمه) أي : صار أو رجع من ذنوبه أو فرغ من الحج ، وقوله كيوم
ولدته أمه خبر على الأول ، وحال على الوجهين الأخيرين بتأويل كنفسه يوم ولدته أمه
إذ لا معنى لتشبيه الشخش باليوم والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
وأما
حمله على معنى رجع إلى بيته فبعيد فتأمل.
512
7 ـ
بابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلحَجِّ وَالعُمْرَةِ
(1/216)
قوله : (باب مهل أهل مكة للحج والعمرة) كأنه نبه بذلك على أن سوق الحديث
لميقات الحج والعمرة جميعاً لا لميقات الحج فقط. ولذلك قال ممن أراد الحج والعمر فمقتضاه
أن ما جعل ميقاتاً لأهل مكة يكون ميقاتاً لهم للحج والعمرة جميعاً لا للحج فقط.
وإن ذهب الجمهور إلى الثاني وجعلوا ميقات العمرة لأهل مكة أدنى الحل بحديث إحرام
عائشة بالعمرة من التنعيم ، وذلك لأن عائشة ما كانت مكية حقيقة فيجوز أن يكون
ميقات مثلها التنعيم للعمرة وإن كان ميقات المكي نفس مكة. وكذا يجوز إحرامها من
التنعيم لأنها أرادت العمرة الآفاقية حيث أرادت المساواة لسائر المعتمرين في ذلك
السفر ، فحديث عائشة لا يعارض هذا الحديث فكأنه بهذه الترجمة أراد الاعتراض على
الجمهور والله تعالى أعلم.
قوله
: (ولأهل الشام الجحفة) قال ابن دقيق العيد إنه يشمل من مرّ من أهل الشام بذي
الحليفة ، ومن لم يمر وقوله لمن أتي عليهن من غير أهلهن يشمل الشامي إذا مر بذي
الحليفة وغيرها فهما عمومان متعارضان اهـ. وأجيب بأن قوله هن لهن تفسير لقوله وقت
لأهل المدينة
513
(1/217)
مثلاً
، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم فلا إشكال
ولا تعارض اهـ. قلت : وعلى هذا لا يبقى لقوله لمن أتي عليهن من غير أهلهن فائدة
أصلاً إلا أن يقال هو من جملة التفسير إذ لولا ذلك لفهم من أهل المدينة في قوله وقت
لأهل المدينة مثلاً الأهل الحقيقي ، وبواسطة قوله ، ولمن أتي عليهن يفهم أن المراد
به أعم ثم لا يخفى أن التعارض باق بعد لأنا إذا قلنا إن المراد بأهل المدينة أعم
من الأهل الحقيقي ومن هم كالأهل بواسطة المرور على ذي الحليفة. وكذا المراد بأهل
الشام الأعم فلا شك أن أهل الشام يصدق عليهم إذا مروا على ذي الحليفة أنهم أهل
الشام تحقيقاً ، وأهل المدينة حكماً فيلزم لهم ثبوت الميقاتين بل أهل المدينة إذا
مروا على الجحفة يلزم لهم ثبوت الميقاتين لأنهم أهل المدينة تحقيقاً ، وأهل الشام
من حيث المرور على الجحفة ، فهذا الجواب لا يدفع الإيراد بل يزيده فافهم.
والأقرب
عندي أنه لا تعارض إذ حاصل العمومين أن الشامي المار بذي الحليفة له ميقاتان ميقات
أصلي وميقات بواسطة المرور على ذي الحليفة ، وقد قرروا أن الميقات ما يحرم مجاوزته
بلا إحرام لا ما لا يجوز تقديم الإحرام عليه ، فيجوز أن يقال إن الشامي ليس له
مجاوزة شيء منهما بلا إحرام ، فيجب عليه أن يحرم من أولهما ولا يجوز له التأخير
إلى آخرهما فإنه إذا أحرم من أولهما لم يجاوز شيئاً منهما بلا إحرام ، وإذا أخر
إلى آخرهما فقد جاوز الأول منهما بلا إحرام ، وذلك غير جائز له ، وعلى هذا فإذا
جاوزهما بلا إحرام فقد ارتكب محرمين وصاحب الميقات الواحد إذا جاوز وقته فقد ارتكب
محرماً واحداً.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
(1/218)
والحاصل
أنه لا تعارض بين الميقاتين عند ثبوتهما لواحد نعم لو كان معنى الميقات ما لا يجوز
تقديم الإحرام عليه لحصل التعارض والله تعالى أعلم.
قوله
: (فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة) مقتضاه أنه ليس لمن كان داخل المواقيت أن يؤخر
الإحرام من أهله. وكذا ليس لأهل مكة أن يؤخروه من مكة ، ويشكل عليه قول علمائنا
الحنفية حيث جوزوا لمن كان داخل المواقيت التأخير إلى آخر الحل ، ولأهل مكة إلى
آخر الحرم من حيث إنه مخالف للحديث ، ومن حيث إن المواقيت ليست مما يثبت بالرأي
والله تعالى أعلم.
8 ـ
بابُ مِيقَاتِ أَهْلِ المَدِينَةِ ، وَلاَ يُهِلُّوا قَبْلَ ذِي الحُلَيفَةِ
قوله
: (باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة) كأنه أخذ ذلك من قوله يهل
514
أهل
المدينة من ذي الحليفة ، فإن الأخبار في كلام الشارع تحمل على الإنشاء بل هو في
إفادة الوجوب عندهم آكد من صريح الأمر ، ووجوب الإهلال من محل ينفي التقدم عليه
والتأخر عنه ظاهراً إلا أن الجمهور حملوا الوجوب على نفي التأخر فقط ، واستدلوا
على ذلك بفعل كثير من الأكابر من الصحابة وغيرهم التقديم والله تعالى أعلم.
515
516
16 ـ
بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "العَقِيقُ وَادٍ مُبَارَكٌ"
قوله
: (باب قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم العقيق الخ) كأنه أراد قوله ولو حكاية
عن غيره وبه وافق الحديث الترجمة ، وسقط أن القول المذكور في الحديث قول الآتي لا
قول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
17 ـ
باب غَسْلِ الخَلُوقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنَ الثِّيَابِ
قوله
: (اغسل الطيب الذي بك) الظاهر أن المراد الذي بجسدك فالدلالة على الترجمة بقياس
الثوب على الجسد ، وليس المراد في الحديث الذي بثوبك إذ نزع الثوب يكفي في دفع ذلك.
517
(1/219)
والحاصل
أن الروايات وإن وردت بوجود الطيب بثوبه أيضاً لكن المأمور بالغسل هو الذي كان
ببدنه ، وأما ما كان منه بالثوب فيكفي النزع فيه والله تعالى أعلم.
18 ـ
بابُ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَما يَلبَسُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ ،
وَيَتَرَجّلَ وَيَدَّهِنَ
قوله
: (للذين يرحلون) هو دجها كتب في هامش بعض النسخ نقلاً عن بعض محققي
518
مشايخنا.
أطاب الله ثراه أنه بضم الياء وتشديد الحاء أي ينقلون من رحل انتقل لا من رحل
بعيره أي وضع عليه الرحل لأنه فاسد أن يقال يرحلون هودجها أي يضعون عليه الرحل.
نعم لو ثبت به الرواية لأول بحذف المضاف أي يرحلون بعير هودجها مع تكلف ظاهر في
المعنى ، فظهر أن قول الحافظ وغيره التشديد وهم ليس بصواب اهـ.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
22 ـ
بابُ الرُّكُوبِ وَالاِرْتِدَافِ في الحَجِّ
قوله
: (فكلاهما قال لم يزل الخ) لعل هذا نقل بالمعنى لكلامهما جميعاً أي كلامهما
جميعاً معناه ذلك لا أن كل واحد منهما قال هذا الكلام إذ الظاهر أن أسامة ذكر
تلبيته من عرفات إلى مزدلفة ، والفضل ذكر تلبيته من مزدلفة إلى الجمرة ، فقولهما
جميعاً يرجع إلى ما ذكر والله تعالى أعلم.
519
520
521
29 ـ
بابُ الإِهْلاَلِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
قوله
: (استقبل القبلة قائماً) قال القسطلاني : رحمه الله تعالى أي مستوياً على ناقته
غير مائل أو وصفه بالقيام لقيام ناقته اهـ. أي فهو وصف له بحال المتعلق ،
واستدلاله بالحديث الآتي لإستقبال القبلة بناء على أن القبلة تكون لمن يتوجه إلى
مكة ممن المدينة أمامه ، فالعادة في مثله تقضي بالاستقبال عند استواء الراحلة
بالشخص
30 ـ
بابُ التَّلبِيَةِ إِذَا انْحَدَرَ في الوَادِي
(1/220)
قوله
: (فذكروا الدجال أنه قال مكتوب بين عينيه كافر) الظاهر أن قوله أنه بفتح الهمزة
522
بدل
من الدجال ، والضمير فيه للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم كضمير قال ؛ وقيل : ضمير
أنه للدجال وهو بعيد إذ المتبادر في مثله إتحاد ضمير أنه وقال وضمير عينيه للدجال
أي ذكروا أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أي فيه أي في الدجال مكتوب بين عينيه
كافر وقوله فقال ابن عباس لم أسمعه الخ. فإن قلت : أي مناسبة بين
الكلامين قلت لعل الكلام جرى منهم في ذكر العجائب ، فذكروا في جملة ذلك حال الدجال
، وإنه قال فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مكتوب بين عينيه كافر فذكر لهم ابن
عباس أنه ما سمع منه صلى الله تعالى عليه وسلم هذه القصة العجيبة ، ولكن سمع قصة
عجيبة أخرى ، فذكر تلك العجيبة والله تعالى أعلم.
ويمكن
أن يقرأ إنه بكسر الهمزة بتقدير الاستفهام أي هل إنه قال فيه الخ ، فأجاب بأنه ما
سمع ذلك ، ولكن سمع شيئاً آخر عجيباً وهو ما ذكره.
31 ـ
بابٌ كَيفَ تُهِلُّ الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ
قوله
: (انقضي رأسك وامتشطي) لعل المراد بذلك هو الاغتسال لإحرام الحج كما وقع التصريح
بذلك في رواية جابر والله تعالى أعلم.
قوله
: (وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحدا) أي : ما طافوا طواف
الفرض إلا طوافاً واحداً هو طواف الافاضة ، والذي طافوا أولاً كان طواف القدوم
الذي هو من السنن لا من الفرائض بخلاف الذين حلوا ، فإنهم طافوا أولاً فرض العمرة
، ثم فرض الحج فطافوا طوافين للفرض ، ولم يرد أن الذين جمعوا ما طافوا أو لا حين
القدوم أو طافوا آخراً بعد
523
(1/221)
الرجوع
من منى كما يفيده ظاهر الكلام ، و النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان من الذين
جمعوا على التحقيق ، وعلى مقتضى هذا الحديث لأنه كان معه الهدى ألبتة ، وقد ثبت
أنه طاف أولاً حين قدم ، وطاف ثانياً طواف الافاضة حين رجع من منى ، بل لعله ما
ثبت أن أحداً ترك الطواف عند القدوم ولا طواف الافاضة فلا فرق بين الطائفتين إلا
بصفة الافتراض فطواف من حل كان مرتين فرضاً ، وطواف من لم يحل كان مرة فرضاً والله
تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
والحاصل
أن إحدى الطائفتين طافوا طوافين للنسكين ، والثانية طافوا لهما واحداً والله تعالى
أعلم.
32 ـ
بابُ مَنْ أَهَلَّ في زَمَنِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} كَإِهْلاَلِ
النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم}
قوله
: (وامكث حراماً كما أنت) أي ابق محرماً على ما أنت عليه من الإحرام قيل ما فائدة
قوله كما أنت وقوله وامكث محرماً يغني عنه. قلت : كأنه صرح بذلك تنبيهاً على أن ما
عليه إحرام ليتبين بذلك أن الإحرام المبهم إحرام شرعاً ، وهذا مطلوب منهم ، فيحتاج
إلى زيادة التنبيه والله تعالى أعلم.
قوله
: (فقدم عمر) في الكلام طي يعرف من الروايات الأخرى فكنت أفتي بذلك
524
(1/222)
إلى خلافة
عمر ، ثم منع عمر عن التمتع فبلغني ذلك فمنعت من أفتيته ، وقلت إن عمر قادم ،
فاقتدوا به فقدم عمر فذكرت له ذلك فقال أن نأخذ بفتح همزة أن أي : بدا لي أن نأخذ أو بالكسر أي : أن نأخذ بذلك فهو خير ، والأخذ
بالكتاب مبني على زعمه أن معنى أتموا أفردوا كلاً بالسفر له ، والأخذ بالسنة من
حيث بقاء الإحرام إلى يوم النحر والتمتع يفضي إلى الحل عنه قبل فصار مخالفاً للسنة
من هذه الحيثية ، وبنى عمر ذلك على أن التمتع كان مخصوصاً بمن كان معه صلى الله
تعالى عليه وسلم تشريفاً له ، وإلا فالأصل تركه كما هو مقتضى هذه الآية وهو الأشبه
بالسنة من جهة بقاء الإحرام إلى يوم النحر والله تعالى أعلم.g
33 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {اْلحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيِهنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثْ وَلاَ فُسوقٌ وَلاَ جِدَالَ في الحَجِّ}
قوله
: (فكوني في حجتك) ظاهره أنها كانت حاجة على خلاف الرواية السابقة أنها كانت
525
معتمرة
، ويمكن التوفيق بأن يقال المراد كوني فيما هو المقصود بالخروج من الحج بنقض إحرام
العمرة وتجديده للحج والله تعالى أعلم.
34 ـ
بابُ التَّمَتُّعِ وَالإِقْرَانِ وَالإِفرَادِ بِالحَجِّ ، وَفَسْخِ الحجِّ لِمَنْ
لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
(1/223)
قوله : (ولا نرى إلا أنه الحج) أي : لا نرى إلا أن الذي وقع الخروج له
هو الحج ولعل المراد به أن المقصود الأصلي ما كان من الخروج إلا الحج وما وقع الخروج
إلا لأجله ومن اعتمر فعمرته كانت تابعة للحج فلا يخالف ما سبق أنها كانت معتمرة ،
وما علم أنه كان في الصحابة ناس معتمرون ، وما في حديث جابر أنها كانت معتمرة إلى
غير ذلك ويحتمل أنه كان حكاية عن غالب من كان معه صلى الله تعالى عليه وسلم من
الصحابة في ذلك السفر أي : وما أحرم غالباً إلا بالحج والتأويل الثاني هو المتعين
فيما جاء من قولها لبينا بالحج ، أو خرجنا مهلين بالحج ، وعلى الوجه الأول فيحتمل
أن بعض الرواة فهموا من قولها وما ترى إلا الحج ونحوه أنها أحرمت بالحج فذكروا
مكان ذلك اللفظ لبينا بالحج أو خرجنا مهلين لقصد النقل بالمعنى ومثله غير مستبعد
لظهور أن كثيراً من الاختلافات والاضطرابات في الأحاديث وقعت بسبب ذلك ، ولا أرى
عاقلاً يشك فيه والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
526
قوله
: (فأما من أهل بالحج إلى قوله لم يحلوا) هذا بظاهره يقتضي أنه ما أمرهم بفسخ الحج
بالعمرة مع أن الصحيح الثابت برواية أربعة عشر من الصحابة هو أنه أمر من لم يسق
الهدى بفسخ الحج وجعله عمرة من جملتهم عائشة رضي الله تعالى عنها وحينئذٍ لا بد من
حمل هذا الحديث على من ساق الهدى ، وبه تندفع المنافاة بين الأحاديث والله تعالى
أعلم.
(1/224)
قوله
: (كانوا يرون أن العمرة الخ) الظاهر أن الضمير لأهل الجاهلية بل هو المتعين لقوله
، ويجعلون المحرم صفراً ولعل مقصود ابن عباس أنه كما كان أهل الجاهلية يبالغون في
نفي العمرة في أنهر الحج كذلك جاء الشرع بالمبالغة في طلب العمرة في أشهر الحج حتى
يفسخ الحج إلى العمرة ، وكلام بعض يوهم أن الضمير للصحابة لكنه وهم ساقط ، وذكر
غالب العلماء أن مقصود ابن عباس بذلك التنبيه على ما بسببه وقع الأمر بالفسخ أي :
أمر بالفسخ ليعلم أن العمرة في أشهر الحج مشروعة ، وذلك لأن أهل الجاهلية ما
يرونها مشروعة في أشهر الحج فبين لهم بأمرهم بالفسخ أنها مشروعة ، ولهذا يقولون
الفسخ كان مخصوصاً بالصحابة
527
لخصوص
العلة بهم ، وأما الآن فلا يجوز لأحد الفسخ لانتفاء العلة ، ويرد عليه أنه لو كان
كذلك لقال ابن عباس بخصوص الفتح بالصحابة مع أن مذهبه أنه لا يختص بهم بل يعمهم
وغيرهم إلى القيامة ، وذلك لما علم مذهبه أن خصوص العلة عنده يفيد خصوص الحكم كما
قال في الرمل فإنه لا يرى الرمل سنة لغير الصحابة لخصوص العلة نعم مذهب القائلين
بخصوص الفسخ بالصحابة أن خصوص العلة لا يستلزم خصوص الحكم ، فيلزم عليهم أنه وإن
ثبت أن العلة بيان مشروعية العمرة في أشهر الحج ، كما قررتم فلا يلزم منه خصوص
الفسخ بالصحابة ، بل مقتضى أصلكم أن يعم الحكم لهم ولغيرهم ، فمن أين الخصوص ؟ ثم
قد اعترض على كون علة الفسخ ما ذكروا بوجوه كثيرة منها أن النبي قد اعتمر قبل ذلك
مراراً متعددة في أشهر الحج مع خلق كثير من الصحابة ، وذلك يكفي في بيان المشروعية.
ومنها أن الفسخ عندهم حرام ومشروعية الشيء لا يحل بيانها بارتكاب محرم إلى غير ذلك
والله تعالى أعلم.
(1/225)
وقد
يقال أن أحاديث الفسخ صريحة بالفرق بين من ساق الهدى فلا يحل له الفسخ وبين غيره فيجب
على مقتضى الفرق جواز الفسخ له ، وإلا فلا يبقى فرق فيجب أن يؤمر من ساق الهدى
أيضاً بالفسخ لأجل مصلحة المشروعية فافهم والله تعالى أعلم.
528
529
37 ـ
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي
المَسْجِدِ الحَرَامِ}
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
قوله
: (باب قول الله تعالى ذلك لمن لم يكن الخ) يحتمل وجهين أحدهما أن اسم الإشارة
إشارة إلى التمتع والمعنى التمتع مباح أو مشروع لغير المكي ، وبه قال الحنفية
وإليه يشير كلام ابن عباس ، فإيراد المصنف يدل على أنه اختار هذا التفسير ،
والثاني أنه إشارة إلى وجوب الدم أو الصوم والمعنى وجوب أحد الأمرين على غير المكي
، وأما المكي ، فإذا تمتع فلا يجب عليه شيء ، وبه قال الجمهور ويؤيده قرب المشار
إليه ويؤيد الأول اللام في قوله لمن لم يكن ، فإن المناسب بالمعنى الثاني كلمة على
، وهذا التأييد أقوى من تأييد قرب المشار إليه وكأنه لهذا مال المصنف إلى ترجيحه
والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
530
531
42 ـ
بابُ فَضْل مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا
قوله
: (باب فضل مكة وبنيانها) ما ذكر في فضلها وفضل بنياتها إلا ما يتعلق ببناء الكعبة
532
من
الأحاديث ، وفيه إشعار بأن بناء الكعبة فيه شرف وفضل لها ولبانيها وأهلها أي : فضل
وفخر أي : فخر والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
قوله
: (وطمحت عيناه إلى السماء) بالواو والطاء المهملة والميم والحاء المهملة
المفتوحات أي : شخصتا وارتفعتا ، والمعنى أنه صار ينظر إلى فوق. قوله : (أرني) ـ بكسر الراء وسكونهاـ أي : أعطني لأن الإراءة من
لازمها الإعطاء اهـ. قسطلاني.
533
534
47 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
(1/226)
قوله
: (باب قول الله تعالى جعل الله الكعبة الخ) أي : باب بيان ما يترتب على جعلها
535
قياماً
من فضلها ، وبيان أنه إلى متى تبقى قياماً والله تعالى أعلم.
48 ـ
بابُ كِسْوَةِ الكَعْبَةِ
قوله
: (لقد هممت أن لا أدع الخ) موافقة الحديث للترجمة إما باعتبار أن الحديث يدل
536
على
أن تعظيم الكعبة بوضع الأموال فيها مشروع معتاد من قديم الزمان ، وقد قرره الشارع
، ورجع عمر عما قصد من تقسيمها إلى إبقائها على حالها ، فإذا كان ذلك التعظيم
مشروعاً مع أنه غير ظاهر ، فيكون التعظيم بالكسوة مع أنه تعظيم ظاهر وزينة باهرة
مشروعاً بالأولى ، وأما باعتبار أن عمر رأى قسمة أموال الكعبة لا وضعها في كسوتها
فعلم أن كسوتها دون حاجة المسلمين ، وبه يعلم أنه ينبغي قسمة الكسوة بين المحتاجين
إذا نزعت والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
537
538
56 ـ
بابُ اسْتِلاَمِ الحَجَرِ الأَسْوَدِ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ أَوَّلَ ما يَطُوفُ ،
وَيَرْمُلُ ثَلاَثاً
قوله
: (يخب) ـ بفتح المثناة التحتية وضم الخاء المعجمة وتشديد الموحدةـ من الخبب ضرب
من العدو أي : يرمل.
57 ـ
بابُ الرَّمَلِ في الحَجِّ وَالعُمْرَةِ
قوله
: (راءينا) من الرؤية أي : أريناهم بذلك أنا أقوياء لا نعجز عن مقاومتهم ولا نضعف
539
عن
محاربتهم وجعله ابن مالك من الرياء الذي هو إظهار المرائي خلاف ما هو عليه فقال
معناه أظهرنا لهم القوة ونحن ضعفاء.
540
541
64 ـ
بابُ طَوَافِ النِّسَاءِ مَعَ الرجالِ
قوله
: (درعاً مورداً) أي : قميصاً أحمر لونه لون الورد ، ويحتمل أن يكون رأى ما عليها
اتفاقاً لا قصداً.
قوله
: (طوفي من وراء الناس) لأن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف وبقربها يخاف
تأذي الناس بدابتها ، وقطع صفوفهم.
(1/227)
65 ـ
بابُ الكَلاَمِ في الطَّوَافِ
قوله
: (قده بيده) ـ بضم القاف وإسكان الدال وحذف المنصوب.
542
69 ـ
بابٌ صَلَّى النَّبِيُّ {صلى الله عليه وسلّم} لِسُبُوعِهِ رَكْعَتَينِ
قوله
: (خلف المقام) وهو الحجر الذي فيه أثر قدمي الخليل إبراهيم عليه السلام ، وقد
543
صح في
البخاري وغيره أن عمر قال : يا رسول الله هذا مقام أبينا إبراهيم قال : نعم
الحديث. اهـ. قسطلاني.
544
545
75 ـ
باب سِقَايَةِ الحَاجِّ
قوله
: (باب سقاية الحاج) مصدر سقى ، والمراد ما كانت قريش تسقيه الحاج من الزبيب
المنبوذ في الماء ، وكان يليها العباسبن عبد المطلب بعد أبيه في الجاهلية فأقرها
النبى {صلى الله عليه وسلّم} له في الإسلام فهي حق لآل العباس أبدا. اهـ. قسطلاني.
546
77 ـ
باب طَوَافِ القَارِنِ
قوله
: (وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً) ظاهره أنهم إنما اقتصروا من الطوافين الذين طافهما السابقون على
أحدهما أما الأول وأما الثاني ، وليس الأمر كذلك بل هم أيضاً طافوا الطوافين الأول
والثاني جميعاً ، وذلك لا خلاف فيه ، وقد جاء صريحاً عن ابن عمر ففي صحيح مسلم عنه
، وبدأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج إلى أن
قال ، وطاف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين قدم مكة إلى أن قال ونحر هديه
يوم النحر ، وأفاض وطاف بالبيت ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه
وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس ، ثم ذكر عن عائشة أنها أخبرت بمثل ذلك وسيجيء
هذا الحديث في الكتاب أيضاً في باب سوق البدن ، فالمراد كما سبق أنهم طافوا للركن
طوافاً واحداً ، والسابقون طافوا للركن طوافين والله تعال أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
547
(1/228)
قوله : (قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول) أي : بأول طواف طافه بعد
النحر والحلق ، فإنه هو ركن الحج عندهم لا الذي طافه حين القدوم ، وإن كان هو المتبادر
من اللفظ ، فإنه للقدوم ، وليس بركن للحج والله تعالى أعلم. ولا يخفى أن بعض
روايات حديث ابن عمر يبعد هذا التأويل ، ويقتضي أن الطواف الذي يجزىء عنهما هو
الذي حين القدوم ، ففي رواية الكتاب السابقة ثم قدم فطاف لهما طوافاً واحداً
وسيجيء في الكتاب في باب من اشترى الهدى من الطريق بلفظ ، ثم قدم فطاف لهما طوافاً
واحداً ، فلم يحل حتى حل منهما جميعاً وسيجيء في باب الإحصار ، وكان يقولـ أي ابن
عمرـ : لا يحل حتى يطوف طوافاً واحداً يوم يدخل مكة ، وفي بعض روايات صحيح مسلم ،
فخرج حتى إذا جاء البيت طاف به سبعاً وبين الصفا والمروة سبعاً لم يزد عليه ، ورأى
أنه مجزىء عنه ، وأهدى وفي أخرى ثم طاف لهما طوافاً واحداً بالبيت وبين الصفا
والمروة ، ثم لم يحل منهما حتى أحل منهما بحجة يوم النحر ، وفي رواية أخرى ثم
انطلق يهل بهما جميعاً حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ، ولم يزد على ذلك
ولم ينحر ولم يحلق ، حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ورأى أنه قد قضى طواف الحج والعمرة
بطوافه الأول. والنظر في هذه الروايات يبعد ذلك التأويل لكن القول بأنه ما كان يرى
طواف الإفاضة مطلقاً أو للقارن أيضاً قول بعيد ، بل قد ثبت عنه طواف الإفاضة في
صحيح مسلم كما ذكرنا في القول السابق عنه ، فأما أنه لا يرى طواف الإفاضة للقارن
ركن الحج ، بل يرى أن الركن في حقه هو الأول والإفاضة سنة أو نحوها ، وهذا لا يخلو
عن بعد. وأنه يرى دخول طواف العمرة في طواف القدوم للحج من سنن الحج للمفرد إلا أن
القارن يجزئه ذلك عن سنة القدوم للحج ، وعن فرض العمرة ، وتكون الإفاضة عنده ركناً
للحج فقط. هذا غاية ما ظهر لي في التوفيق بين
(1/229)
روايات
حديث ابن عمر ولم أر أحداً تعرض لذلك مع البسط ، وجمع الطرق إلا ما قيل إن المراد
بالطواف السعي بين الصفا والمروة ، ولا يخفى بعده أيضاً ، فإن مطلق اسم الطواف ينصرف
إلى طواف البيت سيما ، وهو مقتضى الروايات ، فلينظر بعده والله تعالى أعلم.
548
79 ـ
باب وُجُوبِ الصَّفَا وَالَمرْوَةِ ، وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ
قوله
: (لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما) أي : لو كان المراد بالنص ما تقول وتحمل النص عليه من المعنى وهو عدم
الوجوب لكان نظمه فلا جناح عليه أن لا يتطوف بهما تريد أن الذي يستعمل للدلالة على
عدم الوجوب عيناً هو رفع الاثم عن الترك ، وأما رفع الاثم عن الفعل فقد يستعمل في
اللفظ المباح ، وقد يستعمل في المندوب أو الواجب أيضاً بناء على أن المخاطب يتوهم
فيه الإثم فيخاطب بنفي الإثم ، وإن كان الفعل في نفسه واجباً وفيما نحن فيه كذلك
فلو كان المقصود في هذا الدلالة على عدم الوجوب عيناً لكان الكلام اللائق بهذه
الدلالة هو أن يقال فلا جناح عليه أن لا يتطوف بهما. قال الفاضل
549
الأبي
في شرح مسلم احتج عروة لعدم الوجوب بالآية لأنها دلت على رفع الحرج عن الفعل ورأى
أن رفع الحرج عنه يحمل على عدم الوجوب فعارضته عائشة بأن رفع الحرج أعم من الوجوب
والندب والإباحة والكراهة والأعم لا يدل على الأخص على التعيين ، وإنما يتم الاستدلال
بالآية لو كانت التلاوة أن لا يتطوف بهما لأنه يكون معنى الآية حينئذٍ رفع الحرج
عن الترك وهي خاصة بعدم الوجوب اهـ.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
(1/230)
قوله : (نزلت في الفريقين كليهما) ولعل مثل هذا يكون وجهاً للتوفيق بين
هذه الرواية عن عائشة وبين رواية أخرى عنها ذكر فيها السبب بوجه آخر ، وكذا بين هذه
الرواية وبين ما سيجيء من حديث أنس.
والحاصل
تحرج طوائف من السعي بين الصفا والمروة لأسباب متعددة فنزلت الآية في الكل والله
تعالى أعلم. اهـ. سندي.
550
551
81 ـ
باب تَقْضِي الحَائِضُ المَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ الطَّوَافَ بِالبَيتِ وَإِذَا
سَعى عَلَى غَيرِ وُضُوءٍ بَينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ
قوله
: (غير أن لا تطوفي بالبيت) قيل لا زائدة ، وذلك لأن مقصوده استثناء الطواف من
جملة ما يقضي الحاج ويمكن أن يقال المقصود بيان الفرق بينهما وبين الحاج فهو
استثناء من مقدر أي لا فرق بينكما غير أن لا تطوفي ، وعلى هذا فكلمة لا في موضعها.
ثم ظاهر الحديث يفيد أن لها السعي وبه استدل المصنف على جواز السعي بلا طهارة لكن
المشهور عدم جواز السعي قبل الطواف ، فكأن المراد بالطواف في الحديث هو وما يتبعه
، والسعي من توابعه وعدم جوازه ليس لأن الحيض مانع عنه ، وإنما هو لأن تقديمه على
الطواف يخل بالتبعية ، وفي الاقتصار على الطواف تنبيه على أن الحيض يمنع عنه أصالة
، وعن غيره إن كان بالتبع فلا ينافي ما ذكرنا من دلالة الحديث على جواز السعي بلا
طهارة والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
552
82 ـ
باب الإِهْلاَلِ مِنَ البَطْحَاءِ وَغَيرِهَا ، لِلمَكِّيِّ وَلِلحَاجِّ إِذَا
خَرَجَ إِلَى مِنَىً
(1/231)
قوله : (يلبي يوم التروية) أي : الثامن من ذي الحجة ، وسمي به لأنهم
كانوا يروون إبلهم ويتروّون من الماء فيه استعداداً للموقف يوم عرفة لأن تلك الأماكن
لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون. وقيل لأن رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
كانت في ليلته ، فتروّي في أن ما رآه من الله أولاً من الرأي وهو مهموز ، وقيل لأن
الإمام يروي للناس فيه مناسكهم من الرواية. وقيل غير ذلك. اهـ.
قسطلاني.
553
554
86 ـ
باب التَّلبِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ ، إِذَا غَدَا مِنْ مِنىً إِلَى عَرَفَةَ
قوله
: (فقال كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه الخ) الظاهر أنهم كانوا يجمعون بين
التلبية والتكبير ، فمرة يكبر هؤلاء ويهل آخرون ومرة بالعكس ، فيصدق في كل مرة أنه
يهل المهل ويكبر المكبر لا أن بعضهم يلبي فقط وبعضهم يكبر فقط. والظاهر أنهم ما
فعلوا كذلك إلا لأنهم وجدوه صلى الله تعالى عليه وسلم يفعله إذ يستبعد أنهم
يخالفون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ويكون النبي على ذكر واحد وهم يأتون بذكر
آخر ، ثم يلتزمون ذلك الذكر الآخر ، فالأقرب أنهم يجمعون والنبي صلى الله تعالى
عليه وسلم يجمع والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
وعلى
هذا فالأقرب للعامل أن يجمع. ثم رأيت أن الحافظ ابن حجر نقل في باب التلبية
والتكبير عداة النحر ما هو صريح في ذلك قال فعند أحمد وابن أبي شيبة والطحاوي من
طريق مجاهد عن معمر عن عبد الله خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فما
ترك التلبية حتى رمي جمرة العقبة إلا أن يخالطها بتكبير اهـ والله تعالى أعلم. اهـ سندي.
555
556
93 ـ
باب السَّيرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ
(1/232)
قوله : (حين دفع) أي : انصرف من عرفات إلى المزدلفة ، وسمي دفعاً
لازدحامهم إذا انصرفوا فيدفع بعضهم بعضاً قوله : (يسير العنق) ـ بفتح العين والنون
منصوب على المصدر وهو السير بين الإبطاء والاسراع.
94 ـ
باب النُّزُولِ بَينَ عَرَفَةَ وَجَمْعٍ
قوله
: (من عرفة) بلفظ الافراد قال الفراء إفراده شبيه بالمولد وليس بعربي قوله : (إلى
الشعب) ـ بكسر الشين المعجمة : الطريق بين الجبلين.
557
558
97 ـ
بابُ مَنْ جَمَعَ بَينَهُمَا وَلَمْ يَتَطَوَّعْ
قوله
: (باب من جمع بينهما) أي : بين العشاءين بالمزدلفة قوله : (بجمع) ـ بسكون الميم
بعد فتح الجيم أي المزدلفة قوله : (ولم يسبح بينهما) أي : لم يتنفل وقوله على إثر
بكسر الهمزة وسكون المثلثة بمعنى أثر بفتحتين أي عقبهما أي لم يصل بعد كل واحدة
منهما ، وليس المراد أنه لا ينتفل لا بينهما ولا بعدهما لأن المنفي التعقيب لا
المهلة ، وحينئذٍ فلا ينافي قولهم باستحباب تأخير سنة العشاءين عنهما.
99 ـ
بابُ مَنْ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيلٍ ، فَيَقِفُونَ بِالمُزْدَلِفَةِ
وَيَدْعُونَ ، وَيُقَدِّمُ إِذَا غابَ القَمَرُ
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
قوله
: (فلأن أكون استأذنت رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} الخ) معنى من مفروح به أي
من شيء يفرح به
559
(1/233)
الإنسان
عادة. قال أبو عبد الله الأبي في شرح مسلم المفروح به كل شيء معجب له بال بحيث
يفرح به كما جاء في غير هذا أحب إلي من حمر النعم انتهى. ومرادها أنها كانت بعده
صلى الله تعالى عليه وسلم على ما فعلت معه ، وقد ثقل عليها الدفع مع الإمام لكنها
ما تركت لكونها فعلت ذلك معه صلى الله تعالى عليه وسلم فتمنت لذلك أنها لو استأذنت
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الدفع قبله لفعلت كذلك بعده أيضاً ، فصار ذلك
سبب للراحة أيضاً في حقها قال أو عبد الله الأبي قال الأصوليون ذكر الحكم عقيب وصف
مناسب يشعر بكونه علة ، وقول عائشة هذا يدل على أنه لا يشعر بكون علة لأن لو أشعر
به ما أرادت ذلك لاختصاص سودة بذلك الوصف إلا أن يقال إن عائشة نقحت المناط ورأت
العلة إنما هي الضعف لا خصوص ثقل الجسم ، ويحتمل أنها قالت ذلك لأنها شركتها في
الوصف لما روى أنها قالت سابقت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسبقته ، فلما
ربيت اللحم سبقني وذكر شيخنا نقلاً عما جرى في درس شيخه ابن عبد السلام أنه صلى
الله تعالى عليه وسلم كان يحبها ، فطمعت في الأذن لذلك فلا ينافي ذلك تلك القاعدة
ولا يخفى عليك ضعف هذا الجواب. اهـ. قلت : وهذا غير ظاهر فإن الثقل كان علة
لاستئذان سودة ، وأما إذن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياها فكان لسبب
استئذانها ، فلو استأذنت عائشة لأذن لها أيضاً ، وهذا هو المتبادر إلى الذهن من
روايات هذا الحديث ، ثم ما ذكره أهل الأصول هو أن ذكر الحكم كذلك يشعر بالعلية لا
بحصر العلية في ذلك الوصف ، فيجوز أن تكون علة أخرى تقتضي الإذن لعائشة كما ذكر في
درس ابن عبد السلام ، وهذا ظاهر فظهر أن ما رده أحسن مما اختاره والله تعالى أعلم.
560
100 ـ
بابُ مَتَى يُصَلِّي الفَجْرَ بِجَمْعٍ
(1/234)
قوله : (ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة بغير ميقاتها
الخ) قد إستدل به من ينفي جمع السفر كعلمائنا الحنفية ورده النووي بأنه مفهوم وهم لا
يقولون به ونحن نقول به إذا لم يعارضه منطوق كما ههنا. وتعقبه العيني فقال لا نسلم
أنهم لا يقولون بالمفهوم ، وإنما لا يقولون بالمفهوم المخالف انتهى. قلت وهذا عجيب
منهما ، فإن استدلال الحنفية بصريح النفي الذي هو منطوق بالإثبات الذي يدل عليه
الإستثناء بالمفهوم ولو كان بالإثبات لكان الإثبات من باب المفهوم المخالف
بالاتفاق ، فلم يكن لقول العيني وجه بقي أن الاستدلال به فرع تصور معناه ومعناه
ههنا لا يخلو عن خفاء إذ ظاهره يفيد أنه صلى الفجر قبل وقته وهو مخالف للإجماع ،
وقد جاء خلافه في روايات حديث ابن مسعود أيضاً ، وفي حديث جابر
561
أجيب
بأن المراد أنه صلى قبل فوات الوقت المعتاد بأن غلس. ورد بأن هذا يقتضي أن يكون
المعتاد الإسفار وهو خلاف ما يفيده تتبع الأحاديث الصحاح الواردة في صلاة الفجر
أجيب بأن المراد التغليس الشديد.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
(1/235)
والحاصل
أنه صلى يومئذٍ أول ما طلع الفجر ، والمعتاد أنه كان يصلي بعد ذلك بشيء فيرد أنها
صارت حينئذٍ لوقتها فكيف يصح عدها لغير وقتها حتى تستثنى من قوله ما رأيت الخ.
أجيب بأن المراد بقوله لغير وقتها المعتاد. قلت فيلزم من اعتبار العموم فيه أنه
صلى الله تعالى عليه وسلم ما صلى صلاة في غير الوقت المعتاد أبداً لا بتقديم شيء
ولا بتأخيره لا سفراً ولا حضراً سوى هاتين الصلاتين بل كان دائماً يصلي في وقت
واحد ، وهذا خلاف ما يعرفه كل أحد بالبديهة ، وخلاف ما يفيده تتبع الأحاديث ،
وخلاف ما أول به علماؤنا جمع السفر من الجمع فعلاً ، فإنه لا يكون إلا بتأخير
الصلاة الأولى إلى آخر الوقت ، فلزم كونها في الوقت الغير المعتاد ثم هو مشكل بجمع
عرفة أيضاً ، وحينئذٍ فلا بد من القول بخصوص هذا الكلام بذلك السفر مثلاً ، ويبقى
بعد جمع عرفة فيقال لعله ما حضر ذلك الجمع فما رأى فلا ينافي قوله ما رأيت. أو يقال
لعله ما رأى صلاة خارجة عن الوقت المعتاد غير هاتين الصلاتين ، فأخبر حسب ما رأى
ولا اعتراض عليه ولا حجة للقائلين بنفي الجمع. والأحسن منه ما يشير إليه كلام
البعض وهو أن المراد بقوله ما رأيته صلى صلاة لغير وقتها أي بقصد تحويلها عن وقتها
المعتاد ، وتقريرها في غيره لما سيجيء في الكتاب من قوله رضي الله تعالى عنه أن
رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : "إن هاتين الصلاتين حولتا عن
وقتهما في هذا المكان" ، وهذا معنى وجيه لا يرد عليه شيء إلا الجمع بعرفة.
ولعله كان يرى ذلك للسفر والله تعالى أعلم.
(1/236)
قوله : (إن هاتين الصلاتين) هذا يدل على أن جمع مزدلفة للنسك لا للسفر
كمذهب الشافعي رحمه الله تعالى ، وكأنه لهذا جزم البيهقي بأن مدرج انتصاراً لمذهبه
بعد أن نقل عن أحمد تردداً في رفعه ووقفه ، وأنت خبير بأن صريح رواية الكتاب يرد
ذلك الجزم فلا عبرة به وكونه جاء موقوفاً في بعض الروايات لا ينافي الرفع ، فما
معنى الجزم بخلاف الرواية الصحيحة الصريحة والله تعالى أعلم.
562
563
104 ـ
بابُ رُكُوبِ البُدْنِ
قوله
: (اركبها ويلك) الظاهر أن المراد به مجرد الزجر لا الدعاء عليه. اهـ. سندي.
564
565
110 ـ
بابُ مَنْ قَلَّدَ القَلاَئِدَ بِيَدِهِ
قوله
: (فلم يحرم على رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} شيء أحله الله تعالى له حتى نحر
الهدي) غاية
566
لقوله
فلم يحرم لا لبيان أنه حرم عليه شيء بعد النحر بل لبيان أنه لم يحرم عليه شيء
أصلاً لا قبل النحر ولا بعده ، أما بعده فظاهر لا يقول أحد بخلافه ، وأما قبله فما
حرم إلى هذا الحد فما حرم أصلاً إذ لو كان شيء حراماً لكان إلى هذا الحد. فإذا لم
يكن إلى هذا الحد فلا حرمة أصلاً وهو المطلوب فالغاية مثل هذا لإفادة الدوام ،
وكلام الكرماني يشعر أنها غاية للمنفي لا للنفي ، والنفي داخل على الحرمة المنتهية
إلى النحر أي فما وجدت حرمة منتهية إلى النحر. ولما كان هذا يفيد بالمفهوم وجود
حرمة أخرى وهو فاسد أفاد أن النزاع ما وقع إلا في الحرمة إلى النحر ، فنفت تلك
الحرمة المتنازع فيها ، وأما غيرها فلا يقول به أحد والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
567
115 ـ
بابُ مَنِ اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنَ الطَّرِيقِ وَقَلَّدَهَا
قوله
: (عام حجة الحرورية) ـ بفتح الحاء وضم الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة كان
568
(1/237)
أول اجتماع
الخوارج بها ، وهم الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه لما حكم أبا موسى الأشعري
وعمروبن العاصي ، وأنكروا على عليّ في ذلك ، وقالوا شككت في أمر الله وحكمت عدوّك
وطالت خصومتهم ثم أصبحوا يوماً وقد خرجوا وهم ثمانية آلاف وأميرهم ابن الكواء عبد
الله ، فبعث إليهم على عبد اللهبن عباس فناظرهم فرجع منهم ألفان بقي ستة آلاف فخرج
إليهم عليّ فقاتلهم.
569
121 ـ
بابٌ لاَ يُعْطِيَ الجَزَّارَ مِنَ الهَدْيِ شَيئاً
قوله
: (في جزارتها) ـ بكسر الجيم اسم للفعل يعني عمل الجزار.
570
123 ـ
بابٌ يُتَصَدَّقُ بِجِلاَلِ البُدْنِ
قوله
: (بجلالها) ـ بكسر الجيم.
125 ـ
بابُ مَا يَأْكُلُ مِنَ البُدْنِ وَمَا يَتَصَدَّقُ
قوله
: (قد لا يؤكل الخ) ـ بضم الياء أي لا يأكل المالك من الذي جعله جزاء للصيد من
571
الحرم
ولا من المنذور ، بل يجب التصدق بهما وهو قول مالك ورواية عن أحمد.
126 ـ
بابُ الذَّبْحِ قَبْلَ الحَلقِ
قوله
: (إذا طاف بالبيت) جواب إذا محذوف أي يتمّ عمرته وقوله ثم يحلّ بفتح الياء وكسر
الحاء. اهـ. قسطلاني.
572
127 ـ
بابُ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِحْرَامِ وَحَلَقَ
قوله
: (باب من لبد رأسه) بتشديد الموحدة أي شعره وهو أن يجعل فيه ما يمنعه من الانتتاف
كالصمغ في الغاسول ثم يلطخ به رأسه.
128 ـ
بابُ الحَلقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِحْلاَلِ
قوله
: (بمشقص) ـ بميم مكسورة فشين معجمة ساكنة فقاف مفتوحة وصاد مهملةـ سهم
573
فيه
نصل عريض وقال القزاز نصل عريض يرمي به الوحش ، وقال صاحب المحكم وهو الطويل من
النصال ، وليس بعريض.
574
575
133 ـ
بابُ الخُطْبَةِ أَيَّامِ مِنًى
(1/238)
قوله : (باب الخطبة أيام منى) لعله أراد بأيام منى ما يشمل يوم عرفة
أيضاً بناء على أن ابتداءه يكون بمنى أو تغليباً ، وبه ظهر مناسبة الحديث الثاني بالترجمة
والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
576
قوله
: (لا ترجعوا بعدي كفاراً) أي : كالكفار أولاً يكفر بعضهم بعضاً ، فتستحلوا القتال
أو لا تكن أفعالكم شبهة بأفعال الكفار.
قوله
: (قلنا اللهورسوله أعلم) فيه مراعاة الأدب ، وتحرز عن التقدم بين يدي اللهورسوله
{صلى الله عليه وسلّم} ، وتوقف فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه.
قوله
: (حجة الوداع) ـ بفتح الواوـ اهـ. قسطلاني.
577
578
141 ـ
بابٌ إِذَا رَمى الجَمْرَتَينِ ، يَقُومُ وَيُسْهِلُ ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
قوله
: (ويسهل) ـ بضم أوله وسكون السين المهملة وكسر الهاء مضارع أسهلـ أي : يقصد السهل
من الأرض فينزل إليه من بطن الوادي.
قوله
: (الجمرة الدنيا) ـ بضم الدالـ وهو الذي في اليونينية فقط. وكسرها أي القريبة إلى
جهة مسجد الخيف قوله : (على إثر) ـ بكسر الهمزة وسكون المثلثةـ أي عقب كل حصاة.
579
اهـ.
قسطلاني.
580
581
قوله
: (فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عقرى حلقى) كأنه صلى الله تعالى عليه وسلم
ظن أنها أخرت طواف الإفاضة تقصيراً منها ، فرأى أنها تستحق بذلك التغليظ والتشديد.
ثم هذا الحديث مما يدل على أن طواف الإفاضة فرض يحتبس الإنسان لأجله ولأجل احتباسه
يحتبس رفقته والله تعالى أعلم.
582
148 ـ
بابُ المُحَصَّبِ
قوله
: (باب المحصب) ـ بضم الميم وفتح الحاء والصاد المشددة المهملتينـ ثم موحدة اسم
مكان متسع بين مكة ومنى وهو أقرب إلى منى ويقال له الأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة
وحدّه ما بين الجبلين إلى المقبرة ، والمراد حكم النزول به.
(1/239)
قوله
: (ليس التحصيب) أي : النزول في المحصب وهو الأبطح.
149 ـ
بابُ النُّزُولِ بِذِي طُوَىً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ ، وَالنُّزُولِ
بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيفَةِ ، إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ
قوله
: (باب النزول بذي طوى) ـ بتثليث الطاءـ غير مصروف ، ويجوز صرفه موضع بأسفل مكة.
583
584
585
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 510
26 ـ
كتاب العمرة
1 ـ
بابُ العُمْرَةِ. وُجُوبُ العُمْرَةِ وَفَضْلُهَا
قوله
: (إنها لقرينتها) أي : إن العمرة لقرينة الحج لفظاً ، والأصل في القرائن اتحاد
الحكم إلا بدليل فالظاهر من الكتاب أن العمرة واجبة لكن قالوا دلالة القرائن ضعيفة
، ويمكن أن يقال المراد بالقرينة هي القرينة في توجيه الأمر لا القرينة في اللفظ
فقط. والله تعالى أعلم.
قوله
: (ليس له جزاء إلا الجنة) أي : دخولها أولاً ، وإلا فمطلق الدخول يكفي فيه الإيمان
، وعلى هذا فهذا الحديث من أدلة الحج يغفر به الكبائر أيضاً كحديث يرجع كما ولدته
أمه بل هذا الحديث يفيد مغفرة ما تقدم من الذنوب وما تأخر والله تعالى أعلم.
2 ـ
بابُ مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الحَجِّ
قوله
: (اعتمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحج) لا يقال كان ذلك قبل افتراض
586
الحج
، فلا يدل على أن الأمر بعد الافتراض كذلك لأنا نقول لو سلم ذلك ، فالاستدلال به
يتم بالنظر إلى أن الافتراض لا يظهر له تأثير في منع تقديم العمرة ، أما إذا كان
على التراخي فواضح ، وإن كان على الفور فلأن تقدم العمرة لا يزاحم الحج من عامها
ذلك وعند عدم ظهور المنع ، فالأصل بقاء الحكم السابق والله تعالى أعلم.
3 ـ
بابٌ كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ {صلى الله عليه وسلّم}
قوله
: (اعتمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حيث ردوه ومن القابل عمرة الحديبية)
(1/240)
587
يحتمل
أن يراد أن عمرة الحديبية كانت عمرة واحدة كملت في السنتين بناء على ما قال
علماؤنا الحنفية إن عمرة القابل كانت قضاء لعمرة الاحصار ، ولهذا اشتهرت بينهم
بعمرة القضاء وعدهم لها عمرتين كما سبق في الرواية السابقة بالنظر إلى صورة
الإحرامين ، ويحتمل أنه أراد بعمرة الحديبية ما يشمل عمرتين عمرة الاحصار وعمرة
القضاء ، وكلتاهما متعلقة بالحديبية نوع تعلق فأطلق عليهما اسم عمرة الحديبية ،
ويحتمل أن المراد بها عمرة الاحصار فقط. وعلى هذا فهي
متعلقة بقوله حيث ردوه ، وأما قوله ومن القابل فيتعلق به قوله ، وعمرة في ذي
القعدة على اللف والنشر ، ويلزم على هذا الوجه ترك ذكر عمرة الجعرانة وكأنه اختصار
من بعض الرواة ، وأما على الوجهين الأولين فيكون عمرة في ذي القعدة إشارة إلى عمرة
الجعرانة والله تعالى أعلم.
وأما قوله
وعمرة مع حجته فعطف على مفعول اعتمر لكن من غير اعتبار القيد أعني حيث ردوه أو من
القابل وهو ظاهر. ومن عدم اعتبار قيد العامل بالنظر إلى المعطوف مع اعتباره بالنظر
إلى المعطوف عليه قوله تعالى : {احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك} فالجار
والمجرور لا يعتبر قيداً بالنظر إلى قوله وأهلك لفساد المعنى.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 586
قوله
: (قبل أن يحج مرتين) إما مبني على عد عمرة الإحصار وعمرة القضاء واحدة كما
588
هو
رأى علمائنا الحنفية أو على ترك ذكر عمرة الجعرانة لكونها كانت ليلاً فخفيت على
بعض والله تعالى أعلم.
589
590
10 ـ
بابٌ يَفعَلُ في العُمْرَةِ ما يَفعَلُ في الحَجِّ
(1/241)
قوله : (له غطيط) بفتح الغين المعجمة أي نخير وصوت فيه بحوحة ، وقوله
كغطيط البكر بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتيّ من الإبل ، وقوله سري بضم السين المهملة
وتشديد الراء المكسور وتخفيفها أي كشف قوله : (الخلوق) هو ضرب من الطيب.
591
11 ـ
بابٌ مَتَى يَحِلُّ المُعْتَمِرُ
قوله
: (وإن أخذنا بقول النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه لم يحل الخ) كأن المراد بالقول
مطلق السنة أو الفعل فهو من باب إطلاق القول على الفعل والله تعالى أعلم.
592
593
13 ـ
بابُ اسْتِقْبَالِ الحَاجِّ القَادِمينَ وَالثَّلاَثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ
قوله
: (والثلاثة على الدابة) الظاهر أنه بالجر أي باب الثلاثة أي ركوبهم على الدابة
والله تعالى أعلم.
594
20 ـ
بابُ المُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِهِ
قوله
: (باب المسافر إذا جدّ به السير يعجل إلى أهله) جملة يعجل حال وجواب إذا مقدر أي
فماذا يفعل أي يجمع بين الصلاتين ، ولا يحسن جعل جملة يعجل جواب إذا كما لا يخفى.
595
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 586
27 ـ
كتاب المحصر
596
3 ـ
بابُ الإِحْصَارِ في الحَجِّ
قوله
: (أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الخ) غرضه رضي الله تعالى
عنه إنكار الاشتراط بأنه يخالف السنة ، وقد أخذ بهذا الإنكار بعض الأئمة لكن ردّ
بأن سنة الاشتراط صحيحة ، ولذلك أخذ به بعض الأئمة أيضاً ، وقال المحقق ابن حجر ما
حاصله : يحتمل أن مراده بالسنة قياس من أحصر من الحاج على من أحصر من المعتمرين
والإحصار عن العمرة هو الواقع للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون
مراده بسنة نبيكم ، وبما بعده شيئاً سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حق
من يحصل له ذلك وهو حاج. اهـ.
(1/242)
ولا
يخفى أن ابن عمر بين السنة بقوله طاف بالبيت وبالصفا الخ ، والقياس على إحصار
النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا يفيد ذلك إذ ما كان في إحصاره صلى الله تعالى
عليه وسلم طواف أصلاً ، وإنما كان نحر وحلق ، فينبغي أن يتعين الوجه الثاني. ثم
كلام ابن عمر لا يجري في مطلق الإحصار عن الحج بل فيمن أحصر بعد الوصول إلى البيت
كما لا يخفى والله تعالى أعلم.
597
598
7 ـ
بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {أَوْ صَدَقَةٍ} وَهْيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ
مَسَاكِينَ
قوله
: (ورأسي يتهافت قملاً) أي : يتساقط شيئاً فشيئاً ، والجملة حالية وانتصاب قملاً
على التمييز قوله : (يؤذيك هوامك) بحذف همزة الاستفهام قوله : (بفرق) بفتح الفاء
والراء قد تسكن وهو مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلاً.
8 ـ
بابٌ الإِطْعَامُ في الفِدْيَةِ نِصَفُ صَاعٍ
قوله
: (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي ما كنت أظن وقوله الجهد بلغ بك ما أرى بفتح الهمزة
أي أبصر بعيني والجهد المشقة. اهـ. قسطلاني.
599
600
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 596
28 ـ
كتاب جزاء الصيد
2 ـ
بابٌ إِذَا صَادَ الحَلاَلُ فَأَهْدَى لِلمُحْرِمِ الصَّيدَ أَكَلَهُ
قوله
: (فطعنته فأثبته) من الإثبات أي حبسته وجعلته ثابتاً في مكانه ، وقوله فاستعنتهم
601
بالفاء
إما بناء على أنه ما مات من طعنه بل أخذوه وذبحوه ، ولذلك احتاج إلى الإستعانة بهم
وهو الظاهر من قوله ، فأثبته أو على أنه أراد الاستعانة بهم في الحمل وغيره والله
تعالى أعلم.
602
6 ـ
بابٌ إِذَا أَهْدَى لِلمُحْرِمِ حِمَاراً وَحْشِياً حَيّاً لَمْ يَقْبَل
(1/243)
قوله : (وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الموحدة ممدوداً جبل من عمل
الفرع بضم الفاء وسكون الراء بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً
قوله : (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة آخره نون موضع بقرب الجحفة أو
قرية جامعة من ناحية الفرع وود إن أقرب إلى الجحفة من الأبواء.
603
7 ـ
بابُ ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ
قوله
: (الفأرة) وتسمى الفويسقة لأن النبى {صلى الله عليه وسلّم} استيقظ ذات ليلة ، وقد
أخذت فأرة فتيلة لتحرق على رسول الله {صلى الله عليه وسلّم} البيت فقام إليها
فقتلها ، وأحل قتلها للحلال والمحرم.
604
8 ـ
بابٌ لاَ يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَمِ
قوله
: (فإن أحد ترخص الخ) قد سبق في كتاب العلم ما يتعلق بتحقيق هذا الحديث ، فإن شئت
فراجعه.
605
10 ـ
باب لاَ يَحِلُّ القِتَالُ بِمَكَّة
(1/244)
قوله : (لا يحل القتال بمكة) وهو قول بعض الفقهاء وهو الذي يدل عليه
ظاهر الكتاب ، فقد قال تعالى : {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه
فإن قاتلوكم فاقتلوهم} وهذا صريح في حرمة بداية القتال بمكة ، وإن كان أهلها
مشركين إذ الآية نزلت فيهم. وكذا يدل على هذا القول الأحاديث الصريحة الصحيحة
فإنها صريحة في أن حل القتال فيها ابتداء كان مخصوصاً به صلى الله تعالى عليه وسلم
مع أنه قاتل المشركين المستحقين للقتال والقتل بصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم
أهله منه وكفرهم ، فلو جوّز ابتداء قال المشركين لغيره لما كان لهذا الخصوص معنى ،
ونقل الحافظ ابن حجر وغيره عن كثير من محققي الشافعية والمالكية القول بعدم الحل
وهو الذي اختاره المصنف ، وذكر كثير منهم للحديث تأويلات بعيدة بل فاسدة قطعاً قد
تعرض الحافظ لفساد بعضها فراجعه إن شئت قال الحافظ : زعم الطحاوي أن المراد بقوله
إنها لم تحلّ لي إلا ساعة جواز دخولها له بلا إحرام لا تحريم القتال والقتل لأنهم
أجمعوا على أن المشركين لو غلبوا ، والعياد بالله على مكة حل للمسلمين قتالهم وقتلهم
فيها ، وقد عكس استدلاله النووي فقال في الحديث دلالة على أن مكة تبقى دار إسلام
إلى يوم القيامة ، فبطل ما صوره الطحاوي ، وفي دعواه الإجماع نظر ، فإن الخلاف
ثابت كما تقدم. اهـ.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 601
606
والحاصل
أن الأحاديث صريحة في اختصاص هذه البقعة بحرمة القتال ابتداء ، وإن حل القتال فيها
مع استحقاق أهلها للقتال كان مخصوصاً به ساعة من نهار ، فلو جوزنا القتال فيها لكل
أحد عند استحقاق أهلها القتال لم يبق للاختصاص معنى أصلاً ، والتأويلات التي ذكروا
بخلاف هذا مخالفة للأحاديث بل للقرآن والله تعالى أعلم.
607
(1/245)
14 ـ
بابُ الاِغْتِسَالِ لِلمُحْرِمِ
قوله
: (أسألك كيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يغسل رأسه) هذا لا يخلو عن
إشكال لأن الخلاف بينهما كان في أصل الغسل لا في كيفيته ، فالظاهر أن إرساله كان
للسؤال عن أصله إلا أن يقال أرسله ليسأله عن الأصل والكيفية على تقدير جواز الأصل
، فلما علم جواز الأصل بمباشرة أبي أيوب سكت عنه وسأله عن الكيفية ، لكن يقال محل
الخلاف كان الغسل بلا احتلام ، فمن أي علم بمجرد فعل أبي أيوب جواز ذلك إلا أن
يقال لعله علم ذلك بقرأين وأمارات والله تعالى أعلم.
608
17 ـ
بابُ لُبْسِ السِّلاَحِ لِلمُحْرِمِ
قوله
: (فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم) الظاهر أن هذه الواقعة كانت في عمرة
القضية. وكذا هذه المقاضاة كانت هناك ، وظاهر كلام القسطلاني يفيد أن الواقعة كانت
في عمرة القضية إلا أن المقاضاة كانت في عمرة الحديبية ، وهذا غير مستقيم لأن عمرة
الحديبية كانت قبل عمرة القضية ، فلا يصلح حتى قاضاهم غاية كما لا يخفى فتأمل.
18 ـ
بابُ دُخُولِ الحَرَمِ وَمَكَّةَ بَغَيرِ إِحْرَامٍ
قوله
: (وعلى رأسه المغفر الخ) استدل به على جواز الدخول في مكة بلا إحرام لمن لم
609
يكن
مراده أحد النسكين ، ولعل من لا يجوز ذلك يحمل على أن منشأ ذلك الإحرام هو حرمة
مكة ، وقد أحلت له تلك الساعة والله تعالى أعلم.
ولعل
المتأمل يعرف أن هذا ليس عين ما ذكره الطحاوي ، وقد نقلناه عنه مع الرد عليه فافهم.
19 ـ
بابٌ إِذَا أَحْرَمَ جاهلاً وَعَلَيهِ قَمِيصٌ
(1/246)
قوله : (باب إذا أحرم جاهلاً الخ) لا يخفى أن الحديث الذي ذكره في الباب
ليس له مساس بالمطلوب ، فإن الرجل هناك فعل ما فعل قبل تقرير الحكم ونزول الوحي ، ولا
قائل بوجوب الكفارة في فعل فعله صاحبه قبل تقرر الحكم ونزول الوحي ، وإنما الكلام
في فعل الجاهل والناسي بعد تقرير الحكم. هذا ما خطر بالبال ثم رأيت الشراح تعرضوا
لمثل هذا الكلام نقلاً عن ابن المنير فالله الحمد على الوفاق. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 601
610
611
612
26 ـ
بابُ حَجِّ النِّسَاءِ
(1/247)
قوله : (ألا نغزو أو نجاهد معكم) إعلم أن الموجود في النسخ هو الألف
الواحد بين الواوين لا غير إلا أن الشراح اختلفوا في أن العطف بين الفعلين بالواو عليه
الكرماني والبرماوي وغيرهما أم بأو وعليه المحقق ابن حجر قال الكرماني ليس الغزو
والجهاد بمعنى واحد ، فإن الغزو القصد إلى القتال والجهاد بذل النفس في القتال أو
ذكر الثاني تأكيداً للأول انتهى. وقال المحقق ابن حجر هذا شك من الراوي وهو مسدد
شيخ البخاري ، وقد رواه أبو كامل عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ ألا نغزو معكم أخرجه
الإسماعيلي ، وأغرب الكرماني فقال ليس الغزو الخ وكأنه ظن أن الألف متعلق بنغزو ،
فشرح على أن الجهاد معطوف على الغزو بالواو أو جعل أو بمعنى الواو. اهـ. قال
القسطلاني الذي وجدته في ثلاثة أصول معتمدة ألا نغزوا ونجاهد بألف واحدة بين
الواوين وهي ألف الجمع ، والواو التالية لها واو الجمع بلا ريب ، فالكرماني اعتمد
على الأصل المعتمد ، وما ذكره الكرماني من الفرق بين الغزو والجهاد ، فقد ذكره في القاموس
أيضاً. وبالجملة فيحتمل أن يكون فيها روايتان واو العطف ، وأو للشك والعلم عند الله
تعالى انتهى. فظن القسطلاني أن ما ذكره ابن حجر لا يتم إلا على تقدير ألفين بين
الواوين لكن الموجود ألف واحدة ثم اعتذر عنه بأنه لعله وجد في رواية ألفين ، وهذا
ظن فاسد منشؤة ظن أن الواو في نغزو واو جمع ، فلا بد من ألف بعد ذلك كتابه ، وهذا
باطل قطعاً بل الواو في نغزو هي لام الكلمة من غزا يغزو ونغزو بالنون للمتكلم مع
الغير ، ولا يدخل فيه واو الجمع أصلاً كيف ولو كان فيه واو الجمع لكان في نجاهد
واو الجمع أيضاً ، فالألف بعد
613
(1/248)
هذا
الواو لا يتعلق بهذا الواو أصلاً ، وإنما يتعلق بالواو الثانية ، ويلزم منه أن
العطف بين الفعلين بأو على تقدير وجود ألف واحدة بين الواوين ، وأما وجود ألفين
فلا يصح أصلاً ، وكلام المحقق ابن حجر ظاهر في أنه مبني على وجود ألف واحدة بين
الواوين إلا أن الكرماني أخطأ حيث ظنه متعلقاً بواو نعزو مع أنه متعلق بالواو
الثانية ، فالصواب للقارىء أن يقرأ أو نجاهد بالعطف بأولا ، ونجاهد بالعطف بالواو وإنما
طوّلت في الكلام لما رأيت من كثرة الخطأ بين الأنام إما غفلة أو اعتماداً على ما
ذكره القسطلاني من الكلام والله تعالى أعلم بحقيقة المراد.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 601
قوله
: (إلا مع ذي رحم محرم) أي : هو أو من يقوم مقامه كالزوج. اهـ. سندي.
نغزوا
كذا بإثبات الألف بعد واو نغزو في اليونينية.
614
615
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 601
29 ـ
كتاب فضائل المدينة
616
5 ـ
بابُ مَنْ رَغِبَ عَنِ المَدِينَةِ
قوله
: (يتركون المدينة على خير ما كانت) لعل المقصود بالبيان الإخبار عن دوام الخير في
المدينة إلى آخر أمرها والله تعالى أعلم.
617
(1/249)
قوله : (والمدينة خير لهم) أي : خير لأولئك التاركين لها من تلك البلاد
التي لأجلها يتركون المدينة ، فلا دليل في الحديث على تفصيل المدينة على مكة ، وقوله
لو كانوا يعلمون ليس المراد به أنه خير على تقدير العلم إذ المدينة خير لهم علموا
أولاً بل المراد لو علموا بذلك لما فارقوها ، وقد تجعل كلمة لو للتمني لكن قد يقال
كثير منهم يبلغهم الخبر ويفارقونها ، فأولئك قد علموا بذلك لبلوغهم الخبر ومع ذلك
فارقوها فكيف يصح لو علموا بذلك ؟ لما فارقوها قلت : يمكن دفعه بأن المراد لو
علموا بذلك عياناً ، وليس الخبر كالمعاينة أو يقال هو من تنزيل العالم الذي لا
يعمل بعلمه بمنزلة الجاهل كأنه ما علم ، وهذا هو الذي على تقدير التمني ، وقد يقال
المعنى المدينة خير لهم لو كانوا من أهل العلم إذ البلدة الشريفة لا ينتفع بها إلا
الأهل الشريف الذين يعملون على مقتضى العلم ، وأما من ليس من أهل العلم فلا ينتفع بالبلدة
الشريفة بل ربما يتضرر فخيرية البلدة ليست إلا لأهلها ، ومن يليق بهم الإقامة فيها
والله تعالى أعلم. اهـ.
618
9 ـ
بابٌ لاَ يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَةَ
قوله
: (على أنقاب المدينة) جمع نقب بفتح النون وسكون القاف وهو جمع قلة وجمع الكثرة
نقاب أي مداخل المدينة وهي أبوابها وفوهات طرقها التي يدخل إليها منها قوله : (لا
يدخلها الطاعون) أي : الموت الذريع الفاشي أي لا يكون بها مثل الذي يكون بغيرها
كالذي وقع في طاعون عمواس والجارف ، وقد أظهر الله تعالى صدق رسوله فلم ينقل قط
أنه دخلها الطاعون وذلك ببركة دعائه {صلى الله عليه
وسلّم} اللهم صححها لنا. اهـ. قسطلاني.
619
620
13 ـ
بابٌ
(1/250)
قوله : (وعك) بضم الواو وكسر العين المهملة أي حم قوله : (مصبح) بضم
الميم وفتح الصاد المهملة والموحدة المشددة أي يقال له أنعم صباحاً أو يسقي صبوحه
وهو شرب الغداة قوله : (شامة وطفيل) بفتح المهملة وكسر الفاء جبلان على نحو ثلاثين
ميلاً من مكة قوله : (نجلا) بفتح النون وسكون الجيم ماء يجري على وجه الأرض قوله :
(آجنا) بفتح الهمزة ممدودة وكسر الجيم بعدها نون أي متغيراً ، وغرض عائشة بذلك
بيان السبب في كثرة الوباء بالمدينة لأن الماء الذي هذه صفته يحدث عنه المرض. اهـ.
قسطلاني.
621
622
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 616
30 ـ
كتاب الصوم
623
2 ـ
بابُ فَضْلِ الصَّوْمِ
قوله
: (أطيب عند الله من ريح المسك) أي : صاحبه بسببه أكثر قبولاً ووجاهة عند الله
وأزيد قرباً منه تعالى من صاحب المسك بسبب ريحه عندكم وهو تعالى أكثر إقبالاً عليه
بسببه من إقبالكم على صاحب المسك بسبب ريحه وقوله يترك طعامه وشرابه ذكره تعليلاً
لذلك على أنه حكاية عن الله تعالى وقوله : {الصيام لي} أي أنا
المنفرد بعلم ثوابه ، وأكد ذلك بقوله وأنا أجزي به.
والحاصل
أن اختصاصه من بين سائر الأعمال بأنه مخصوص بعظيم لا نهاية لعظمته ولا حد لها ،
وأن ذلك العظيم هو المتولي لجزائه مما ينساق الذهن منه إلى أن جزاءه مما لا حد له ،
وقد قال تعالى : {إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب} وقوله : {والحسنة بعشر
أمثالها} أي سائر الأعمال الحسنة منها بعشر أمثلها والله تعالى أعلم.
624
4 ـ
باب الرَّيَّانِ لِلصَّائمِينَ
قوله
: (يدخل منه الصائمون) المراد بهم من غلب عليهم الصوم من بين العبادات ، ولعل غير
الصائم لا يوفق للدخول منه ، وإن دعي منه فمن دعي من جميع الأبواب لا يوافق للدخول
من هذا الباب إلا إذا كان صائماً والله تعالى أعلم.
(1/251)
قوله
: (ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة) أي : من حاجة إلى أن
يدعي من تمام تلك الأبواب إذ الدخول من باب واحد يكفي في المطلوب.
5 ـ
بابٌ هَل يُقَالُ : رَمَضَانُ أَوْ شَهْرُ رَمَضَانَ ، وَمَنْ رَأَى كُلَّهُ
وَاسِعاً
قوله
: (فتحت أبواب الجنة) أي : تقريباً للرحمة إلى العباد ، ولهذا جاء في بعض الروايات
625
أبواب
الرحمة وفي بعضها أبواب السماء ، وهذا يدل على أن أبواب الجنة كانت مغلقة ولا
ينافيه قوله تعالى : {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} إذ ذاك لا يقتضي دوام كونها
مفتحة وقوله : {غلقت أبواب النار} أي تبعيداً للعقاب عن العباد ، وهذا يقتضي إن
أبواب النار كانت مفتوحة ولا ينافيه قوله تعالى : {حتى إذا جاءوها
فتحت أبوابها} لجواز أن يكون هناك غلق قبيل ذلك ، وغلق أبواب النار لا ينافي موت
الكفرة في رمضان وتعذيبهم بالنار فيه إذ يكفي في تعذيبهم فتح باب صغير من القبر
إلى النار غير الأبواب المعهودة الكبار وقوله : {وسلسلت الشياطين} أي غللت ولا
ينافيه وقوع المعاصي إذ يكفي في وجود المعاصي شرارة النفس وخباثتها ، ولا يلزم أن
يكون كل معصية بواسطة شيطان ، وإلا لكان لكل شيطان شيطان ويتسلسل ، وأيضاً معلوم
أنه ما سبق إبليس شيطان فمعصيته ما كانت إلا من قبل نفسه والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 623
6 ـ
بابُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانَاً وَاحْتِسَاباً وَنِيَّةً
قوله
: (إيماناً واحتساباً) أي : طلبا للأجر وهما في الإعراب مفعول له أي الحامل له على
ذلك الإيمان بالله أو بما ورد في فضله مثلاً. وكذا الحامل له طلب الأجر من الله لا
الرياء
626
(1/252)
والسمعة
، وقرره القسطلاني حالاً في المواضع كلها ، فقال أي حال كون قيامه إيماناً وإحتساباً
وهكذا. اهـ. ولا يخفى بعده أما أولاً فلأن القيام لا يكون نفس الإيمان فلا يصح
الحمل بين الحال وصاحبها ، وأما ثانياً فلأن ظاهر كلامه يقتضي أنه حال من القيام
ولا ذكر للقيام إلا في ضمن الفعل ، فكأنه جعله حالاً من الفعل نفسه ، ولا يخفى أن
الفعل لا يصلح أن يكون ذا حال فافهم.
7 ـ
بابٌ أَجْوَدُ ما كانَ النَّبِيُّ {صلى الله عليه وسلّم} يكُونُ في رَمَضَانَ
قوله
: (باب أجود ما كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يكون في رمضان) أجود ما يكون بالرفع مبتدأ خبره يكون في رمضان أي أجود أكوان
النبى {صلى الله عليه وسلّم} يتحقق ويجود في رمضان ، ونسبة الجود إلى الكون مجازية
إلا أنه صار مجازاً شائعاً في مثل هذا التركيب حتى كأنه لشيوعه لحق الحقيقة.
قوله
: (وكان أجود ما يكون في رمضان) قال ابن الحاجب الرفع في أجود هو الوجه لأنك إن
جعلت في كان ضميراً يعود إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن أجود بمجرده
خبراً لأنه مضاف إلى ما يكون وهو كون ولا يستقيم الخبر بالكون عما ليس بكون ألا
ترى أنك تقول زيد أجود ما يكون ؟ فيجب أن يكون إما مبتدأ خبره قوله في رمضان ،
والجملة خبر أو بدلاً من ضمير في كان فيكون من بدل الاشتمال كما تقول كان زيد علمه
حسناً ، وإن جعلته ضمير الشأن تعين رفع أجود على الابتداء والخبر ، وإن لم تجعل في
كان ضميراً تعين الرفع على أنه اسمها والخبر في رمضان. اهـ.
(1/253)
والعجب
أن القسطلاني حيث فعل هذا الكلام في شرح الترجمة وهو لا يتعلق بالترجمة أصلاً ،
وإنما يتعلق بلفظ الحديث قوله : (فإذا لقيه جبريل الخ) قيل : يحتمل أن يكون زيادة الجود
بمجرد لقاء جبريل أو بمدارسته آيات القرآن لما فيه من الحث على مكارم الأخلاق ،
والثاني أوجه كيف والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم على مذهب أهل الحق أفضل من
جبريل فما جالس الأفضل إلا المفضول. اهـ. قلت : لكن قراءة النبي القرآن في صلاة
اليل وغيرها كانت دائمة ، ويمكن أن يكون لنزول جبريل عن الله تعالى كل ليلة
تأثيراً ، ويقال يمكن أن
627
يكون
مكارم الأخلاق كالجود وغيره من الملائكة أتم لكونها جبلية ، وهذا لا ينافي أفضلية الأنبياء
عليهم السلام باعتبار كثرة الثواب على الأعمال أو يقال زيادة الجود كان بمجموع
اللقاء والمدارسة والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 623
8 ـ
بابُ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ ، وَالعَمَلَ بِهِ في الصَّوْمِ
ويقال
إنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يختار الإكثار في الجود في رمضان لفضله أو لشكر
نزول جبريل عليه كل ليلة فاتفق مقارنة ذلك بنزول جبريل والله تعالى أعلم.
(1/254)
قوله
: (فليس لله حاجة) كناية عن عدم القبول قال البيضاوي : ليس المقصود من شرعية الصوم
نفس الجوع والعطش بل ما يتبعهمَا من كسر الشهوات وإطفاء ثائرة الغضب وتطويع النفس
الأمارة للمطمئنة فإذا لم يحصل له شيء من ذلك لم يبال الله بصومه ولم يقبله. اهـ.
وقيل ليس لله إرادة في ذلك ، فوضع الحاجة موضع الإرادة وأورد عليه أنه لو لم يرد الله
تركه لطعامه وشرابه لم يقع الترك ضرورة أن كل واقع تعلقت الإرادة بوقوعه ، ولولا
ذلك لم يقع قلت : ويمكن الجواب بأنه تسامح في العبارة ومراده ما يلازم الإرادة
عادة من المحبة والرضا ، وإن لم يكن ذاك لازم الإرادة بالنظر إلى الله تعالى على
مذهب أهل السنة وبالجملة فالله تعالى غني عن العالمين فلا يحتاج إلى شيء ، فلا بد
من تأويل في النفي ثم المطلوب من هذا الكلام التحذير من قول الزور لا ترك الصوم
نفسه عند ارتكاب الزور.
9 ـ
بابٌ هَل يَقُولُ : إِنِّي صَائمٌ إِذَا شُتِمَ
قوله
: (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي) ذكروا في تفسيره وجوها غالبها لا يناسب
هذه المقابلة ، والوجه فيها أن جميع أعمال ابن آدم من باب العبودية والخدمة ،
فتكون لائقة به مناسبة لحاله بخلاف الصوم فإنه من باب التنزه عن الأكل والشرب
والاستغناء عن ذلك فيكون من باب التخلق بأخلاق الرب تعالى والله تعالى أعلم.
628
11 ـ
بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} : "إِذَا رَأَيتُمُ اْلهِلاَلَ
فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيتُمُوهُ فَأَفطِرُوا"
(1/255)
قوله : (لا تصوموا حتى تروا الهلال) لعل المراد النهي عن الصوم بنية
رمضان أو الصوم على اعتقاد الافتراض وإلا فلا نهي عن الصوم قبل رؤية هلال رمضان على
الإطلاق ، ويمكن أن يكون المراد لا يجب عليكم الصوم حتى تروا الهلال وقوله : ولا تفطروا أي من غير عذر مبيح وقوله : حتى تروا الهلال أي حتى
يرى من يثبت برؤيته الحكم قوله : (الشهر تسع وعشرون الخ) أي : قد يكون كذلك كما يكون
وافياً وهو الأصل ، والمقصود بيان أنه مختلف فلا عبرة بالأيام بل المدار على رؤية
الهلال إلا عند ضرورة الغيم.
629
قوله
: (إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوماً) أي : وهذا الشهر كذلك ، والحاصل أنه وافق
الحلف الشهر بالهلال ، وإلا فلو كان بالأيام لكان المعتبر عدة ثلاثين. فإن قلت : لو وافق الحلف الشهر بالهلال لمسا كان لسؤال السائل وجه قلت :
لعل وجهه عدم علمه برؤية الهلال تلك الليلة والله تعالى أعلم. اهـ. سندي.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 623
630
14 ـ
بابٌ لاَ يَتَقَدَّمَنَّ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلاَ يَوْمَينِ
(1/256)
قوله : (لا يتقدمن أحدكم رمضان الخ) أي : لا يستقبلنه بصوم يوم أو يومين
، وحمله كثير من العلماء على أن يكون بنية رمضان أو لتكثير عدد صيامه أو لزيادة
احتياطه بأمر رمضان أو على صوم يوم الشك ، ولا يخفى أن قوله أو يومين لا يناسب
الحمل على صوم الشك إذ لا يقع الشك عادة في يومين ، والاستثناء بقوله إلا أن يكون
رجل الخ لا يناسب التأويلات الأول إذ لازمه جواز صوم يوم أو يومين قبل رمضان لمن
يعتاده بنية رمضان مثلاً وهذا فاسد ، والوجه أن يحمل النهي على الدوام أي لا
تداوموا على التقدم لما فيه من إيهام لحوق هذا الصوم برمضان إلا لمن يعتاد
المداومة على صوم آخر الشهر مثلاً ، فإنه لو داوم عليه لا يتوهم في صومه اللحوق
برمضان والله تعالى أعلم.
631
17 ـ
بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ {صلى الله عليه وسلّم} :
"لاَ
يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ" قوله : (ولم يكن بين
أذانهما إلا أن يرقى الخ) كناية عن قلة المدة بين الأذانين والله تعالى أعلم.
632
18 ـ
بابُ تَأْخِيِرِ السَّحُورِ
قوله
: (باب تعجيل السحور) وفي بعض الأصول الصحيحة تأخير السحور وهو ظاهر ، وعلى الأول المعنى
التعجيل في أكله خوفاً من طلوع الفجر بسبب كثرة التأخير قوله : (فشق عليهم فنهاهم)
ظاهر في أن النهي لم يكن نهي تحريم أو كراهة وإنما هو نهي شفقة ، وبعض الروايات
صريحة في ذلك.
633
21 ـ
بابٌ إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْماً
(1/257)
قوله : (ومن لم يأكل فلا يأكل) هذا هو محل الترجمة وهو ظاهر في جواز
الصوم بنية من نهار في صوم الفرض لما تدل الأحاديث على إفتراض صوم عاشوراء من
جملتها هذا الحديث ، فإن هذا الاهتمام يقتضي الافتراض ، وما قيل إنه إمساك لا صوم مردود
بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه بلا دليل نعم قد قام الدليل فيمن أكل قبل ذلك ،
وما قيل إنه جاء في أبي داود أنهم أتموا بقية اليوم وقضوه قلنا هو شاهد صدق لنا
عليكم حيث خص القضاء بمن أتم بقية اليوم لا بمن صام تمامه ، فعلم أن من صام تمامه
بنية من نهار فقد جاز صومه لا يقال صوم عاشوراء منسوخ فلا يصح به الاستدلال لأنا
نقول دل الحديث على شيئين أحدهما : وجوب صوم عاشوراء والثاني : أن الصوم الواجب في
يوم بعينه يصح بنية من نهار ، والمنسوخ هو الأول ولا يلزم من نسخة نسخ الثاني ولا
دليل على نسخة أيضاً بقي فيه بحث وهو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان
معلوماً من الليل ، وإنما علم في النهار ، وحينئذٍ صار اعتبار النية من النهار في
حقهم ضرورياً كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك ، فلا يلزم جواز الصوم بنية من
النهار بلا ضرورة وهو المطلوب والله تعالى أعلم.
رقم
الجزء : 1 رقم الصفحة : 623
22 ـ
بابُ الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُباً
قوله
: (كذلك حدثني الفضل) ولفظ حديثه من أدركه الصوم جنباً فلا يصم ، وقد يقال حديث
عائشة فعل فلا يعارض القول لاحتمال الخصوص في الفعل ، فالوجه أن يقال ذلك إذا
634
635
636
لم
يمكن التوفيق ، وقد أمكن ههنا أن يجعل حديث أبي هريرة كناية عن الجماع على ما هو
دأب القرآن ، والسنة في الكناية عن أمثال هذه الأشياء والله تعالى أعلم.
27 ـ
بابُ السِّوَاكِ الرَّطْبِ واليَابِسِ لِلصَّائمِ
(1/258)
قوله :